" الفصل الرابع "
اصطحب كريم سارة إلى الشرفة التى تطل الزهور والنافورة والأشجار الخضراء المنمقة بناء على طلب والدته، كانت سارة تسير معه بخجل بادى على ملامحها وحركاتها تحاول إخفاءه عن طريق العبث بشعرها وإرجاعه للخلف أو بتلك الخطوات الواثقة المدروسة التى تتقنها.
استند كريم بمرفقيه على السور الأبيض للشرفة ، بينما عقدت سارة ذراعيها أمام صدرها ويبدو أن الطرفين لا يعرفا بماذا يبدءا هذا الحوار أو التعارف الغير مخطط له !!
حاول كريم جذب مى بالأحاديث العادية ،أطلق تنهيدة دافئة ثم توجه ببصره إليها يتأملها مليا ثم قال بشبه ابتسامة على ثغره :
-كنتى عارفه بزيارتنا قبلها صح ؟
رفعت مى بصرها إليه لتواجهه بعسليتيها اللامعتين بشكل رائع ، لتومئ برأسها قائلة :
-أيوه... ماما قالتلى على كل حاجة.
-طب وانتى أيه رأيك ؟
ابتسمت مى من سؤاله ثم رمقته مرة أخرى بنفس الإبتسامة :
-رأيي فى أيه ؟
رفع حاجبيه قائلا بنفس النبرة الهادئة :
-طالما ضحكتى تبقى فهمتي قصدى .
تطلعت فى الفراغ أمامها ثم قالت :
-أنا معرفكش كويس ، بس لما نعرف بعض أكتر أكيد هتعرف رأيي.
قال وهو يتطلع إليها بعدما اعتلت ملامح الجدية وجهه ونبرة صوته :
-تمام ، وده اللى انا عايزه والأنسب لينا .
واستطرد :
-واتأكدى يامى ان أنا شخص جاد أوى فى الأمور دى يعنى كل خطوة هتبقى رسمى مش أقل من كده ده لو حصل نصيب بيننا.
مازال يزيد من إعجابها به تلقائيا ، تشعر بقلبها سعيد فرح عندما تستمع لكلماته ، هى لا تريد لهذا اللقاء أن ينتهى ، ربما للمرة الأولى فى حياتها التى تشعر بأنها محظوظة !! فهذا الشاب يختلف عن سواه وفى نظرها بدا رجلا بحق ، كأنها اغتنمت كنزا للتو !
...
نهضت بعدما شعرت بأنها تريد أن تختلى بنفسها قليلا ، هذا التلفاز المضئ أمامها ورغم الصوت المتوسط الصادر منه إلا أنه يشوش تفكيرها .
-هتنامى؟
سألت سامية
-آه .
-ماتقعدى معانا شوية ما انتى نمتى بعد العصر .
جاءها صوت والدتها من بعيد وقد كانت هى على مشارف باب غرفتها ، لم تلتفت لامها وقالت :
-محتاجة اقعد مع نفسى شوية ، محتاجة أفكر .
ثم دلفت للغرفة وأغلقت الباب خلفها وتسطحت على الفراش .
بينما بالخارج تنهدت سامية بضيق تناجى الله سرا أن يلين قلب ابنتها ويريح بالها .
...
عاد كريم وأمه إلى منزلهم أخيرا بعد تلك السهرة التى قضونها عند صديقة والدته ، كان بانتظارهم والد كريم فى المنزل ، وكان جالسا بثياب المنزل أمام التلفاز بعدما اتصل بابنه وزوجته وأخبرهما بأنه سيعود باكرا اليوم.
دلفا إلى الداخل وبعد التراحيب ،،،
-أيه يا عريس !
قال رأفت متهكما ليتقوس ثغر كريم مبتسما.
سمية بسعادة وهى تجلس إلى جانب زوجها :
-بنت زى القمر يا رأفت كان نفسى تشوفها، جميلة وعود وأدب وكل حاجة بجد انت محظوظ بيها يا كريم .
عقب رأفت مازحا وهو ينظر لابنه :
-طب يا سيدى رزقك على أيامنا مكنش فيه كده للأسف .
لتلكزه سمية فى كتفه، ويضحك كريم ثم يستأذن ليصعد غرفته.
-طب أنا هطلع عشان محتاج انام ، تصبحوا على خير .
-وانت من أهله يا حبيبى .
التفت رأفت لسمية قائلا بجدية:
-أيه رأيه ؟
حاسس انه مش مبسوط.
لتهز سمية رأسها نافية بثقة :
- لا لا أحنا اتكلمنا واحنا راجعين ... شكر فى البنت وقال كويسة وجميلة... هما بس محتاجين وقت يتعرفوا على بعض أكتر وده هيجى بالزيارات والخروجات بينهم ، لسه الموضوع فى الأول .
ولكن رأفت يعرف ابنه جيدا .. . بدا له الأمر مريبا، ولكن ورغم كل شكوكه لم يرغب فى إفساد فرحة ام بابنها الوحيد .
....
قضى ليلته حائرا حزينا يفكر فيما فعلته تلك الفتاة معه ، كيف لها أن ترفضه بهذا الشكل الغير مبرر ؟!
العديد من الأسئلة تدور برأسه ، ثمة أشياء غير واضحة بالنسبة له مازال هنالك المجهول ، ليس معقولا أن ترفض طبيبا محترما لم تر منه إثما ذات يوم بهذا الشكل؟!!
لا.. هناك أمر ما !!
ولابد أن يعرف السر عاجلا أم آجلا!
قضى الطبيب ليلته هكذا ،، ولكنه عقد العزم أن الأمر لن ينتهى هكذا حتى يعرف كل شئ . .. سيسألها عندما تأتى غدا وإن اعتلاه الشك من ناحية أمر عودتها للعمل بالصيدلية مرة أخرى ، ولكنه يأمل ذلك ويدعوا الله أن تعود حتى يفهم كل شئ ... وإن لم تعد فسيأتى هو .
...
أما سارة فكانت تتقلب فى فراشها تفكر وتفكر ، أمر العريس لم يكن بالحسبان وكان غير مخطط له تماما ، ولكنها وعدت والدتها بأن تمنحه وتمنح نفسها فرصة ..
تبا لذلك ، لقد لخبط هذا العريس الثقيل حساباتها،، تريد أن تعمل وتجد بديلا لعملها بالصيدلية ... وهذا رأس أولوياتها الآن .. ستذهب للبحث عن عمل فى أقرب ولابد أن تجده وتستقر قبل بداية عامها الدراسى
الجديد فى الجامعة ... فهى غير معتادة على المكوث فى المنزل وهذا يخنقها، دعت الله أن يساعدها فيما هى مقبلة عليه فهو ليس سهلا أبدا على ما يبدو!!
الفصل الخامس من هنا