" الفصل الخامس "
ما بين الفرحة والحيرة والقلق قضى الجميع ليلتهم ، من كان مبتهجا بيومه متفائلا بما سيأتى ، ومن كان قلقا مضطربا لحاضر ومستقبل لا يعلمه وربما يخشاه...
صباحا
-سارة .... أنا نازله أجيب العيش قومى اخواتك عشان الفطار .
هدرت سامية بصوت ملأ أرجاء الشقة ،،،، لتتململ سارة فى فراشها وتستيقظ على صوت والدتها ... نهضت وخرجت من الغرفة لتتوجه إلى الحمام ، لتلمحها أمها :
-كويس إنك صحيتى، يلا اتوضى وصلى وصحى اخواتك عبال ما انزل اجيب شوية طلبات واجى .
تمتمت سارة موافقة ثم توجهت لتأخذ حماما صباحيا منعشا وحتى تأتى والدتها من الخارج...
حان دور سامية فى طابور الخبز الطويل ، أخذت حصتها ثم استدارت وهى تجفف العرق عن وجهها ، ثم بعد ذلك اتجهت إلى أحد المحلات المجاورة و التى تحديدا ما تبيع "الفول" تلك الوجبة الشعبية التى لا غنى عنها وتحديدا فى الفطور ..
وأخيرا انتهت لتستعد للعودة للمنزل حتى استوقفها صوت نسوى مألوف إلى جانبها ، أمالت رقبتها قليلا لتجد صاحبة الصوت "الجارة أم محمد "
كانت تجلس بصحبة زوجها العم " فريد " فى محل الجزارة الذى يمتلكانه ومصدر الرزق الأهم بالنسبة لهما .
-أم سارة !!
-صباح الخير .
-صباح النور عليكى .. تعالى افطرى معانا أنا وعمك فريد .
-إتفضلى يا أم سارة ده بيتك .
أبقت سامية على ابتسامتها لكلا الجارين :
-معلش بقى عشان الولاد هتأخر عليهم كده ،، بالهنا والشفا ليكوا ، عايزين حاجة ؟
-استنى يا أم سارة .
إستوقفتها للمرة الثانية وهى تنهض من جوار زوجها على مائدة الطعام الصغيرة ، لتقترب منها قائلة بترقب :
-مفيش أى أخبار عن موضوعنا ؟
أطرقت سامية برأسها ثم تنهدت لتقول :
- خليهم يجوا يا أم محمد وربنا يقدم اللى فيه الخير .
ثم ودعت جارتها لتعود للمنزل ، بينما الأخيرة كانت منتشية سعيدة بتلك الموافقة وكأنما ربحت كنزا، حمدت الله أن وجهها لم يسود أمام هؤلاء المتقدمين للخطبة، دلفت لتكمل حديثها مع زوجها .
....
فى منزل رأفت
- ماقولتليش رأيك يا كريم ؟
وجه كريم بصره لوالدته وهو يرتشف من الكوب الذى بيده عاقدا حاجبيه .
-رأيي فى أيه يا ماما ؟
رفعت سمية حاجبيها بدهشة وهى تضم كفيها لبعضهما :
-أيه يا حبيبى انت لحقت نسيت ؟!!
رأيك فى موضوع امبارح طبعا ،، لازم تدينى كلمة اعرف اقولها للناس مش هنفضل متعلقين كده معاهم .
-لسه بدرى أوى يا ماما.
قال بإهمال باد على ملامحه أزعج والدته قليلا لتهم برد ولكن يلحقها :
-ماتقلقيش يا ماما انتى عارفه انى بحب أتأنى فى كل حاجه وخطوة زى دى مهمة ومحتاجة وقت وتفكير .. يعنى محتاج أتعرف على مى أكتر من كده وهى كمان ماتعرفنيش كويس ..
-طيب يا حبيبى ما احنا فيها اهوه ..
تقدر تطلع من الشغل بدرى النهاردة وتكلمها وتخرجوا شوية ..
ثم أردفت بتذمر وضيق باديبن على وجهها:
-بس طبعا هتقولى مش فاضى ومشغول مش هقدر .
رسم كريم طيف ابتسامة على وجهه لوالدته :
- لا صدقينى هحاول.... أوعدك .
ثم من على مائدة الطعام ويبدو أنه مستعجلا اليوم .
-إنت لحقت تأكل؟
تساءلت أمه باستغراب .
-مستعجل لازم أمشى وبالمناسبة يا بابا أنا هسبقك النهاردة هروح بعربيتى.
-ركز فى الطريق وخلى بالك من نفسك ماتستعجلش .
قال رأفت بحرص لابنه الذى غادر للتو .
لتقترب سمية بمقعدها من مقعد زوجها المنشغل بتناول طعامه وهى تزم شفتيها :
-كله بسببك يا رأفت الله يسامحك .
نظر لها زوجها من طرف عينه متعجبا لتستطرد:
- خليت كريم منهمك فى شغله وبس من ساعة ما اشتغل معاك فى الشركة ،،
حاسه انه كل اللى يهمه هو الشغل وبس والوضع ده مش عاجبنى .
قال رأفت مبررا:
-طب ما ده الطبيعى يعنى عايزاه يقعد جنبك فى البيت !!!
