رواية آلام العشق الفصل الثامن 8 بقلم نجلاء لطفي

 


رواية آلام العشق الفصل الثامن

تم الطلاق وانتقلت للعيش مع زميلاتي و أخبرت أختاي عن طلاقي وظلت هدى تلومني وتقول لي أني لن أجد مثل فريد في رجولته وشهامته، فقلت لها النصيب. أما منة فتعجبت وقالت:
-بتتجوزوا بسرعة وتطلقوا أسرع، مشكلتكم إنكم مش عارفين انتم عاوزين إيه
-أخيرا فهمت وعرفت
عشت حياتي بين العمل والبيت وأنا اتصرف كإنسان آلي بلا قلب ولا روح فقلبي حطمه فريد بقسوته ، وروحي تناثرت لأشلاء بعد صدمتي برفضه الدائم لي رغم حبه، وأنا كنت حمقاء وأظن أن الحب يغفر كل الأخطاء، لكن اكتشفت أن الرجل الشرقي يغفر ويتسامح في كل شئ إلا في أن يكون الأول في حياة امرأته حتى وإن لم يكن يحبها. استمرت حياتي جافة وباردة وتسير على نمط واحد حتى قابلت مازن أخو نهى زميلتي في العمل الذي جاء مؤخرا للعمل في دبي مع أخته فكان يستغل أجازته في أن يقضيها معها. التقينا عدة مرات وتبادلنا الكلام الرسمي، فلست من تسمح لغريب بتجاوز حدوده معها، كما أن وضعي كمُطلقة يجعلني دائما في موضع الظنون والشبهات. بعد فترة فوجئت بها تصارحني برغبته في الزواج مني فرفضت تماماً لأن جروح روحي لم تلتئم بعد، كما أنني مازلت أخشى من الرفض مرة أخرى، كما أخاف أن يعود هاني لتهديداته وهو ما لن يتفهمه أي رجل.
في الأجازة التالية كنت أتجول في أحد المولات ففوجئت بنهى تتصل بي وتسألني عن مكاني فأخبرتها فطلبت مني أن أنتظرها في أحد المقاهي بالمول فظننت أنها تريدني أن أتسوق معها، لكنها جاءت بصحبة نجلاء لطفي أخيها مما أصابني بالارتباك والإحراج، حيتني بترحاب وابتسامة ماكرة وحياني مازن بطريقة رسمية كما اعتدنا وجلسا فقالت نهى بمرحها المعتاد:
-احنا قلنا أنتي قبضتي مرتبك ودي فرصة عظيمة عشان تعزمينا
فابتسمت وقلت:
-طبعاً تحت أمركم
فقال مازن بجدية:
-واضح إن وجودنا مسبب لك ارتباك
-لأ أبداً بس مفاجأة مش متوقعة
-ده لأنك رفضتيني
-أنا مارفضتكش إنت شخصياً لكن رافضة فكرة الجواز كلها
-أقدر أعرف السبب
فقالت نهى:
-طيب أنا هاروح أشتري شوية حاجات وراجعة لكم
ساد الصمت بلحظات فقال:
-أنا سامعك
-أولاً أنا خارجة من تجربة جواز وجعاني ومش قادرة أخوض أي تجارب تاني ممكن توجعني
-أنا مش ممكن أوجع أي حد، بس السؤال انتي بتحبيه عشان كده موجوعة؟
-مش عارفة هو ابن عمي كبرت لقيته قدامي بيهتم بيا أنا واخواتي ويراعينا ويحمينا، ولما اتحطيت في موقف غصب عني وقف جنبي وقرر يتجوزني وكان بيعاملني بمنتهى الشهامة والرجولة، وده خلاني اتعلق بيه، لكن اكتشفت إننا مستحيل نكمل مع بعض عشان كده قررت نتطلق عشان يقدر يتجوز ويبقى عنده عيلة، ومن ساعتها وأنا مكسورة.
-يعني مش حب مجرد تعود وده سهل يتنسي مع الوقت وتتعودي على غيره
-بس ليه أنا وإنت زي ما أنا عارفه لسه ما اتجوزتش قبل كده وتقدر تتجوز بنت مش مُطلقة؟
-من أول مرة شفتك فيها حاجه شدتني ليكي، وكمان لما شفت أخلاقك وتعاملك الجاد معايا، غير اللي حكته نهى عنك كل ده خلاني أعرف إنك بالعقل مناسبة ليا وكنت بس محتاج أتعرف عليكي بشكل رسمي عشان اعرفك أكتر، أما فكرة بنت ومُطلقة فما تفرقش معايا لأني كنت مرتبط زمان بزميلتي وكانت بنت وبعد كده اكتشفت إنها كدبت عليا وكانت لها علاقات قبلي كتير ومنهم علاقة ما انتهتش غير لما عرفت تعلقني بيها
-ومش خايف اهلك يرفضوا؟
-والدي ووالدتي متوفيين ونهى هي كل أهلي
-والناس مش خايف من كلامهم؟
-أنا اللي هاعيش مش الناس،سيبك من مخاوفك دي وكلميني عن نفسك
شعرت بالراحة إلى حد ما وتحدثت عن نفسي وعن أسرتي وعن فريد، وحكى لي عن نفسه وأسرته وعرفت أنه يكبرني بعامين وخريج كلية التجارة وهو من يعول أخته بعد وفاة والديه وأنهما جاءا معاً بسبب عمله وأنه لم يستطع تركها بمفردها ولما جاءت معه أصرت على أن تعمل حتى تدخر لزواجها وترفع عبئها عن كاهله فوافق على مضض وتركها تعمل وتعيش في أبوظبي وغرضه الأساسي أن تجد ما يملأ وقت فراغها، وتتعرف على الناس وتعرف تتعامل معهم بمفردها وتعتمد على نفسها. عادت نهى وأصر مازن على دعوتنا على الغداء وبعد أن أوصلنا للسكن قال لي:
-أستخيري ربنا ومستني رأيك الأجازة الجاية.
