رواية عنيده في قلبي
"الفصل السادس عشر"
اليوم التالى....
عادت سارة من عملها منذ مايقرب من ساعة .... بعد أن بدلت ثيابها وتناولت وجبة الغداء ، تمددت على فراشها تستريح من عناء اليوم وإرهاق وسائل المواصلات ..... وبمجرد أن أوشكت على الاستغراق فى النوم جاءها صوت هاتفها يوقظها لتلتقطه وتجد أن المتصل هو خطيبها "عبدالرحمن"
- سارة أيه الأخبار رجعتى ولا لسة ؟
فركت عينيها تنفض عنهما بقايا النعاس العالق بهما
- تمام الحمدلله .... وصلت من ساعة .
ليأتيها صوته الرخيم :
-طيب بعد ما اتطمنت عليكى كنت عايز آخد رأيك فى حاجة كده .
....
بعد قليل خرجت من غرفتها قاصدة التحدث إلى والدتها التى كانت فى غرفتها تدرس لشقيقيها .
- عبدالرحمن كلمنى دلوقتى .
هزت سامية رأسها متسائلة :
-قالك ايه ؟
زفرت سارة بملل تردف :
-عايزنا نخرج .... أنا وهو وحد معانا طبعا المهم انه عايزنى اخرج انا وهو .
صمتت سامية لثوان وهتفت :
-خلاص يا سارة مافيهاش حاجة.... اخرجى.... خدى "منة" أو "على" حد منهم يكون معاكوا.
وهنا تعالت هتافات الصغيرين يتنافس كل منهما على الذهاب ، لتحدجهم أمهم بنظرة غاضبة هدأت من ضجيجهم وتعاركهم..... لتهتف سارة وهى تتنقل بعينها بين ثلاثتهم :
- خلاص يا على... خلاص يا منة
ماما انا هاخدهم الاتنين معايا .
ورغم اعتراض والدتها وحنقها خشية انزعاج خطيب ابنتها أو ما شابه ، إلى أن سارة أصرت أن تصطحب شقيقيها معها .
وحل المساء لتكون سارة قد أعدت نفسها وتأكدت من جاهزية شقيقيها.... اقتربت منها والدتها تقول بتوجس:
- مش المفروض كنتى كلمتى خطيبك وعرفتيه ان الاتنين رايحين معاكى.
لترد سارة باعتراض :
- ماما الموضوع مش مستاهل كل ده .... هو أكيد مش هيحددلى آخد مين معايا هو سابنى أختار واقرر ومايعرفش أصلا مين إللى جاى ... ولو كان عايز يعرف ومهتم زى ما انتى متخيلة كده كان اتصل ..... وبعدين دى فرصة لعلى ومنة يغيروا جو .
دقائق معدودة وكان عبدالرحمن قد وصل بسيارته ..... ليصفها أم البناية ويصعد إلى شقة سارة ....
وحتى قرع جرس الباب ....تأكدت سارة من وصوله ....لتأمر أخويها بالإسراع من أجل الذهاب ..... بينما توجهت سامية إلى الباب لتفتحه وتستقبل بعبدالرحمن بترحيب :
-أهلا يا عبدالرحمن أخبارك أيه ؟
-أهلا بحضرتك يا طنط أنا تمام ..... انتوا ايه الأخبار ؟
-احنا بخير الحمد لله اتفضل .
- ماما عامله أيه سلملى عليها كتير .
لم يركز عبدالرحمن ف ى آخر جملة قالتها والدة خطيبته.... فبمجرد أن دلف للداخل تصلبت أنظاره على سارة التى كانت تشرف عليه بوجهها المشرق فى حجابها الزهرى اللون.... بشكل لاشعورى ابتسم لها لتبادله ابتسامة عادية لا ترقى لأن تكون بين حبيبين!
قالت تشير لأخويها :
-يلا بينا .
لتهتف سامية بدورها لأطفالها:
-كونوا مؤدبين .
ليودع كل من سارة وعبدالرحمن سامية ويستقل الرباعى سيارة عبدالرحمن فى طريقهم لنزهة قصيرة تحت أنظار والدة سارة التى راقبتهم من الشرفة بالأعلى.
....
صف السيارة أمام إحدى المطاعم الراقية فى المدينة ليترجلوا جميعا من السيارة .... أمسك عبدالرحمن بيد الصغيرة بينما أمسكت سارة بيد أخيها متجهين إلى الداخل .
