رواية عنيدة فى قلبي
"الفصل العشرون والواحد والعشرون
"
رغم تحفظها على مجيئه إليها فى مقر عملها المرة السابقة....إلى أن عبد الرحمن قرر أن يذهب إلى سارة هذه المرة أيضاً ويوصلها بسيارته ، بل ويطمع فى وجبة غداء معها .
لم يرغب فى انتظارها أكثر من ذلك خاصة وأنها لا تجيب على هاتفها .... ظن أنها قد تكون فكرة جيدة إذا صعد إليها بنفسه ورأى الشركة من الداخل ... لديه فضول أن يعرف ويرى الكثير والكثير ، ويُمَنّى نفسه باستقبال لطيف منها .... ترجّل من السيارة يلج إلى الداخل ..
فى الشركة خرجت سارة من مكتبها وتركت أغراضها به .... وتوجهت إلى الخارج ....كانت لدى كريم رغبة فى حضورها وعندما رآها أسرع بإنهاء حواره مع أحد المندوبين للشركة.... تأملت سارة المشهد .... يبدو الشاب فى مثل عُمر كريم.... ولكن شتان !
كريم متأنق بقميصه الأبيض المشمّر لأعلى مرفقه أسفله بنطال من الجينز الأزرق ....كانت أول مرة تقريبا تراه بهذه الإطلالة التى خلت من السترة فوق القميص ....كريم جذاب ....جذاب
جداً ...لست بحاجة لتلحظ ذلك عن قرب فقط .... هو لديه هالة وجاذبية تحيط به .....قامة طويلة وشعر بنى قصير يميزه أما البشرة فهى حنطية ليست سمراء... عطره الرائع المميز المرافق له دائماً يشعل حواسها وينعشها ....
أفاقت على صوته المصاحب لاقترابه منها .... لاحظت سارة ملامحه المرتخية التى تميل للابتسام والتى أصبحت تلازمه مؤخرا ، وفى كل مرة يراها ....
صعد لأعلى وحتى ظن أنه قد يجهل الطريق إلى مكتبها حقا، قرر عبد الرحمن التوقف وسؤال أحدهم .... ولكنه استوقفه شئ ما .... شئ ما إن تأكد منه حتى احتقن بشدة ....سارة
خطيبته تقف فى مواجهة شاب لا يفصله عنها سوى مسافة قصيرة جدا .... شاب وقح منتصب فى وقفته يضع كلتا يديه فى جيبى بنطاله ويبتسم لخطيبته ابتسامة شخص حالم .... وكأنه يغازلها !!
اقترب منهما حتى التقطت أذنه ما أشعل الحرائق بداخله .... كان الشاب باقياً على ابتسامته وهو يقول متأملاً سارة "بحب أشوف ضحكتك .... ضحكتك جمييييلة" ولا شعوريا وجد
عبدالرحمن نفسه يسرع نحو الشاب ويقبض على تلابيبه بعنف وغضب .... لتشهق سارة بصدمة تضع يدها المرتجفة على فمها وتدور بعينيها بين كل من عبدالرحمن وكريم الذى استنتج على
الفور أن هذا الشخص هو خطيب سارة وما لبث أن دفع الشاب بكل قوته إلى الخلف يصرفه عنه ليبدأ بعد ذلك حوار الأعين بين الثلاثى !
.....
كان غاضباً جداً ....منذ قليل طلب منها أن تلملم أغراضها ليغادرا الشركة بعد ذلك فى صمت تحت نظرات كريم الحارقة ومناداته لسارة التى بالطبع لم ترد .
كانت سارة جالسة تزرف بصمت بعد أن انطلق بالسيارة ليبتعد قليلاً عن المبنى ثم أوقفها والتفت لها ليتحدث وهو مازال لم يهدأ من غضبة "سارة تقدرى ت...." هنا اندلعت شرارات الغضب من سارة فلم تستطع كبحها أكثر من ذلك لتقاطعه بحدة " أيه اللى انت عملته ده ؟ "
"أنا مش قادرة استوعب انك عملت كده بجد !! "
أغاظه بشدة دفاعها عن ذلك الشاب وعن نفسها أيضا فما رآه بعينه ليس سهلا أبداً ويحتاج لوقفة لا أن يمر مرور الكرام !!
كيف تتحدث بهذا الشكل وهى شريكة فى ذلك الموقف ؟! ....إنها خطيبته ولابد أن تراعى غيبته قبل حضوره ! ....تلقائياً وجد نفسه يصيح بها "انتى كمان شايفه انى غلطت !!"