سكت ولم اجب، كان أمره عجباً، إنه مُصر على الارتباط بي رغم أني كنت لغيره من قبل وهو لا يعرفني إلا منذ فترة قريبة وليس منذ صغري كما يعرفني فريد. لماذا يُصر على الزواج بي وبإمكانه أن يتزوج من هي أصغر مني ومازالت فتاة؟ هل أرسله هاني للإيقاع بي؟ هل علم مازن أني أمتلك أرضاً أم أنه طامع في راتبي هنا ومدخراتي؟ لم أستطع إيجاد إجابة مناسبة فاتصلت بهدى وحكيت لها وطلبت منها أن تحكي لزوجها وتخبرني برأيه. صليت استخارة ودعوت الله أن ينير بصيرتي، والعجيب أني شعرت بالارتياح تجاهه، واتصلت بي هدى وأخبرتني أن رأيها هي ومحمد أن نمنحه فرصة وأن أجلس معه مرة أخرى وإن شعرت بالارتياح أرسل بياناته لمحمد ليسأل عنه وعن أسرته.
لم أستطع الصبر فأرسلت لهم البيانات التي اعرفها عنه منه ومن نهى، كما حصلت على عنوانهما من جواز سفر نهى، وطلبت من محمد أن يسأل عنه جيداً ويخبرني بكل ما يعرفه. خلال تلك الفترة اعتذرت عن لقائه حتى لا نُثير الأقاويل حولنا وطلبت مهلة أكبر للتفكير. بعد عدة أيام أخبرني محمد أن مازن صادق في كل ما قاله عن ظروفه لكنه لا يملك إلا شقة والده القديمة في حي شعبي بالقاهرة وهي مناصفة بينه وبين أخته، وحذرني محمد ألا أخبره عن ممتلكاتي حتى لا يكون طامع في، وطلب من إن وافقت عليه مبدأيا أن يقابله وبعدها يقرر، وافقت على رأي محمد وكذلك هدى فقد كان دائماً متعقلاً لا يعتمد على العواطف إنما يحركه عقله. رأيت أن رأي محمد هو الصواب لقد جربت قلبي ومشاعري ولم أجنِ سوى الآلام والخذلان،فلن أخسر شئ إن جربت عقلي، ربما يحقق لي السعادة والاستقرار.
علمت من هدى أن فريد خطب إحدى زميلات العمل وينوي الزواج قريباً، وأنه بصدد شراء شقة لها في المنصورة فتمنيت له السعادة وأن تمنحه عروسه ما لم أستطع منحه له، كنت أرغب في سؤاله هل سيكون الأول في حياتها وكيف سيتيقن من ذلك؟ هل سيحبها كما أحبني؟ هل سيخبرها عني؟ وماذا سيقول؟ وهل سيقدر على نسياني؟ آلمني ذلك التفكير كثيراً لكني اكتشفت أن حياتي مع فريد كان مزيجاً من الآلام ففي البداية كانت آلام الإثم الذي وقعت فيه رغماً عني، ثم آلام تكذيبه لي، ثم آلام تعلقي به وربما عشقي له، ثم آلام صده ورفضه لي وتلك كانت أشدهم قسوة، وأخيراً آلام فراقه التي أوجعتني وأشعرتني أني بلا قيمة ويسهل التفريط في، وأني كنت عبئاً يجثم على صدره،فكانت حياتي معه سلسلة من الآلام المتواصلة. من قبل قتلني حبي لهاني، والآن أوجعني عشقي لفريد، لذا سأمزق قلبي بيداي وسأسجنه بين ضلوعي ولن أسمح له من اليوم أن يغرق في بحر العشق ويغرقني معه في بحور الآلام.
كنت حائرة هل أعترف لمازن بما حدث لي مع هاني وربما أفقده بسبب ذلك؟ أم أحتفظ بذلك لنفسي؟ ألن يهددني هاني ويحاول ابتزازي مرة أخرى؟ مزقتني الحيرة، واتصلت بشيخ مختص بالفتاوى واستشرته فأخبرني أن الستر أوجب، وأن ابن عمي تزوجني ليسترني فلم أفضح نفسي بلا داعٍ،ارتحت لكلماته واستخرت الله وقررت أن أمنح نفسي فرصة فربما تكون فيها سعادتي. أخبرت نهى بموافقتي الأولية ولكن يجب أن يقابل مازن زوج أختي الكبرى وبعدها يكون القرار النهائي. اتصلت نهى بمازن وأخبرته بموافقتي وشرطي فوافق وطلب مقابلتي مع نجلاء لطفي نهى في يوم الأجازة. ذهبت وأنا أشعر بالخجل والارتباك، لكنهما سرعان مازالا وخاصة وأن نهى بمرحها استطاعت أن تلطف الجو بيننا. تحدثنا في كل شئ، ما نحب ومانكره، طباعنا وعاداتنا، وفي النهاية قال لي أن أجازته السنوية أخر الشهر الجاري وسينزل لمصر لمقابلة محمد وإن حدث الإتفاق بيننا،سيطلب مني النزول لعقد القران وعندما حاولت الاعتراض، قال:
-ماهو ما ينفعش نكون عايشين في نفس البلد وهنخرج ونتقابل من غير ارتباط رسمي، كمان عشان ما أحسش إن كلامي معاكي أو نظراتي لك حرام، أنا عاوز البركة تملا حياتنا.
