"الفصل الخامس والعشرون والأخير"والخاتمه
كانت الأيام الماضية تمضى برتمها المعتاد ....كان لقائهما فى العمل محدود وللضرورة منذ أن اجتمعا خارج العمل المرة الماضية....تتوق نفسه إليها أكثر ودائماً ولكن يُمنى نفسه بامتلاك خالص لا فراق بعده سوى للموت....وكأن اقترابها الغير مسبوق منه تلك المرة وهى تداويه بطريقة تلهب الحواس وتشعلها قد أصبح راسخاً فى مخيلته وتروق له ذكراه دوماً عندما يشتاق لها....
أرادت سمية تقديم هدية ما لسارة ....هى ورغم عدم اقتناعها الكافى بتلك الزيجة إلا أنها سيدة الذوقيات الأولى ولابد من تلك الخطوة .... ذهبت إلى أحد المحلات التجارية الراقية وانتقت فستاناً بأفتح درجات الأزرق ينسدل على الجسم بانسيابية ونعومة....اختارته تتبعاً لذوقها الشخصى وبما يناسب قد سارة الذى رسمته فى خيالها واحتفظت به ....لتذهب لمنزلها وتفاجئها بهديتها الراقية التى حظيت بالطبع بإعجاب سارة وانبهارها بذوق تلك المرأة، بينما كان هناك من سعد بهذه الهدية أكثر ....شكر كريم والدته وأثنى على تصرفها الودود والذى أعطاه أملاً قوياً بأن يذوب الجمود بين والدته وبين سارة.
حتى حان اليوم المنتظر ....يوم توثيق العقد الذى سيربطهما رسمياً...
أراد كريم أولاً اصطحاب سارة ووالديه إلى محل الحُلى صباحاً لتنتقى لنفسها ما تريد من قطع الذهب وحسب العرف المتبع باعتبار أنها ستكون خطبة وعقد قران معاً....ترك لها حرية الاختيار ولكن أزعجه تعمدها انتقاء القطع الصغيرة ذات الخامة المتوسطة....يعتقد أنها يليق بها الأفضل والأرقى ولكن لم يرد خلق مشكلة فى ذلك واكتفى بتنبيهها وحالما سأم حدجها بنظراته الحانقة التى تفهمها جيداً لتقابله بإصرارها على رأيها وتجاهل انفعالاته بصعوبة .
تعالت الزغاريد والأغانى وتوافد الزائرين والزائرات من أقارب سارة وأصدقائها وجيرانهم لتقديم المباركات والتهانى وتمضية وقت سعيد ومرح بصحبة عروس اليوم التى تأنقت بفستان السهرة والذى تحمل توقيعه والدة كريم وكما توقعت ناسبها كثيراً....كما زادتها تلك المساحيق على وجهها والتى تولت مهمتها إحدى ساكنات الحى الشهيرات بتلك المهنة جمالاً وحسناً.
جلست سارة مع النسوة اللاتى سعين لمجاراتها معهن فى التراقص على النغمات الصادرة من مكبرات الصوت لتحاول الامتثال لهن بتحفظ وبعض الحركات البسيطة.
بينما كان كريم متأنقاً كعادته ومحتفظاً بجاذبيته الآسرة والخاطفة للأنظار دوماً بحلة أنيقة سوداء محررة من رابطة العنق بأسفلها قميص أبيض.... منحته وسامة رائعة.
تمت مراسم كتابة العقد كالمعتاد وبحضور عم سارة نيابة عن والدها الراحل ....عانق الأب الإبن بسعادة لأجله لتتوالى مباركات من فى المسجد تباعاً.
كانت تخط بتوقيعها بين صفحات كتاب العقد وشعور لا تستطيع وصفه بالتحديد يتملكها....كيف تبدل حالها فى تلك المدة القصيرة ....الآن يعقد قرانها وهى التى كانت ترفض مسألة الارتباط حتى تحقق طموحها أولاً .... شهادة جامعية ووظيفة محترمة مستقرة تأمن بها مستقبلها....وأى شخص قد تزوجت به ؟! ....مديرها فى العمل!!....تتسائل وتستغرب هل هى فتاة محظوظة بعد الآن؟....لا مجال للشك بأن قريناتها وأى فتاة مثلها يرونها فتاة محظوظة بل ومحظوظة جداً .... تتمنى حقاً بأن تكون كذلك فعلاً ....فليس كل ما نملكه دليل على أننا محظوظون....قد يكون من حظنا السئ !!
وضعت القلم جانباً لتجد تأملات من حولها سعداء بها.... ابتسمت لهن وقبّلت أختها الصغيرة الجالسة جوارها تلازمها منذ أن جلست....أقبلت سامية على ابنتها وعروس الليلة الجميلة تلثمها وتستقبلها فى حضنها بفرحة حقيقية وأعين لامعة "مبروك يا حبيبتى ألف مبروك أنا فرحتى النهاردة ماتتوصفش ....ربنا يسعدك يارب" .
لاحقاً اتجهت أنظار الحضور إلى ذلك الوافد بحلته وهيئته الرائعة لتنتبه سارة تلقائياً وتسايرهم النظر لتلتقى الأعين التى كانت بالأصل منصبة عليها ....
إنه جذاب بطريقة تفقدها صوابها ....لديه هالة رجولية تسحر أى حواء تراه....ولأول مرة تشعر سارة بشئ من الغيرة تجاهه استياءً من نظرات الفتيات فى المجلس والنساء جميعهن....
أطرقت رأسها خجلاً حتى دنا منها كريم ومع كل خطوة يقترب منها كانت تنبض بعنف لا تعلم سببه ....اقترب منها لتنهض وتقف أمامه وكانت اللقطة المضيئة بأن دنا منها بعد أن تأمل وجهها وحمرته المهلكة وأمسك برأسها بين راحتيه يطبع قبلة على جبينها ....لم تكن مجرد قبلة وحسب أو حركة اعتيادية يفعلها جميع من يوثق عقد زواجه بل عنيت له الكثير والكثير ....جعلها كريم تبث رسائل ومعانٍ كثيرة استشعرتها سارة من فرط رقتها.... كان المعنى الأسمى من تلك المعانى هو الثقة وكأنه يبلغها بأننى جدير بثقتك فتريثى فى الحكم علىّ ولا تتعجلى.
