رواية عنيده في قلبي
الفصل الثالث
فى المساء
يقف كريم خارج المنزل مستندا بظهره على سيارته ينتظر خروج والدته التى تنهى ارتداء ملابسها ووضع زينتها بالداخل من أجل الاستعداد لتلك المناسبة الهامة ،، ربنا من وجهة نظرها هى فقط!!!
وأخيرا تطل والدته وهى بكامل أناقتها كما المعتاد من يراها لا يظن أنها امرأة فى عقدها الخامس من العمر ... ولم لن تكون كذلك وهى زوجة رجل الأعمال والمالك لأحد أكبر الشركات السياحية فى الدولة ؟!!
اقتربت من ابنها الذى بدت علامات التذمر الطفيفة على وجهه :
-كل ده !!
ابتسمت سمية وهى تمسد على شعرها المتدلى على كتفيها :
- أيه اللى كل ده ده انا مخدتش ربع ساعة !!
ثم فتح كريم باب السيارة لوالدته لتركب قائلا :
-طب يلا عشان مانتأخرش.
كانت تعتليها سعادة داخلية بتفاؤل وحماس من تلك الزيارة ، تدعو الله أن تتم الأمور على خير .
ركب كريم هو الآخر وانطلقا سويا بالسيارة .
...
فتحت سامية باب غرفة ابنتها بعد أن أذنت لها بالدخول ، لتجدها متوسدة فراشها.
ثم جلست إلى جوارها تمسد برفق على كتفها
-العشا جاهز ... يلا قومى اتوضى وصلى عشان نتعشا كلنا .
أومأت سارة برأسها ، لتستطرد والدتها :
-وبعد العشا عايزاكى فى موضوع كده.
سارة بفضول وهى تنظر لوالدتها :
-موضوع أيه ؟
-بعد الأكل ... يلا بس قومى دلوقتى ... وماتتأخريش عشان اخواتك جعانين.
ثم غادرت سامية الغرفة ، لتنهض سارة من خلفها وتتجه إلى الخلاء .
....
بعد زمن من القيادة استمر لمدة نصف ساعة تقريبا، وصل كريم ووالدته إلى الفيلا التى تقطن بها " مى " الفتاة الشابة ذات الأخلاق والجمال والحسب والنسب ، عرفتها سامية عن طريق إحدى صديقاتها من النوادى والمناسبات ، ولم تترد فى الإعجاب بالفتاة وودت لو أن تكون من نصيب ابنها البكر ، أنهت دراستها الجامعية منذ عامين بكلية الإعلام ، وتعمل حاليا فى إحدى الإذاعات .
ترجلا من السيارة بعد أن قام الحارس بفتح البوابة والإذن بالدخول ، كان باستقبالهما والدة مى حيث كانت تقف بانتظارهما فى بهو الفيلا ، كانت متأنقة بجيبة سوداء تصل إلى ما بعد ركبتيها، تعلوها كنزة من القماش باللون الأحمر تزينها أزرار بيضاء ، ولم تتخلى طبعا عن مجوهراتها المبهرة ، بقصة شعر ملفوفة وابتسامة رائعة تجمل ثغرها ...
كانت سيدة جميلة بحق.
-نورتوا .
قالتها " هناء " بسعادة لتبادلها سمية نفس المشاعر .
-ده نورك .
ليقترب كريم الذى كان يحمل علبة "الشوكولاتة" الثمينة ويصافح السيدة بابتسام .
وبعد انتهاء التراحيب والمجاملات، دلفوا جميعا إلى الداخل وجلسوا ...
كان المكان رائعا من الداخل ، أثاث تراثى من اللون الذهبى، وتحف ومفروشات أرضية قيمة، ينافس بيت كريم جمالا ،،
والد مى ووالدتها منفصلين بحسب ما علم كريم من والدته ، ولكنه رجل نبيل يعشق ابنته ولم يؤذ طليقته قط بل يعاملها بالمعروف ويخلص لهما ، وتقريبا يزورهم بشكل يومى ، فهو يسكن فى منزل آخر ابتاعه عقب الطلاق من زوجته .
-سعيدة جدا بالزيارة دى ، شرفتونا.
قالت هناء بود ، لترد سمية :
-حبيبتى كلك زوق احنا إللى مبسوطين بالزيارة والله.
-طب ادونى دقيقة بس أجيب حاجة نشربها وانده لمى.
استأذنت ثم غادرت ، ليميل كريم على أذن والدته قائلا بتساؤل:
-هى تعرف احنا جايين ليه ؟
ضحكت سمية من سؤال ابنها المتسرع ،،
-اه يا حبيبى ماتقلقش هى واخده بالها من كل حاجة شد حيلك انت بس .
ابتسم ثم اعتدل فى جلسته يتأمل البيت.
....
فى شقة " المرحوم أحمد الجوهرى "
التفوا جميعا حول مائدة الطعام الصغيرة يتناولون عشائهم الذى أوشك على الانتهاء ..
وضعت منة ملعقتها ثم نهضت تركض :
-شبعتى؟
سألتها أمها .
-اه
- طب اغسلى إيدك يا منة ، ماتروحيش عاللعب على طول سمعانى، وإلا هزعلك.