شعرت معه بالراحة وكنت أراقب كل تصرفاته وكلماته وردود أفعاله فلاحظت أنه شخص هادئ وعاقل وليس مندفعاً ولا عصبي ومتهور.
نزل أجازته لمقابلة محمد وهدى وكان تقييمهما له أنه شخص عاقل، لكن هدى قالت لي ملاحظة بيننا:
-شوفي يا سلوى هو إنسان كويس وعقلاني جداً لكن خلى بالك انت رومانسية هتقدري تستحملي طبعه ومشاعره اللي ممكن تكون جافة؟
-لو إنسان كويس وبيحترمني ويقدرني فده كفاية عندي
-والحب اللي كنتي مصدعانا بيه؟
-كبرت وفهمت إن الحب مهم لكن الاهم منه الاحترام والتفاهم والتقدير، إيه فايدة الحب مع إنسان سهل يهينك؟ أو مايقدرش كل اللي بتعمليه عشانه؟ أو ما بيتفاهمش ولا بيسامح؟
-لأ ده انتي اتغيرتي وعقلتي ياترى إيه السر؟
-الأيام وتجارب الدنيا بتعلمنا وبتعلم في قلوبنا، بس أنا خايفة من موضوع كتب الكتاب، مش يمكن لما نقرب اكتر ما يكونش فيه تفاهم بيننا.
-ما تخافيش بس اللي فهمته إنه عاوز يتصرف براحته معاكي وكمان يبقى مسئول عنك ويحميكي من كلام الناس، وبعدين لو ماعجبكيش سهل تطلقوا
فقلت بسخرية:
-فعلا هاخسر إيه يعني؟ هاخد لقب مطلقة مع مرتبة الشرف؟
استطعت إقناع مديرتي بأن تمنحني أجازة من أجل عقد القران فمنحتني أسبوع واحد لأني جديدة في العمل. سافرت مع نهى للقاهرة وقد حصلت على أجازتها السنوية، ومنها توجهت للمنصورة،حيث أصرت هدى ومحمد على نزولي عندهم وحضور مازن ونهى لنتفق على كل شئ قبل عقد القران. اتفقنا على المهر والشبكة والمؤخر، وقلت لمازن أن لدي أثاثي من زيجتي السابقة،فطلب مني بيعه ونشتري غيره جديد، فابتسمت فهو يظن أنه يحمل آثار أو ذكريات غيره.
نزلنا يومها لشراء الشبكة فاخترت طقم بسيط حتى لا أكلفه الكثير، لأني أعلم حالته المادية، وطلب منا أن نسافر غداً للقاهرة لرؤية شقته التي اختارها قريبة من شقة نهى لأنه لا يستطيع أن يتركها بمفردها. سافرنا في اليوم التالي ورأينا الشقة واتفقنا على شراء الأثاث بعد عقد القران مباشرة. دعتنا نجلاء لطفي نهى لشقتها القريبة لتناول الغداء ، فاتجهنا للحي الشعبي ووجدنا أن بيتهم متهالك ورغم أن الشقة كانت جيدة إلا أنها لا تصلح لزواج نهى بها.وبعد الغداء وشرب الشاي قال محمد بهدوء:
-أنا هاتكلم معاك يا مازن بمنتهى الصراحة، سلوى دي أختي الصغيرة وكمان بيننا قرابة وده مخليني في مكان ولي أمرها، شقتك كويسة ومكانها معقول لكنها أقرب للأحياء الشعبية ومع الوقت هتتحول لمنطقة عشوائية وسهل تتسرق خلال سفركم،كمان مش قريبة أوي من أختك عشان تراعيها، فأنا هاقترح اقتراح ولك حرية القبول أو الرفض، أولاً بيت والدك ده مهدد بالإزالة أي وقت بسبب حالته السيئة، فممكن تبيع الشقة دي وشقتك وبتمنهم مع فروق بسيطة تاخدوا شقتين جنب بعض في مكان أحسن، وأنا عندي صديق بيشتغل في شركة مقاولات بتبني مجمع سكني وممكن يجيب لكم شقتين بمساحة معقولة وسعر كويس
سكت مازن لدقيقة ونظر لشقيقته التي قالت:
-طيب نعرف المكان والسعر عشان نفكر براحتنا
فقال محمد هاتصل بيه حالا ولو ينفع نروح نشوفها دلوقتي
بالفعل اتصل محمد بصديقه وذهبنا لموقع البناء فوجدنا عمارات متناسقة بشكل كبير في حي جديد ومتوافر به كل الخدمات، وأخبرنا أن شروط الشراء هي دفع نصف الثمن مقدماً والباقي بتقسيط على عامين.
سافرنا وتركنا محمد ونهى يفكران في الأمر،كما إننا حددنا بعد الغد لعقد القران.اتصلت بمنة وأخبرتها عن خطبتي لمازن وطلبت منها الحضور ففاجئتني بقولها:
-أوعي تكوني وافقتي عليه بس عشان عرفتي إن فريد ارتبط بغيرك؟ لو عملتي كده تبقي بتظلمي نفسك قبل ما تظلميه.
سكت للحظات وقلت:
-ما تخافيش أنا وافقت لأنه بالعقل مناسب ليا ولظروفي وكمان إنسان محترم وده بشهادة هدى ومحمد
-والحب؟
-الحب بيوجع أوي يا منة، جربته واتوجعت وقررت إن العقل هو اللي لازم يتحكم في حياتنا.