لم تطلب سارة وجبة عشاء دسمة أو ماشابه رغم إلحاح عبدالرحمن الذى قوبل منها بالرفض القاطع الذى ضايقه بعض الشئ .... هو يرغب أن يلغى المسافات ويشعرها بأنه لا فرق بينهما فهى خطيبته وستصير عاجلاً أم آجلاً زوجته .... اكتفت فقط بطلب ساندوتشات "الشاورما" الساخنة لها ولشقيقيها الذين لم تطلب رأيهم من الأساس .... ليستجيب عبدالرحمن لطلبها ويضيف عليه العصائر الطازجة .... وبينما يتناول الجميع طعامهم بسعادة ، أشارت "منة" إلى أختها الكبرى تميل عليها وتهمس لها بعبارة ما .... ليكون رد سارة بالرفض :
-لأ .... مش وقته .
استنتج عبدالرحمن رغبة الصغيرة وهو مشاركة الأطفال اللعب فى الساحة المخصصة لهم ليبتسم يتأمل الفتاة المنزعجة والتى أجزم أنها لن تختلف كثيرا عن سارة عندما تكبر ....فهى تشاركها عنادها وعنفوانها المصحوب بالرقة ....حتى نفس الطريقة عند الاحتقان والغضب .... ابتسم قائلا بعطف يوجه حديثه للصغيرة تحت أنظار سارة الغير مبالية لاعتراض أختها :
- أيه رأيكوا نروح هناك شوية ؟
أشار بعينه للمكان .
لتتهلل أسارير منة تلقائيا وتتسع ابتسامتها بفرحة جلية ....ورغم اعتراض سارة لم يمهلها عبدالرحمن فرصة ليمسك بكفىّ الصغيرين ويتوجه بهما إلى المكان المخصص للألعاب تحت أنظار سارة المتأملة بحيرة .....لا تنكر أن تصرفات عبدالرحمن قد نالت إعجابها حتى لو لم تظهر له ذلك ....فترحيبه بشقيقيها وتلبية رغباتهم دون أى تذمر أو انزعاج أو حتى ضيق من إحضارهما بالأساس جدير بالثناء والإعجاب حقا .....بينما على الجانب الآخر رأى عبدالرحمن أن إبعاد الصغيرين وذهابهم من أجل اللعب فرصة لأن ينفرد بخطيبته قليلا ويتحدث إليها فهو يشعر أنها دوما بعيدة عنه حتى وإن كانت معه ودائما لايكتفى من الحديث معها ..... دقيقتين وأقبل على سارة يعيد كرسيه المقابل لها ويجلس .... لتكلف سارة نفسها عناء الابتسام إليه وتتمتم بامتنان :
-ماكنتش عايزه اتعبك بس انت أصريت .... شكرا .
ليقول وهو يتأملها بحبٍ :
-ماتقوليش كده أبداً أنا ماعملتش حاجة وبعدين هما زى اخواتى الصغيرين بالظبط .
أطرقت رأسها مبتسمة ....ليتابع عبدالرحمن بحرص :
- كنت عايز اخد رأيك فى حاجة كده .
-حاجة أيه ؟
أردف وهو لا يحيد ببصره عنها :
- بصراحة كنت بفكر نقدم كتب الكتاب بحيث يبقى بعد ماتخلصى السنة الأخيرة فى الجامعة على طول .... أنا شايف ان فى وقت كبير ممكن نستغله ونتجوز .... أيه رأيك ؟
قطبت سارة تفكر..... تشعر بأنها ليس لديها رد لتخبره.... ازدردت ريقها.... تحاول رفع حرج انتظاره لجوابها لتهتف :
- هو بصراحة انا اتفاجئت وحاليا مش عارفه افكر .... ادينى فرصة أقول لماما وأفكر انا مع نفسى.
واستطردت بنبرة عادية:
-كمان انا شايفه ان الفترة بعد التخرج مش كبيرة أوى .... شهرين تقريبا أو تلاته بس !
أومأ عبد الرحمن متفهما :
-عموما هو كان اقتراح وصدقينى الهدف منه بس هو استغلال الوقت اللى هيضيع واللى احنا أولى بيه ده كان قصدى.... فى النهاية القرار قرارك تقدرى تفكرى براحتك وتعرفينى.
.....
