رواية عنيده في قلبي الفصل الرابع والعشرون


رواية عنيده في قلبي 
 "الفصل الرابع والعشرون"

 

"أنا مش عارفه إبنى بقى بيفكر ازاى ؟"

نظرت سمية لزوجها بحنق     بعد أن غادرا مع ابنهم منزل سارة وبعد أن اتفق الثلاثى على ما أراد الإبن بإقامة الخطبة وعقد القران معاً ....ليشرع الجميع بعدها بقراءة الفاتحة تمهيداً للعقد الرسمى الغير مسمى الأجل ، ولكنه قريباً.... مط رأفت شفتيه قليلاً للأمام رافعاً كلتا حاجبيه و    هو يقول " شكله مصمم عالبنت دى جامد ...غريبة!! " وأردف ساخراً " والأغرب كمان انه مخطط لكل حاجة وماعرفناش انه عايز يكتب كتابه غير هناك !!" ..... عقبت هناء بحيرة مستغربة "أيه الغريب فيكى يا ست سارة .... ناس عاديين جداً انا توقعتله حاجة أحسن وأرقى من كده ولما قاللى ان     فى واحدة عاجباه انا ماتوقعتش انها تكون دى !!" .....هم رأفت بالنهوض قائلاً " سيبيه على راحته كريم مش صغير وانا واثق فى اختياراته.....انا طالع انام " .....وترك زوجته بأفكارها.

.....

وفى منزل سارة لم تكن أمها بأقل ريبة فى الأمر .

"أيه حكاية كتب الكتاب دى فاجئنا يعنى ؟!"....رمقتها ابنتها بغموض لتستطرد بتساؤل حقيقى"وانا مستغربة انك وافقتى ....انتوا كنتوا متفقين قبل كده؟!"...     .تنهدت سارة ثم هتفت بنبرة توعدية وهى تؤمى برأسها " استنى بس ....مش هو عايز كل حاجة بالعافية وعلى مزاجه !!" ....لتعقب سامية بعدم فهم "ناوية على أيه بالظبط؟! ....

"اصبرى عليا بس يا ماما"

لا تعلم سامية ما الذى ترمى إليه ابنتها بهذا التفكير الغامض ....ولكنها تتوجس مخافة أن     تُحدث سارة أمراً لا يحمد عقباه ،خاصة أنها ترى بأن كريم مثال الشاب الرائع الذى حظيت به ابنتها وهو حلم لأى فتاة أخرى .... تخشى تهورها أو التصرف بحماقة كالمعتاد فابنتها محظوظة حقاً إن تمت تلك الزيجة....هتفت بضيق مشيرة     بكفيها "لو مش حابة تكملى أو رافضة الموضوع أصلا ف احنا لسه عالبر ....أنا مش عايزة مشاكل تانى" ....تأففت السارة تنظر لوالدتها بحنق ثم غادرت تتجه إلى غرفتها بخطوات سريعة.

تسطحت على سريرها على     استعداد للنوم ولكن ضل طريقه لعينيها لتظل شاردة تفكر بما حدث على مدار يومها حتى أخرجها صوت رنين هاتفها من ذلك الضجيج فى رأسها ....رأت اسمه ظاهراً على الشاشة    وظل الهاتف يرن حتى انقطع الصوت ليعاود الرنين ثانيةً وبقيت هى على حالها لم تجب لينقطع الصوت وتهم بغلق الهاتف نهائياً وتضعه بجوار سريرها وتغلق عينيها تطلب النوم .

....

صباحاً طلب كريم من علاء     فى طريقه إليها أن يستدعى سارة إلى مكتبه.... وبالفعل وصل إلى حجرتها وطرق الباب لتأذن له بالدخول ....تبادلا التحية الصباحية بابتسام ليقول علاء "سينيور كريم قاللى اقولك تروحيله المكتب" اختفت ابتسامتها وحل محلها التوجس والشك ...    .وبالطبع كانت على حق فى ذلك ....طرأ إلى ذهنها فوراً ما حدث بالأمس وتجاهلها لاتصالاته المتكررة ....ومؤكد أن هذا ضايقه بشدة ....الآن أدركت أنها ارتكبت خطأً لا     يمت للذوقيات بصلة .....أشارت لعلاء برأسها "تمام انا جاية" ونهضت تشعر ببعض الخجل من تصرفها....حتى وصلت إلى مكتبه ولم يكن مغلقاً .... كان الباب موارباً قليلاً فطرقت عدة طرقات خفيفة تنبه لها كريم ودخلت.

