اآلام العشق
بقلم نجلاء لطفي
لفصل الثالث
الحمد لله الذي سترني بفضله أمام الناس، ولم يعرف أحد بفضيحة سلوى ولا حتى أختيها فقد كنت أخشى عليهما من معايرة أزواجهما التي ربما تنتهي بطلاق إحداهما أو كلتيهما.
فريد أثبت أنه رجل بحق ووقف بجواري وستر على ابنتي وجنبنا فضيحة كانت ستدمر سمعتنا وأسرتنا ،كنت أشعر أنه يكن لسلوى مشاعر خاصة لكن لم أتخيل أن يتزوجها لحمايتنا
من الفضائح. تذكرت سلوى تلك الطفلة المُدللة من أمها وأختيها وحتى فريد، رغم صرامتي في تربية البنات لشدة خوفي عليهن إلا أن سلوى كانت لها مكانة خاصة في قلبي وخاصة بعد وفاة والدتها وزواج أختيها وتحملها وحدها مسئولية
البيت، فقد رفضت أن أتزوج بعد وفاة رقية زوجتي لأني لن أجد مثلها في طيبتها ونقائها وطاعتها وحبها للجميع، حتى أنها غمرت فريد ابن أخي بحبها وكأنه ابنها بعد وفاة أبيه وزواج
أمه وانقطاعها عن السؤال عنه. كانت رقية له بمثابة الأم وشملته بحبها ورعايتها ،كما كانت تفيض على الجميع بلا استثناء. لم أتخيل للحظة أن ينطفئ بريقها، أو أن تفارق دنيانا في لحظات معدودة وتتركنا بدون نجلاء لطفي مقدمات، وكأن
قلبها أتعبه كثرة العطاء فقرر أن يتوقف ليُنهي رحلة من العطاء. كم كنت أتمنى أن تعرف قبل موتها كم أحبها وأقدرها لأني لم أبُح لها يوما بمشاعري ولم أخبرها بتقديري لها، لأننا تربينا أن الحب ميوعة والاعتراف بالمشاعر ضعف.
رحلت ورفضت أن أتزوج بعدها فأين سأجد شبيهتها؟ كانت هدى قد تزوجت قبل رحيلها، أما منة فكانت مخطوبة فأتممت زواجها في الميعاد المحدد وظلت معي سلوى في البيت ترعى
شئون البيت بجوار دراستها فأشفقت عليها وكنت أسمح لها بالخروج مع صديقاتها للترفيه عن نفسها ،وهو مالم أفعله مع هدى ومنة،وليتني ما فعلت فقد شجعها ذلك على الخروج مع
هاني ذلك السافل المُستَغِل، الذي لم أحبه يوماً فهو ابن زينات جارتنا التي كانت تبذل كل جهدها للإيقاع بي لأني وأمتلك بيتاً وأرضاً وأعمال في وظيفة حكومية مرموقة، فكنت بالنسبة لها
صيد ثمين. لم أحبها يوماً، أو حتى أشعر بالارتياح لها فكنت أراها مادية مُستغلة، بعكس نجلاء لطفي أختها الكبيرة رقية التي كانت بشوشة الوجة ورقيقة والكل يحبها لإنسانيتها
ومودتها مع الجميع، فاخترت رقية زوجة لي وجعلت صلتها بزينات محدودة، ولم أسمح لها بدخول بيتي وكان ذلك يُغضب رقية وتسأل عن السبب فأُخفيه عنها فترى ذلك تعنت مني بلا سبب.