وحتى انصرف أغلب الحضور لتتاح لكريم الفرصة فى الاختلاء بعروسه لبعض الوقت على انفراد وهنا أيقن أنه تصرف بحماقة عندما وافقها رأيها بأن يكون عقد قران فقط وليس زفاف !!
جلسا فى غرفتها ولأول مرة يرى كريم غرفة سارة بمحتوياتها البسيطة واتساعها المحدود ولكنها راقت له كثيراً فأى شئ من طرفها أو يتعلق بها فهو رائع .
"دى أوضتك صح ؟"....تسائل باهتمام وهو يجوب الغرفة بنظره ليثير اهتمامها فأجابته "أيوه"
ترك شأن الغرفة وتأمل فاتنته مرة أخرى بثوبها الذى يحمل ذوق والدته وحجابها المنمق....لم يتخيل أن سارة ستكون أنثوية جميلة هذه الليلة إلى تلك الدرجة .... ليته أسرع بإنهاء الأمر والعقد والزفاف معاً فتتاح له الفرصة لسبر أغوار هذا الحسن ومعالمه.....!
اقترب أكثر والتقط يديه ا الباردتين بين راحتيه الدافئتين يتأملها مطولاً ليقول بابتسامة مشاكسة...."شوفتى بقى ....عرفتى كلام مين اللى حصل فى النهاية"
لوت سارة جانب ثغرها باستياء من تحديه الدائم لها والذى لم يستغن عنه حتى فى مناسبة هامة تخصهما كتلك....ليبتسم لها ويدنو منها مقبلاً خدها للتفاجئ بفعلته الجريئة وتتسمر بحرج كبير بعد أن تحول وجهها لحبة من البندورة بفعل الخجل....بينما لم تفارقه ابتسامته مستمتعاً بحصاره لها ورؤية ارتباكها.
.....
لم تصدق ما ألقته والدتها على مسامعها بأن كريم قد كتب كتابه وسيُتم زفافه بعد عدة أشهر .... مئات التساؤلات والاستنتاجات تدور برأسها.... لم يمر شهر على انفصالهما هل تناسى الأمر بتلك السهولة !!....ساذجة أنت يا مى وهل كنت محل ذكراه فى يوم ما ؟!
ها هو تعافى سريعاً وتخطى الأمر ولم يتريث ويقيم خطبة ذات مدة أولاً مثلما فعل معك بل عقد قرانه أيضاً....
كانت المفاجأة الأكبر بالنسبة لها بأن سارة هى صاحبة النصيب.... نعم كل شئ كان واضحاً منذ البداية فنظراته لها التى رأتها بعينها لم تكن عادية أبداً لشخص مثل كريم....الأمر مثير جداً.
عادت إلى واقعها....عليها أن تتناسى كما نسى هو ....لاشعورياً اجتاحها ارتياح داخلى فور أن تذكرت لؤى ....ذاك الذى يعشقها ويرغب بها ....مجرد تذكرها لغيره الآن جريمة بحقه ....عقدت العزم بداخلها أن تترك ماضيها ولا تلتفت له أبداً مهما كان ذلك مكلفاً.
.....
منذ يومين وهى بحالة على غير طبيعتها ....بدا له أن أمرا ما قد حدث معها فهل هو مزعج إلى ذلك الحد!...
حتى صادفه خبر زواج كريم رأفت والذى بالطبع كان خطيبً سابقً لخطيبته....تلاعبت الظنون برأسه فالتوقيت مثيراً بحق ....هل هذا مايزعج مى ؟ ألازالت تفكر به وحزنت لأمر ارتباطه بأخرى ؟!...نعم يعلم أنها كانت تحب كريم جداً وكان يختنق لذلك ولكن الآن هو يختنق بصورة أكبر....كيف تفكر بغيره وهى الآن معه ....لقد ظن أنه قطع شوطاً كبيراً فى علاقته بها على مدار الأيام الماضية ولكن تفكيره فى هذا الأمر أشعره بالإحباط الجلى.
.....
لم يستطع لؤى إخفاء ضيقه الشديد من مى فحتى محادثته معها باتت قليلة وأثناء العمل لم يعد يتسلل إليها ليروى ظمأ اشتياقه لها كما السابق بل بات يتحجج بأن عليه أن يعمل أكثر.....
حتى لاحظت الأخيرة ذلك بوضوح وتجلى استياؤها لتطلب منه اللقاء وفهم أسبابه رغم خشيتها بأن تصيب ظنونها وماتفكر فيه !!
قادته إلى غرفة منعزلة فى مقر العمل تبعد عن مكتبيهما وأغلقت الباب وجلست على الأريكة فى منتصف الغرفة الصغيرة ثم دعته للجلوس .
نظرت باتجاهه وذراعيها مثبتتين إلى جانبيها على المقعد ....كان ينظر لأسفل ويضم يديه لبعضهما.
"فى حاجة؟"
نظر لها "حاجة أيه"
قطبت جبينها ولوت ثغرها باستياء قائلة " لؤى انت فاهمنى كويس انت مش طبيعى بقالك فترة كإن فى حاجة مضايقاك من ناحيتى"
تأملها لثوانٍ مردفاً "أنا بقالى فترة مش طبيعى صح ؟! طب وانتى يا مى؟"
هزت رأسها بتساؤل ليتابع "مى تنكرى ان موضوع كتب كتاب كريم ده ضايقك وانك زعلتى من إللى حصل؟"
وكأنه ألقى بدلو ماء بارد عليها ....توسعت حدقتيها بعدما أيقنت ظنونها....ابتلعت غصة مريرة تقف فى حلقها تحاول ادعاء الثبات أمامه فلديها ما ترغب بقوله.... نظرت ناحيته تقول بأعين لامعة "لؤى انا مش هنكر انى اتضايقت شوية لما عرفت الخبر ومش هكدب عليك كل الموضوع انى كنت بندم عالوقت إللى قضيته مع كريم وانا فاكره انه بيحبنى أو ممكن يكون فى حاجة بيننا لكن مش زى ما بتفكر أبداً ....أنا مستحيل أفكر فى الماضى أو حتى أتمنى الأيام دى ترجع"
استشعر فى كلامها لهجة صادقة نادمة فرق قلبه لأجلها....هو لم يكن يرغب فى جعلها تتضايق فلا يطيق رؤيتها هكذا وإنما عتاب المحبين فقط .
