رواية الأم العشق الفصل الرابع


 آلام العشق

بقلم نجلاء لطفي 

الفصل الرابع- 

#

مضت الأيام التالية لحفل زفافي المزعوم بين استقبال المهنئين ورعاية أبي الغاضب علي وبين أعمال المنزلين، أما فريد فكان يمضي وقت فراغه معي في البيت في إصلاح مالم يستطع الإنتهاء منه بسبب زواجنا السريع، فكان ينشغل بطلاء الغرفة التي يقيم فيها ويقضي الليل نائما على الأريكة،أو يصلح بعض الدواليب والكراسي القديمة ويعيد طلائها، وكثيرا ما كان يختلي بنفسه ليلا فوق سطح البيت. حاولت كثيرا خلق حوار بيننا لكن كانت إجاباته قصيرة ولا تفتح مجالا للكلام.تعجبت كثيرا لما فعله معي هل هو فقط لرد الجميل لأبي أم أن هناك سبباً أخر؟ وأي سبب الذي يجعله يحتمل خطيئة غيره؟هل هو مجرد اهتمام من أخ لأخته -كما كنت أعتبره دائما- أم أن هناك دوافع أخرى؟شغل فريد تفكيري طوال مدة وجوده معي حتى أني كنت نجلاء لطفي أتأمل ملامحه وهو يعمل فلاحظت جسده القوي البنية المتناسق، وطوله الفارع وعضلاته البارزة،وبشرته السمراء مع شعره الأسود المجعد، كل ذلك ذكرني بالجنود الأقوياء في جيوش قدماء المصريين، لكني كنت حائرة في لون عينيه هل هما عسليتان أم سودوان؟ لا أعرف، لكن كل ما أعرفه أنه شغل تفكيري. كان يجمعنا طعام الغداء فيجلس صامتاً ويأكل بدون تعليق فكنت أسأله أحياناً:

-الأكل عجبك؟

فيجيب دون أن يرفع نظره عن الطعام:

-كويس

-عاوزتاكل إيه بكرة؟

-أي حاجة

كان ذلك حوارنا الدائم وبعدها يختفي عن عيناي إما بالجلوس مع أبي، أو بالانشغال بإصلاح الأشياء، أو بالانفراد بنفسه فوق السطح.قررت أن أخترق عزلته وأُعيده بمشاكستي له لطبيعته التي كانت أقل جدية وصمتاً، فصعدت للسطح أحمل كوباً من الشاي فوجدته يكتب شيئاً في أوراق وأخفاها عندما شعر بوجودي فقال بحدة:

-إيه اللي طلعك هنا؟

-جايبه لك الشاي

-كنتي اندهي عليه وأنا أنزل أخده

أخجلتني حدته وشعرت أنه لا يرغب في رؤيتي وغزا الألم قلبي، فقال بلهجة أقل حدة:

-ماتطلعيش السطح تاني إنتي مش عارفه إن السلم مكسور وممكن تقعي من عليه؟

-ما انت بتطلع عليه كل يوم

-أنا واخد عليه وكمان باخد بالي وحتى لو جرالي حاجه مش مهم لكن لو انتي جرالك حاجة؟

اقتربت منه وقلت بحنان:

-لسه بتخاف عليه يافريد؟

قال بارتباك:

-طبعاً مش بنت عمي ومسئولة مني؟ يالا انزلي وماتطلعيش هنا تاني

نزلت والألم يعتصر قلبي فقد فقدت فريد سندي وأخي الأكبر الذي كان يهتم بي ويدللني،وبعد ماحدث لي صار يقسو علي كما يفعل أبي. 



كنت الضحية لا الجانية والكل يلوم علي ويحملني وحدي ذنب تلك الكارثة، حقاً كنت مخطئة في تساهلي معه وذهابي لشقته،لكني لم أفرط في شرفي بإرادتي بل أُجبرت على ذلك،ألن يغفرا ذلك لي أبداً؟لقد تُبت إلى الله توبة نصوحة وقد يغفر لي لكن أبي وفريد لن يغفرا. بكيت كثيرا ًفي غرفتي




 وطلبت من الله العفو والمغفرة، وندمت على ما فعلت وسألته أن يجعل أبي وزوجي يغفران لي،رنت كلمة زوجي في أذني وكأني لأول مرة أسمعها وأنتبه لها، وتساءلت لماذا لم يطالبني




 فريد بحقه كزوج؟هل يشعر بالنفور مني أم أن في حياته امرأة أخرى؟هل مازال يراني أخته الصغيرة؟ لكنه لم يقلها يوماً بل كان دائماً يدعوني بسلوتي، ولم يقل لي يوما أني أخته كما كان يقول لهدى ومنة،حائرة في أمره ولا أفهمه.