لازم تفهمى ان كريم مابقاش صغير يا سمية ،، كريم بقى راجل مسئول وقريب هيكون عنده بيت وأسرة ومسئولية أكبر .
ثم نهض يستعد ليغير ثيابه من أجل الذهاب :
-سيبك انتى من دلعك ده ،، الراجل من غير شغله مايسواش!!
ثم استدار مغادرا لتتنهد سمية وتهمس مع نفسها :
-محدش فاهمنى أبدا .
....
سارة !
أوقفها نداء أمها :
-اقعدى شوية عايزاكى .
وضعت الأطباق من يدها وجلست تنتظر حديث والدتها .
-على فكرة خالتك أم محمد كلمتنى النهاردة وانا بجيب العيش وانا راجعة .
ظلت تحدق فى عينى أمها التى أردفت ببطئ :
-وانا قولتلها خليهم يجو احنا معندناش مانع .
خفقات متسارعة فى صدرها ناقضت سكون ملامحها ،، ابتلعت سارة ريقها على مضض ثم قالت :
-تمام .. اللى تشوفيه يا ماما.
-زى ماقولتلك يا سارة احنا هنتعرف الأول لقينا فى خير ماشى وماتفقناش يبقى خلاص .
أومأت برأسها لوالدتها التى تحاول بث الطمأنينة فى نفس ابنتها ...
ثم اتجهت للمطبخ وهى تفكر ...
....
ولج الطبيب مؤيد إلى الصيدلية منتصف الظهيرة وذلك بعدما تلقى اتصالات هاتفية مفادها بأن الصيدلية مازالت مغلقة !!
ليستنتج من ذلك بأن سارة لم تأتى اليوم ، وقد حدث ما يخشاه!
ليطلب مضطرا من زميل سارة فى الصيدلية بأن يحل محلها اليوم .
-سارة مجاتش؟
تسائل مؤيد وهو يدور فى الصيدلية ببطء واضعا كلتا يديه فى جيبه .
ليجيب الفتى الشاب :
- لا ... شكلها كده مش جايه النهارده.
ولكنه سينتظر .. ولسان حاله يقول عودى لصوابك سارة أرجوك لم أفعل مايستدعى غيابك!!
ظل منتظرا حوالى ساعة ومع ذلك لم تأتى ،، ليقرر مغادرة الصيدلية ويستقل سيارته ،،
وطوال الطريق ظل يفكر فى أمرها ليستقر فى النهاية على أن يذهب لمنزلها ويواجهها رغما عنها ليفهم أسباب تغيبها وتهورها.
سآتى سارة لنرى ما بك ؟!!
....
لم يهدأ كريم منذ ذهابه إلى الشركة ، الوضع يبدو غريبا اليوم ، يعتقد بأن التراكمات هى ما أدت لذلك ،، وتلك السكرتيرة الغبية البطيئة تستفزه أكثر ، لو كانت أخبرته بتأخر وصول الفوج السياحى الجديد لما تأزمت
الأمور بهذا الشكل ... ظل منشغلا فى العمل طوال اليوم ، يحاول أن ينجز وإن كان القليل كى يتفرغ بعد ذلك لعمل الإصلاحات والتعديلات المناسبة...
دلفت رانيا إلى المكتب
وهى سكرتيرة كريم وتعمل لديه منذ عام تقريبا ، كان آداؤها لا بأس به فى بداية قدومها ولكن مؤخرا بدأ كريم يلاحظ تشتتها وكثرة أخطائها التى تكلفه الكثير من أجل إصلاحها .
-نعم يا فندم.
اعتدل كريم فى جلسته ليواجهها طالبا منها أن تقعد
-اتفضلى اقعدى يا رانيا .
امتثلت لما طلب ورغم أنها كانت تشعر بالقلق داخليا إلى أنها حاولت الظهور بشكل أكثر ثباتا .
- فى أيه ؟ رانيا بصراحة شغلك الفترة اللى فات والفترة دى مش عاجبنى خالص .
نظرت أمامها بتشتت ليستطرد كريم بنفس اللهجة الجادة :
-أنا بصراحة غير راضى عن الشغل ده وانتى عارفه انى مبهزرش فى الحاجات دى فمش هسمح للحظة بأى تراجع أو استهتار .
-اللى حضرتك تشوفه فندم وانا بعترف انى قصرت الفترة اللى فاتت بس ده كان غصب عنى فعلا أنا بعتذر .
قال كريم معقبا:
-أنا مايهمنيش اعرف الأسباب أنا تعنيلى النتائج وبس عشان كده أنا قررت أدور على حد تانى معاكى لإن الوضع ده ماينفعش
أنا عايز واحده تسندنى ويعتمد عليها بجد وده مش تقليل منك بس بعرفك إللى هيحصل .
تنهدت قائلة :
-تمام إللى حضرتك تشوفه .
ليأذن لها لتغادر
-اتفضلى .
أرجع كريم ظهره للخلف مغمضا عينيه، لا شك أن مهمة البحث عن مساعدة أصبحت شاقة الآن وستكلفه معاناة البحث .. ولكن كل ماهو فى سبيل العمل قابل للتحمل .
الفصل السادس من هنا