"واحد واقف معاكى بيقولك كلام زى ده عايزانى اقف اتفرج ؟!!!! " .... هتفت سارة "إللى كان واقف معايا ده رئيس الشركة واللى انا بشتغل مساعدة ليه .... وأكيد كنت هوقفه عند حده لو تجاوز معايا لكن انت أصلا مادتليش فرصة ودخلت تتخانق
على طول .... انت أحرجتنى أوى " ....كانت تتحدث بنبرة مختنقة .... أدار عبدالرحمن وجهه ناحية النافذة وهو يزفر بحنق ....ليفاجأ بحركة يد سارة التى فتحت باب السيارة وخرجت منها مسرعة .... ناداها ولكنها لم تجب ليستسلم ويدعها تمضى ...
.....
ذهابها للعمل فى الأيام الماضية كان متقطعاً .... مازالت لم تتجاوز كلياً مرحلة ما بعد الانفصال عن شخص أحبته بكل جوارحها وانتظرت المقابل ولكنها لم تجده !!
أطرقت هناء باب غرفتها ودخلت تحمل بيدها مشروبا بارداً ثم جلست على الفراش إلى جوار ابنتها ...
"لقيتك مانزلتيش الإذاعة النهاردة قولت يبقى مش هتروحى"
هزت مى رأسها "أيوه فعلا حسيت ان ماليش مزاج انزل النهاردة" ....
هناء تعلم جيدا أن ابنتها لم تتعافى بالشكل المطلوب منذ أن فسخت خطبتها وهذا ما يجعلها تبدو بتلك الحالة الكئيبة .... نظرت لها لتقول "مى اسمعينى كويس"
"إحنا اتكلمنا كتير الفترة اللى فاتت بس إللى قولتهولك كوم واللى جاى ده كوم تانى " .....كانت مى تنظر لأمها بعينين لامعتين كعادتها مؤخراً .... كلما تحدث إليها أحدهم تتجمع
العبرات فى عينيها بشكل لا إرادى حتى بات الأمر يزعجها !! ..... قالت هناء بنبرة قوية وهى تحدق فى ابنتها "شغلك أهم ما فى حياتك ....مش عايزه أسمع فى يوم إنك مكسله تنزلى
أو مالكيش مزاج لأى سبب من الأسباب .... كريم تنسيه.... بينزل شغله هو كمان وعايش حياته .... مش سامع أصلا بحالتك وكلها أيام وهتلاقيه خاطب بمنتهى السهولة "
هنا زرفت مى تلقائياً وبداخلها يشتعل غيظاً وجرحاً من كلام والدتها التى احتوت وجهها بين راحتى يدها تستطرد "عايزاه لما يسمع عنك يسمع انك فى شغلك ومكملة فى حياتك وكإن مفيش أى حاجة حصلت مفهوم ؟...."
لتحتضن هناء ابنتها بعد ذلك وتمسد على ظهرها عدة مرات وكأنها تبث إليها القوة والاحتواء فى نفس الوقت ... وتغادر تاركة مى فى أفكارها .
....
منذ أن عادت وهى بغرفتها على فراشها تعيد ما حدث فى ذاكرتها مئات المرات .... تارة تبكى وتارة فهى صامتة .... لم تتذوق الطعام ....حاولت سامية استدراجها لمعرفة ما حدث ولكنها صاحت بها "كلميه واسأليه خليه يقولك" لتعرف بالطبع أن المقصود هو عبدالرحمن !
رنين جرس المنزل جعلها تذهب لتفتح الباب ولم تشكك أن يكون أحداً غيره خطيب ابنتها الذى كلمته لتعرف ما حدث حتى تعود ابنتها للمنزل بتلك الحالة بناء على اتهامها له !!
"اتفضل يا عبدالرحمن .... تشرب أيه ؟"
كان عبد الرحمن متضايقاً على غير عادته وقد لاحظت ذلك منذ أن رأته ..."أنا مش جاى اتضايف يا طنط المره دى ...انا بس عايز سارة فى كلمتين على انفراد.... لو سمحتى"
أومأت سامية ودلفت إلى غرفة سارة تستدعيها .....