نظر الصغير على لوالدته تعقيبا على كلامها ليقول ببراءة ونظرات شاكية:
-منة ... منة مش بتسمع الكلام.
قالت سامية بهدوء تنظر له:
- احنا قولنا أيه ؟!!
نور أختك وأكبر منك ، والكبير بنحترمه ومش بنتكلم على حد وهو مش موجود تمام ؟!
كانت سارة تتأمل الموقف بابتسام .
-ويلا لو كنت شبعت قوم واغسل إيدك انت كمان.
ربتت سارة على رأس الصغير بحنو،ثم نهض ليلحق بأخته.
بعد العشاء قامت سارة بإحضار كوب من الشاى لوالدتها وكوب قهوة من أجلها هى وجلسا سويا أم التلفاز الذى يعرض فيه فيلما كرتونيا يتابعه الطفلين.
-عايزه أتكلم معاكى فى موضوع .
قالت سامية لابنتها الجالسة بجوارها ، لتحفز سارة كل حواسها من أجل حديث والدتها .
...
- إتفضلوا .
وضعت هناء صينية راقية تمتلئ بالحلويات المشكلة وبعض من قطع "الكيك" ، وتبعتها مساعدتها بإحضار العصائر والمشروبات .
- ليه التعب ده كله بس !!
سمية بعتاب خفيف .
- لا طبعا دى حاجة بسيطة قوى .
- تسلم إيدك .
وهنا توقفت أنظار ياسر عندما لمح شابة جميلة طويلة القامة تقبل عليهم .
إذا أنت مى !!
كما توقع لن تكون بأقل أناقة وجمال من والدتها !
كانت ترتدى بنطالا واسعا من اللون البنى ، وفوقه كنزة ذهبية تصل لأسفل كوعها بقليل ، شعر مى متوسط الطول أشقر اللون غامق لا يعلم إن كان طبيعيا أم مصبوغا !! عيناها عسليتان لامعتان ، ووجها بيضاوى أبيض تزينه مساحيق التجميل ولكن باعتدال متقن .
خطت بخطوات هادئة متمكنة حتى اقتربت منهم ، وبدأت بمصافحة سمية التى تهللت أساريرها فور رؤيتها ، لتبتسم هى الأخرى وتقبلها.
-ماشاء الله اللهم بارك ، زى القمر يا حبيبتى .
لترد هناء مازحة :
-طالعه لمامتها.
ضحكت سمية وبدأت فى تقديم ابنها للفتاة:
-كريم ...إبنى الوحيد.
توجهت مى بأنظارها لكريم الواقف على مسافة قريبة من والدته ، ولوهلة أعجبها بهيئته الوسيمة وهيبته البادية على جسده وتعبيرات وجهه .
صافحها كريم مبتسما لتبادله ابتسامة خجولة
-إزيك ؟
-تمام .
ثم جلست فى الكرسى المقابل لوالدتها .
-بيتهيألى انتوا قريبين من بعض فى السن صح ؟
سألت سمية بروتينية خلفها رغبة فى استمالة الفتاة الحسناء ، لتبتسم مى وتقول والدتها :
-أكيد قريبين من بعض ، مى مخلصة جامعة السنة قبل اللى فاتت.
أطرقت مى برأسها باسمة، كان مريم يتطلع إليها .
...
إنتهت سامية من سرد ما حدث من حوار مع جارتها " أم محمد " لابنتها التى احتقنت تعبيراتها ، وهذا ما توقعته الأم ولكنها ستحاول إقناع ابنتها بشتى الطرق ، فحالها لا يرضيها ولابد أن تضع حدا لهذا الوضع .
-ماما انتى عارفة انى رافضة الموضوع ده دلوقت .
-هتفضلى رافضة لحد امتى ؟
انتى عارفة انى عمرى ماغصبتك على حاجة بس دى حياتك يا بنتى ولابد أن اليوم ده يجى ..
زفرت سارة بحنق وهى تهز ساقها امتعاضا من حديث أمها .
-مفيهاش حاجة لو عطينا الراجل فرصة ، واضح انه شاريكى وابن ناس ومحترم أخد الإذن ا لأول ،، إديله فرصة بدل ما نندم فى يوم اننا رفضنا ، جايز يعجبك وربنا يوفق بينكم ويكون من نصيبك
غير كده انتى عارفه انى مش هجبرك على حاجة .
كانت تنظر لوالدتها بعدم اقتناع، أشاحت بوجهها المتجهم ولم تعقب .
...
- أنا بقول تاخد مى يا كريم وتطلعوا تشموا هوا بره ، وفرصة تتعرفوا على بعض .
قالت سمية بنبرة مشجعة وهى توزع بصرها بين ابنها وبين الفتاة ،،
ليتفاجأ كريم بطلب والدته ويرمق مى بنظرات حائرة ، بينما لم تبدى هناء أى اندهاش بل قابلت الموقف بابتسام وترحيب ،،،
وبالفعل خرجت مى بصحبة كريم وتوجها ناحية الشرفة لكى تبدأ مرحلة التعارف...
الفصل الرابع من هنا