"خلاص يا مى إنسى مفيش حاجة حصلت"
عقبت والدموع تشق طريقها لعينها بشكل أكبر " لؤى أنا بجد مش عايزاك زعلان منى أبدا وبجد ده صعب عليا جدا ....أنا بحبك ومستحيل أفكر فى حد تانى"
ابتسم يقترب منها محيطاً إياها بذراعه "وانا بموت فيكى ياميوش بس بلاش دموع عشان خاطرى" ....ثم مد كفه يسمح عبراتها ويقول بمداعبة "بصى بقى بما إنك متأثرة وزعلانة انا حابب أستغل الفرصة دى واطلب منك طلب"
ردت بملامح متسائلة بفضول "طلب أيه!!"
تأملها لؤى بحدقتيه ثم أردف " نكتب كتابنا احنا كمان أو نعجل الجواز شوية" ....لاذت بالصمت تستوعب ماقاله مما أقلقه "لو مش موافقة خلاص براحتك أوى أنا مش هجبرك على حاجة أبداً"
ابتسمت مى ابتسامة واسعة جميلة وقالت وهى تومئ برأسها "موافقة"....ليبادلها لؤى ابتسامة أكبر حفاوة بموافقتها ويدنو مقبلاً رأسها بسعادة .
الخا تمه
تشعر منذ استيقاظها بأنها ليست بأفضل حال إذ صاحب استيقاظها ألم بسيط فى الرأس وشئ من الدوار..لذلك اعتقدت أن قَدحا من الشاى قد يجعل الأمر أفضل ....
سكبت سارة الماء المغلى على محتويات الكوب وحملته متجهة به إلى الشرفة المطلة على مساحة خضراء منزلية يحدها سور يفصل المنزل الكبير عن عالم المدينة الخارجى ...جلست تحتسى الكوب بهدوء وتراقب السيارات المارة شاردة فى عالمها الخاص.. صباحا غادر زوجها إلى العمل دون أن يوقظها أو تشعر به..الحياة الزوجية معها تسير بشكل جيد إلى حد ما رغم مدتها التى لم تتجاوز الثلاثة أشهر !
كريم متعاون حنون ومراعٍ ...الآن باتت توقن بأنها محظوظة حقا بوجوده كزوج لها.. ولكن هل تحبه ؟!
حسنًا هو شعور آخر مختلف عن الحب.. هى تألف وجوده ..لاتحبه أن يغيب كثيرا عن البيت.. تشعر بالخوف عليه أحيانا.. تحب أن تتأمله عن بعد ..تغار عليه من ترابطه الحميم بوالدته..
ماذا !
تغار ؟!!!
سبحت بأفكارها الشاردة إلى ذلك اليوم الذى تلا يوم عيد القران..عندما عزمت أن تذهب إليه وتخبره جادة برغبتها فى الاستقالة من العمل ..
طرقت الباب طرقتين ودلفت دون انتظار رده ..ما أثار استغراب كريم الذى رفع وجهه الداهش إليها فلم تمهله وقتا طويلا وخطت إلى الداخل بعد أن أغلقت الباب وها هى تقف أمامه بثقة.
"أظن أن انت وعدتنى وده وقت تنفيذ وعدك ليا"
أتبعت طلبها بأن أخرجت ورقة مطوية ومدتها له..
أخذ كريم الورقة وفتحها ليفهم بعد أقل من نصف دقيقة محتواها .. ليقوم بطيِّها بعد ذلك والتوجه ببصره إلى سارة التى لم تفهم تعبيرات وجهه أبدا إذ لم تنم عن شئ بعد !
وإذ به ينهض من كرسيه ويلتف حتى يصبح مواجها لها ويشرف عليها ببنيته القوية ..
"وانا عند وعدى ..استقالتك مقبولة"
تعبيرات الدهشة سرعان ما ارتسمت على ملامح سارة فلم تظن أبدا أن يقبل الأمر بتلك السهولة والسرعة !
هى التى أعدت نفسها وشحذتها تحسبًا لجدال طويل أو معركة كما ظنت ولكن حدث الأمر بطريقة تثير الاستغراب.
أطرقت برأسها عاقدة ذراعيها أمام صدرها تقاوم أى ارتباك
"عايزه تستقيلى ليه يا سارة "
رفعت رأسها تقابل عينيه اللتان تحدقان بها لتقول بنزق "انتى وعدتنى هتعمل إللى انا عايزاه ووافقت ياريت من غير ليه بقى"
المجنونة!
ذلك الكائن الأنثوى سيكون سببا أساسيا لإصابته بمرض ما مزمن يوما ما!
اقترب أكثر ..بات لا يفصل بينهما سوى ذراعيها المعقودتان أمام صدرها..حاصرها بنظراته قائلا "بس فى مقابل أكيد"
قطبت فى تساؤل...لم يمهلها الوقت طويلا إذ انحنى جانب وجهها وختم قبلة حسية على خدها الناعم ..ليست قبلة عادية بل كانت حميمية
وكردة فعل تلقائية أجفلت سارة وحدقت به ذاهلة غاضبة فى الوقت نفسه قبل أن تغادر خارج المكتب مسرعة حانقة فلم تر ابتسامته الواسعة خلفها .
تذكُر أنها خاصمته بعد ذلك أسبوعا كاملا فلم تجب على اتصالاته أو تقابله..حتى قرر هو التنازل والذهاب إلى بيتها بنفسه ليجبرها على التراجع والصفح وإعادة الأمور بينهما إلى وضعها الطبيعى وإن لم يكن كثيرا..