بالكاد خرجت لمقابلته فى الشرفة .... كانت عابسة يغزو الاحتقان وجهها المحمر من آثار الغضب والبكاء ...ولكم تبدو محببة إليه ولذيذة حين ذاك !! .... لم تنظر إليه حتى تحدث
بكلمات روتينية تقليدية يدعوها فيها لتناسى ما حدث "من الآخر انا جاى اقولك ننسى إللى فات ونبدأ صفحة جديدة "
خنقتها العبرات ولكنها قاومت وتحاملت حتى تقولها " عبدالرحمن انا آسفة....بس بجد مش هقدر اظلمك أكتر من كده!! "
انتابه القلق الشديد ....لكنه كذّب ظنونه وحدسه لعله مخطئ !.... حتى قالت "احنا مش هينفع نكمل مع بعض وتحديداً بعد إللى حصل ده ....أنا مش هعرف اتعامل معاك تانى ....صدقنى هظلمك معايا اوى .... أنا آسفه جدا "
وتحت نظراته المصدومة قامت بنزع خاتم الخطبة من يدها اليمنى ووضعته أمامها على الطاولة ....لم تمنحه حتى نظرة الوداع....تركته لصدمته وغادرت .
بالخارج وجدت سامية عبدالرحمن يخرج مسرعاً ولم يلتفت إليها وهو يغادر .... نادته ولم يعرها أى انتباه .... تاركاً الباب من خلفه ليخرج إلى حيث لا عودة !!
أسرعت إلى غرفة سارة الجالسة على طرف فراشها لتستفهم منها بقلق شديد عن سبب وجود عبدالرحمن على تلك الحالة منذ قليل "هو حصل ايه ؟ .... ماله عبد الرحمن؟" ....تطلعت إليها سارة بنظرات واهنة "انفصلنا" .
.....
قضى ليله يفكر ويفكر حتى أرهقه الأمر .... لم تعنيه إهانة عبد الرحمن وقبضه على مقدمة قميصه بقدر ما آلامه بشدة مشهد امتثال سارة لما طلب ذلك الوغد وانصياعها لرغبته فى الرحيل.... بات يخشى الآن أن يطلب منها الاستقالة من العمل .... وهل سيمهلها عبد الرحمن الفرصة أصلا بأن يستقيل
؟....مايعرفه هو أنه يزداد تصميماً على أن تكون سارة له ....لا ليست مجرد رغبة وحسب .... إنه شعور قوى وأمر محتوم سيحدث ولابد له أن يحدث .... فقط بنتظر أن تحين الفرصة وسيلتهمها التهاماً ....حتى لو كلفه الأمر .... سارة أصبحت تعنيه بلا جدال أو نقاش ....ولا بد أن تكون خاصته.... خاصته هو .
"الفصل الحادى والعشرون"
سعادة عارمة اجتاحته الأيام الماضية ومازال فور أن سمع صدفةً من زميلتيه اللتان كانتا تتهامسان بأمر انفصال مى عن خطيبها الغنى الوسيم .... بعد أن لاحظ غياب مى لمدة يومين عن الإذاعة ليعلم لاحقاً بحقيقة الأمر الذى لم يكن يتوقعه مطلقاً....
لن يندم للمرة الثانية....مى فتاة جميلة ذات حسب ونسب ومؤكد ستكون تحت أنظار غيره وإن لم يستغل الفرصة ويتخذ خطوة معها فستكون النتيجة غير محمودة بالطبع....سيستفيد
من فترة النقاهة الحالية التى تعيشها بعد الانفصال رغم أنها ليست كعادتها أبداً وتبدو مختلفة عن الفترة الماضية ....يعلم أن الطريق ليس ممهداً له....ويعلم أيضاً أنه سيبذل مجهوداً مضنياً لبلوغ هدفه....ولكن يبقى ثمة أمر ما يجعله على رغبة فى مواصلة طريقه والتغلب على العوائق....
رغم أنه أنهى عمله اليوم باكراً.... قرر لؤى انتظار مى ريثما تنتهى من برنامجها الإذاعى هى الأخرى ويذهب للتحدث
إليها....وبالفعل...دلف إليها لتنتبه له وترمقه بابتسامة ناعمة بادلها إياها بحماس ....
"هتمشى ؟"
أومأت مى بإنهاك بادى "همشى.... تعبت أوى النهاردة كان يوم مرهق"
وكأن لسان حال لؤى"لماذا حظى سيئاً إلى هذا الحد؟!!"