 ذات ليلة سمعت صوتاً غريباً في الغرفة فشعرت بالخوف وخرجت مُسرعة  نجلاء لطفي وأنا أرتدي بيچامتي الحريرية الحمراء التي تنسدل على جسدي وكمها قصير، وشعري الأسود



 الطويل ينسدل على ظهري وطرقت باب غرفة فريد وأنا خائفة فلما لم يجب فتحت الباب بهدوء فلم أجده فأدركت أنه على السطح فصعدت إليه مُسرعة وأنا أناديه فجاء إلي متعجلاً



 عندما وصلت للسطح ووقف ينظر إلي مشدوهاً فقال غاضباً:

-إيه اللي طلعك هنا؟ أنا مش منبه عليكي ماتطلعيش هنا؟ وإزاي تطلعي بالشكل ده؟ انزلي حالاً

تجمعت الدموع في عيناي فلم أعد أحتمل حدته معي وغضبه بلا سبب وصراخه الدائم في وجهي واتجهت نحو السلم لأنزل فقال بصوت أقل حدة:

-استني كنتي جاية ليه؟




فقلت من خلال دموعي:

-فيه صوت في أوضتي خوفني وكنت عاوزاك تشوف ده إيه

-طيب انزلي وأنا جاي وراكي بس ما تطلعيش تاني هنا ولو مضطرة تطلعي تكوني بحجابك ولبس محترم 

انصرفت غاضبة وأنا أقول بصوت منخفض هو هيفضل دايما ً شايفني مش محترمة؟ أنا مش هاكلمه تاني لو هاموت.




بمجرد ما انتهيت من كلامي تعثرت قدمي في الظلام في الجزء المكسور من السلم وسقطت على الأرض وصرخت من شدة الألم. نزل فريد مسرعاً وحملني للداخل وشعرت باضطراب شديد لقربي منه وأنفاسه الساخنة تلفح  وجهي، بل إني أسمع دقات قلبه الذي يخفق بجنون ربما لخوفه علي.




 وضعني على الأريكة في الصالة ونظر لقدمي فوجدها متورمة فذهب لغرفته وأحضر لي مرهما ثم اتجه للثلاجة وأحضر منها قطع ثلج ودلك بها قدمي حتى شعرت بالخدر ثم جففها ودهن المرهم عليها ودلكها برفق جعلني أضطرب لملمس يده وزاد




 اضطرابي عندما تلاقت نظراتنا ورأيت في عينيه نظرات لم أجد لها تفسيراً. نهض مضطرباً واتجه لغرفتي ليبحث عما يخيفني ثم فتح الباب وخرج  وأغلقه خلفه، وبعد عدة دقائق عاد وقال:




-ماتخافيش ده كان فار بياكل الخشب بره وأنا موته، قومي أدخلي أوضتك

حاولت النهوض لكني لم أستطع فجذبني لأتكىء على ذراعه القوية  حتى أوصلني السرير، فقلت له:

-شكراً يا فريد تعبتك معايا

-مافيش تعب ولا حاجه بس مافيش طلوع للسطح تاني وخاصة بالليل.

-حاضر

-وطول ما أنا موجود بلاش تطلعي بالهدوم اللي انتي لابساها دي




قالها وهو يشيح بنظره عني، فأدركت أني لا أعجبه.

استيقظت في الصباح على صوت دقات على بابي فاستندت على الأثاث وفتحت فوجدت فريد يقف بعيداً ويقول :

-يالا البسي هدومك عشان هتقضي اليوم كله عند عمي وكمان اخواتك جايين

اغتسلت وارتديت ملابسي واستندت على ذراعه القوي وذهبت إلى بيت أبي فوجدت هدى سبقتني إلى هناك هي وابنتيها،فسلم عليهن فريد وعلى أبي واستأذن لأداء بعض المهام قبل سفره غداً لعمله.

قالت لي هدي مُشاكسة :




-الجميل زعلان ليه؟عشان حبيب القلب صابح ماشي؟

- شكلك فايقه ورايقة وأنا مش فاضية لك

عندها دخلت منه ومعها طفلها وبعد السلام قالت ساخرة:

-ألا قوليلي يا سوسو هي رجلك اتلوت إزاي؟

فقالت هدى مازحة:

-شكلهم كانوا بيجروا ورا بعض..عرسان بقى هيييح

فقلت بغضب -هتتريقوا عليه هاسيبكم وأمشي

-فقالت منه:

-خلاص ماتزعليش بس تحكي لنا اللي حصل من ليلة الدخلة بالتفاصيل المملة

وانطلقت ضحكاتهما ولم ينقذني منهما سوى نداء أبي وصراخ ابن منة الرضيع.