توقعت تعنيفاً منه أو تصرف ينم عن غضبه لتجاهلها إياه ولكنه قال بهدوء "اعملى حسابك      دلوقتى خارجين" ....لم تفهم مقصده تحديداً وإلى أين واجِهته....هتفت متسائلة"أيه؟!".... رد وهو ينهض ملتقطاً مفاتيحه "اه ويلا عشان نرجع بدرى"....تملكها شعور بالحنق من حالة اللامبالاة التى يتعامل بها معها وظنت أنه يتعمد    استفزازها دوماً بهذه المعاملة....أوقفته بصوتها قائلة باستياء وملامح عابسة "خارجين فين يعنى عايزه اعرف!!"....توقف كريم عن مواصلة طريقه للخارج واستدار إليها قائلاً بلهجة آمرة "أنا هستناكى تحت ومش عايز تأخير مفهوم؟"....احتقنت ملامحها وتوجهت غاضبة إلى مكتبها....جلست تفكر هل تعاند وتتركه ينتظر بالأسفل؟!...ستكون فكرة جيدة إن فعلت !!...ولكنها تخشى ردة فعله حقاً !!...يعتليها الفضول لمعرفة أين سيأخذها....لذلك حسمت أمرها ونهضت ملتقطة حقيبتها وهمت بالنزول أسفل حيث كان ينتظرها....

أثناء الطريق سألته عن وجهتهم ولكنه اكتفى بالهدوء ورسم قناع الجمود على وجهه ....باقتضاب أجابها "دلوقتى تعرفى"

وبعد زمن من القيادة ليس بالطويل ....أوقف السيارة معلناً وصولهم ....ترجل كريم وتبعته ثم نظر إليها ليجدها تتأمل المكان.... منزل لاقى استحسانها بتصميمه المميز والذى إنما يدل على كلفته وقيمته ،وبوابة كبيرة فى الواجهة....اقترب منها قائلاً "تعالى معايا"....تسمرت فى مكانها باعتراض قبل أن تتبع خطواته السريعة وتلحق به.... أخرج مفاتيحه وأدار أحدها فى البوابة فانفتحت لتتضح الصورة أكثر ...."رائع" هذا أول وصف بدر إلى زهن سارة حالما رأت المنظر الذى أعجبها بصدق....مساحات خضراء مزروعة تحيط بالمنزل ونافورة كبيرة لم تكتمل ولكنها جميلة وحتماً ستعطى مظهراً أجمل للمكان إن عملت....ولكن ما بدر إلى ذهنها الآن هو السؤال الأهم والمثير حقاً ....مادخلها بكل ذا ؟!...ولماذا جاءت إلى هنا ؟!

"ادخلى ياسارة" أيقظتها من تفكيرها لهجته الآمرة بهدوء وهو يسير أمامها لكى تتبعه ولكنها لم تفعل!....

"أدخل فين ؟!....ممكن تعرفنى انا بعمل ايه هنا وجايبنى هنا ليه ؟!....هو لغز يعنى؟!"

للمرة الثانية أوقفته عن مواصلة سيره ليستدير إليها يرمقها بامتعاض ويجدها تتحدث وهى تبسط كفيها ناحيته بتساؤل !!

"تعرفى يا سارة ....لسانك ده لو يسكت شوية هيكون احسن بكتير"

قابلت ماتفوه به بتجهم وتأفف    واتساع لمقلتيها ينم عما تشعر به من "إهانة" بحقها _أو هكذا ظنت_ ليتابع "امشى ورايا وهتعرفى كل حاجة دلوقتى"

امتثلت لما طلب على مضض وحذر ....سوياً دلفا إلى داخل المنزل ....مرا أولاً بالردهة الأمامية تلتها صالة فسيحة تحتوى على أثاث مغطى بملاءات بيضاء وآخر بدا مغلف بالأكياس الشفافة ....ليحين بعد ذلك     موعد الصعود عبر السلم الكبير الذى يتوسط الصالة ....هنا توجست سارة ولازالت لا تعرف سبب وجودها هنا محدثة نفسها بأن وجودها لا يصح من الأساس بينما كان كريم فى طريقه للصعود لأعلى....تملكتها الشجاعة عندما وصلت إلى     ذروة تفكيرها لتهتف بحزم وهى تستعد للعودة من حيث جاءت "أنا ماشية" ....ليلتفت كريم ويلحق بها يسد طريقها وهو يقول بتذمر نتج عن فهم لما تقصده بأنها تريد المغادرة ولا يجوز أن تبقى بمفردها معه "سارة ....أنا لو عايز اخطفك او اعمل أى حاجة تانية من اللى بتفكرى فيها دى كنت هستنا نقرا الفاتحة !! ماكنت عملت ده من زمان!!".... كانت تنظر إليه بضيق وهو يتابع "ماتقلقيش انا لسه ماوصلتش للمرحلة الرخيصة دى" .... أشاحت بوجهها عنه فاستطرد بعبث "الحاجات دى كده كده ملحوق عليها" .... ذابت حرجاً وخجلاً من تلميحاته التى احمرت لها وجنتيها لتحدجه بنظرات غاضبة .

"ممكن بقى تخزى الشيطان اللى راكبك ده عشان افرجك على بيتنا براحتى!!"....تحفزت حواسها عقب جملته التى خصّ بها المنزل لهما لتحدق به بدهشة "بتقول ايه؟! ....ده بيتنا ؟"

ليرد متذمراً "شوفتى بقى التسرع بتاعك عمل فينا أيه.... كنت ناوى افاجئك بس كمان شوية"

وضع راحته على ظهرها يحثها على السير لتتبعه لأعلى .