-معاكي حق كتير الحب بيعمينا عن حقيقة اللي بنحبه وبيخلينا نضحي ونتغافل كتير لحد ما نصحى فجأة على الحقيقة اللي كنا خايفين نعترف بيها نواجهها.
-مالك يا منة؟ احكيلي ما تخافيش
- ما تقلقيش أنا كويسة دي بس شوية فضفضة
-عموما أنا موجودة أي وقت تحبي تفضفضي.
أغلقت الهاتف وأنا أشعر بالقلق إزاء كلامها لأني أدرك مدى دناءة سامح، ترى هل اكتشفت حقيقته؟ هل تعيش معه وهي تعلم مدى خسته؟ لماذا تحتمل هذا؟ هل هو الحب؟ أم الخوف من المجتمع؟أم الخوف على ابنها؟
حان وقت عقد القران ومن الصباح أصبح بيتنا خلية نحل بفضل هدى ومنة وبعض الأقارب اللاتي حضرن لتجهيز البيت لاستقبال الضيوف، ولم يخلُ اليوم من التساؤلات عن سر انفصالي عن فريد للمرة الثانية وكان جوابي الأوحد:
-مافيش نصيب، لكنه ابن عمي وفي مقام أخويا.
كنت في الليلة السابقة أرسلت له رسالة على الواتس اب أخبره فيها بعقد قراني فأجاب بكلمة واحدة (مبروك) وكأن الأمر لم يعد يعنيه فلم يسألني عن التفاصيل، أدركت حينها أنه لم يعد الأخ والصديق إنما اكتفى بدور ابن العم.
في الموعد المحدد جاء مازن ونهى ومعهما بعض الأقارب والأصدقاء، وامتلأ البيت بالأهل والجيران وأطلقت النساء الزغاريد بعد عقد القران. ووزعت الحلوى والمشروبات على الجميع وبعد قليل انصرف معظم الحضور وبقي مع أختاي وزوجيهما وأولادهما ومن جاءوا بصحبة مازن، وقالت نهى بمرح:
-خد عروستك يا مازن واقعدوا لوحدكم
فاصطحبتنا هدى لحجرتي ووضعت بها صينية العشاء وقالت:
-هاسيبكم وأروح أحضر العشا للضيوف.
شعرت بارتباك واحمرت وجنتاي وتوالت خفقات قلبي وكأني لم أتزوج من قبل، فاقترب مني مازن وقبلني في وجنتي وقال:
-مبروك ياعروسة
فلم أجبه خجلاً،فقال:
-سلوى مش عاوزك تخافي مني، عارف إن جوازنا بالعقل ومافيهوش الحب اللي كل البنات بتحلم بيه، لكن أنا عارف إن العشرة الحلوة والاحترام بيخلقوا الحب.
سكت ولم أقل أي شئ فقال:
-انتي بخيلة؟
-ليه؟
-مش هتأكليني في بيتكم؟
-لأ طبعاً لازم تاكل اتفضل الأكل قدامك
فابتسم وغمز لي بعينه وقال:
-بس أنا عاوزك انتي تأكليني
شعرت بالخجل لكني استجمعت شجاعتي وقررت طي صفحة الماضي بكل آلامه وأن أبدأ صفحة جديدة مع مازن لعلي أجد السعادة.
بدأت في إطعامه وكذلك أطعمني هو وتبادلنا الكلمات وضحكنا وبعد أن انتهينا، أحضرت له مناديل مُعطرة ليمسح يديه فقال لي:
-انتي إيه رأيك في موضوع الشقة؟
-الرأي رأيك انت ونهى واتصرف حسب إمكانياتك، واللي مانقدرش نجيبه النهاردة بكرة إن شاء الله نحوش ونقدر نجيبه.
نظر إلي مبتسماً، ثم طال الصمت بيننا واقترب مني وقبلني ثم قال:
-من أول مرة شفتك فيها وأنا نفسي أعمل كده، إحساس عمري ما حسيته مع أي واحدة، واضح إن معاكي دنيتي هتتغير
تركني مذهولة وخرج وهو مبتسماً بانتصار، ولا يدرك أن تلك القبلة تركت في نفسي أثراً كبيراً وحركت مشاعري.

تركني مذهولة وخرج وهو مبتسماً بانتصار، ولا يدرك أن تلك القبلة تركت في نفسي أثراً كبيراً وحركت مشاعري.خرجت من الغرفة بعد أن تمالكت نفسي فوجدت مازن ينظر إلي مبتسماً فشعرت بالخجل فقالت لي منة بعبث وهي تهمس:
-مش هاسيبك النهاردة غير لما تحكي لي حصل إيه خلى وشك شبه الطماطم
فلكزتها وتركتها وذهبت لأجلس بين الحضور فأفسحت لي نهى المكان بجوار مازن وقالت:
-تعالي يا مرات أخويا اقعدي جنبه
فقال محمد بجدية:
-هي لسه مجرد خطيبته ، هتبقى مراته لما نعمل إشهار و تروح بيته، أتمنى يكون كلامي واضح يا مازن وتلتزم بوعدك، أنا بس وافقت على كتب الكتاب عشان تقدر تتكلم وتخرج معاها وتشتروا حاجتكم.
فقال مازن بنفس الجدية:
-أنا عند وعدي يا أستاذ محمد وهاحافظ عليها عشان البركة تملا حياتنا.
