رواية آلام العشق الفصل السابع 7 بقلم نجلاء لطفي

 


رواية آلام العشق الفصل السابع

ذلك النذل الوقح عاد من جديد واستغل فرصة أني وحدي بلا سند وراح يهددني تارة، ويبثني غرامه تارة أخرى وهو يظن أني تلك الساذجة التي أوقعها في غرامه وهي تظنه رجلاً بحق. لا يدري أني لم أعد كما كنت، فالتجارب القاسية عندما تكسرنا تترك بالقلب علامة حتى لا يقع فريسة لكل كاذب بإسم الحب. بعد رحيله بنذالة عرفت معنى الحب الحقيقي مع فريد، ورأيت كيف يصونني ويحميني،ويبذل كل جهده لإرضائي، حتى وإن لم يكن يحبني يكفيني أني أحبه وسأحيا على أمل أن يغفر لي وينسى ذلتي.
لم أدرِ ماذا أفعل أمام تهديدات ذلك الوضيع؟ وبالطبع هو قادر على تنفيذها، ترى من سيقف بجواري في تلك المحنة؟ هل أصارح محمد زوج هدى وأفضح نفسي أمامهما؟ وهل هو قادر على التصدي له؟ لا سأتحدث مع فريد، حقا لقد غضبت منه ولم أتحدث إليه منذ طلاقنا، كما أن عدتي انتهت من فترة طويلة، وليتها لم تنته، لكني كنت أخدع نجلاء لطفي ذلك الوقح لأكسب وقتاً لأتصرف. والآن لم يعد أمامي أي سبيل سوى الاتصال بفريد، بمجرد أن سمعت صوته علت خفقات قلبي وتسارع نفسي وهو يقول قلقاً:
-سلوى إزيك؟انتي كويسة؟...سلوى ..سلوى


-استجمعت شجاعتي ولملمت بقايا نفسي وقلت:
-أنا كويسة بس حصلت حاجه ومش عارفه أحكيها لحد غيرك
-قولي سامعك
حكيت له كل ماحدث فصمت قليلاً ثم قال بغضب:
-بصراحة لسه بتحبيه وعاوزة ترجعي له بس غضبك هو اللي مانعك؟ ولا فعلاً مش عاوزاه؟
-بعد اللي عمله فيه كرهته ودلوقتي بعد تهديده بفضحي أنا باحتقره وباحتقر نفسي إني صدقت سافل زي ده
صمت للحظات ثم قال:
-الحل الوحيد إننا نتجوز تاني وتيجي تقعدي معايا هنا عشان تبقي في حمايتي
خفق قلبي بشدة فلم أكن أتصور أن يطلب مني ذلك أبداً، فقلت:
-طيب والڤيديو لو نفذ تهديده ونشره؟
-ماتخافيش هاسأل محامي صاحبي وأقولك هنعمل إيه بس الأهم دلوقتي هابعت توكيل لحد من أجواز إخواتك عشان يجوزنا
فقلت باندفاع
-بلاش سامح ابعته لمحمد
-ليه ماله سامح؟
سكت ولم أجب فقال بعصبية:
-اتكلمي ماله سامح؟ ...اوعي يكون حاول يضايقك


-هو بس له كلام كده له أكتر من معنى ونظرات مش مريحة
-بس كده؟
-أنا باصده على طول ومش باديله فرصة يتكلم معايا لوحدنا حتى لما جه البيت من غير منة ما رضيتش أفتح له.
-كمان جه البيت ابن ال....حسابه معايا بعدين
صمت قليلاً ثم قال:
-هاكلم محمد وهدى وأقولهم خلوا الموضوع ده بيننا ومحدش يعرف ولا حتى منة وطبعاً سامح الزفت، وأي حاجة تحصل تبلغيني بيها أول بأول
-أنا آسفة يافريد إني دايما بالخبط حياتك وأورطك في مواقف إنت مش عايزها
سكت ولم يجب ثم قال:
-اوعي تفتحي لهاني أو سامح لو حد فيهم جالك، فاهمه؟
-حاضر
-ياريتني ما سبتك وسافرت
-ياريت
-خلي بالك من نفسك، وروحي بكرة الصبح أعملي باسبور وأول ما يطلع قوليلي