وكما توقعت لم يكن المنزل بأقل جمالاً من واجهته ....أراها الغرف جميعها بالرغم من رفضها القاطع بالدخول إليها بصحبته فاكتفت فقط بالنظر والتأمل من الخارج.

كان كريم يريد تمضية وقت أطول برفقتها وقد منّى نفسه بذلك ولكنها اعترضت من     قبل أن يبدأ طلبه وأصرت على أن يغادرا....الوقت معها يمر بسرعة شديدة ....ينشد دوماً أن تكون معه وبرفقته فهذا وحده كفيل أن يشعره بسعادة لا مثيل لها ....تنهد بحرارة وأخذ يبث      الصبر إلى نفسه ويقطع وعداً لها بامتلاكها للأبد وعندما يحدث ذلك لن يجعل نفسه تطوق إليها أو تشتاق لقربها.

لاحقاً غادرا المنزل سوياً واستقلا السيارة لتنطلق بهما تجاه مقر العمل مجدداً....انتابه الفضول     أثناء القيادة لمعرفة رأيها الكامل فى المنزل فسألها وهو ينظر باتجاهها "ماقولتليش رأيك فى الفيلا " قالت بنبرة صادقة تبدى إعجابها "حلوة جداً عجبتنى"

تنهد بارتياح وسعادة بأن نال المنزل استحسانها ليتابع القيادة بعد ذلك منتشياً .

كانت سارة تنظر باتجاه النافذة بشرود حتى أفاقت على صوت ارتطام قوى أجفلت له وأصدرت صرخة قصيرة مفزَعة إلى حد كبير....كانت قطع من الزجاج الصغيرة قد انتشرت فى أرضية السيارة لتطال ملابسها أيضاً....وعلى الجانب الآخر ضغط كريم مكابح السيارة يوقفها وهو يطلق السباب من بين شفتيه بغضب موجه إلى أحد السائقين الذين مروا من جانبه ..... أراد أولا الاطمئنان على سارة رغم الخدوش التى أصابت جانب وجهه من الأعلى مسببة الدماء .... طالعها بقلق "انتى كويسة؟" ....أومأت له ونظرت باتجاهه تتفحصه هو الآخر.....انتابها القلق عليه بدرجة كبيرة لا تستطيع إخفائها خاصة أنه أخرج منديلاً ورقياً من العلبة أمامه ووضعها على جانب وجهه المخفى عنها لتشهق بقلق      عندما رأت قطرات دم على المنديل ....تأملته وهو يضغط بالمنديل على جانب وجهه الذى اشتدت ملامحه "هو حصل ايه ....أيه الدم ده انت كويس ؟"

أشار لها يطمئنها رغم الألم     الذى يشعر بها ولكنها لم تكن لتطمئن أبداً ..... راقبته وهو يترجل من السيارة بسرعة ثم فعلت ذلك ....جلس كريم إلى جانب    الطريق الذى كان شحيحاً بالمارة يضع المنديل على الجانب المصاب بالخدوش من وجهه ...."لو سمحتى يا سارة عندك ازازة مايه هاتيها وهاتى المناديل"

أشارت له الواقفة تراقبه ولا تدرى ماذا تفعل ....وبأقل من دقيقة كانت تحضر زجاجة     المياه والمناديل الورقية وجلست بجواره ...."انت لازم تروح أى صيدلية عشان الجرح ده يتعقم ويتغطى كده مش هينفع" ....لم يكن متمكناً بدرجة كافية من المسح على خدوش وجهه     بالمنديل والماء ....لاحظت سارة ذلك وطلبت منه تقديم المساعدة ولازال القلق عليه لم يفارق ملامحها ...."أنا ممكن اساعدك " رمقها بنظرات غامضة قبل أن يترك لها المنديل ....جلست     بجانبه والتقطت المنديل تبلله بقليل من ماء الزجاجة وأخذت تمسح برفق وتركيز بالغ موضع الخدوش والدماء .

تأملها خلسة وهى تداويه وقد نسى لتوه آلام خدوشه....لمساتها الرقيقة على وجهه واهتمامها الملحوظ به ثم اقترابها المهلك الآن منه     لأول مرة منذ ذلك الحادث الصغير عكس الكثير لديه وكشف قناع الجمود والثقة المطلى بالعناد عن شخصية أنثوية رقيقة وحنون أرضت كيانه الذكورى.

بعد أن انتهت سريعاً ككل اللحظات التى تمر معها....شكرها كريم بلطف وابتسامة ألطف      من النوع الذى يسحرها فما ابتسامته سوى طيف جميل يضفى عليه مزيداً من الجاذبية بحدٍ مُلهب للحواس....

"العفو .... بس لازم برضو تروح لأقرب صيدلية" .... منحها إيماءة برأسه ثم توجه للسيارة ليفتح مقعدها أولاً ويخرج القطعة الجلدية التى تُفرش      فى أرضية السيارة ينفض عنها قطع الزجاج ....أعادها موضعها وكرر ذلك مع مقعده ثم طلب منها الجلوس مكانها وفعل هو الآخر ليقود السيارة عائداً للشركة 




                   الفصل الخامس والعشرون من هنا 

تعليقات
تطبيق روايات
حمل تطبيق روايات من هنا



×