رواية عنيده في قلبي
الفصل الثاني
- بصراحة أنا معجب بيكى من زمان وعايز اتقدملك .
أمتقع وجه سارة تلقائيا مما قاله الطبيب وبدا محتقنا مع تزايد نبضات قلبها جراء تلك المفاجأة ، أرخت عقدة ذراعيها من على صدرها وانتصبت فى وقفتها أكثر، ورغم ارتباك ملامحها إلا أنها حاولت أن تظهر أكثر ثباتا كما اعتادت أن تتقن ذلك مؤخرا .
-احم .. أيه إللى حضرتك بتقوله ده !
قالت بحيرة وهى تشيح بوجهها عنه ، بينما كان الطبيب مستغربا من ردة فعلها وهو الذى قرر أن يعترف ويبوح بما لديه لها ، وقد رسم أمنيات وتخيلات لتلك اللحظة التى انتظرها منذ زمن ..
توقع ردة فعل أخرى على الأقل أن تطرق بنظرها فى الأرض خجلا أو أن تبدى سعادة خفية يلحظها من ملامح وجهها ولكن ردة فعلها بدت مخيبة لآماله بعض الشئ .
-ليه .. مش فاهم .. أيه الغريب فى إللى قولته ؟
هى فى الحقيقة لا تتحمل أى نقاش زائد منه وتمارس أقصى درجات الثبات الانفعالى معه .
-أنا مش موافقة .... قصدى مش مستعدة ومش بفكر فى الموضوع ده نهائى .
كانت تتحدث بملامح ممتعضة، بينما هو فاستمر فى ذهوله منها ..كانت تصدمه أكثر !
- أيه السبب ممكن اعرف ؟
قال بضيق لترد عليه بضيق مبادل:
-مفيش سبب معين ... أنا زى ماقولتلك مش بفكر فى الموضوع .
ثم أردفت بوجه متجهم :
- وبعدين أنا جايه هنا لشغلى وبس ، مش لحاجة تانية.
وهنا امتعضت تعبيرات وجه مؤيد أكثر ، كيف يمكنها أن تفهمه بهذا الشكل ؟؟!
هل تظنه يستغلها ؟
-انتى ازاى تفهمينى بالشكل ده انا بقولك معجب بيكى ، أكيد مش عشان بتشتغلى عندى !!
زاد الطين بلة بتلك الكلمة التى تكرهها ، لوهلة شعرت بالإهانة رغم عكس ما يقصده تماما ، وكلاهما يفسر الأمر بطريقته !!!
شعرت أنها لو انتظرت هنا أكثر من ذلك سوف ترتكب حماقة ما ،،، لذا قررت الرحيل حتى لا تنالها استفزازاته _ من وجهة نظرها _ ثانية !!
التقطت حقيبتها ثم همت بالمغادرة
-أنا لازم امشى .
وبالفعل غادرت تحت أنظاره المتضايقة
_سارة !
نادى ولم تجيب !
....
أنهى مقابلته مع العميل لديه فى الشركة ، وبعد أن غادر العميل قرر أن يلتقط أنفاسه ويسترخى قليلا ريثما يستأنف عمله أو ينهى اليوم على هذا الكم .
أرجع ظهره للخلف وأغمض عينيه قليلا ولكن سرعان ما تذكر حديثه مع والدته صباحا ، ليفتح عينيه ثانية ويزفر بملل ..
أخذ يجول بعينه من حوله بحثا عن هاتفه ، حتى وجده، ثم أخذه وضغط بعض الأرقام وانتظر الجواب !
-أيوه يا ماما ،، أيه الأخبار ؟
-تمام يا حبيبى فى حاجه ولا ايه ؟
- لا سلامتك بس كنت عايز اقولك اجهزى عشان نروح النهاردة .
كانت والدته متعجبة من اتصاله قليلا ، توقعت أن يكون نسى شيئا أو ما شابه ولكن يبدو أن تلك المرة تختلف ، تمنت لو أن ما يدور بذهنها صحيحا !!
-نروح فين يا كريم ؟
إعتدل أكثر فى جلسته مستندا على المكتب أمامه :
-هيكون فين يا أم كريم بطلى الحركات دى بقى !
لتعتلى السعادة قلب سمية من إشارات ابنها الضمنية ويبدو أن ما تفكر به صحيحا!!
-تقصد العروسة ؟!!
مط شفتيه مردفا :
-بالظبط كده.
-الحمدلله يارب أخيرا ..
- بس يا ماما ، عايز اجى الاقيكى جاهزة تمام ؟
مش عايز استنى كتير .
قالت بسعادة ضاحكة :
-هتلاقينى وقفالك عالباب.