انصرف الجميع وفي اليوم التالي قبل انصراف أختاي جاءت خالتي فجأة بحجة تهنئتي وشعرت بالنفور منها لكني لم أملك سوى الترحيب بها لأنها ضيفة ولصلتها بأمي. لم تكف عن أسئلتها السخيفة عن كل خصوصياتنا وقبل انصرافها قالت لي يتهكم:
-أنا عارفة بتلاقيهم فين اللي بيترموا تحت رجليكي؟ ولا بتعملي لهم إيه عشان يرضوا بيكي وانتي متطلقة؟ أمال لو كنتي حلوة كنتي عملتي إيه؟ يالا ما هي أرزاق وانتي رزقك زي رزق أمك
-الحمد لله على نعمة الرضا وحب الناس، نورتي يا خالتي
خرجت معها لأوصلها لأول الطريق وقلت لها:
-اسمعي لو فكرتي انتي أو ابنك تبوظوا الجوازة أقسم بالله لأسجنه بالڤيديو اللي معايا، أنا لا بقيت أخاف ولا هاممني حد، أبويا اللي كنت خايفة عليه مات بحسرته، والطلاق أنا مجرباه ومش فارق معايا، وكلام الناس ما يهمنيش لأني مش راجعة مصر، لكن المحروس ابنك شبابه هيضيع في السجن ولو طلع محدش هيشغله وسمعتكم هتبقى في الطين، أحسبوها كويس واعرفوا إني لا بقيت ضعيفة ولا بخاف.
نظرت إلي بمنتهى الكراهية وكأنها تود أن تقتلني، ثم انصرفت غاضبة فقد أدركت أني عرفت سبب زيارتها، لكنها لم تتخيل أني أصبحت بتلك القوة. لقد منحتني التجارب قوة لم أكن أمتلكها ولم أتخيل أني سأمتلكها يوماً، فلم يعد لدي ما أخسره بعد شرفي وأبي، حتى تنمر المجتمع لأني مُطلقة سبق وتعرضت له فماذا سيحدث لي أسوأ من ذلك؟
أعددت نفسي للسفر فقد مر الأسبوع بسرعة، وأصر مازن على أن يصطحبني من البيت للمطار ولما حاولت الرفض قال:
-إيه خايفة تكوني معايا لوحدك؟
-لأ بس مش عاوزة اتعبك ولا أكلفك
-انت مسئولة مني دلوقتي، زي ما نهى كمان مسئولة مني.
كبر في نظري كثيرا فهو رغم أن إمكانياته المادية ليست عالية إلا أنه يعرف جيداً مسئولياته ويقوم بها، فالرجل حقاً هو من اعتاد أن يحمل مسئولية نجلاء لطفي أهله لا من يحملهم مسئوليته.
سلمت على أختاي ووعدتني هدى أنها ستتولى فرش شقتي بعد بيع الأثاث المُستخدم وشراء أخر جديد ما إن يستقر مازن في أي شقة سنسكن.
سافرت مع مازن إلى القاهرة في سيارة خاصة استأجرها من أجل راحتي، وفي الطريق أخبرني أنه ونهى قررا بيع شقتيهما وشرا شقتين متجاورتين في المجمع السكني لأنه في مكان أرقى ويناسب أطفالنا في المستقبل ولأن نهى ستكون بجواره فيشعر بالاطمئنان عليها،ثم أضاف:
-والأهم إني حسيت إنها عجبتك أكتر من شقتي، وفرق الفلوس ماتخافيش أنا محوش قرشين أنا ونهى وإن شاء الله ربنا يقدرني، وكمان صاحب محمد وعدني إني لو دفعت أكتر من النص كاش هيعمل لي تخفيض كويس في الباقي، بس ادعي لي ربنا يرزقنا بسعر حلو للشقتين.
-انت نيتك تسعد اللي حواليك فأكيد ربنا هيرزقك، ابعت لي بس مواصفات الشقتين، يمكن حد من زميلاتي يعوز يشتريها وخاصة إن شقتك جاهزة للسكن.
نظر إلي بامتنان وقبل يدي وقال:
-الحمد لله إن ربنا رزقني بإنسانة زيك.
احمرت وجنتاي وزادت خفقات قلبي وخاصة وأنه ظل ممسكاً بيدي طول الطريق. تحدثنا في أشياء كثيرة حتى وصلنا المطار، فسلم علي وقال هامساً:
-هافضل أعد الدقايق لحد ما نتقابل
سافرت وأنا أشعر بالخوف من أن أصدقه وأتعلق به وفي النهاية لا أجني سوى الألم، لكن كنت أشعر بقدر من الطمأنينة معه، وقررت أن أمنحه ثقتي بالتدريج وألا أمنحها كاملة حتى لا أصاب بالصدمة إن لم يكن كما يصور لي نفسه.
ترك غياب نهى ومازن في حياتي في الغربة فراغ كبير حاولت ملئه بمحادثتهما يومياً بحجة معرفة الجديد، وعندما كنت أتأخر في الاتصال كان مازن يتصل بي. حدثني يوم وهو سعيد لأنه استطاع بيع الشقتين بسعر معقول وبالتالي سيتمكن من شراء شقتين في المجمع السكني و دفع أكثر من نصف ثمنهما وسألني في أي دور أحب أن أسكن الثاني أم الثالث، فاخترت الثاني فقال أن ذلك رأي نهى أيضاً.
في الأيام التالية كان يحدثني كل يوم ويخبرني بما فعل ويستشيرني فيما أريد أن أفعله في بيتنا ،شعرت بالسعادة لمشاركته لي في كل شيء فحتى فريد من ادعى أنه أحبني لم يستشرني في أي شيء إنما فعل كل ما يراه مناسباً لأنه كان مجبورا على ذلك. وأرسل لي مازن مقاسات الشقة حتى أختار الأثاث المناسب ،وكان محمد اتفق معه على أن يشتري غرفة النوم والأجهزة الكهربائية وأشتري أنا المطبخ وغرفة الجلوس وتكون غرفة السفرة مناصفة بيننا ،فسألته عن ميزانيته حتى أختار ما يتناسب معها.