ماذا أحكي لهن؟أنه تزوجني ليرحمني من الفضيحة؟أم أنه يشعر بالنفور مني ولم يقربني؟ أم أنه وعدني بالطلاق بعد عام من الأن؟ ساتركهما تظنان أننا سعيدان في حياتنا. دخلت


 غرفتي لأرتاح حتى موعد الغداء وتجنبا ً لرؤية والدي وحتى لا تدرك أي منهما كيفية تعامله معي بغضب بعد أن كنت مدللته فتحججت بألم قدمي لأهرب بعيداً عن الجميع. 




بمجرد دخولي لغرفتي اجتاحتني ذكريات عشقي الآثمة لذلك النذل الذي كنت أهيم به عشقاً ولدي استعداد لأن أفعل أي شئ من أجله. تغاضيت عن مستواه المادي الأقل منا بكثير وشجعته على العمل وعندما كان يجلس بلا عمل كنت أقرضه من



 مدخراتي ومصروفي ولم يفكر يوماً أن يردها، كما تغاضيت عن سوء معاملة أمه -خالتي- لي وحديثها بالسوء عن أبي أحياناً، وعن أن إمكانياته المادية منعدمة وأننا سنبدأ من الصفر، خاصة




 وأن أبيه مات ولم يترك لهم أي شئ، وهو مالم أعتده وخاصة وأن أختاي تعيشان في مستوى مادي أفضل مما كانتا عليه في بيت أبي، لكني كنت أقول لنفسي يكفيني حبه. وليته صان الحب أو التضحيات، بل طمع فيما هو أثمن من كل ذلك، طمع



 في شرفي.  ودبر خدعة دنيئة مع زميله للإيقاع بي وجلبي لشقته لينتهك حرمة جسدي، وليته احترم وعده وتقدم للزواج بي، بل تركني بعد أن استمتع بي وبمالي وفر بكل دناءة ووقفت وحدي أواجه مصيري.




رغما عني وجدتني أقارن بينه وبين فريد، الذي كان يفعل كل شئ ليحميني أنا وأختاي من نفسه قبل الناس، لم ينتهز فرص عديدة لاحت له ليستمتع بأي منا، بل كان يحافظ علينا




 وينصحنا برفق، وفي كل المناسبات كان يدخر من راتبه الضئيل -حيث عمل وهو في سن المراهقة ليعول نفسه- ليحضر لنا الهدايا في المناسبات المختلفة. شتان بين  نجلاء لطفي



 الإثنين، بين من يصون ومن يفرط وينتهك الحرمات، بين من يعطي ومن يأخذ، وبين الرجل الحقيقي وأشباه الرجال. اكتشفت مدى اعجابي بفريد الذي رأيته وكأني لم أره من قبل، ورغم شدة غضبه مني كان يحميني ويغمرني برعايته واهتمامه.




 حان وقت الغداء واعتذر فريد عن الحضور لانشغاله في رعاية أرض والدي، ووعدنا بالحضور مبكراً ليسلم على أختاي قبل انصرافهما. ظلت هدى ومنة تشاكساني وتسألاني هل افتقدت




 فريد؟ وهل استطعت خلال فترة زواج وجيزة أن أجعله يغرق في العمل بدلاً من أن يغرق في العسل؟ كنت أبتسم ولا أجيب فقالت هدى بمرح:

-الشيخ فريد بركاته جامدة ده خلى صاحبة اطول لسان في العيلة ساكته لأ وكمان بتتكسف




لم ينقذني منهما سوى شغب الأطفال واستدعاء أبي لهما. جاء فريد في المساء وجلس يتناول طعامه وهو يطمئن على أحوال أختاي ويلاعب الأطفال، ثم دخل ليتحدث مع أبي في شئون



 الأرض وأخبره أنه مسافر في الغد وإن احتاج إليه يتصل بي وأنه سيتركني معه حتى يعود. سلم على الجميع واصطحبني للبيت وسط غمزات ولمزات من هدى ومنة، وأنا أهمس بداخلي بسخرية :ليتهما تعلمان الحقيقة.




دخلنا البيت فقال فريد بجدية:

-هتفضلي طول مدة غيابي مع عمي عشان أكون مطمن عليكم، وطبعا ممنوع الخروج، وممنوع نهائي دخول أي راجل غريب ولا حتى أجواز إخواتك لوحدهم، أتمنى يكون كلامي مفهوم.

-اد كده ماعندكش ثقة فيا؟

-انتي باستهتارك ضيعتي الثقة دي ومحتاجة تبذلي جهد كبير عشان تكسبيها تاني



لم استطع مغالبة دموعي فقال بشفقة:

-مش عاوزة مني حاجة قبل ما أمشي

أومأت بلا فقال:

-أنا صلحت لك سلم السطوح عشان ما تتعوريش تاني.