كنت أعلم أن زينات حاقدة على رقية وحاولت أكثر من مرة الإيقاع بيننا ولكني كنت أحتوي الموقف حتى لا أحقق لها غرضها، فهي رغم زواجها برجل أكثر ثراءاً مني لم تنسَ أني
فضلت رقية عليها. لقد بخت سمومها في رأس ابنها ذلك الحقيرحتى صار مثلها لا يرعى حُرمة ولا قرابة وكل ما يهمه نفسه فقط، وجاء انتقامها في انتهاك شرف ابنتي والتنكر لها
وهي تظن أنها بذلك ستكسرني وتذلني وتجعلني أركع تحت قدميها لأرجوها أن تستر على سلوى، لكن الله أرسل لي فريد ليُجنبني الذل والهوان والفضيحة، سأظل طول عمري مديناً
له، فقد كان لي نعم الابن، فقد ربيته بعد وفاة أخي وكان لم يتجاوز العاشرة واهتمت به زوجتي و رعته مع بناتي فكان أخا لهن يحميهن ويخاف عليهن ويشعر بالألفة معهن خاصة بعد زواج والدته وامتناعها عن زيارته.
عندما بلغ مبلغ الشباب أصر على الانفصال عن الفتيات حتى لا يسبب لهن الحرج، فانتقل لبيت أبيه المجاور لنا وأصررت على أن يتناول الطعام معنا حتى يظل بيننا ولا يتكلف مشقة إعداد طعام له. كنت ألاحظ اهتمامه الخاص بسلوى ونظراته التي
تحمل معاني خاصة لا يدركها إلا الرجال فتمنيت أن يتزوجها بل أني قلت له ذات مرة أني أتمنى أن يكون زوجا لإحدى بناتي لأني لن أجد من هو افضل منه ولأني أريد أن يظل يرعاهن بعد
وفاتي، فباح لي بمكنون قلبه وقال أن حالته المالية ليست جيدة وخاصة انه لم يرث من أبيه شيئا، فقلت له المال لا يصنع رجالا ولكن الرجال يصنعون المال بكدهم وتعبهم، فابتسم ومن
بعدها سافر للقاهرة ليعمل ويعود في نهاية الأسبوع وأخبرني أنه يدخر المال لإعادة إصلاح البيت الذي تهدم بسبب إهمال صيانته، فسعدت بذلك وأدركت أنه ينوي الزواج.
كلما تقدم لإحدى بناتي خطيب استشرته لأعرف إن كان له رغبة بها أم لا، ولما وجدته سعيدا من أجل هدى ومنة أدركت أنه يرغب في سلوى التي كلما تقدم لها خاطب يغضب
ويتحجج بأنها مازالت صغيرة. عندما عرفت نجلاء لطفي بمصيبة سلوى كدت أقتلها لأنها خانت ثقتي بها، ومكنت زينات من انتقامها، ودنست شرفي، لكن فريد هو من أنقذها من
يدي.لم يتحمل قلبي صدمة تفريط ابنتي في شرفها وشعرت بألام شديدة في صدري فأخذني فريد للمستشفى فقد أصابتني جلطة وتسببت في شلل جسدي، ولم يخبر فريد ابنتاي
وزوجيهما بالسبب بل قال إنه إجهاد وانفعال بسبب ضغط العمل ومراعاة زراعة الأرض. كنت أتصور أنه لن يفكر فيها مرة أخرى بعد أن أسلمت نفسها لغيره، لكنه فاجئني بطلب يدها ليسترنا من الفضائح فشكرت له صنيعه وقلت له:
-من حقك تتجوز عليها أو تطلقها في أي وقت وأنا هافضل عمري كله شايل جميلك على راسي وهتفضل ابني مهما حصل.
-مافيش جميل ولا حاجه ياعمي ده حقك عليه.
طوال تلك الفترة وأنا أشيح بوجهي عن سلوى كلما دخلت علي لتخدمني أو تطعمني فمازال قلبي غاضبا عليها. اليوم كان يوم عُرسهما والبلد كلها تحتفل معهما في حفل صاخب أصر فريد
عليه، ليحفظ ماء وجهي، أستطيع الآن أن أترك الدنيا وأنا مطمئن على ابنتاي مع زوجيهما، أما سلوى فأتمنى أن تعرف قيمة الرجل الفريد الذي تزوجته وأن تظل زوجته للأبد فهي لن تجد مثله أبدا.
#