انتهت الأجازة وعادت نهى مع مازن وشعرت نجلاء لطفي بالمودة لأن وجودهم أضفى بهجة على حياتي ،وصرحت لي نهى أن أحد معارف مازن تقدم لخطبتها وطلبت مهلة للتفكير وهي لا تدري أطلبها من أجل نفسها أم أنه يطمع في أن يجد وظيفة من خلالهما في الإمارات ،فقلت لها أن تخبره أنها إن وافقت فلن تكمل شغلها بالإمارات إنما ستعود لمصر بمجرد الزواج ،فإن وافق فهو يريدها لنفسها وإن رفض فهو يريد الوظيفة.
كنت ألتقي مازن في نهاية الأسبوع ونقضيه معاً وحاولت نهى أن ترفض خروجها معنا لكني أصررت ألا أتركها بمفردها ،فأنا لا أريدها أن تشعر بأي تغيير بسبب وجودي في حياتهما ،ولن أُكافئ مازن على مودته معي بأن أقطع علاقته بأخته.
وافقت نهى على الخطبة واتفق مازن مع لؤي على أن تتم الخطبة وعقد القران في الأجازة القادمة وسمح لهما فقط في الحديث في الهاتف ولكن في وجوده ،حاول لؤي الاعتراض فهدده مازن بإلغاء أي ارتباط ،و قال لنهى أنه يعززها عند لؤي ،فما يناله المرء بسهولة يفرط فيه بسرعة ،لكن ما يبذل فيه الجهد يصونه العمر كله ،فسكتت نهى ووافقت. فكنا في يوم الأجازة نخرج معاً وتجلس نهى على منضدة مجاورة لنا وتتحدث مع لؤي وكنت أغرق في الضحك ومازن يحاول التركيز معي ومعها وأقول له:
-إنت لو جاتلك بنت هتتجنن من خوفك عليها
فابتسم وقال:
-ده قدر الرجالة إنهم يشتغلوا بودي جارد للي بيهموهم
-و ياترى هتعمل معايا كده؟
-طبعاً
-ده عدم ثقة؟
-لأ خوف واهتمام
لاحظت أن مازن لا يجيد كلمات الحب والغرام لكنه يجيد حماية من يحبهم حقاً.
بعد نحو ستة أشهر من عقد قراننا قررت الشركة التي يعمل بها مازن تصفية عدد من الموظفين وهو من بينهم، فظهر الحزن جلياً على ملامحه لأنه ملتزم بأقساط الشقتين فاقترحت نهى عليه أن تعطيه مدخراتها لسداد باقي المبلغ مرة واحدة وتستفيد من التخفيض، واقترحت عليه أن أسدد نصف ثمن الشقة ونكتب عقد الشقة مناصفة بيننا، فوافق ولكنه أصر على نزولنا معه فأقنعته نهى ببقائنا معا لندخر مبلغا لا بأس به من أجل تكملة متطلبات الزواج وحتى نكون ونساً لبعضنا فوافق بصعوبة ولكنه صمم إن وجد عملا لائقاً أو وجد من يشاركه في أي مشروع سيطلب منا النزول فورا فوافقنا.
اتصلت بهدى وأخبرتها برغبتي في بيع جزء من الأرض لأدخل كشركة مع مازن في الشقة وطلبت منها أن تخبر فريد لعله يرغب في الشراء. بالفعل اشترى فريد الأرض واستأذنت مازن أن أقابله لتوثيق عقد البيع فاشترط علي وجود نهى معنا فلم أعترض واحترمت غيرته ،لأني أنا نفسي لم أكن أريد أن أكون معه بمفردي لأني مازلت أخشى تأثيره علي.
التقيت بفريد ونهى معي فوجدته أحضر معه نجلاء لطفي زوجته التي كانت تنظر إلي بعداء واضح وأنا أتسائل ترى ماذا أخبرها عني؟وهل تعلم أنه كان يحبني كما قال؟حرصت على إنهاء الإجراءات بسرعة وكان تعاملي معه برسمية تامة احتراما لمازن حتى لو لم يكن موجوداً وحتى لا أثير غيرة زوجته ،وبعد الانتهاء طلب مني رقم حسابي في البنك ليودع به المال فكدت أقول له أنت تعرفه جيداً لكني تراجعت وأرسلته له على الواتس آب أمام زوجته فوعدني أن يحول المبلغ لحسابي فوراً فقالت زوجته بحدة لأنها لا تريد أي تواصل بيننا:
-اكتب لها شيك أفضل وهي تصرفه وقت ما تحب
فنظر إليها بغضب فقلت:
-فعلا اقتراح كويس جدا هيختصر الوقت
فكتب فريد الشيك وهو متذمر وبمجرد الانتهاء شكرته وودعتهما،فقالت نهى:
-مراته فظيعة وواضح أنها مش طايقاكي
-سيبك منها احنا مش هنتقابل تاني
سحبت المبلغ من حساب فريد وأودعته في حساب مازن وفي أخر الأسبوع أرسل لي صورة عقد الشقة بعد تغييره فطلبت منه أن يسلم النسخة لهدى لحين عودتي.