نظرت إليه بتعجب وقلت من خلال دموعي :

-فيه أي أوامر تانية؟

-لأ

قالها بجفاء وهو يدير ظهره لي فانصرفت لغرفتي وأغرقت وسادتي بنهر دموعي كالعادة.

خرجت معه في الصباح الباكر ليغادر وأغلق باب البيت خلفي وذهبت لبيت والدي الذي كان مازال نائماً. غادر فريد وعشت بعدها حياة رتيبة حيث أخدم والدي الغاضب مني وأقوم بكل شئون البيت ماعدا شراء احتياجاتي حيث كانت تأتيني حاجتي من خلال أي من اولاد الجيران، ثم اقضي المساء في



 مذاكرتي، ويعود فريد يوم الخميس في العاشرة ليلاً فنذهب لبيته، ويوم الجمعة يقضيه في متابعة أرض والدي، ثم يحضر احتياجات البيت ويصر على إعطائي مصروفاً لي لأشتري ما




 أحتاجه في غيابه وحاولت كثيراً الرفض لكنه يصر لأني زوجته ومسئولة من وليس من والدي،ثم نتناول الغداء مع أختاي وأسرتيهما وفي المساء نعود لبيتنا ويغادر في الصباح.




 ظلت حياتنا على هذا النمط لا جديد فيها سوى اعتلال صحة أبي واقتراب موعد امتحاناتي. في فترة الامتحانات طلب فريد من أختاي أن تتبادلا رعاية أبي حتى أتفرغ لمذاكرتي، واتفق مع أحد السائقين من قريتنا أن يصطحبني مع بعض




 الطالبات الأخريات حتى الجامعة ويعود بنا وشدد على ألا أركب معه بمفردي وألا أركب مع غيره، فاحترت هل هو يخاف علي أم ثقته في منعدمة؟ انشغلت عنه بامتحاناتي وحتى عندما كان يعود في الأجازة كان يتركني في بيت أبي لأراعيه وحتى لا يشغلني عن المذاكرة.




انتهت الامتحانات وفي اليوم التالي تدهورت صحة أبي كثيرا واضطررنا لنقله للمستشفى. ظل أبي على غضبه علي ورفضه النظر إلى، حتى لاحظت أختاي ففسرت ذلك بأني كنت أجبره على تناول الدواء فغضب مني.عاد فريد مسرعاً إلينا بمجرد علمه بمرض أبي وظل مرافقا له حتى وفاته.




مات أبي وهو غاضب علي حاولت كثيراً أن أطلب منه العفو والسماح لكنه ظل على موقفه، فقدت سندي في هذا العالم ومعه رضا الله، كنت سبباً من أسباب وفاته، ولم أستطع أن أنال رضاه. انهرت تماماً بعد دفنه وعودتي للبيت وحيدة. الكل



 يظنون أني أفتقد أبي فقط ولا يعلمون كم أشعر بالذنب مما فعلته به وبنفسي وهو لم يفعل من أجلي سوى كل الخير.انتهت أيام العزاء وجلست معي أختاي بعد انصراف المُعزيين وسألتني هدى:

-هتعملي إيه؟هتفضلي في بيتنا لوحدك وجوزك بيجيلك أخر الأسبوع؟

وقبل أن أجيب قال فريد:

-لأطبعا ً هتيجي معايا مصر أنا رتبت المكان خلاص وصاحبي اللي ساكن معايا اتنقل شقة تانية، مش هتكون مطمن عليها وهي هنا لوحدها

فقلت مؤكدة على كلامه:




-كمان الشغل في مصر أكتر وهالاقي شغل أسرع.

بالفعل حزمت ملابسي واحتياجاتي وسافرت مع فريد للقاهرة حيث يقيم بالجيزة في شارع جانبي يتسم بالشعبية لكنه قريب من محطة المترو.كانت شقة غرفة وصالة، وكان هناك سريران بغرفة النوم فقال لي فريد:

-نامي في الأوضة وأنا هانام في الصالة

-ممكن تنام على السرير التاني عادي

فقال بحدة:

-لأ

-خلاص خده الصاله مكان الكنبة وندخل الكنبة في الأوضة، ماهو مش معقول ترجع تعبان وكمان ماتعرفش تنام.