إذ كانت مشاحناتهم دائمة..فاجأها كريم ذات يوم فى يومها الجامعى بعد أن أنهى حديثه الهاتفى معها مستفهما منها عن موعد رجوعها من الجامعة..لم تحسب أنه سيأتى بسيارته إلى الحرم الجامعى ويقلها إلى البيت ظنتها مكالمة عادية..وحتى فعل ووجدت نفسها فى مأزق محرج _أو هكذا ظنت_ خاصة عندما رأتهم العديد من الأعين الفضولية من زملائها الطلاب..دهشت عندما أبلغها فى اتصال آخر أنه ينتظرها فلا تدعه يطيل الانتظار وعندما فعلت وصعدت تركب إلى جواره لم تنس توبيخه على فعلته مطالبة بأن لا يكرر الأمر هو ما أثار استغراب كريم ليضطر فى النهاية إلى تلطيف الأجواء المشحونة حتى العودة إلى البيت.
فى وقت ومكان آخرين طلب كريم لقائها رغبة منه فى شراء فستان زفافهما وتقديمه كهدية لها ولذلك طلب مساعدتها فى اختياره بناء على ذوقها هى وندم أن فعل ..رفضت فرح رفضا قاطعا وارتفع صوتهما فى الشارع ماجذب انتباه بعض المارة ..كاد الأمر أن يتحول إلى شجار فِعلى لولا أن تنازلت هى هذه المرة وتلت على مسامعه بعض الكلمات اللطيفة حتى هدأ
منذ هذا الوقت حتى يوم الزفاف تغيرت معاملة كريم بشكل ملحوظ وقدرما كانت قلة احتكاكه بها تمنحها بعض من الأريحية إلا أنها تحولت إلى شئ آخر أزعجها وضايقها حتى لو لم تظهر ذلك كما جعلها تتسائل "هل باتت لهفته ومحبته لها أقل..هل انزعج إلى هذا الحد "
جاء يوم الزفاف والوضع بينهما كما هو ..كريم على جموده الغير اعتيادى وهى التى تحاول التماسك والظهور بأفضل ثبات لديها ..
حتى انتهت الليلة بسلام حاولا فيها أن ينحيا التوتر فى علاقتهما جانبا وقد نجحا فى ذلك ..
سيعيشان الأشهر القليلة الأولى من زواجهما فى منزل والده بناء على رغبة والدته وكذلك لسبب آخر إذ أن منزلهما الخاص مازال ليس فى صورته النهائية ...أعد كريم جناح خاص لهما فى المنزل وبالتالى ما جلبته سارة من تجهيزات برغبة وإصرار شديدين من والدتها حسب العادات والتقاليد المصرية المتعارفة ستظل فى منزل والدتها..
أخيرا انتهى الزفاف ورحل كل المدعوين وأصبحا بمفردهما تحت سقف واحد ..لم تتخيل فرح أن يتملكها كل ذلك الحزن والشعور بالوحدة لحظة وداع والدتها وشقيقيها التوأم.. لم يكن الأمر باليسير عليها أبدا..دموع والدتها جعلتها لم تستطع التظاهر بالصمود والتماسك كعادتها أكثر من ذلك فأطلقت العنان لدموعها هى الأخرى...
اقترب عريس الليلة المتأنق بحلته السوداء ذات ربطة العنق المعقودة حول رقبته فكان فى غاية الجاذبية والحسن..نظرتها له هذه المرة تختلف تماما عن المرات السابقة ..فهو اليوم عريسها وزوجها ومعا فى منزل واحد وقريبا فى غرفة واحدة
اقترب من عروسه التى تقف فى منتصف الصالة بفستانها الذى يشع بياضا مقفولا بأكمام مغطاة ومحكم عند الخصر منفوشا حتى الأسفل ..كان ممتلئا بتطريزه البراق واللامع من أعلى لأسفل فبدت سارة وكأنها محاطة بهالة من نور حولها خاصة مع حجابها الأبيض الملفوف حول وجهها المزين بزينة رقيقة فكانت مختلفة تلك المرة.
من بين نظراته التى تقابلها أخذ كفيها كل كف بين يديه مثبتا عينيه على خاصتيها ثم دنا على جبينها وطبع عليه قبلة ذكرتها بقبلة المكتب على وجنتها التى الآن غزتها الحمرة قال بنبرة ثقيلة وهو يحافظ على مسافته الشبه ملاصقة لها "مبروك يا سارة مش متخيلة انا مبسوط ازاى"
استشعرت صدق كلماته وحرارتها مادفعها تلقائيا أن تقابل عينيه وتبتسم بخجل دفع كريم أن ينحنى ويحط بشفتيه على شفتيها ..قبلة كانت قصيرة ولكن قوية..غير عميقة ولكنها ذات معنىً أعمق بكثير
ابتعد بزفير متنهدا يطالعها بنظراته العاشقة وهى أمامه فى اضطراب خجلها "لو تعرفى انا بحبك قد ايه" يريد تقبيل كل جزء ويمنى نفسه بامتلاك أطول لتلك الشفاه الحمراء وهاتين الوجنتين الساخنتين ولكن ليس بعد ...
منح كريم لسارة الفرصة أن تبدل ثيابها وتجهز نفسها ...وبعد زمن من الوقت كانا جالسين على مائدة صغيرة شملت أشكالا من الطعام الشهى لم يتكبد كريم العناء فى إعدادها إذ كان مجهزا من قبل كطعام للعروسين.
نظرت سارة إلى الطاولة ثم إلى زوجها الذى بدل ملابسه بملابس بيتية مريحة ثم جلست فى المقابل له
انتبه أخيرا إلى سارة التى ولأول مرة يراها بدون حجاب ..كان شعرها البنى الغامق مجموع بكعكة خلف رأسها وكانت ترتدى بيجامة قطنية زرقاء !!
لوى جانب ثغره فى تهكم غير ملحوظ..زوجته ترتدى بيجامة زرقاء ليلة زفافهما!
كانت جائعة لم تتناول من الطعام شئ تقريبا طوال اليوم المرهق..قدم كريم الأطباق بالقرب منها يحثها على الشروع فى تناول الطعام وبالفعل تخلت عن حذرها تدريجيا وأكلت حتى شبعت..بينما لم يرغب كريم فى خلق حديث بينهما على الطعام حتى لا يجعل شئ من الحرج يتسلل إليها خاصة وأنها تبدو جائعة ..اكتفى بأن كان يختلس النظرات وهى تأكل بين الحين والآخر.