-حاضر
سعدت كثيراً بغيرته واهتمامه وحمايته، لكني تساءلت أهي بدافع الحب، أم المسئولية والولاء لأبي؟ أجابني قلبي: أيا ً كان الدافع المهم أنه يهتم، فاستمتعي بتلك اللحظات. أفاقني عقلي من سعادتي بتساؤل أخر، ماذا لو كان يحب فتاة أخرى وفي كل مرة تقفين كعقبة في طريقه؟ يحب أخرى؟ هذا لم يخطر لي على بال. طوال الليل كانت مشاعري تتأرجح بين الأمل واليأس، فحرمتني نجلاء لطفي مذاق النوم.
في الصباح ذهبت لاستخراج جواز السفر وجائني إتصال من هدى تتساءل هل صحيح أريد الزواج بفريد مرة أخرى، فأجبت بالموافقة فسألتني ولم كان الطلاق فقلت:نصيب.
فطلبت مني أن أحضر لبيتها لأبيت عندها وفي الصباح أذهب مع زوجها ليزوجني لفريد بالتوكيل الذي أرسله إليه، فأخبرتها أني سأكون عندهم في الصباح الباكر.عدت إلى البيت فاتصل بي هاني فقلت له بحدة:
-ماتتصلش تاني غير لما تخلص عدتي، مش أنا اللي أكون على ذمة راجل وأتكلم مع واحد تاني.
-خلاص ياقمر ماتزعليش أنا بس كنت عاوز أسمع صوتك لأنك وحشتيني.
-بعد أسبوعين هتسمع صوتي كويس
أنهيت المكالمة وأنا أرتجف لكني كنت أرغب في أن يظل مطمئناً ولا يبحث خلفي فيعلم الحقيقة. في المساء اتصلت بفريد وأخبرته بما حدث فقال غاضباً:
-السافل ده مش هيرجع إلا لما أقتله
-لأ يافريد ما يستاهلش تضيع نفسك عشانه،كده مش هتخليني أحكي لك حاجة.
-أوعي تخبي عني حاجه، فاهمة؟
-حاضر بس هدي نفسك.
في اليوم التالي ذهبت مبكراً لبيت هدى وذهبت مع محمد للشهر العقاري بموجب التوكيل الذي أرسله له فريد واصطحبني أنا وهدى للمأذون في المنصورة واتصل باثنين من أصدقائه وتم عقد القران وطلب من المأذون سرعة إصدار عقد الزواج بسبب السفر.
عندما عدنا اتصلت بفريد وأخبرته بما حدث فقال لي:
-أول ما يطلع جواز السفر وعقد الجواز ابعتيلي صور منهم عشان اعملك التأشيرة.


استطاع محمد من خلال معارفه استخراج عقد الزواج مبكراً وارسلته مع صورة جواز السفر إلى فريد الذي تمكن من استخراج تأشيرة لي وحجز تذكرة السفر. كان هاني كلما اتصل بي ادعيت المرض حتى اكتسب وقت أطول،وفي نفس الوقت اتصل بي صديق فريد المحامي لرفع دعوى ضد هاني بالڤيديو الذي بحوزتي فرفضت وطلبت منه تأجيلها وإن فكر في الإساءة لي ونشر الڤيديو حينها سوف أرفع ضده دعوى قضائية.
تركت الحضانة تحت إشراف هدى وطلبت منها التواصل مع المدرسة التي تنوب عني في غيابي نجلاء لطفي، ثم اتصلت بهاني وطلبت منه الاستعداد لعقد القران بعد يومين، وكان موعد طيارتي بعد عدة ساعات. جاءت هدى ومحمد لتوصيلي للمطار ومن حسن الحظ أن منة وزوجها كانا مسافرين فطلبت من هدى ألا تخبرها إلا بعد سفري حتى تكون مفاجأة لها وفي الواقع أنا أخشى من معرفة سامح حتى لا يفسد الأمر. ركبت الطائرة وأنا أشعر بالسعادة لأني سأعود إلى فريد وأعيش بجواره، لكن هل يشعر هو بالسعادة مثلي؟ أم أني عبء ثقيل عليه لكنه يتحمله وفاءاً لعهده مع أبي؟ لا أعرف ولكن الأيام ستوضح كل الأمور.
أقلعت الطائرة وشعرت بالخوف الشديد وتمنيت أن يكون فريد معي، فمعه أشعر بالأمان. نظرت من النافذة وتأملت منظر السحاب وأدركت أني منذ صغري لا أشعر بالأمان إلا مع فريد، فكم من مرة كنت معه بمفردنا ولم أشعر بالخوف، بينما هاني كنت رغم ظني أني أحبه لكني كنت أخاف منه ولا أتواجد معه بمفردنا، والمرة الوحيدة التي تجاوزت فيها خوفي منه وقعت في شباكه وانتهك جسدي بأقذر صورة ممكنة. فهمت الآن أن الأمان والاحترام أهم من الحب، وأن التفاهم والثقة هما الأساس القوي الذي تقوم عليه أية علاقة سوية.
وصلت الطائرة وشعرت بسعادة غامرة لأني سأرى فريد وربما ألقي بنفسي بين ذراعيه وأخبره كم اشتقت إليه، لكن كل أحلامي تبخرت عندما رأيته واقفاً في انتظاري لكنه كان يتبادل الحديث والضحك مع فتاة جميلة بملابس ملفتة للنظر وشعر أصفر طويل وجسد ممشوق. اقتربت منهما فلوح لي مبتسماً واقترب مني وصافحني برسمية وأنا اتفحص تلك التي ترافقه ، فلم أجد فيها أي عيب، فقد كانت جميلة بشعرها الأصفر الناعم وبشرتها البيضاء وعيونها العسلية الفاتحة وقوامها الرشيق الذي أظهره البنطلون الجينز الضيق الذي ترتديه والبلوزة الوردية بلا أكمام وتظهر ذراعيها بسخاء،أفقت من تفحصي لها على صوت فريد وهو يقول:


-الآنسة لميس زميلتي، وسلوى بنت عمي
فنظرت له بتعجب وقلت:
-بس؟
ونظرت إليها وأنا أصافحها بغيرة ظاهرة وقلت:
-ومراته
فرحبت بي ببرود ورسمت ابتسامه صفراء على وجهها وانطلقنا معا. ركبت معنا السيارة وعرفت من لهجتها أنها لبنانية وهي زميلته في العمل وقد التقيا صدفة بالمطار وأصر فريد على توصيلها،فقلت بسخرية:
-طول عمر فريد صاحب واجب وخاصة مع الستات اسأليني أنا
نظر إلي فريد بطرف عينه فلم أبالي. وصلت الفاتنة لبيتها وشكرتنا وتمنت لنا ليلة طيبة، فقلت بداخلي:
-ما خلاص الخطة باظت بسببك يا حلوة تؤبريني
وصلنا لشقة فريد التي كانت في بناية في الدور الثالث، فتح الباب ودخلنا فتأملت الشقة فوجدتها صغيرة وبها غرفتين وقبل أن أتكلم وضع حقيبتي في إحداهما فقلت ساخرة:
-الحمد لله إنك المرة دي مش هتنام في الصالة على الكنبة.
-لأ أنا سبت لك أوضتي ونقلت لبسي في أوضة زمايلي
-كل مرة كده بادخل حياتك ألخبطها
-ماتقلقيش هي متلخبطة لوحدها، غيري هدومك وتعالي نتعشى
جلسنا نتناول طعامنا وحكيت له عن كل ماحدث وأني تركت الحضانة في رعاية هدى حتى لا أغلقها وأقطع عيش العاملين بها، وطلبت منه أن يبحث لي عن عمل.
في الأيام التالية كنت أبحث أيضاً لي عن عمل من خلال الإنترنت، كما كنت أتواصل نجلاء لطفي مع هدى وغضبت مني منة عندما علمت أني أخفيت عنها خبر زواجي وسفري فحاولت أن أراضيها ولم أرغب أن تعرف أني كنت أخشى أن يحاول زوجها التعرض لي مرة أخرى كما سبق وأن فعل عندما جاء للبيت وأنا بمفردي فلم أسمح له بالدخول، وحاول أن يتغزل بي فصددته وأغلقت بابي في وجهه. لا أعلم لم يريد الكل استغلالي، هل يروني فتاة سهلة؟ هل هناك شئ في ملابسي أو تصرفاتي تشجعهم على التحرش بي؟ أم أن النفوس الدنيئة لا تفرق بين امرأة محترمة وأخرى رخيصة؟ أم أن كل امرأة بلا رجل مباحة للجميع؟


بعد نحو الشهر من إقامتى مع فريد وحالنا لم يتغير فنحن مجرد رفيقي سكن لا أكثر، أخبرني فريد أنه وجد لي عملا في مدرسة كمعلمة أطفال، وافقت بدون تفكير فأنا أعشق الأطفال عشقاً وأشعر بالسعادة في التعامل معهم.
أخذني العمل من التفكير في حالي وشغل وقتي، وعندما اندمجت مع زميلاتي عرفت أنهن يقمن في شقة مشتركة. كانت كل زميلاتي يحسدنني على زواجي من فريد ذلك الرجل الوسيم الذي يفيض بالرجولة والاحترام، حتى أن إحداهن أخبرتني لو كان زوجها لفعلت المستحيل لاستمالته وقصت على كيف ستفعل ذلك.
فكرت أن فريد رجل بحق يُعتمد عليه وأشعر بالأمان في وجوده، كما أنني تعلقت به خلال فترة زواجنا الأول وتأثرت بغيابه، فقررت أن أبذل كل جهدي ليكون لي زوجا حقيقياً.
تعمدت في الأيام التالية أن تكون ملابسي قصيرة وملتصقة بجسدي وأطلقت لشعري العنان وتعطرت بأغلى العطور التي تسلب العقول، وكنت أتدلل عليه وأقترب منه بشكل كبير ربما يلين ولكنه ظل صلباً كالصخر، ألا يرغبني؟ أم أن به علة؟
قررت في ليلة أجازتنا أن أرتدي أحد قمصان العرس التي احضرتها لي منة وكنت أخجل من مجرد التفكير فيها،لكن لا يقل الحديد إلا الحديد.
عاد فريد من الخارج واغتسل وظل يبحث عني وأنا أجلس على سريري وعندما ناداني أجبته اني متعبة وطلبت منه الدخول لغرفتي، كنت اغطي جسدي بغطاء السرير فلما اقترب مني ملهوفاً وقال :
-مالك أنتي تعبانة؟ تعالي اوديكي المستشفى
فقلت بدلال وأنا أزيح الغطاء وأضع يدي على وجهه:


-دوايا عندك إنت أنا بحبك يافريد
اتسعت حدقتاه بذهول وراحت عيناه تتجول برغبة على جسدي وتسارعت أنفاسه فاقتربت منه أكثر وقلت بحب:
-أنا عاوزة أبقى مراتك بجد
تلاقت العيون ورأيت في عينيه نظرات الحب والشوق، لكن فجأة دفعني وابتعد عني وقال وهو يدير وجهه:
-مش قادر بيني وبينك ألف سور
وضعت يدي على كتفه وقلت:
-نخطيهم سوا
فصرخ بألم وقال:
-ومين قالك إني ما حاولتش؟ لكن كل ما اتخيل اللي بحبها وما حلمتش بغيرها كانت بتحب غيري وسلمت نفسها له اتجنن وما أقدرش ألمسك
أصابني الذهول وقلت وأنا أبعد يدي:
-انت لسه مش مصدق إنه اغتصاب؟ طيب هاوريك الڤيديو اللي يثبت برائتي
وفتحت له الموبايل ورأي الڤيديو وعلامات الغضب ترتسم على وجهه وقال:
-برضه ما أقدرش ألمسك وأنا طول عمري باحلم أبقى الأول وما أقدرش أبقى التاني في حياتك
نظرت له بذهول وقلت:
-يعني المشكلة مش عندي المشكلة عندك جوه عقلك ومهما عملت هيفضل بيننا ألف سور، كده إحنا مستحيل يكون بيننا حياة
رفعت غطاء السرير وغطيت جسدي، وقلت له بأسى:
-تصبح على خير يافريد أخرج وأقفل الباب وراك.
-سلوى ..أنا....


-خلصت خلاص يافريد ما بقاش فيه كلام يتقال.
خرج من الغرفة وبكيت كما لم أبكِ من قبل.
غفوت بعد فترة واستيقظت في الصباح وبدلت ملابسي، لم أجد فريد في البيت فاتصلت على زميلاتي لأتحدث معهن لعلي أنسى ألمي فأخبرتني إحداهن أنهن يواجهن مشكلة بسبب ترك إحداهن العمل وبالتالي فإيجار الشقة سيُقسم على ثلاثة بدل من أربعة مما يسبب اضطرابا لميزانيتهن، ففكرت أن تلك فرصتي لأبتعد عن فريد. اتصلت بفريد وطلبت منه الحضور فوراً لأمر هام، فلما عاد قلت له:
-يافريد حكايتنا ما فيش منها أمل والحل إننا نتطلق، وكل واحد مننا يعيش حياته، لأن مش معقول تفضل عايش راهب من غير جواز أو زوج مع إيقاف التنفيذ، إنت مالكش ذنب تعيش الحياة دي بسببي، من حقك يكون لك زوجة وأولاد.
-وانتي؟
-أنا هاعيش هنا فترة واشتغل لحد ما هاني يشوف له حياة بعيد عني وينساني، ويمكن ألاقي حد مناسب وساعتها هتجوزه
ساد الصمت بيننا للحظات ثم قال:
-ولو طلقتك هتعيشي فين؟
-زميلاتي في الشغل محتاجين واحدة معاهم في السكن،وانا هاتنقل معاهم
-بس كده هتبقي بعيدة عني
-ده أحسن لنا إحنا الاتنين ولو احتجت حاجه هاتصل بيك، ومهما يحصل هتفضل أخويا وابن عمي الجدع اللي هافضل مديونة له بحياتي.
اتفقت مع زميلاتي على الانتقال معهن وقد عرفن أني وفريد على وشك الطلاق ولكن لم أحكِ لهن عن السبب واكتفيت بقول :
مافيش نصيب.

          الفصل الثامن والاخير من هنا

تعليقات
close