-تهمك راحتي أوي؟

-طبعاً أنا ماليش غيرك

لمحت الارتباك واضحاً على ملامحه، لكنه سرعان ما قال :

-ماشي هاغير هدومي وأطلع السرير بره




ساعدته حتى أحدثنا التغيير وكان هناك في أقصى الغرفة دولاب معدني صغير فأخرجه بجوار السرير وبدأت  نجلاء لطفي في ترتيب ملابسه فيه بينما كان يغتسل وبمجرد خروجه أغتسلت وأعددت الطعام بينما كان يشاهد نشرة الأخبار وبمجرد خروجي أغلق التليفزيون وقال:

-أنا أسف بس متعود أتابع الأخبار

فقلت بحزن:

-افتح واتفرج على اللي انت عاوزه لا التليفزيون ولا قلته هيرجعوا اللي راح، وكفاية إنه مات وهو غضبان عليه




قلتها وانهمرت دموعي فاقترب مني وقال بحنان افتقده في صوته :

-مين قالك كده؟ وهو في المستشفى ماكانش بيوصيني على حد غيرك

فانهرت باكية وقلت:

-ماكانش راضي يبص في وشي وبياخد الأكل والدوا من إيدي بالعافية

اقترب أكثر وضمني لصدره وهو يربت على ظهري وقال:

-هو كان زعلان منك وخايف عليكي مش غضبان عليكي.

شعرت بخفقات قلبه تتسارع فابتعد عني برفق وقال:

-أنا هانام عشان تعبان

-استنى هاحضر لك العشا

-اتعشي انت أنا لازم أنام بدري عشان هاصحى بدري للشغل  وهاسيب لك على الترابيزة ورقة فيها باسوورد الواي فاي 

-تصبح على خير




شعرت بخفقات قلبي تتسارع ولم أعرف سببا لذلك، دخلت غرفتي وجافاني النوم فغرقت في بحر الذكريات وكان فريد بطل كل الذكريات بحبه وحنانه واهتمامه ورعايته، وعندما




 تذكرت ضمته لي تسارعت خفقات قلبي وتساءلت ترى هل بدأت أتعلق به؟ أم أن وجوده معي هو ما يجعلني أشعر بتلك الخفقات؟ لم أجد جواباً فخرجت من غرفتي فوجدته غافيا فاقتربت منه لأتأمل ملامحه عن قرب وكأني أراه لأول مرة




 كرجل وليس كأخ، وجدت ملامحه تفيض بالرجولة والحنان رغم إدعاؤه للصرامة،تسارعت خفقات قلبي مرة أخرى، فابتعدت بارتباك وأثناء ابتعادي اصطدمت بالمنضدة فأحدثت صوتاً عالياً ،فاستيقظ فريد مفزوعاً وقال:

-مالك حصل حاجه؟

فقلت وأنا مضطربة:

-لأ بس كنت عاوزة أشرب فاتخبطت في الترابيزة

فنظر إلى بتعجب لأن المنضدة بعيدة عن المطبخ. أسرعت باتجاه غرفتي وأنا ألعن غرائب فقال:

-مش هتشربي؟

-شربت خلاص تصبح على خير

دخلت غرفتي وأغلقت بابي وأنا مدركة أني واقعة في حبه لا محالة.




نمت بعد طول تفكير واستيقظت في الصباح فلم أجده، فاغتسلت وصليت وأعددت كوب شاي وأخذت الورقة المكتوب فيها باسوورد الواي فاي وسجلته على اللاب توب والموبايل،




 وبدأت أبحث عن فرصة عمل وقدمت في كل المتاح، ثم اتصلت بزميلتي سحر لأسألها عن النتيجة حتى أستطيع التقدم للعمل، فقالت أنها ستخبرني بمجرد ظهورها. قضيت اليوم في




 طهي الطعام وترتيب البيت وتنظيفه. عاد فريد في الليل بعد أن انتهى من عمله في الشركة ثم عمله على سيارته كسائق أوبر،وجدته منهكاً، فطلبت منه أن يغتسل حتى أعد له الطعام. جلسنا لتناول الطعام،فسألته:




-انت بتاكل في الشغل؟

-ممكن ساندويتش أو أي أكل وأحياناً بانسى أكل أصلاً

-بس كده تضعف وخاصة وإنك بتشتغل من الصبح لحد ٩ مساءاً

نظر إلي ولم يجب فقلت:

-هابقى أعملك أكل تاخده معاك

فقال بتهكم:

-ماتتعبيش نفسك وبلاش تعيشي دور الزوجة الحقيقية وانت عارفة إن جوازنا مش حقيقي




قسوة كلماته جعلتني لا أستطيع ابتلاع الطعام فنهضت واتجهت لغرفتي وأنا أحبس دموعي. نهض فريد خلفي وأمسكني من كتفي وقال بأسى:




-سامحيني مش قصدي أضايقك، أنا تعبان وما نمتش كويس واعصابي تعبانة، وكمان مش عاوزك تتعبي نفسك عشاني.