بالكاد استطاع نزع ملابسه ليرمى بثقل جسده على الفراش ....لقد كان يوما مرهقا بحق .... منذ وصوله قبيل الضحى وهو لم يجلس أو يأخذ فترات راحة بين الأماكن السياحية والفنادق ....ليقضى معظم يومه واقفا.... يحلم ببضع ساعات نوم يعوض بها الأربع ساعات فقط الذى استطاع النوم فيهم بالأمس .... وفور أن أغمض عينيه يستعد للنوم وجد نفسه يلتقط هاتفه..... يريد أن يتحدث إلى سارة .
كان على اتصال مع علاء اليوم ولكنه لم يتصل بها لضيق وقته .... هو اعتاد على رؤيتها بشكل يومى وأصبحت جزء مهم فى يومه .... لابد أن يتحدث إليها .
....
بدلت ملابسها بعد أن وصلت إلى المنزل وودعت عبدالرحمن وكان باستقبالهم والدتها .... كانت نزهة لا بأس بها والأهم أن شقيقيها كانا سعداء الليلة .
جلست على سريرها تفكر بما قاله خطيبها ونيته فى تقديم الزواج بضعة أشهر .... حتى أوقفها عن التفكير صوت اهتزاز هاتفها الذى أضاء برقمٍ من دون إسم .... لتجيب على المتصل :
-ألو ...
-ألو .... ازيك يا سارة
تجمدت لثوان تستوعب صوت المتصل صاحب تلك البحة الرجولية المميزة والتى بالطبع كشفته من أول حرف نطق به ..... تسائلت بدهشة :
-أستاذ كريم ؟!!
عقد كريم حاجبيه باستغراب :
- انتى مش مسجلة رقمى عندك ؟
استشعرت سارة الحرج والخجل لاكتشافه بأن اسمه غير مسجل على هاتفها .... ولكنه بالطبع سيلتمس لها العذر لو عرف أنها قد نسيت حفظ رقمه .... تنحنحت تقول بخجل :
-آسفه انا بس نسيت.
شعور غامض تملك كريم ليردف:
-عموما ده رقمى سجليه عندك .... المهم دلوقتى طمنينى أخبار الشغل النهاردة أيه ؟
سردت سارة التى حاولت تجنب شعورها بالحرج وتلك السخونة المصاحبة للاحمرار فى وجنتيها تفاصيل ما حدث فى العمل وما قامت بإنجازه هذا اليوم الذى غاب فيه عن الشركة ....بينما كان كريم منصتا باهتمام لما تقول .
-جميل .... بالنسبة للمندوبين انا لما ارجع ليا اجتماع معاهم أصلا بس أخلص شغلى هنا.... فى حاجة تانية ؟
- لا .
-تمام تصبحى على خير.
بعد أن تفوه بالوداع وإنهاء المكالمة استلقت سارة على سريرها تهدّئ من تلك النبضات المتعالية .... تستحق تحية نفسها على هذا الثبات الزائف الذى أظهرته بعد أمر عدم تسجيلها لاسمه ..... تتمنى حقا لو أنه لم ينعتها بالساذجة الآن.
"كيف نسيتى حفظ رقم رئيس عملك يا سارة "
بينما كريم هو الآخر كان فى موقف لا يحسد عليه.... لقد فكر أولاً فى طلب رقم سارة والتحدث إليها بينما لم يفكر فى طلب خطيبته ؟!!
هل الحديث إلى تلك السارة أمتع وأكثر تشويقا من التحدث مع مى وهى الأجدر بذلك ؟!
ابتسم ساخرا عندما تذكر حديثه مع مى آخر لقاء بينهما كيف كانت تلتهم حروفه القليلة بحواسها ونظراتها التى دوما كانت وكأنها تطالبه بالمزيد من الكلمات .... ماذا عن سارة التى تجيب على قدر السؤال فقط !!
إنها لا تتواصل معه بعينيها إلا قليلا !
والأسوأ أنها كانت قد نسيت حفظ رقمه على هاتفها هو رئيس عملها ! أو ربما تناست أصلا !!
ولكن الآن ضميره يحثه على الاتصال بِمى والتحدث إليها ولو قليلا .... رغم أنه يكافح من أجل النوم .... دعا الله ألا يلمس النعاس كلامه أو تشعر هى بشئ من هذا القبيل .
.....
بعد قليل دلفت والدة مى إلى غرفة ابنتها التى كانت تتحدث فى الهاتف .... لتستنتج بعدها أنها كانت تتكلم مع كريم .... وجدت مى تنهى المكالمة لتقول هناء:
- ده كريم ؟
هزت مى رأسها بنعم:
-اه كريم .