بدأ مازن عملا لم يكن يرغبه لكنه لم يجد غيره فقد كان يكره كونه عاطلا ،و سكن مع زملاء العمل في شقة مشتركة ،و في نفس الوقت كان يعمل بعد الظهر سائقاً في أوبر على سيارة أحد أصدقاؤه. حان وقت أجازتنا السنوية فأصر مازن على تقديم استقالتنا ونزولنا نهائياً ليتمم زواجنا بعد أن اشترينا معظم أثاث الشقة ،كما أنه مرتبط بعقد قران نهى التي أصر خطيبها على الزواج وخاصة وأن شقته جاهزة ،فأخبره مازن أن ظروفه المالية لا تسمح له بتجهيز بيته ،وأخته في نفس الوقت فأجاب لؤي أن الأساسيات موجودة والباقي يمكن شراؤه بعد الزواج. استشار مازن نهى فوجد لديها الرغبة في إتمام الزواج فحددنا موعداً واحدا لفرحينا ،وبدأنا الاستعدادات وحجز القاعة وشراء الملابس فاخترت أن أستأجر فستانا لأني سألبسه لعدة ساعات ولأوفر المال لنهى التي لم يسبق لها الزواج.

تزوجنا ووجدت مازن إنسان هادئ وعقلاني جدا ،نادرا ما يثور ويغضب ،لكن حينما يغضب فإنه يعتزلني لعدة أيام ولا يتكلم معي إلا بعد جهد ،كما أنه لا يعترف بالحب وكلامه الذي تحتاج كل امرأة لسماعه ،حتى أنه عندما يريدني لا يغازلني حتى إنما يأخذني في صمت ورغم رقته معي ورفقه بي إلا أني كأي امرأة أتوق لسماع كلمات الحب والإعجاب من زوجي ،و في مقابل ذلك كان يهتم بي ويفعل ما يرضيني و دائما ما يستشيرني في كل ما يخصنا. تغاضيت عن عيوبه القليلة رغم أنها تزعجني مقابل مميزاته التي أسعدتني فالحب سرعان ما تخبو جذوته بل وربما يزول ويظل الحب والاحترام هما أساس أي زواج ناجح.

جلست في مكتبي وأنا شارد في حياتي مع سلوى التي لم أستطع المُضي فيها بسبب العادات التي نشأنا عليها ،أن شرف البنت يتوقف على غشاء البكارة فقط ،و أن الرجل يجب أن يكون الأول في حياة زوجته ،كل ذلك كان عائقا كبيرا بيني وبين حبي لسلوى ،و قُدرتي على تقبل فكرة أنها لغيري كانت معدومة تماما وطالما أرقت ليلي وحرمتني النوم رغم عشقي لها لكني لم أستطع غفران أني لم أكن الأول كما كانت هي.
لم تستطع أن تحتمل رفضي لها وطلبت الطلاق وكأنها تفك قيودي فوافقتها وقررت أن أتزوج بعقلي امرأة أكون أنا رجلها الأول. اخترت لمى أخت صديق الطفولة ،رغم أنها تصغرني بعشر سنوات لكنها كانت فتاة لطيفة وجميلة. أرسلت لأسرتها لأخطبها فوافقوا بل ورحبوا جميعا ،نزلت في أجازتي السنوية التي لم تتجاوز الأسبوعين وأصر أهلها على إتمام الزواج لأنهم يعرفونني جيدا ولا نحتاج لفترة خطوبة و لأن بيتي موجودا ويمكننا تأثيثه فيما بعد. وافقتهم فقد كنت أرغب في امرأة تُنسيني سلوى ،وبالطبع هي كانت تعلم بزواجي من سلوى لذا كانت تغار بشدة منها حتى وهي غائبة بل وأصرت على تغيير الشقة التي أقمت فيها مع سلوى ورغم صعوبة ذلك لكني وافقتها لأثبت لها صدق رغبتي في سعادتها والتخلص من شبح سلوى المسيطر على قلبي.
تزوجنا وعشنا معا واكتشفت أن نجلاء لطفي الفارق بيننا في التفكير والطباع كبير وأني كنت أحتاج للتريث قبل إتمام الزواج ،وحاولت أن أفهمها طباعي وما أحب وأكره لكنها كانت عنيدة ولا تستجيب ،كذلك كانت مُدللة ولا تستطيع تحمل مسئولية البيت رغم أنها رفضت أن تعمل لتتفرغ لي ،إلا أنها كانت لا تهتم بطعامي ولا بغسل ملابسي ولا حتى بترتيب المنزل ،وكانت تقضي وقتها في مشاهدة المسلسلات أو محادثة أهلها وصديقاتها وتبادل الأخبار والحكايات. حاولت كثيرا توجيهها بالرفق ،حتى سئمت من الفوضى العناد وفكرت فعليا في طلاقها ،إلا أنني فوجئت بخبر حملها فتراجعت وقررت الحديث مع أمها لتوجهها فوعدتني بذلك لكن الوضع ازداد سوءا مع حملها فتحملت مسئوليتي مع مسئوليتها وأنا مُشفق عليها وعلى نفسي.