أُحبط بعض الشئ ولكنه أصر...."بصراحة كنت عايز اعزمك على فنجان قهوة لإنى محتاج اتكلم معاكى شوية .... بس لو انتى مرهقة خلاص يبقى مرة تانية"
كان يتحدث وهو لا يحيد بعينيه عنها .... يُمنّى نفسه بقبولها وكان لديه إحساسٌ أنها لن ترفض فهى إنسانة طيبة القلب وهو أكثر من يعلم ذلك ....قد يوحى مظهرها بهذا الشعر الذهبى الخيوط والوجه الأبيض والقوام الرشيق بأنها امرأة متعالية
خاصة مع الغنج الذى تتّبعه فى خطواتها....ولكنه على يقين أن هذا ليس سوى شكلاً يغلّف كائن أنثوى رقيق بداخله.
هزت رأسها قائلة "لا أبداً ماعنديش مانع....موافقة"
بعد قليل كانا يجلسان سوياً .... كان المكان هادئاً .....ما شجع لؤى على التفوه بما لديه .
....
وصل إلى عمله مبكراً عن موعده ....يحاول ردع هواجسه وظنونه التى تخبره بأنها لن تأتى مجدداً للعمل ....بل لن تأتى أبداً !!
جلس فى مكتبه ينتظرها....ثم خرج ليرى أن مكتبها أصبح مغلقاً .... هذا يعنى أنها جاءت ! تمنى ذلك ...
طرق الباب ليأتيه صوتها الناعم "ادخل" ....أدار المقبض لينفتح الباب وتظهر هيئته من الخلف .... تلاقت الأعين لثوانٍ ....ثم نهضت سارة من مكانها بعد ذلك لتقف فى مواجهته ويفصل بينهما المكتب ....
"صباح الخير"
ردت "صباح النور"
بداخلها تشعر بحرج شديد حيال ما حدث أمس ولكنها حاولت جاهدة أن تبدو بشكل طبيعى .... رغم أنها مازالت لم تستوعب بالقدر الكافى أنها أنهت خطبتها حتى الآن ....ورغم الشعور
أحياناً بتأنيب الضمير قليلاً تجاه خطيبها السابق إلا أن شعورها بأنها قد نالت حريتها أو استعادتها مجدداً لهو أفضل.
"من غير ما اتكلم كتير انا جاى اعتذر لك عن اللى حصل امبارح ....يعنى لو كان سببلك أى إحراج ....هو أصلاً كان سوء تفاهم من خطيبك"
كانت نبرة صوته عادية إلى أن نطق كلمة "خطيبك"
بدت نبرته حينها متهدجة وهو من الأساس كان ينطقها مرغماً وعلى كره..... كان شاغل سارة الآن هو تصحيح الأمر !....بادرت لتقول بهدوء وهى تومئ برأسها "حصل خير....بس
..أنا وعبدالرحمن انفصلنا يعنى خلاص هو مش خطيبى" وأخفضت بصرها بعد ذلك !
لاشعورياً وبشكل غير مسبوق تعالت دقات قلب كريم طرباً بهذه الخبرية الصباحية التى يتلقاها من فم من لمست قلبه
وتزداد توغلاً فيه يوماً بعد يوم .... دقيقة صمت استغرقها يستوعب ما سمع.... وجد نفسه بعد ذلك ينهى اللقاء دى لا يفتضح أمره !!...
"تمام .... هسيبك دلوقتى"
رمقها بنظرة أخيرة أعمق واستدار ليغادر ....تاركاً سارة فى حيرتها.
.....
"لؤى قلقتنى....هو الموضوع صعب للدرجة دى ؟!...ياريت لو تقول على طول"
نظر إليها ملياً ....لن يماطل أكثر من ذلك ....هى فى الأساس مرهقة وترغب فى المغادرة...."كُفَّ عن الحماقة يا لؤى وتحدث...سواء قبلت الأمر أو رفضته أو أياً كان رد فعلها فلابد
ستعرف " بهذه الكلمات شجع نفسه ليقول بعد ذلك.... "بصراحة يا مى أنا معجب بيكى جدا وابقى كداب لو قولت انه مجرد إعجاب .... مى أنا بحبك"
مهلاً .... لم يكن يسيراً عليها أبداً استيعاب تلك الجرعة مرة واحدة !!
تابع لؤى الذى لم يمنحها الفرصة لالتقاط أنفاسها "أنا عارف ان انفصالك معداش عليه وقت طويل وممكن اكون اتسرعت
شوية .... بس صدقينى أنا فكرت كتير قوى وخوفت بجد ومازلت هموت من الخوف ان حد ياخدك منى" ....كان يتحدث بنبرة محبٍ خالصة تحررت من كل القيود ...."أنا مستعد لأى
حاجة وأى قرار هتاخديه أو أى رد فعل هتقبله .... هديكى الوقت إللى تحبيه تفكرى....عارف انى فاجئتك أوى بس
ماقدرتش اصبر وماستغلش الفرصة ....آسف" كانت تحدق فيه بصمت ....لؤى الذى أمامها يختلف كثيراً عن كونه زميل عملها .... رمشت وهى تنظر أمامها لا تعرف بما ستقول !...للمرة.