فقلت من خلال دموعي:

-يعني انت بتعمل كل ده عشاني ومش عاوزني أعمل حاجه واحدة عشانك؟ أنا ماليش غيرك يا فريد




قبلني في وجنتي بحنان و رقة وقال:

-اعملي اللي انت عاوزاه وماتزعليش

نظرت في عينيه من خلال دموعي وقلت:

-زمان كنت مهما غلطت بتسامحني ياترى هتقدر في يوم تسامحني؟

لم يجبني واستدار والألم ظاهر في عينيه فدخلت غرفتي وأغلقت بابي وانهرت في البكاء وقلت:




-يارب إنت وحدك عارف إني كنت مغصوبة وإني تبت توبة نصوحة وندمانة على غلطتي، سامحني يارب، مش عاوزة غير عفوك لأنك انت الرحيم لكن البشر قلوبهم قاسية.




مضت الأيام التالية على روتين واحد أستيقظ مبكراً لأصلي الفجر وأعد له بعض الساندويتشات أو أعد له ليلا بعض الفطائر أو الحلوى، ثم أعود للنوم، وأستيقظ عند آذان الظهر فأصلي ثم أبدأ رحلتي في التنظيف وطهي الطعام، واقضي باقي الوقت في القراءة أو تصفح وسائل التواصل الاجتماعي حتى يعود



 فريد ونتناول طعامنا معاً، ثم أذهب  نجلاء لطفي لغرفتي حتى يأتيني النوم.وبعد نحو أسبوعين ظهرت نتيجتي ونجحت بتقدير جيد، فحمدت الله وصرت أبحث بجدية عن عمل ولكن بلا فائدة حتى قال لي فريد يوماً:

-فيه عندنا في الشركة وظيفة مش عارف هتناسبك ولا لأ

-وظيفة إيه؟

-سكرتيرة المدير




-مافيش مشكلة أهي أي وظيفة مؤقتاً لأن كل الوظائف محتاجة خبرة أو كورسات غالية فمحتاجة شغل عشان أصرف على الكورسات

- لو محتاجة فلوس أنا معايا

فاقتربت منه وقلت بأسى:

-مش كفاية شايل هم أكلي ومصاريف الشقة؟كمان هتدفع تمن كورساتي؟

فأمسك ذراعي بقوة وقال:

-الطبيعي إني اصرف على مراتي وإلا ما ابقاش راجل.

فقلت بتهكم:

-مش لما أبقى مراتك بجد

فنظر إلى متعجباً وقال:

-انتي عاوزة تبقي مراتي بجد؟




احمرت وجنتاي ولم أدرك فداحة ما قلته إلا بعد أن رأيت نظراته، فأسرعت إلى غرفتي وأغلقت بابي جيداً وقلبي يخفق كطبول الحرب. هل حقا أرغب في أن أكون زوجته فعلياً؟ يبدو أني أتعلق به يوماً بعد يوم، لكنه حب بلا أمل فلا يبدو أنه




 يستطيع أن ينسى أو يغفر. بعد أن تمالكت نفسي قليلاً شغلت نفسي عنه باستكمال البحث عن وظيفة والتواصل مع زميلات الكلية.استيقظت في اليوم التالي على صوت هاتفي فوجدته فريد يقول:

-ابعتي لي على الواتس صورة بطاقتك  واعملي حسابك أخر الأسبوع هنسافر نجيب شهادتك عشان تشتغلي من أول الشهر

قفزت من السرير مهللة وقلت له كما اعتدت سابقاً:

-انت أجمل فريد في الدنيا بحالها

فسكت فقلت:




-أنا أسفة واضح إني اتجاوزت حدودي، متشكرة جداً.

أغلق الهاتف دون رد،فاتصلت بزميلة لي أسألها عن المطلوب للحصول على الشهادة فأخبرتني،عندما عاد فريد في المساء طلبت منه أن أسافر قبله حتى أستطيع استخراج الشهادة فرفض وصمم أنا نسافر معاً،فقلت له:

-انت بتسافر الخميس بعد مواعيد الشغل وبترجع السبت وهم بيكونوا أجازة يبقى أطلعها أمتى؟




-هاخد يوم الخميس أجازة ونسافر بدري

-وليه تعطل نفسك؟ أنا هاسبقك بساعات مش أكتر وحتى ممكن أستناك عند هدى في المنصورة ونبقى نروح بيتنا سوا

فقال بحدة:

-قلت لأ، ومافيش مرواح عن إخواتك من غيري أظن كلامي واضح

-واضح جداً، أنا آسفة كنت فاكرة إنك بدأت تثق فيه

تركته ودخلت غرفتي وغرقت في بكائي، وجافاني النوم حتى صلاة الفجر وعندما نهضت لأعد له طعامه لم أجده فأدركت أنه مازال غاضباً مني ولا يريد رؤيتي.