-أخباره أيه ؟
- هو تمام بس صوته بيقول انه عايز ينام أو مجهد فى الشغل شوية ومحتاج يرتاح .
أومأت هناء بتفهم لتردف :
-طب تمام.... أنا كمان هسيبك تنامى دلوقتى أنا قولت اتطمن عليكى ... تصبحى على خير .
منحت مى أمها قبلة فى الهواء .... لتبتسم لها هناء وتغادر .... بينما ذهنها مشغول !
هى تتمنى السعادة لابنتها بالطبع ولكن مع شخص يحبها بصدق ويتمسك بها .... فهى لا تريد أبدا أن تكرر ابنتها تجربة أمها مع أبيها رغم التعامل السلمى بينهما قبل وبعد الانفصال.... كريم حتى الآن لم يقنعها بشكل يردع شكوكها وظنونها ....ردوده الباردة ، نظراته الجافة ، قلة الشغف تجاه مى، وتأسف لأنها تلحظ ذلك وتركز جيدا..... ولكنها ستعطيه الفرصة وتتمنى حقا أن يخيب ظنها فيه .... ليس لديها سوى مى وستحارب من أجل سعادة ابنتها وأى شئ غير ذلك فسترد بما لا يحمد عقباه .... حتى لو كان كريم بشخصه !
"الفصل السابع عشر"
تقدمت سارة بخطوات أنثوية واثقة تقترب من مكتبه .... ثم بدأت فى سرد أهم الملاحظات والأحداث الهامة التى وقعت فى غيابه .... كان كريم لا يرفع عينيه عن تلك الشابة الواثقة الناعمة التى تقف بكامل هيئتها أمامه وتتحدث بطلاقة ودون تلجلج .... ولكن ثمة شئ أثار ريبته..... شئ جعله يتنقل ببصره بين يديها البيضاوين وعينيها العسليتين.....فى بادئ الأمر قد حاول أن ينفى شكه بل ويقطعه نهائيا وهو أن سارة مخطوبة !!
حاول التركيز أكثر لربما قد أخطأ فى تحديد هوية ذلك الشئ ولكن يشعر بأن ظنونه صحيحة .... ذلك المحبس فى يدها اليمنى التى تتلامس مع يدها اليس رى لتجارى حديثها أثار شئ ما بداخله لا يستطيع تحديده أبداً !
انقطع صوتها أخيرا معلنا نهاية كلامها .... شاور كريم عقله أولا قبل المجازفة فى الأمر وسؤالها إذا كانت قد خُطبت أو لا ولكنه قرر الاستفهام معللاً ذلك لنفسه بأنها مساعدته الشخصية .... خاصة أنها تلك المرة الأولى التى يرى فيها هذا الخاتم .
- إنتى اتخطبتى ولا انا بيتهيألى؟
بملامح مستفهمة وشبه ابتسامة تمنح سؤاله طابع غير رسمى قام بسؤالها وهو يتوقع النفى بل الأصدق قولاً يطلبه لسبب هو الآخر مجهول .... بينما قابلت سارة سؤاله بعلامات الصدمة فجرأته تستدعى ذلك بلا شك .... رفعت حاجبيها تلقائيا وبعد ثوانٍ بدأت ملامحها تعود لطبيعتها لتقول باقتضاب :
- أيوه
رغم إجابتها التى لم يحبها ولم يكن يرغب فى سماعها أراد كريم رفع الحرج عن سارة وتهوين الأمر فمهما كان هو أمر شخصى بالنسبة لها وليس من شأنه .
- سارة أنا بسأل بس من باب العلم بالشئ ....أصل أنا أول مرة أشوفك لابسه دبله.
يا الله كم أنه جذاب ورجولى جدا !
أومأت متفهمة :
-عادى أنا عارفه ان محدش يعرف هنا بس ده لإنى لسه مش واخده عالناس هنا أوى والموضوع جه بسرعة أصلا .
هز كريم رأسه يقول :
-عموما ألف مبروك .
ليس لديها أى إنكار بأن تلك المباركة تحديدا هى أفضل مباركة سمعتها منذ خطوبتها .... كان لها وقع الندى على الأوراق بالنسبة لقلبها.... لتغادر المكتب بعد ذلك وهى تشعر بسعادة داخلية منحتها طاقة لاستكمال يومها .