"الأكل عجبك؟"
أومأت برأسها برضا "أيوه وشبعت"
كادت أن تمد يدها تحمل الأطباق عن الطاولة قبل أن يعترض فعلتها "هتعملى ايه"
قطبت مستغربة "بشيل الأطباق" ابتسم وهو يقترب منها حتى جاورها "ماتشيليش حاجة أنا هقوم بالمهمة دى المرة دى استنينى دقيقة"
جلست تنتظره بالخارج حتى عاد حاملا معه كوبين من العصير الطازج ..قدم الكوب إليها وبدأت ترتشف منه ببطئ..لديه حديث طويل معها ويجب أن يفعل
تجرع الكوب دفعة واحدة ثم وضعه على الطاولة أمامه واتجه بجزعه إلى زوجته الجالسة بجانبه قريبة منه إلى هذا الحد تحيط الكوب الخاص بها بين يديها وعلى ساقيها..تنحنح قائلا بنبرة جادة "بالنسبة للفترة اللى كانت قبل فرحنا انا عارف انى كنت سخيف شوية معاكى والحقيقة انى كنت قاصد ده انا آسف"
أتاه ردها على غير ماتوقع "لا أنا غلطت وممكن اكون زودتها شويه كمان ف أكيد مش زعلانة"
كانت عيناه تتفحصانها فى جلستها من شعرها وحتى يديها اللتان تتناول الكوب بهما ولكن هناك شئ ما يستفزه بشده..
مد يده خلف رأسها بخفة وقام بفك العقدة عنها لينساب شعرها حتى منتصف ظهرها..بينما كان كريم يداعب شعرها بيده تحت نظراتها الحائرة!
هل هذه ابتسامة ؟
شعر بابتسامتها الخجولة ماجعله يقترب حتى بات لا يفصل شئ بينهما ..تشعر بالحرارة المنبعثة من جسده تتسرب إليها..وحتى أحس أنه بدأ يوثر بها نوعا ما دنا على وجنتها الناعمة يطبع قبلة رقيقة أتبعها بأخرى أكثر حميمية ..يده امتدت على جانب عنقها بينما هبط بقبلاته الساخنة على الجانب الآخر ..كانت سارة فى عالم آخر تختبر شعورا جديدا..تجرأت يده التى لامست جسدها فوق ملابسها الرقيقة وامتدت أسفل منامتها ليشعر بيدها تحط على يده ليتمالك نفسه بعدما رأى ارتباكها كى لا يخيفها ويحدث عكس ما يريد ..أحاط وجهها وعنقها بيديه مثبتا عينيه على خاصتيها اللتان تطالعانه بخجل أنثوى يفقده صوابه مرغما "واثقه فيا؟"
تحاشت النظر فى عينيه ثم بعد ثوان عديدة جاء رد فعلها الذى ردع كل مقاومة له ...أومأت برأسها فى خجل ليأخذ شفتيها بين شفتيه.
عند هذه النقطة من شرودها أيقظ سارة صوت طرقات على الباب ..وضعت الكوب الذى هدأت سخونته نسبيا ونهضت تفتح الباب لتفاجأ بالطارق....
(النهايات ليس بالضرورة أن تكون سيئة ..يمكننا أن ننهى مابيننا بشكل لائق وأكثر تهذيبا وبشكل يليق بإنسانيتنا ..الاحترام لا ينقص منا ..الاحترام أسمى تعبير عن الرقى والتحضر )
"مى"
الصوت ليس بغريب على مسامعها ولكن ....
استدارت مى تواجه المنادى وتتعرف على هويته.. كان آخر شخص تتوقع أن يكون ..ما الذى يدفعه ليأتى إلى مكان عملها وما السبب وراء هذا النداء !
حدقت بكريم الذى اقترب يقف على مسافة منها مستغربة هذا الحضور ..لم تتغير جاذبيته الرجولية بعينيها كما تراه لأول مرة ..وكذلك كانت هى كما تكون دوما جميلة بشعرها الذهبى الناعم أنيقة جدا بثيابها..ولكن ليست مى التى عرفها ..ليست تلك النظرة التى كانت تخصه بها ..ليس هذا الإعجاب ..تبدو متغيرة وهو أحمق إن لم يلحظ ذلك!
لم تنبس بكلمة حتى قرر أن يقول ما جاء لأجله
"ازيك يامى....أنا عارف انك مستغربة حضورى وكده بس انا بصراحة محتاج اتكلم معاكى شوية ف ياريت لو مش هزعجك نتكلم"
جاءه ردها بنبرة غريبة عنها "أعتقد الكلام خلص بيننا من زمان ومش لاقيه سبب قوى يخليك تجيلى مكان شغلى فى آخر اليوم بس انا معنديش مانع لطلبك"
صُعق من ردها فالواقفة أمامه الآن مى أخرى تماما غير التى كانت فى يوم ما قريب خطيبته حتى وإن كانت نبرتها غير انفعالية فهى هادئة جدا عندما ألقت عبارتها.
اصطحبته إلى غرفة صغيرة مكشوفة ودعته للجلوس
"أولا مبروك جوازك انتى ولؤى انا ماباركتش أى حاجة حتى الخطوبة ومش هنكر ليكى انى حاولت أتصل بيكى كذا مرة بس ده فعلا لإنى كنت محرج وعارف ان الموضوع هيبقى حساس من ناحيتى"
أنهى جملته لتبدأ فورا فى جملتها " الموضوع مش حساس من ناحيتك ولا حاجة ياسينيور أنا دلوقتى أفضل بكتير"
فهم ماترمى إليه عبارتها الأخيرة ...تابعت "أنا كنت مرحلة فى حياتك وانت بالظبط صحيح انا خدت وقت أطول شوية منك إنى أتجاوز الموضوع بس مش مهم ..أنا كمان كسبت فى النهاية وحاليا متجوزة من شخص هو أهم حد فى حياتى حاليا ..بعض الهزايم هزيمتها مكسب لينا"
أطرقت برأسها بينما كان يراقب كل ما يصدر عنها فى دهشة ..تحدث أخيرا " أنا جاى عشان كده ..مى لو سمحتى مش عايز الموضوع والعلاقة تكون حرب مابيننا أو طار وعداوة..مش عايز أى حاجة من دى أرجوكى ..أنا محترم كل كلمة قولتيها وده حقك لإنى غلطت فى حقك أكبر غلطة فى حياتى لما قررت أن علاقة رسمية تكون بيننا وانا مش متأكد من شعورى ناحيتك ..وكانت النتيجة إنى ظلمتك وظلمت نفسى ..أنا آسف"
كانت تنظر إليه ..كلامه المنطقى وأسفه بالنهاية الذى لم تتوقعه أثبت لها فى تلك اللحظة ولأول مرة أن كريم إنسان ذو شعور وإحساس بحق..فى لحظة تغيرت نظرتها إليه...