الأولى تشعر بأنها ذات قيمة حقيقية غير مزيفة ولا هزلية .... ذلك الفيضان من المشاعر الذى أطلقه لؤى جعلها تعيد اكتشاف نفسها مرة أخرى وكأنها زهرة ذابلة ارتوت للتو وعادت لها الحياة .
....
بعد أن صعقت لما أخبرتها به ابنتها عن إنهاء الخطبة وهى فى حالة من الحيرة والوجوم لا تدرى ماذا تفعل .... تشعر بأنها عاجزة عن فعل أى شئ ....إضافة إلى أن لامبالاة سارة تثير فيها الحنق والغضب الشديدين....فقد اكتشفت متأخراً بأن ابنتها ليست ميالة لخطيبها.
حسمت أمرها بالذهاب لبيت عبدالرحمن ولقاء والدته التى حتماً أنها غاضبة منتكسة الآن....ولوضع النقاط على الأحرف والاستفهام أكثر من عبدالرحمن عن حقيقة الأمر وأسبابه التى لا تفهمها أبدا من سارة....
كان عبدالرحمن فى المنزل لم يخرج اليوم....فتحت والدته الباب لتجد سامية بمفردها .... لم تقو على الابتسام
للضيفة....قالت "أهلا بيكى اتفضلى" ....انتبه عبدالرحمن للضيف القادم وفور أن لمحها شعر بنغزة فى قلبه آلمته بحق .... ومع ذلك ابتسم ابتسامة ميتة وصافح السيدة ....
"أنتوا طبعاً عارفين انا جاية ليه .... والله لولا معزتى ليكوا انا ماكنتش هاجى وكان ممكن بمكالمة تليفون أريح دماغى بس انتوا غاليين على قلبى"
"كلك زوق يا ام سارة"
آلمه الإسم وتوعد والدته بعد الرحيل لتتعلم ألا تذكر اسمها أبداً أمامه مجدداً .... سيمحيها كما محته فى لحظة وقست عليه"
استطردت سامية "أنا والله ماعرف ده حصل ازاى وليه وحتى سارة بترد بالعافية لما بسألها ومعندهاش استعداد للكلام .... فجيت عشان اعرف من عبدالرحمن وجايز ربنا يهدى الأحوال "
ابتسم ساخراً من جانب فكه.....تبدو له والدة سارة ساذجة هذه اللحظة .... الأمر أكبر مما تتخيله!! ..... وانعكاساً لألمه
هتف "مستنياها تقولك أيه يا طنط !!....بنتك ماكانتش عايزانى أصلا !!....كانت بتستغفلنى طول الوقت ده "
وأضاف ساخر "ده انا كنت فاكر حضرتك جايه وجيبالى الشبكة !"
"عبدالرحمن" هتفت أمه باستنكار تقاطعه.....بينما انزعجت سامية بشدة ...."واضح كده إن الموضوع خلاص يا أم سارة " هتفت والدة عبد الرحمن لترد سامية "عموماً انا كنت جاية
عشان لو حتى محصلش نصيب نبقى خرجنا بالمعروف ومحدش زعلان من حد" .... ونهضت تستعد للمغادرة "عن إذنكم"
أوصلتها إلى الباب وأغلقته لتتوجه إلى ابنها وتقول له "ليه اتكلمت معاها كده !!....الموضوع مش مستاهل انك تنفعل أصلا أنا اجوزك ست ستها البنت دى ....اللى مايقدركش
ماتقدروش" .... لم يعقب عبدالرحمن واستمر واجم الملامح .... لتقترب أمه وتمسد على ذراعه "ماتفكرش كتير .... خلاص اللى عدى عدى" .
.....
"أنا خلاص قررت .... هقول لسارة"
هز علاء رأسه مستفهماً "هتقولها أيه ؟"..... أردف كريم بحرارة "هقولها إنى بحبها وعايز اتجوزها" .... هنا ضحك علاء الذى
رأى أمامه كريم كشخص مراهق وليس شارب فى أواخر العشرينات من العمر .... وامتعضت ملامح الأخير لذلك "بتضحك على أيه .... أنا مابقولش حاجة تضحك !!"
