رواية فرهدة كامله ( جميع الفصول) بقلم الكاتب سيد داوود


 

رواية فرهدة الفصل الاول

_ نهارك سعيد يا هانم

_ بونسوار يا مودموزيل

_ صباح الخير يا سي محمد افندي 


دي كانت طريقة الهزار اللي كانت بيني وبين كل سكان العمارة اللي انا فيها، لانها طراز قديم وعمرها حوالي ١٢٠ سنة.

كل الناس بتتكلم وتهزر وتضحك مع بعض إلا هي..

جارتنا ليها النهاردة  ليها أكتر من أربعة وعشرين سنة، ومع ذلك عمرها ما ابتسمت في وش حد من الجيران ولا من سكان العمارة ولا حتى عم ماهر البواب..

تنزل مكلضمة، تطلع مكشرة، لدرجة اني كنت واخد عنها فكرة إنها بنت نكدية ومتكبرة كمان على سكان العمارة..

المهم يا سيدي.. 

أنا عايش حياتي زي الفل، ساكن في الشقة مع والدتي، ومرتبي على معاشها مغطي مصاريفنا والدنيا حلوة..

لا بفكر في حب، ولا جواز، ولا عندي القدرة إني أتجوز في الوقت الراهن ده أصلا، لاني ببساطة مش هقدر أتجوز مع ماما في نفس الشقة، ولا هقدر أتجوز في شقة بعيد عنها واسيبها تعيش لوحدها، وبصراحة كده كنت منتظر عم جمال اللي ساكن في الشقة اللي قصادي يسافر عند ابنه في اسكندرية ويؤجر لي شقته أتحوز فيها، وكده أضمن أكون جنب ماما..

لكن لسوء الحظ، ابن عم جمال ولا سائل في أبوه العجوز اللي عايش لوحده أصلا، وشكلي كده هستنى عم جمال يموت..


بس يا سيدي..

كنت مطنش الفكرة، وسايب العمر يجري، وضارب الدنيا طبنجة، ومفيش دماغ للحب أصلا..

لدرجة إن معايا أربع آنسات قمرات تحت إدارتي في أرشيف الوزارة وعلاقتي بيهم فوق الممتازة، ومع ذلك مفيش واحدة فيهم قدرت تحرك مشاعري ناحيتها، لاني باختصار أجمد من دولاب الأرشيف القديم اللي جنبي ده..


خد التقيلة بقى..

الأربعة بيحبوني لدرجة لا تتخيلها أبدا، ويتعامل معاهم بمنتهى العفوية والتلقائية، يعني على سجيتي خالص، رغم انتقاد بعض الأصدقاء، اللي دايما يقولولي انت كده بتعشم البنات بالحب وتخلى بيهم..

مع اني لا عشمت ولا خليت، كل ما في الأمر اني مش بتأخر عن واحدة تطلب مني أي طلب، ولا بتستعصى عليا مشكلة تخص واحدة فيهم في إدارة شؤون العاملين أو الماليات أو حتى الشؤون القانونية في الدور التالت فوق، دايما بنصفهم وأخرجهم زي الشعرة م العجين قصاد أي حد..


بس يا عم الحاج..

الفترة الأخيرة دي، حصلت مشاكل في هندسية في العمارة، والسكان صرخوا، وناس قالت العمارة بتوقع، وبلاغات للحي وللمحافظة وكانت دوشة..

جات لجنة هندسية مستعجلة من الحي وطلبت إخلاء المبنى فورا للتعامل مع البلاغات..

قمنا مع بعض عملنا معسكرات ميدانية في الشارع، الستات مع الستات، والرجالة الكبار في السن مع نفسهم، والشباب بيخدموا عليهم، وكان يوم صعب، ومهندسين الحي بيفحصوا المبنى، مرة واتنين وتلاتة وخمسة، وكل مرة يكتشفوا أن المبنى سليم ويعيش ١٠٠ سنة تاني، ويتصدى ل ١٠٠ زلزال بنفس قوة زلزال مصر ١٩٩٢.

احنا كنا نخدم ع الرجالة الكبار اللي من بينهم والد الأخت دي اللي اسمها نورا..

وفي نفس اللحظة هي قاعدة جنب ماما تهون عليها مشقة اليوم، واللي حصل ده كان بالصدفة البحتة..

وبعد ما رئيس الحي قال خلاص خلي السكان يرجعوا العمارة، جات المباحث تحقق وتتحرى عايزة تعرف مين المجرم ابن المجرمين ده اللي عمل الفوضى دي كلها وأشاع بأن العمارة فيها طقطقة..

احنا بقى رجعنا شققنا، وماما ملهاش سيرة غير نورا عملت، نورا حكت لي، نورا عملت لي ساندويتش مش عارف ايه، وانا مش داخل دماغي خالص أن النكدية الكشرية المكلضمة دي ممكن تدردش مع أمي اليوم كله، وتغير لها المود كمان للأحسن.

 

وهووووب..

نازل الصبح لاقيت الأسانسير عطلان، وناديت عم ماهر من فوق علشان يعبرني مفيش فايدة..

ونزلت على السلم التاريخي الأثري اللي مش بيخلي فقرات الضهر في راحة أبدا..

تحت شقتنا بتلات أدوار، كان جسمي فرز حوالي تسعين لتر عرق، وقابلت نورا دي بتتخانق مع ريموت الأسانسير اللي متعلق مش راضي يتحرك..