.....
عندما حان وقت المغادرة جمعت أشيائها تستعد للرحيل .... وعندما وصلت لباب الخروج من الشركة كان بانتظارها مفاجأة غير متوقعة أبدا !
عبدالرحمن بسيارته
فوجئت به ينادى إسمها ليخرج من السيارة ويطل منها أن تركب .... رغم شعورها بالحنق فلم تمنحه ابتسامة حتى إلا أنها فى النهاية امتثلت لطلبه .
وكان يراقب المشهد من أعلى "سينيور كريم" .... والذى تأكد فى نفسه أن هذا الشاب المفتول هو خطيب سارة !
-عرفت مكان الشركة ازاى ؟
تسائلت وهى ترمقه بنظرات شبه منزعجة ليرد عبد الرحمن بابتسامة:
- انتى ناسية انك قولتيلى مكان الشركة ولا أيه ؟
لم تُعقب .....ليردف متوجساً من قلقها :
- سارة انتى اتضايقتى ولا حاجة؟
أنا بس حبيت اعملها مفاجأة واجى اوصلك للبيت المره دى .... لو اتضايقتى عرفينى ؟
لن تكرر مأساة الطبيب مؤيد ويقتلها الذنب لتصرف أو رد فعل أحمق مرتين .... رسمت قناع اللامبالاة والليونة على ملامحها لتقول :
- لا أبدا انا بس اتفاجئت ومكانش ليه لازمه تعبك يعنى .
رد قائلا بصوت محب :
-ولا تعب ولا حاجة تعبك راحة ماتقوليش كده .... بس عايز اطلب منك طلب بقى ويارب ماتكسفينيش.
-طلب أيه ؟
-عايز اخد من وقتك ربع ساعة بس واعزمك على أى حاجة حتى لو " آيس كريم " بس .
ترددت قليلا ثم قالت :
- تمام .... بس .... من غير ماناخد وقت كبير .
ليومئ لها مبتسما وينطلق بسيارته ونشوة سعادة تعتليه مع كل ثانية تمر عليه وهى معه .
.....
راقب خروج بقية زملائه من الغرفة لينفرد بها .... فلا يحب الحديث معها فى ذلك الصخب.. ...كانت مى تلملم شتاتها بعد أن أنهت آخر فقرة من فقراتها الإذاعية لتستعد للرحيل إلى المنزل ....
-هتمشى ولا أيه ؟
رفعت رأسها لمصدر الصوت .... كان زميلها فى العمل "لؤى"
ابتسمت له تلك الابتسامة التى تذيب أعصابه ذوباناً لتقول :
-اه خلاص كده كانت آخر فقرة .
أراد الدخول فى أى حوار معها قد يجعلها تتمهل فى الرحيل .... يكفيه من العناء أمر علمه بخطبتها لرئيس إحدى الشركات السياحية الكبيرة فى البلد ..... ورغم تعهده لنفسه أن يكون رؤوفاً رحيما بقلبه ويبتعد عنها قدر الإمكان إلا أنه لم يستطع أبداً ليؤكد أنه أضعف من وعده بكثير .
تأمل خصلاتها الذهبية التى تنزل على جانبى وجهها مع انحناءة جسدها وهى تلملم أغراضها ....
شعور صعب جداً أن كل هذا الحسن محرم عليه وليس من حقه !
وسيكون لغيره ذات يوم !!!
ابتلع غصة فى حلقه ليقول :
-معلش يا مى انا لو مش هضايقك .... عايز ربع ساعة من وقتك بس .... لتستقيم وترجع خصلاتها لمكانها تتطلع فيه بنظرات بريئة قائلة :
-طبعا .
.....
فى اليوم التالى وبعد أن انتهت سارة من عملها قررت تنفيذ ماكانت تنتظر أن يحين الوقت له .... ستذهب إلى مؤيد .... ليس لتقديم اعتذار فقط .... ولكن لتوضيح الأمر والدفاع عن نفسها أيضا وكذلك إراحة ضميرها الذى لم يهدأ بعد .
وصلت إلى الصيدلية التى كلما اقتربت منها كانت ذكرياتها معها تراودها .... أربع سنوات من العمل بها ليسوا بفترة هينة !
تتمنى فقط أن تجد الطبيب ....
دلفت ليلفحها هواء المكيف البارد ..... كان مؤيد يولى ظهره ويبدو أنه كان يتفحص دواء ما ..... ولحسن حظها أنه كان بمفرده فى الصيدلية .
