رواية الأم العشق الفصل الثانى


 آلام العشق

بقلم نجلاء لطفي 

الفصل الثاني



طالما حلمت بذلك اليوم الذي يضمني وإياها بيت واحد وأبوح لها بعشقي وغرامي الذي بدأ منذ لحظة ولادتها فبمجرد أن رأيتها وقعت في غرامها وصممت أنها لن تكون لسواي، لكن يبدو أن للقدر رأي أخر. عشقت ذلك الوغد الذي أمطرها بمعسول كلامه ولم تشعر بمن بذل عمره كله لحمايتها



 وسعادتها،يبدو أن النساء تطربهن الوعود حتى لو كانت كاذبة والكلمات حتى لو كانت خادعة، بينما لا يصدقن الأفعال.كنت أعمل في وظيفتين حتى أعود سريعاً وأستطيع توفير بيت يليق بها، وأحقق حلمها بفرح كبير في القاهرة.




لم أكن أعلم أنني يجب أن أهلك نفسي في العمل ثم أعود مُسرعا لأمطرها بكلمات الحب ووعود الغرام حتى لا تقع فريسة لغيري، دون مراعاة لعمي الذي ائتمنني على بناته وعرضه، ولا لديني الذي ينهاني عن مُطارحة أية فتاة الغرام وهي ليست زوجتي.كانت مقاييسي مختلفة و لم أفكر في مصارحتها بمشاعري لأني فضلت  نجلاء لطفي أن تنتهي من



 دراستها أولا ثم أتقدم لطلب يدها من عمي ولم أكن أعلم أن قلبها يمكن أن يميل لغيري، كنت أظنها تشعر بما في قلبي فمعاملتي لها مُختلفة حتى عن مُعاملتي لأختيها، لكن يبدو أن ذلك لم يكن كافياً لتعرف أني أعشقها ولا حياة لي بدونها، وأنها



 بفعلتها تلك قتلتني فعليا وعندما أراد عمي قتلها ليتخلص من عارها،لم يستطع قلبي العاشق أن يقسو عليها رغم كل شيء فطلبت منه أن أتزوجها لأمحُ عنه عارها وأكون أنا ستراً وسنداً لها كما كنت دائما.




 رغم شدة غضبي منها إلا أني لم أستطع التخلي عنها وتركها تواجه الموت،فحياتها بقربي وهي لا تحبني أرحم بكثير من فراقها للأبد.عاملتها بكل الغضب الذي يشتعل بداخلي، وأبقيتها



 بجواري لأحميها، واليوم عندما اعترفت لي بذنبها وكيف وقعت بسذاجتها وقلة خبرتها في براثن ذلك النذل الذي لم يرعَ حُرمة الدم،وانتزع برائتها بدلا من صونها،اليوم شعرت بغضب



 مُضاعف وتمنيت لو يقع تحت يدي لأقتله. ذلك الذي تجرأ على الاقتراب من سلوتي وخدعها بإسم الحب،وسلبها شرفها ثم تركها بمنتهى الخسة لتواجه مصيرها،كم كنت مُخطئاً حين ابتعدت عنها لأجمع المال ولم أهتم بمتابعتها في مرحلتها



 الانتقالية الجديدة، كان يجب أن أكون بجوارها على الأقل بنصائحي.ربما أيضاً كان من الأفضل أن أعترف لها بحبي حتى لا تميل لغيري،قصرت في حقها لذلك علي أن أكتوي بنيران



 قربها مني وأنا غاضب منها وعاجز عن الاعتراف بحبي الذي ستقبله مُجبرة لأنها زوجتي وفي بيتي بل وتراني بطلاً أنقذها من الموت. أنا لا أريدها مُجبرة بل أريدها أن تختارني بقلبها.




أكاد أُجن كيف مازال قلبي يعشقها ويخفق من أجلها فقط وهي خائنة أحبت غيري؟ كيف أمنع نفسي عن حبها وهي تعيش معي تحت سقف بيتي؟ ترى هل سيأتي يوم وتحبني؟




دخلت حجرتي وألقيت بجسدي المُنهك على سريري وفكرت كم كانت جميلة في فستانها الأبيض، كانت أجمل مما تخيلت، كنت أحلم طويلا بتلك الليلة التي سأبثها كل مشاعر العشق وكلمات



 الغرام لأكون أول من تتفتح مشاعرها على يده، وأكون  نجلاء لطفي صاحب أول لمسة لكن الخائنة لم تصن نفسها من أجلي. صور لي شيطاني أن أغتصبها أنا أيضاً ولكن ذلك حقي بالحلال



، ولكن هل صرت متوحشاً لتلك الدرجة؟ هل سيعميني غضبي فأتحول لوحش وأمنحها سببا لتكرهني لباقي عمرها؟ لا فأنا لن أكون خسيساً كحبيبها.

نهضت من الفراش وذهبت للحمام لأغتسل وأتوضأ لعل الماء البارد يطفئ نيران قلبي، ووقفت أصلي بخشوع لعل الله يمن علي بالسكينة،ودعوت الله أن يُريح قلبي.