"وانا بشكرك ..بشكرك لإنك اديتنى فرصة أحب بصدق وأتعرف على شخص بيدينى أكتر من المقابل اللى بياخده منى وكمان إنى ماستمريتش فى العلاقة دى ووفرت عليا أذى نفسى كبير ..أنا فعلا لأول مره أحس انى ممنونة ليك"
كانت مى تتحدث بابتسامة صغيرة وأعين لامعة حتى قال "يعنى أفهم من كده انك خلاص مش زعلانة منى أو عالأقل مفيش عداوة بيننا"
ردت متهكمة "عداوة دى كلمة كبيرة اوى ماتناسبنيش أبدا .. ولكن اقدر اقول ان الموضوع بقى عادى بالنسبالى من ناحيتك وفترة وانتهت ..صحيح أنا كمان نسيت أباركلك جوازك..ألف مبروك من قلبى "
ابتسم لها كريم "شكرا ..بتمنالك السعادة بجد وأتمنى فعلا إذا احتجتى أى حاجة تطلبينى..احنا ممكن نبقى أصدقاء أو اعتبرينى أخ كبير ليكى عالأقل صدقينى مش هتأخر عنك"
بادلته الابتسامة " ميرسى جدا"
بعد أن انتهى اللقاء الملتهب نهاية لطيفة شعرت مى أخيرا ولأول مرة فى حياتها براحة داخلية منقطعة النظير .. أخيرا لن تضطر أن تنزعج عندما تسمع اسم كريم صدفة من شخص ما أو تتضايق عندما تزورها ذكراه غير قاصدة فتلوم ذاتها وتجلدها على سذاجتها فى الماضى.. ولا تنكر أنها قطعت شوطا طويلا فى الأمر منذ زواجها بلؤى ..ابتسمت لذكرى زوجها المرح الطيب الذى تعشقه بكل جوارحها والذى أنساها مرارة الماضى وعالج المعطوب فى شخصيتها .
غافلة عنه وهو الآن يراقبها ويشتعل غيظا وغيرة منذ أن رأى خطيبها السابق يقترب منها ثم يجلسا يتبادلا الحديث بعد ذلك ..غاضب وغيران جدا !
.....
فتحت سارة الباب لتجد حماتها الأنيقة فى المقابل..تفاجئت كثيرا بالزيارة وبالتأكيد خلف تلك الزيارة أمر ما...
"صباح الخير"
ابتسمت سارة بترحيب خجل " صباح النور أهلا بحضرتك.. اتفضلى"
دلفت سمية وجلست قبل أن تطرح سارة السؤال الاعتيادى "حضرتك تشربى أيه" بامتعاض زائف قالت سمية "معقول هتضايف فى بيت إبنى يعنى واحنا فى نفس البيت" لتستطرد بعدما استشعرت حرج سارة المخفى خلف ابتسامتها "اقعدى يا سارة وبلاش الرسميات دى بيننا احنا فى بيت واحد وانتى بقيتى مرات إبنى الوحيد أنا مش غريبة" لتضطر الأخيرة للرضوخ لكلامها والجلوس "طبعا أنا أول مرة أقعد معاكى على انفراد ..ومش هخبى عليكى أول ماكريم فاجئنا انه عايز يخطبك أنا مكنتش مستوعبة وخصوصا ان ده بعد مافسخ خطوبته الأولانيه بفترة قليلة أوى وده اللى خلانى استغربت وفضلت وقت طويل مش مقتنعة ..صحيح اتضايقت منه وعاتبته للسببين دول بس فى النهاية دى حياته وهو مش صغير فسيبته يقرر لنفسه ويتحمل المسئولية"
كانت سارة تنصت لحديث المرأة ذات الخمسون عاما لأول مرة عن هذا القرب الذى بين لها أن تلك السيدة صادقة فى حديثها وتعبيراتها ولا تعرف المجاملة أو التزييف "انتى بتنادينى أيه يا سارة"
قطبت سارة مستغربة سؤال حماتها "مش فاهمه سؤال حضرتك"
"أقصد يعنى بتقوليلى ماما ..طنط..خالتو!"
ابتسمت سارة تفرك يديها بخجل قائلة "بصراحة احنا مش بنشوف بعض كتير ف مفكرتش فى الموضوع ده قبل كده" ضحكت سمية ضحكة قصيرة قالت بعدها "شوفتى بقى احنا بعاد عن بعض ازاى ..محتاجين نقرب أكتر..وأوعى تقلقى منى أنا أبسط مما تتخيلى وهعتبرك زى بنتى لإنى كان نفسى يكون عندى بنت"
...
"لو جاهزه يلا بينا"
تفاجئت مى بلؤى يقطع حبل أفكارها ويبدو متسرعا حتى ظنت أن أمر ما قد حدث خاصة أنه سبقها وتقدم ذاهبا بالفعل على غير العادة حيث ماكان يرحل إلا وهما يسيران جنبا إلى جنب!
ما الأمر!
طوال الطريق فى السيارة لم يتحدث إليها أو يمازحها كعادته ليؤكد ذلك ظنونها بأن لؤى ليس فى حالته ..قطعت الصمت بينهما تسأله بخفوت "فى حاجة يا لؤى؟"
لم تصلها منه ردة فعل سوى أن حرك رأسه حركة تنم عن العصبية ولاذ بالصمت تمامًا ...
هى تعرفه حق المعرفة رغم فترة زواجهما القصيرة جدا ...لؤى الأشقر الشبيه بها بشعره العسلى الفاتح وعينيه بلونهما المختلط.. ذو القوام الرشيق ..لؤى ورغم مرحه وطيشه وتسرعه الدائم إلا أنه ذو شخصية حساسة رقيق القلب قد يفعل أى شئ لجعل من يحبهم سعداء لا يمسهم الضرر ...ماذا إن كانت هى أحب الناس لقلبه!