ليضحك هو الآخر من فرط ابتهاج والدته ويختم المكالمة،،،
ثم أرجع ظهره ثانية للخلف عاقدا يديه خلف رأسه يفكر فيما هو مقبل عليه ، ويتخيل السيناريوهات التى تدور برأسه .
...
فتحت الباب بسرعة وعصبية وولجت إلى شقتهم تكاد تركض إلى غرفتها ،، وعندما دخلت قامت بنزع حقيبتها من حول رقبتها بعنف وألقتها بجوارها على السرير ، ثم جلست وصدرها يعلو ويهبط بعنف ووجها يغزوه الاحمرار والحرارة ، عيناها كانتا لامعتان من يراها يظن أنها على وشك البكاء حتما لكنه لا يعرف بأنها لم تبكى تقريبا منذ وفاة والدها قبل بضعة أعوام قليلة !! وبعدها لا تعلم ماذا حدث أحيانا تتسائل بينها وبين نفسها هل تجمدت عيناى ؟!!
كان حديث الطبيب يعصف برأسها ، تتذكر كل كلمة وإيماءة وتعبير !!
حتى قطع أفكارها المشحونة دخول والدها ومن خلفها أخويها .
-سارة !
أيه اللى رجعك بدرى كده ؟!!
نظرت سارة لوالدتها وأخويها نظرة ثاقبة لم يفهم أحد معناها ، ثم أشاحت بوجهها تنظر فى نقطة أمامها لتقول بشرود وقد هدأت نبضاتها قليلا:
-مش هنزل الصيدلية تانى .
اتسعت عينى سامية واقتربت من ابنتها تتسائل بقلق وحيرة واستغراب :
- ليه؟؟
حصل أيه ؟
-كده يا ماما مش هروح تانى ، وماتقلقيش هنزل بكره اشوف شغل فى أى مكان تانى!!
كانت تتحدث بنبرة مختنقة!
-فى أيه يابنتى ؟ عرفينى عايزه اعرف !!!
ثم أشارت لأبنائها بالانصراف ظنا منها أن سارة لربما لديها أمر ما تخجل من طرحه أمام الصغيرين !!
-نور ، على ...
استنونى بره !
انصرف الصغيرين لتجلس بجوار ابنتها قائلة بنبرة هادئة :
-انا مشيت اخواتك اهوه قوليلى بقى حصل ايه خلاكى كارهه الصيدلية كده ؟!
تحركت سارة لتنظر فى عينى والدتها بعينيها اللامعتين اللتين يأبيان أن الذرف.
-الدكتور عايز يتجوزنى وبيقولى انه معجب بيا !!
نظرت والدتها بدهشة
-قالك ايه ؟
بدأت سارة فى سرد ما دار بينها وبين مؤيد لوالدتها ولم تغفل عن ذكر شئ وطبعا شرحت كيف فسرت الأمر من وجهة نظرها التى ترى أن عرضه وإعجابه يشوبه شئ من الاستغلال والإهانة لها .
-أنا مش شايفه انه غلط فى أى حاجة غير انه طلب تتكلموا فى مكان خارجى!
بس هو غير كده ماغلطتش .
قاطعتها سارة وهى تبتلع غصة مؤلمة فى حلقها:
- لا يا ماما ماتقوليش ماغلطتش ،، انتى عارفه انى ضد الفكرة وضد الموضوع دلوقتى ، وكمان هو قالى انى بشتغل عنده وانا ماقبلش الإهانة دى!!
واستطردت بألم :
-كان فاكرنى هوافق وهموت من الفرحة لمجرد انى" بشتغل عنده " .
ترى سامية أن ابنتها تبالغ فى ردة فعلها قليلا ولكن تعلم بأن تلك طباعها التى لن تتغير !!
مسدت على ظهرها برفق قائلة :
-صدقينى الموضوع مش مستاهل ده كله .
وعندما رمقتها سارة بنظرات غاضبة أردفت :
-عالعموم أنا مش هغصب عليكى فى أى حاجة انتى عارفانى، أنا دايما واثقة فيكى
وبراحتك مش عايزه تنزلى الصيدلية تانى انتى حرة !!
ظلت تنظر فى الأرضية بوجهها المتجهم وام تعقب .
-يلا دلوقتى قومى غيرى هدومك وصلى ،، عشان اجيبلك تاكلى ،،
هزت سارة برأسها نافية :
- لا أنا عايزة انا بس شوية .
-طب هسيبك تنامى ساعتين ترتاحى وبعدين هقومك !!
ثم نهضت من جوار ابنتها وقبل أن تغادر التفتت إليها قائلة :
-وماتفكريش فى أى حاجة يا سارة!!
ثم أغلقت الباب من خلفها ورحلت ، لتبدل سارة ثيابها الظاهرية فقط ثم تستلقى على فراشها وهى تريد أن تنعزل عن العالم بأى طريقة حتى لو كانت النوم !!
الفصل الثالث من هنا