حاولت أن أنام ولكن جافاني النوم فأخرجت من الدولاب ألبوم صور قديم يجمع كل ذكريات الطفولة. تأملت صورة أبي وهو يضع يده على كتف أمي وكأنه يخبرها ألا تخاف، وكذلك يمسك بكفي الصغيرة فكان مصدر أماني.الصورة التالية كانت تجمعني



 بأبي وأمي وأسرة عمي في المصيف بالإسكندرية وكنا جميعا أطفال وكنت سعيدا و كعادتي أمسك بيد سلوتي،والصورة التي تليها كانت بدون أبي فقد كانت بعد وفاته بنحو عامين وكنت



 أبدو فيها منكسراً،رغم سعادة الجميع بزيارتنا الأولى لحديقة الحيوان بالجيزة،لكن زوجة عمي كانت تقف بجواري مبتسمة كما كانت دائما،فهي نبع الحنان والأمومة حيث تغمرنا جميعا



 بحبها واهتمامها وكانت لي أماً ثانية بعد أن هجرتني أمي من أجل زوجها. كل الصور التالية كانت مع أسرة عمي، ثم صور لي مع أصدقاء الجامعة حيث كنت دائم التفوق في كلية التجارة



 ولكن تعطل تعييني كمعيد بالجامعة بسبب ابن العميد الذي عُدلت نتيجته ليكون الأول على الدفعة وينال التعيين. رغم إحباطي إلا أن وقوف عمي بجواري جعلني أتجاوز ذلك



 وبحثت عن عمل وحصلت على العديد من الكورسات التي ساعدتني على تطوير مهاراتي واستطعت التنقل من عمل لأخر أفضل. عملت بالقاهرة لأن رواتبها أعلى وسكنت في شقة



 مشتركة مع بعض الزملاء وكنت أحرص على العودة للقرية كل في الأجازة الأسبوعية حتى أمتع نظري برؤية سلوى والتحدث معها لعلي أروي ظمأ قلبي. كنت أحرم نفسي من الرفاهية التي



 يتمتع بها غيري حتى أدخر المال لأعيد بناء وإصلاح ماتهدم من البيت ليليق بها،وكذلك عففت بصري وكل حواسي عن غيرها رغم كل حيل الزميلات في الكلية أو العمل للوصول




 لقلبي لكنه كان مغلقاً على حب سلوى فقط. وبدأت في إصلاح البيت تحت إشراف عمي وعندما انتهيت منه،صممت على مفاتحة عمي في المرة القادمة بشأن زواجي من سلوى لكني




 فوجئت به ينهال عليها ضرباً، وهو لم يفعلها من قبل،فتعجبت وتساءلت ترى أي ذنب عظيم اقترفت حتى يكاد يقتلها؟ أنقذتها من بين يديه وحملتها للمستشفى وهناك عرفت أنها فقدت جنينها. كانت صدمة قاتلة وفاقت  نجلاء لطفي قوة احتمالي




 ،سلوى الرقيقة البريئة غرقت في وحل الخطيئة؟ سلوى أحبت غيري وسلمت له نفسها بسهولة؟ ترى من هو السافل الذي فعل بها هذا؟وهل سيتزوجها؟ كاد رأسي ينفجر من كثرة التفكير.




أفاقت سلوى وكانت تشعر بوهن شديد وخزي ليس له مثيل وخاصة أمامي.ساد الصمت بيننا والغضب يعصف بكل كياني والخوف يكاد يقتلها،لكني تمالكت نفسي وسألتها:

-مين اللي عمل كده؟

-هاني ابن خالتي

-هاخليه يتجوزك

فقالت بخوف:

-مش هينفع

-ليه؟

-سافر وقفل تليفونه، وخالتي مش مصدقاني.

-يعني حبيب القلب طلع ندل




سكتت وانسكبت دموعها،فأشفقت عليها وقلت:

-خلاص أنا هاحلها لما عمي يقوم بالسلامة

فقالت بلهفة:

-بابا ماله؟

ما استحملش الصدمة وجاتله جلطة

بكت بوهن وقالت:

-أنا السبب كنت سبته يموتني




-عشان يتفضح في البلد ويمشي موطي رأسه وسط الناس؟ وأخواتك البنات ذنبهم إيه يتفضحوا ويمكن يتطلقوا كمان؟

بكت بشدة آلمت قلبي فقلت:

-ماتعيطيش قلت لك هاتصرف، المهم تعالي أروحك النهاردة عشان أروح لعمي ومحدش يحس بحاجه خالص وإياكي حد من اخواتك يعرف.




-حاضر،بس ما قولتش هتحلها إزاي

-هتجوزك

ظهرت الصدمة جلية على وجهها فقلت بحدة إنقاذاً لكرامتي:

-مش باعمل ده عشانك إنما عشان أنقذ سمعة عمي اللي رباني وأرد جزء من جميل مرات عمي الله يرحمها.




سكتت ولم تجب وفي الأيام التالية كانت تتحرك بآلية وكأنه روحها انتزعوها منها وبقيت مجرد جسد بلا روح، حتى ابتسامتها كانت باهتة لا تدل على سعادة عروس بزواجها. سمعت هدى قبل الزواج تسألها:




-مالك مش مبسوطة ليه؟ أبوكي غاصبك على الجواز؟

-لأ أبداً هو أنا هالاقي زي فريد فين؟ بس كان نفسي ماما الله يرحمها تكون معانا وكمان زعلانه عشان هاسيب بابا

ضحكت هدى وقالت:




-هتسيبيه فين؟ ده الباب في الباب يعني مش هيخلص منك.

شعرت بالراحة لأن الجميع يظن أنه زواج عادي، وكم كنت أتمنى أن يكون كذلك ولكن ليس كل ما يتمنى المرء يدركه.



                       الفصل الثالث من هنا 

تعليقات
تطبيق روايات
حمل تطبيق روايات من هنا



×