مرت الأيام بيننا والكلام قليل حتى أخر الأسبوع فقال لي بعد عودته من عمله يوم الأربعاء:

-جهزي نفسك عشان نسافر بكرة بدري عشان نلحق نخلص الورق

فقلت بتهكم :

-وتحب أبلغ إخواتي إننا رايحين ولا بلاش؟

-أنا مش عاوز أمنعك عن إخواتك لكن هم يجولك بيت عمي إنما ماتروحيش بيوتهم وأنا مش معاكي

-ليه خايف على أجواز إخواتي مني؟ للدرجة دي صورتي وحشة في عينك؟

قلتها ودموعي تنهمر فاقترب ومسح دموعي بطرف إصبعه وقال:




-وليه ما أكونش خايف عليكي منهم؟

نظرت إليه فوجدت في عينيه نظرة غريبة لم أفهمها لكنه جعلت قلبي يخفق بشدة، فتمالك نفسه وقال:

-خشي نامي عشان هنصحى بدري

-مش هتتعشى

-لأ شبعان، تصبحي على خير.

احترت في فهمه ولكني كنت خائفة من تعلق قلبي به وهو سيتخلى عني في أي وقت كما وعد أبي.




استيقظنا باكراً وتوجهنا لجامعتي ولم يتركني للحظة واحدة نجلاء لطفي أثناء استخراج الشهادة، ثم توجهنا بعد ذلك لبيت أبي وتركني لمتابعة بعض الأعمال وأخبرني أنه سيعود على




 العشاء. جاءت هدى ثم تبعتها منة بأولادهما وضجيجهما، وانشغلنا بحكايتنا وبالأطفال وإعداد الطعام، وعند الغداء قلت لهما أن فريد لن يأتي إلا وقت العشاء، فسألتني هدى عن أحوالي معه فأجبتها أننا بخير فابتسمت وقالت:





-اللي زي فريد ده كنز، صحيح يبان شديد وصعب شويتين لكن قلبه طيب جداً، يمكن هتلاقيه ما بيعرفش يعبر عن مشاعره بالكلام لكن هتلاقي أفعاله كلها حب




فضحكت منة وقالت:

-إيه؟ أفعاله مش حلوة ولا إيه؟

احمرت وجنتاي ونهرتها هدى وقالت:

-سيبك منها مافيش في دماغها غير قلة الأدب

فقالت منة وهي تغمز بعينها:

-أهي قلة الأدب دي اللي تخلي أي راجل متمسك بمراته، افهموها بقى

ضحكنا فقالت هدى:

-اسمعي مني يا سلوى فريد راجل بجد هيصونك ومش هتلاقي زيه كفاية إنه بيحبك



فقلت بذهول:

-بيحبني؟

فقالت منة ضاحكة:

-هو أبو الهول لسه مانطقش، نظرات عينيه واهتمامه ولهفته عليكي أكتر مننا كل ده بيقول إنه بيحبك ومن زمان أوي، يا خايبة حركيه واكسبيه وخليه يعترف، أقولك سيبك من هدى وتعالي أقولك كام نصيحة وهتدعي لي بعدهم.




ظلت منة تخبرني كيف أتعامل معه كزوج والخجل يعتريني ولا أعلم كيف أوقفها، لأني من جهة أريد أن أكسبه كزوج ومن جهة أخرى أخشى أن تعلم أختاي أن زواجنا شكلي.جاء فريد في موعد العشاء وفوجئت بمنة وهي تقول بعد أن حيته:




-خدي عشاكم يا سلوى وروحي اتعشي مع جوزك 

فقال فريد متعجباً :

-لو عاوزة تخليكي مع إخواتك مافيش مشكلة

فقالت منة ضاحكة:

-لأ يا خويا خد مراتك معاك والصبح إن شاء الله نفطر سوا

احمرت وجنتاي وودت أن أخنقها لما سببته لي من حرج، ولكني توجهت مع فريد لبيتنا فقالت منة:




-سلوى ما تنسيس اللي قلت لك عليه

نظرت لها بتوعد وهي غارقة في ضحكاتها.