تنحنحت تصدر صوتا ينبهه لوجودها ليستدير إلى مصدر الصوت وتظهر علامات الدهشة على وجهه ذو الذقن النابتة.....
- سارة!
-ازاى حضرتك يا دكتور أخبارك أيه ؟
رد مؤيد وهو مازال تحت تأثير تفاجئه بوجودها ماثلة أمامه :
- تمام الحمدلله.... انتى أخبارك ايه ؟
-الحمدلله.... كنت بصراحة محتاجة أتكلم مع حضرتك شوية بس مش هاخد من وقتك كتير ان شاء الله.
ترك علبة الدواء من يده وانتصب أكثر فى وقفته وحواسه كلها تحت أسرها هى ....
قالت سارة بنبرة عادية تخفى توجسها الداخلى :
- بصراحة أنا جايه اعتذر لحضرتك عن أى تصرف سخيف أو طفولى أنا عملته .... حضرتك أكيد فاهم قصدى بس أنا فعلا فهمت الموضوع بشكل غلط فأتمنى بجد تكون مش زعلان أو فى حاجة بيننا .
مجيئها وحده أذاب كل جمود واضطراب بينهما .... للحظة تناسى مؤيد صاحب القلب الأبيض الخلاف من الأساس ..... ليعقب بابتسامة صغيرة :
-ولا يهمك يا سارة...... ماتحطيش فى بالك أبدا .... إحنا عِشرة أصلا وخلاف بسيط زى ده مش ممكن أبدا هيغير من نظرتى ليكى .
ثم استدرك مصححاً :
-فى حدود الشغل طبعا .
-أتمنى ده بجد .... حضرتك شخص محترم جدا وانا بعزك .... بعتذر عن أى سوء تفاهم مرة تانية .
-ولا يهمك .....صحيح.... ألف مبروك عالخطوبة ... أنا عارفه انى قولتها بطريقة مش حلوة آخر مرة اتكلمنا فيها بس آسف.... مبروك وان شاء الله ربنا يتمم على خير .
لم تملك سارة سوى أن تبتسم ابتسامة حقيقية هذه المرة رغم انزعاجها من الموقف برمته لتهتف :
-بالتوفيق ..... سلام .
"الحياة مواقف نتعلم منها ..... ليس ضرورى ولا يمكن أن تسير دائما بالشكل الذى نريد .... كما أنها قصيرة جدا والأمر أبسط .... إن أخطأت فاعتذر "
....
- أنا معجب بسارة.
تصلب علاء لثوان حتى هتف بغباء :
- سارة مين ؟
هنا انزعجت ملامح كريم ليزفر بحنق بالغ :
- سارة السكرتيرة بتاعتى يا علاء فى أيه مالك صحصح...انت واكل ايه عالصبح ؟
ليردف علاء :
-احنا بالليل مش الصبح !
-قوم يا علاء إمشى انا غلطان إنى قررت اكلمك أصلا .
هتف علاء بجدية هذه المرة :
- لا بجد !!!
انت متأكد من إللى بتقوله ده ؟!
أومأ كريم يرمق صديقه بأسفٍ .... ليستطرد علاء :
-سارة الجوهرى ؟!
السكرتيرة !!!
انت متأكد يا كريم ؟ يعنى متأكد ان ده مش مجرد شعور كده عادى زى أى بنت وخلاص ؟
بس انت خاطب !!!!!!!
هز كريم رأسه يقول :
- أيوه.... وكل يوم بتأكد أكتر ... . ودى المشكلة ان انا خاطب.... بس بجد يا علاء سارة بحس معاها باللى مش بحسه مع مى خالص .
-ازاى ؟
-معرفش .... بكون مرتاح معاها قوى .... حاسس ان هى دى البنت اللى انا عايزها .... من أول يوم جات فيه الشركة وانا أعجبت بيها بس مكانش إعجاب زى دلوقتى كده خالص ....
كانت تعبيرات الصدمة هى رد فعل علاء على كلام صديقه "الخطير جدا" من وجهة نظره ....
لم يمنح علاء لكريم إجابة تهدئ من اشتعاله ..... فالصدمة كانت أكبر ليترك كريم بعد ذلك متخبطاً فى مشاعره لا يعرف ماذا عليه فعله .... شاب مخطوب يقع فى براثن فتاة مخطوبة فكيف السبيل إلى الخروج من