توقفت السيارة معلنة وصولهما إلى البناية التى يقطنا بها..كان لؤى قد استأجر شقة بها ليقرر أن يعيشا سويا هنا بعد الزواج مؤقتا حتى يحصل على بيت أفضل لهما ..ورغم إلحاح والدة مى أن يعيشا معها فى المنزل تلك الفترة إلا أنه رفض ليتحمل مسئولية زوجته وحياتهما معا.
حرك المفتاح فى الباب وفتحه ليدلف للشقة أولا وتتبعه مغلقة الباب خلفها ثم قالت بهدوء
"لؤى فى أيه...فى أيه بجد حاجة حصلت ؟"
نظر لها مطوَلا ليتحدث بعد ذلك " انتى شايفه ان مفيش حاجه حصلت بجد يامى"
حدقت به قلقة حتى سرعان ما تسرب إلى ذهنها ما جعلها تشهق بخفوت ليتحدث زوجها قبل أن تبدأ بالتفوه بشئ "أنا مش مصدق اللى شوفته ..متضايق جدا ومش مستوعب انك عملتى كده"
"لؤى أنا هشرحلك اس..."
قاطعها غاضبا "هتشرحيلى أيه يا مى ..انتى مستوعبة انك كدبتى عليا..انتى مش قولتيلى انك نسيتيه ومسحتيه من حياتك..اللى شوفته بعينى كان غير كده...غير كده خااالص"
قالت مى بتوسل "ادينى فرصة اشرحلك يا لؤى لو سمحت ..الموضوع مش كده مش زى.."
ولكنه كان مغيبا تماما رافضا سماع أى شئ ..تحت أنظارها اللامعة التقط مفاتيحه الخاصة من الطاولة ورمقها بنظرة أخيرة ثم غادر الشقة.
نظرته لن تفارق خيالها لوقت طويل ..إذ كانت نظرة عتاب خالصة.. ستظل تجلدها حتى يعود وتشرح له الأمر ثم يسامحها ..ولكنها ليست فى محلها..هى بريئة والأمر مجرد سوء فهم وغيرة لا أكثر..ولكن حتى يفعل فإن فكرة أنها قد خانت ثقته أو لازلت تكن إعجابا خافيا لخطيبها السابق الذى أحبته_هكذا يظن_ تضايقها بشدة ..ستوضح الأمر ولن تزداد إلا إصرارا على إثبات حبها بشتى الطرق التى تفهمها ..وسيسامحها..لابد أن يفعل.
...
تفاجئت سارة وحماتها بكريم بالذى يبدو أنه عاد لتوه من العمل يطل عليهما ..تأملت سارة زوجها خلسة.. بدا رائعا جدا ببذلته السوداء وقميصه الأبيض من تحتها..
هو أيضا كان مندهشا لما رآه إذ قال بابتسامة عريضة ووجه ضاحك وهو ينقل بصره بين أمه وزوجته "أيه ده انتوا مجتمعين هنا ..أنا مش مصدق.. استغربت لما مالقيتكيش تحت ياماما انا قولت خرجت"
ابتسمت والدته فور ما رأته وعندما انحنى يقبل خدها كعادته "شوفت بقى انا قولت نتعرف على بعض أكتر أنا وسارة أيه رأيك"
نظر إلى زوجته الخجولة بنظرات يغمرها الحب ..نظراته الخاصة التى تجعلها تكاد تذوب من فرط مشاعره ..
"أنا هطير من الفرحة أكيد...كده بقى نتغدى سوا ونتكلم براحتنا"
نهضت سمية قائلة "لا أنا مقدرش اسيب ابوك يتغدى لوحده دى عمرى ماعملتها"
ليعترض كلامها "ازاى كده ماينفعش يا ماما أنا هتصل ببابا ونتغدى كلنا سوا"
ربتت سمية على كتف ابنها تقول وهى تنظر لسارة بود "معلش يا حبيبى مرة تانية وكمان تكون سارة مستعدة زى المرة اللى فاتت ..أنا هستنا رأفت"
بود مماثل قالت سارة "زى ما حضرتك تحبى انا جاهزه فى أى وقت"
غادرت سمية وبعدها قطع كريم المسافة بينه وبين زوجته بسرعة يأخذها بين أحضانه ويتلمس جسدها الرقيق بجسده القوى ينهال بقبلاته عليها هامسا لها "وحشتينى"
ابتسمت سارة بخجل وحب ليحط بعدها شفتيه على خاصتيها فى قبلة عميقة ..بعد أن ابتعد أخذ وجهها بين راحتيه..قالت هى بحزن مصطنع "انت مدلع مامتك أوى"
تفاجأ كريم بما قالته زوجته ولم يتمالك نفسه أن ضحك بملئ فمه ..بينما كانت سارة تنظر إليه بعتاب طفولى مضحك ..بكل اللحظات التى مرت عليه فى حياته لم يكن سعيدا كما هو الآن فأخيرا زوجته وحبيبته تغار عليه.. قال ضاحكا يستفزها ويريد الوصول لشئ ما " طب وانتى متضايقة كده ليه"
قطبت تتملص من يديه اللتان لم تدعاها تفلت "مايصحش كده"
ثوانٍ من الصمت وقال يحثها على الإدلاء بالمزيد "ليييه؟"
زفرت ترمقه بنظرات غاضبة وهى تقول" بص من الآخر كده انا بتضايق لما بشوفكم منسجمين اوى مع بعض و...بتدلعها...يعنى...لو أنا عادى لكن مامتك..."
تنهد يتطلع إليها "ها قوليها بقى يا سرسور" بعبوس وصدمة تلقت كلمته "صرصور!"
"سارة ماتغيريش الموضوع كملى"
قالت بنبرة هادئة صادقة "بغير شوية من معاملتك لمامتك وبصراحة من مامتك كلها ..يعنى..معرفش...بس صدقنى بحترمها وبحبها"
رد كريم "طب وانا؟ ...بتحبينى؟"
نظرت إليه مليا ثم أماءت برأسها ببطئ قائلة "أيوه ......أكيد"
بعدها عجز لسانه عن التحدث فترك شفتيه للمهمة.