تناولنا العشاء وسألني:

-منة كانت عاوزة منك إيه؟

ارتبكت أمام نظراته الثاقبة وقلت:

-أبداً دي كانت بتسألني على وصفة هاجيبها لها من صاحبتي

نظر إلي تلعثمي واحمرار وجنتاي فأدرك أني أخفي عنه شيئا، فمن بإمكانه أن يفهمني سوى فريد؟




دخلت غرفتي وأنا أفكر فيما قالته لي منة،فأنا أريد فريد زوجاً لي،لكن هل بإمكانه أن ينسى زلتي ويغفرها لي ونبدأ حياة جديدة؟ هل حقاً يحبني كما قالت منة؟ هل ذلك في صالحي أم ضدي؟ أفكار كثيرة دارت برأسي وحرمتني النوم. نهضت في




 الصباح والهالات السوداء تحيط بعيناي لكني حاولت أن أشغل نفسي بترتيب وتنظيف البيت ثم ذهبت لأختاي لأقضي اليوم معهما بينما انشغل فريد بمتابعة أحوال الأرض كما أوصاه أبي



.

انقضى اليوم وسافرنا في اليوم التالي وأعددت نفسي للذهاب للعمل معه. كانت سيارته صغيرة لكن حالتها كانت جيدة، وصلنا للشركة وذهب معي لشئون الموظفين وتركني هناك وهو يقول هامساً:

-اعتمدي على نفسك وبلاش دلع وما تفتكريش وجودي هيحميكي من العقاب لو غلطتي.




نظرت إليه بأسى، هل هذه نظرته إلي؟ أهكذا يراني فتاة مدللة؟ سأثبت له أني أستطيع تحمل المسؤولية. ذهبت إلى مكتبي حيث كنت سكرتيرة مدير إحدى شركات المجموعة الكبيرة. جلست مع السكرتيرة القديمة وساعدتني في معرفة



 كل تفاصيل العمل. وبعد نحو الساعة دق الجرس فدخلت هي للمدير وبعد دقائق خرجت  نجلاء لطفي وأخبرتني أنه يريد أن يراني، دخلت وفوجئت بمكتب أثاثه فخم جداً ومساحته



 كبيرة، وخلف المكتب يجلس رجلاً مهيب في هيئته يبدو أنه تجاوز الخمسين عاماً، أصلع الشعر وبشرته بيضاء وعيناه تتفحصني بنظرة لم أشعر بالارتياح لها، ساد الصمت بيننا للحظات ثم قال بهدوء:




-أهلا آنسة سلوى 

فقلت بسرعة وبدون تفكيرلأقطع عليه أية أفكار:

-مدام سلوى

فرفع حاجبه بتعجب وقال بنفس الهدوء:

-يا مدام سلوى الشغل معايا متعب ومحتاج تركيز عالي وقوة تحمل ياترى هتقدري عليه؟ وخاصة وإنك متجوزة.

-هاقدر إن شاء الله يافندم




-عموما قدامك فترة اختبار ٣ شهور لو أثبتي جدارتك هتتعيني.

لم أجبه فنظر إلى متفحصاً مرة أخرى ثم قال :

-تقدري تتفضلي.

خرجت وأنا أشعر بعدم الارتياح، فسألت السكرتيرة القديمة:

-ممكن أسألك هتمشي ليه؟ دي شركة كبيرة ومرتبها كويس؟

ابتسمت بسخرية وقالت: 




-بكرة تعرفي لوحدك، كل واحد له وجهة نظر غير الباقيين، مثلاً اللي أقدر أستحمله أنا غيري مايقدرش والعكس صحيح.

استمعت لكلماتها وخلال أسبوع تعلمت منها كل شيء في العمل وعند رحيلها قالت لي:



-خلي بالك من نفسك وما تسكتيش عن أي تجاوز مهما كان من مين.

-شكراً على كل حاجه علمتيها لي.

مرت الأيام في العمل وأنا ألتزم بكل ما تعلمته ولكن نظرات المدير المتفحصة كانت مزعجة، لكني حرصت على التعامل الرسمي الجاد حتى لا يتجاوز معي هو أو غيره، وخلال أيام



 عرف الجميع أني زوجة فريد، فلاحظت أن الفتيات يتوافدن للمكتب لمجرد التعرف علي، وسمعت إحداهن تقول للأخرى:

-دي أقل من العادية ياترى عاجبه فيها إيه؟

-بيقولوا قريبته وفي الفلاحين لازم يتجوزوا من بعض، تلاقيه مغصوب عليها.




أردت الخروج إليها لأتشاجر معها لكني تمالكت نفسي وتركتهن يحترقن بنار الغيرة.

ضحكت بيني وبين نفسي على من يحسدنني عليه،لو يعلمن ما نوع علاقتنا لسلخنني بألسنتهن، و رمين عليه شباكهن ليمنحنه ما ينقصه مني.



                        الفصل الخامس من هنا 

تعليقات
تطبيق روايات
حمل تطبيق روايات من هنا



×