عدت ذات يوم مبكرا بسبب شدة إرهاقي من عبء البيت والعمل فلم أستطع مواصلة اليوم فطلبت من زميلي أن يحل محلي فوافق لأني كثيرا ما تحملت ظروفه ،فتحت الباب ودخلت وألقيت بجسدي على الأريكة وحللت أزار قميصي لأتنفس ،وسمعت زوجتي في غرفتها تتحدث في هاتفها بغضب وصوت مرتفع مما جعلها لا تشعر بعودتي ،لم أهتم بمتابعة حديثها ولكن صوتها المرتفع جذب انتباهي وخاصة وهي تتحدث مع رجل ،أصغيت لها ففوجئت بها تقول:
-بتكلمني ليه؟مش أنا اللي رميتها وما رضيتش تتجوزها لأنها مش أد مقام عيلتك الكبيرة؟أحلويت دلوقتي بعد مابعدت ولقيت راجل محترم يتجوزني ويصونني؟فاكر أد إيه اترجيتك وبوست إيدك ورجلك إنك تسترني وانت رافض؟أنا باحمد ربنا إن علاقتنا كانت سطحية وإني رفضت العلاقة الكاملة ،و إلا كنت اتفضحت ،أوعى تكلمني تاني ولا تفكر تتصل بيه وإلا هاقول أخويا وأبلغ أهلك إنت فاهم؟
أغلقت الهاتف بغضب وألقت به أرضا وظلت تبكي بشدة وأنا مذهول ولا أعرف ماذا أفعل ،أهذه من ظننتها بريئة ولم تكن لغيري؟كانت محتفظة بغشاء شرفها الظاهر لكنها فرطت في شرفها بإرادتها وهي تظن أن ذلك بدافع الحب ،هل أقتلها وأغسل عاري؟لكنها حامل وابني في أحشائها. أنا لم أغفر لسلوى من عشقتها وهي مُرغمة فهل أستطيع الغفران للمى؟ أكاد أجن من فرط التفكير وفوجئت بها تخرج باكية من غرفتها فقالت برعب:
-إنت هنا من إمتى؟
-من ساعة ما بدأتي تحكي شريط ذكرياتك القذر لعشيقك
انهارت وقالت:
-أقسم بالله قطعت علاقتي بيه قبل ما تتقدم لي ومن يومها ما كلمتوش
-بس ده ما يمنعش إنك خدعتيني ومثلتي عليه البراءة ،لأ وعماله تدلعي وأنا مستحملك ،و ياريت تستاهلي
بكت حتى سقطت على الأرض فأمسكتها بعنف من ذراعها وقلت لها:
-إزاي أتأكد إن اللي في بطنك ده ابني؟
-فريد والله العظيم ما حد لمسني غيرك من يوم ما عرفتك
-وأعرف منين إنك مش كدابة؟
-اعمل تحليل دي إن إيه لو ده هيريحك ،بس أبوس إيدك ما تفضحنيش
-سيبيني لوحدي دماغي هتنفجر و خايف أتهور وأخلص منك إنتي و ابنك
دخلت غرفتها وبقيت على الأريكة وأنا أتساءل لم أنا من يحدث معه هذا؟لماذا لا أجد امرأة بلا ماضي ،ألا أستحق ذلك؟
بقيت أسبوع أفكر حتى كدت أموت كمدا وأخيرا قررت أن أرسلها لأهلها بحجة أني لا أستطيع خدمتها مع عملي ،وأنا أفكر جديا في طلاقها ،فالاختلافات بيننا كبيرة وكنت أتغاضى عنها بسبب حملها ،أما بعد أن اكتشفت حقيقتها فلم أعد أحتمل وجودها ،فقد فرطت فيمن أعشق لأني لم أكن الأول بحياتها ،فكيف بتلك ونحن ليس بيننا أية مشاعر؟
لم أتخل عن مسئولياتي تجاهها وكنت أرسل لها مصروفها الشهري وأتصل بها مرة في الأسبوع ،و كم رجتني أن أغفر لها وأنها ستتغير وخاصة أن الطفل القادم ليس له ذنب ،فكنت دائما أخبرها أن ذنبه أنها أمه وعليها أن تحتمل نتيجة أخطائها ،فلم أشعر بذرة شفقة أو عطف تجاهها. حان موعد الولادة القيصرية فنزلت لمصر وحضرت الولادة وبمجرد خروج محمد للحياة حملته بين يدي وكبرت في أذنيه وأثناء انشغال والدتها وإخوتها به حصلت على خصلة من شعره ،و طلبت من معمل التحاليل إجراء تحليل الدي إن إيه. خرجت لمى من المستشفى على بيت أبيها لترعاها أمها ،وكنت أنتظر نتيجة التحليل بفارغ الصبر حتى ظهرت وأثبتت أنه ابني فهدأت قليلا ،لكني مازلت غير قادر على مسامحتها ولا على الثقة بها. كنت كلما نظرت إلى ابني أشفقت عليه أن تكون تلك أمه ،كما أنني خفت أن أطلقها وبالطبع ستتركه لأمها وتتزوج ويتشرد الولد ،لم أعلم ماذا أفعل ،و استخرت الله كثيرا ثم قررت أن أنزل لمصر نهائيا وأن نسكن بيتي فتبقى تحت نظري ونظر أهلها وحينما تفكر في فعل أي شيء ستعلم أن مصيرها هو القتل سواء مني أو من أهلها لنتخلص من عارها.
عادت لمى إلى بيتي إنسانة أخرى مكسورة وعاهدتني على الإخلاص لي وتقوى الله ،فقلت لها أن تلك فرصتها الأخيرة وعليها أن تحسن استغلالها ،كما حرصت على أن تنشغل مع شئون البيت والولد بحفظ القرآن لعلها كان ينقصها القرب من الله و ربما تكون تلك فرصتها لتعويض ذلك. منحتها الفرصة وحاولت أن أدرب نفسي على العفو من أجل راحتي النفسية ومن أجل حياة مستقرة لابني.
فالحياة لا تمنحنا كل ما نريد بل تمنحنا ما تريد وعلينا أن نرضى بأقدارنا.
تمت

تعليقات
close