قلت لها لأول مرة في حياتي بهزار العمارة:

_ بونجور مودموزيل نورا


وفجأة قالت لي بابتسامة:

_ صباح الخير يا محمد افندي 


«يخرب بيت جمال روحك يا عم» هو في كده، ده انا قلبي اتقبض، واتخطفت حرفيا، لدرجة اني سمعت ليلى مراد بتغني وتقول:

_ أنا قلبي دليلي قال لي هتحبي، دايما يحكي لي وبصدق قلبي..

لكن على مين، صارعت الحب ده وقتلته في نفس اللحظة، هو احنا عندنا وقت للحب وفرهدة الحب، وعنها جيت ساكت متكلمتش، ونزلنا مترو رجل على السلم واتمشينا لحد الشارع، هي أخدت تاكسي، طبعا بنوتة وملهاش في شعبطة الأتوبيسات، ومرتبها بتصرفها على كماليات الحياة..

أما أنا الفارس المسكين وقفت في الشمس لحد ما وصل أتوبيس الشعب..


ومن اللحظة دي، بدأت أشوفها كتير، صبح وعصر وفي كل خروج ليا وليها، وبدأت أنظر لها نظرات إعجاب..


وهوووب..

مقدرتش أقاوم ووقعت في حبها..

أيوة حبيت المتكبرة النكدية المكلضمة، بعد ما عرفت اني ظالمها، وإنها متواضعة جدا، ورقيقة جدا، وفرفوشة جدا، وضحكتها تنفع موسيقى تصويرية لفيلم رومانسي.


بس للأسف..

مكنتش أعرف إنها خارجة من صدمة عاطفية ملهاش سنتين تلاتة، وسايبة جواها جرح عميق، يخليها تكهرب أي قلب يحبها.

و ده اللي حصل بالظبط معايا، من أول ما بدأت تحس إني بحبها وهي بتحاربني..

أقول لها بونجور مودموزيل، تقول لي معلش متأخرة وتنزل جري..

ولو الاسانسير شغال وشافتني داخل العمارة، بتقفل الاسانسير بسرعة وتطلع بسرعة الصاروخ كأنها دايسة ع البنزين.

وتصرفات كتير غريبة مفهمتش سببها..

ومرة كده اتخنقت منها وواجهتها وقلت لها انتي بتعملي معايا كده ليه؟

قالت لي مش بحب أكون مقيدة بحد يشاركني مساحتي الخاصة، ينط لي كل شوية في خروجي ودخولي وطلوعي ونزولي، وبابا نفسه لو هيشاركني المساحة دي ههرب منه..


وهكذا دواليك..

مرة في مرة، لدرجة إني حسيت نفسي طفيل، آفة، كائن غير مرغوب فيها..

وهنا وعدتها إني هسيب لها مساحتها الخاصة، وهتخلص من حاجة كده بتخليني أنط لك كل شوية واضايقك..

قالت لي حاجة ايه دي؟

قلت لها ملكيش دعوة انتي، بس هترتاحي مني بإذن الله.


وهنا بدأت أفكر..

ازاي أتخلص من حبها، أنا اللي يوقعني الوقعة الهباب دي، أعمل ايه؟ أعمل ايه؟ أعمل ايه؟ 

بس مفيش غير حل واحد، وهو إني أقبل اقتراحات البنات زميلاتي على الخروجات والفسح والهزار، وبالمرة كمان أعرف ناس جديدة وأجواء جديدة عن طريقهم وهكذا..

وكمان فكرت أدخل أكاونت المودموزيل نورا دي، وافتش فيه عن حاجات تضايقني، ولاقيت هزار مع شباب عرفت بعد كده إنهم من أقاربها، بالاضافة لكلمات شاعرية قديمة من أيام قصة حبها، وهكذا..

كل دي عوامل ساعدتني أنجح في التخلص منها جوة قلبي، وبقيت أشوفها عادي، من غير ما ارتجف ولا اتطفل عليها..

ولأول مرة تشوفني نورا مع بنات ماشيين نتسنكح في الطريق للشغل..

نورا اتضايقت م الحوار ده، ومن لحظة ما اتضايقت وهي بتشوفني كتير جدا مع بنات، وكل مرة تتضايق أكتر..

ولأول مرة تتدخل في شؤوني وتعترض، وتقول لي عيب، ومينفعش، وازاي كده، ولازم تبطل تعمل كده..


_ اللي هو ازاي لا مؤاخذة؟ بصفتك ايه تتدخلي في شؤوني؟


وبعد تردد وانفعال وارتباك ولخبطة قالت لي صراحة:

_ لاني بحبك..


وكانت دي بمثابة المفاجأة بالنسبالي، لأني حرفيا مش هقول لها بحبك، ولا عايز أدخل في قصة حب للأسباب اللي ذكرتها لكم..


ومن لحظة اعتراف نورا ليا بالحب والفرهدة بدأت تزيد والأحداث بقت أكتر..


سالتني:

_ انت لسة بتحبني؟

طبعا مقدرش أقول لها لا علشان مكسرش بخاطرها، خصوصا انها أنثى وسبقت شاب بكلمة بحبك..

ومينفعش اقول لها اه بحبك، لاني معنديش وقت للحب، ولاني متمسك جدا بعبارة للكاتب سيد داود المطعني ذكرها في إحدى قصصه قال فيها:

_ كلمة بحبك لو قالها راجل بجد، بتبقى عبارة عن إيجاب يعقبه قبول، يعني كلمة بحبك عقد بين الطرفين ولازم تكلل بالزواج..


وانا لا هينفع أقولها اه بحبك

ولا هيتفع اقول لها لا مش بحبك.

          الفصل الثاني من هنا


تعليقات
close