"إهدى يا كريم .... انت مستوعب ؟! .... بتحبها وعايز تتجوزها مرة واحدة كده كتير !!"
ليقول كريم بجدية وتملك "أيوه الاتنين.... أنا عايزها وهخلى فترة الخطوبة ماتطولش"....رفع علاء حاجبيه بدهشة "ده انت مرتب ومخطط لكل حاجة بقى"
أومأ كريم ليقول بثقة "أيوه بس دلوقتى قدامى مشكلة كبيرة لازم احلها....إنى اقنع ماما وبابا بالموضوع...وحتى لو ماقتنعوش أهم حاجة انى مقتنع"
كان علاء مستغرباً بشدة لتحفز صديقه ونظرته للأمور بتلك الثقة ....ولكن طرأ بباله شئ " طب وبالنسبة لسارة .... هى موافقة ؟"
نظر له كريم بتركيز ليضيف بابتسامة واثقة "معندهاش اختيار أصلا .... موافقتها هتكون غصب".
.....
بعد يومين .....
طلب كريم من سارة الحضور إلى مكتبه .... وبعد أن امتثلت لطلبه ....قال لها "عايزك فى موضوع بس مش هينفع نتكلم هنا" ....
فى أقل من نصف ساعة كان يصف سيارته التى اصطحبتهما إلى جانب سور قصير فى أحد الأماكن التى يطلق عليها إسم
"الكورنيش" .... ترجل من السيارة فى صمت لتتبعه بعد ذلك وسط حيرتها....استقبلتها نسمات الهواء الباردة فور أن
نزلت....وعندما توقف التفت ينظر إليها ....لتقول بتساؤل"فى أيه احنا ليه جينا هنا؟" .....اكتسا وجه كريم بالجدية وهو يقول "فى حاجات عايز اقولهالك".....عقدت حاجبيها قليلاً
....ليستطرد كريم " سارة من الآخر كده انا بحبك ....بحبك وعايز تكونى شريكة حياتى" ..... لم تستوعب أبداً ما قاله ....ظلت تحدق فيه بعسليتيها وهو يبادلها النظر....هو يعلم أن
الأمر يستدعى ذلك ولديها الحق ....وحتى استفاقت أخيراً ظهر الامتعاض جلياً على وجهها "نعم؟!" ....ليقول بنفاذ صبر "بحبك يا سارة ....بحبك وعايزك تكونى شريكة حياتى عايز
اتجوزك....فى حاجة مش مفهومة فى إللى بقوله ؟!" ....قالت بحدة "آسفة ....وانا مابحبكش....طلبك مرفوض" .... ألقت بكلماتها فى وجهه بشجاعة لا تعلم من أين أتتها مع شخص هو
المفترض أنه رئيس عملها وولىّ نعمتها.....ثم استدارت لتغادر حتى وجدت يد كريم تمتد إلى ذراعها وتقبض عليه "أنا ماخلصتش كلامى عشان تسيبينى وتمشى" ....نزعت ذراعها
من قبضته بعنف "لو سمحت كده ماينفعش هو عافيه؟!" .....جاءها صوته "أيوه عافيه ممكن افهم معترضة ليه ....أيه المانع عندك؟!" .....يبدو أن جميع الرجال طينة واحدة !! لا
تفهم لماذا لا يتحدثون إلا بنبرة التملك تلك ؟!...."دى حاجة تخصنى....ومش لإنك رئيس الشركة إللى بشتغل فيها ده يديك الحق انك تغصبنى" تنهد وقد لانت ملامحه لعل ذلك يجدى
نفعاً معها ليقول وهو يثبت بصره عليها "سارة أنا بحبك ....افهمينى.... أنا مش بهزر معاكى ولا بستغلك زى ما بتقولى .... إدينا فرصة" .... كلماته داعبتها ولكنها تراجعت ...."سيبنى
أمشى لو سمحت ده مش هيحصل" .... وكادت تذهب حتى اعترض طريقها "لا هيحصل ....هيحصل يا سارة لإنى بحبك" ....كيف تدهشنا الحياة إلى هذا الحد وتأتى بما هو غير متوقع
أبداً ؟!!....مازالت تحت صدمتها ....وتلك الكلمة تقع وقع الصعق على مسامعها .... استمر حوار الأعين بينها وبينه..... حوار طغى عليه التحدى..... فمن سيفرض كلمته ؟!
الفصل الثانى وااعشرون من هنا