...
تشير عقارب ساعة الحائط إلى الحادية عشرة والنصف ليلا الآن..
مازال زوجها وحبيبها الغاضب خارج المنزل لم يعد منذ أن غادر ..قررت مى أن تستغل ذلك الوقت ..منحت لجسدها وقتا فى المياه الساخنة ساعدتها على الاسترخاء خرجت منها أكثر انتعاشا وحيوية..عندما خرجت قررت صنع وجبة دسمة لها ولزوجها عندما يعود ..مهاراتها فى الطبخ لا بأس بها ..لم تكن هناء تدللها إلى درجة عدم دخول المطبخ ..بل كانت تحثها على صنع أصناف الطعام والحلوى وكانت مى تستجيب باستمتاع.
ها هى الآن جالسة فى صالة الشقة تضئ التلفاز علّ الصوت والضوء الصادرَين منه يؤنسا وحدتها .. ترتدى منامة حريرية بنفسجية قاتمة بحمالات رفيعة أعلاها شال يقيها من البرد الليلى..
مضت نصف ساعة أخرى وانتصف الليل..حتى سمعت صوت الباب يُفتح ..مالت بجسدها للأمام لترى القادم الذى طل عليها ولم ينظر فى عينها أو يتفوه بكلمة ..فقط توجه إلى غرفتهم..
لم ترغب مى بالذهاب خلف زوجها مباشرة فور مجيئه..رغبت أن تترك له بعض الوقت لذا قامت بتجهيز طاولة الطعام لهما..
أحضرت الطعام ووقفت تحدث نفسها بحيرة "هل يأتى ..أم سيتأخر...أم لن يأتى أصلا" والانتظار كان خيارها الأجدر ...انتظرت لدقائق ولم يخرج حتى فهمت رغبته وقررت أن تذهب هى ..
الصوت الصادر من الحمام منذ قليل أكد لها انه كان يستحم.. وعندما توقف الصوت أدارت مقبض الباب ودخلت..كان لؤى عاريا من نصفه العلوى لا يرتدى سوى بنطالا قماشيا يديرها ظهره ويجفف شعره بالمنشفة..قررت أن تستغل اللحظة ..
اقتربت حتى وقفت أمامه وجها لوجه قائلة وهى تتمعن فى عينيه "لؤى أنا مقدرة انك زعلان اوى وعارفه كمان انى غلطت بس لو سمحت اسمعنى"
تحرك لؤى على مضض وجلس على حافة الفراش لتجلس إلى جواره وتتجه بجسدها نحوه ..تحدثت مى بصوت رقيق وهى تطالع زوجها الذى ينظر أسفل "أنا اتفاجئت جدا لما لقيت كريم فى الإذاعة وكمان اتضايقت أول ماشوفته بس هو طلب منى انى اسمعه"
قصت على مسامع زوجها ما دار بينها وبين خطيبها السابق فى لقائهما ..عنت مى كل كلمة قالتها فخرجت كلماتها صادقة "اعتذرلى وطلب منى ان ميكونش بيننا أى زعل أو عداوة من أى نوع وانا وافقت"
حين إذٍ رمقها زوجها بنظرات غاضبة لأئمة ..ارتكزت بمرفقيها على الفراش تنظر أمامها واستطردت "وافقت لإن ده الصح ..عمرى ما كنت اتخيل انى هقابل كريم تانى أصلا أو هنتكلم..بس بعديها اكتشفت ان ده كان حاجة كويسة ليا"
نظرت إلى زوجها الهادئ المظهر والصامت أيضا..اقتربت منه ثم حركت وجهه بيدها أسفل ذقنه ترغمه على النظر إليها وقد فعل ..أخذت وجهه بين راحتيها ثم أضافت بجدية "لؤى أنا اكتشفت ان حبى لكريم مايجيش حاجة أبدا جنب حبى ليك ..أنا مبسوطة انى طلعته من حياتى وخدت الفرصة انى اعرفك وأعرف انى قد ايه بحبك .. انت لازم تثق فى حبى ليك وتعرف انك أهم شخص فى حياتى حاليا"
تنهد لؤى الذى لانت ملامحه بشكل ملحوظ ثم أمسك بيدى زوجته اللتين أحاطتا وجهه يقبلهما بحنو قائلا
وهو ينظر لها بحب وشوق "
وانتى كمان أغلى فى حياتى وانتى عارفه ده كويس يامى ..أنا بحبك لدرجة انى بغير من أى حد تشوفيه أو حد يبصلك ويكلمك مابالك لو راجل ..وراجل كنتى فى يوم بتحبيه ..عايزك معايا لوحدى "
كانت مى تطالع زوجها متمعنة فى حديثه ..تنظر ليديه التى تحتضن يديها ..عندما أنهى جملته شبَّت تحتضن وجهه بين يديها وتطبع قبلة قوية على شفتيه ثم وجنته تنهى الأمر بعبارة " بحبك" ..وحتما ليس بمحفز أقوى من ذلك لزوجها الذى ما أن انهت قبلتها على وجنته طرحها على الفراش أسفله يقبلها من شفتيها بأخرى عميقة ..يقبل كل جزء من بشرتها ثم عنقها الطويل الناعم ومقدمة صدرها خاصة مع هذه المنامة الحريرية فإن الوضع أكثر صعوبة عليه ..عندما علمت زوجته انه وصل لذروة مشاعره وجرأة يديه التى تزيل المنامة عن كتفها بلهفة قبضت على يده وحاولت الاعتدال بسرعة ..نظر لها فى تساؤل !
"الأكل ..لؤى لو سمحت الأكل هيبرد وانا تعبت فيه"
وضع لؤى يده على عينيه يحكها كى يستفيق من وضعه ثم ابتسم ضاحكا مما قالته زوجته "يلا ...عشان تعبك فى الأكل بس مش عايزه يضيع"
ثم غمز لها هامسا "بس هنكمل بعد الأكل خليكى متأكده"
أماءت له بخجل ونهضت بعد أن قام عنها يخرجا سويا من الغرفة نحو الطعام .
النهاية