رواية خان غانم الفصل الثالث 3 بقلم سوما العربي
رواية خان غانم
الفصل الثالث
أتسعت عيناها برعب تنظر له بصدمه و هو يناظرها بنظرات متسلية
أبتعلت رمقها و سألته : أقفل الباب ليه ؟!
حاول مدارت ضحكته بصعوبة و قال : إلي أقوله يتنفذ ، بقولك أقفلي الباب و تعالي يبقى تقفلي و تيجي.
حلا : حاضر .
ألتفت تغلق الباب و هي تغمض عينيها مردده بعويل ( إلي ما يسمعش كلام أمه يندم طول عمره )
ليأتي صوته من خلفها و هو يهدر عالياً : إيه ، ساعة بتقفلي الباب.
فتحت عيناها و ألتفت له تقول : لأ خصلت .
فرفع حاجبه و هو يبتسم: طب تعالي .
لكنها لم تفعل بل ألتصقت بالباب و كأنها تشعر أن بقربها منه حماية.
التوى فم غانم بإبتسامة متسلية بها لمحة إعجاب و سأل : واقفة عندك ليه ، قربي .
هزت رأسها وقالت: لأ ما كده كويس ، أنا سمعاك من هنا .
رفع إحدى حاجبيه و سأل مجدداً: يعني مش هتقربي ؟
صمتت و لم تجيب فهب من مقعده فجأة لتصدم و يتسع فمها و عيناها خصوصاً و هي تسمعه يقول: خلاص ، أقرب أنا .
التف من خلف مكتبه و بدأ يتقدم لعندها بخطوات ثابتة و عينه لا تبتعد عنها حتى توقف أمامها و قال: هنبدأها بعدم سمعان كلام ؟
حاولت الإبتعاد عنه لتجد أنها لا تملك أي مساحة فالباب خلفها .
أرتبكت بشدة و حاولت إجلاء صوتها ثم قالت: لأ أنا بسمع الكلام و الله.
فتحدث غانم بصوت لين كثيراً: أمال مش بتسمعي كلامي ليه ؟
لم تجد جواب فصمتت ، حاولت إستدراك الموقف و التركيز فسألت : حضرتك كنت طالبني .. محتاج حاجة ؟
لقد باغتته بسؤالها فجعد ما بين حاجبيه يحاول التذكر أو.. التفكير في سبب لإستدعاءه لها فقال : ااه.. عايز قهوة .
حانت نظرة منها لسطح مكتبه لتجد فنجان القهوة موضوع فوقه فقالت : ما القهوة قدام حضرتك أهي.
تحجج كطفل صغير و قال : بردت ، عايز غيرها
فهزت رأسها بإذعان تسارع في الرد كي تغادر: حاضر .
التفت توليه ظهرها ، همت بالقبض على مقبض الباب كي تفتحه فاقترب غانم من ظهرها مرة أخرى ، حتى أنها سمعت صوت انفه وهو يسحب نفس عميق من رائحتها مجددا ثم قال بأنفاس متحشرجة : هافتح لك الباب لو معصلج معاكي .
اغمضت عينيها و قد اهتز جسدها وهو كذلك استشعر اهتزاز جسدها ملامساً لجسده فردد : ما تتأخريش عليا .
هزت رأسها ثم لازت بالفرار تذهب ناحيه المطبخ حيث وجدت كرم يجلس و هو يقطع حبات البطاطا، رفع عيناه ونظر لها باهتمام متسائلا : مالك يا حلا بتنهجي كده ليه انتي كنتي بتجري؟
جلست حلا على اول مقعد بجواره وقالت : لا ما فيش حاجه يا ريت تعمل لغانم بيه قهوه
كرم : ما فيش حاجه ازاي وانا شايفك بتنهجي وتعبانه وبعدين قهوه ليه ما انا عامل له واحده ما كملتش ربع ساعة
حلا : هو اللي طلب كده اعملها له وخلصنا وهات انا هاقطع لك البطاطس دي
باشرت حلا بسحب صحن البطاطا كي تشرع في تقطيعها لكن كرم سحبه منها مجددا وقال : لأ لأ سيبي كل حاجه زي ما هي انا هاعمل الاكل وهاعمل القهوه بس اطلعي انتي فوق .. الست سلوى كانت طالباكي ، احسن لك بلاش تتاخري عليها و تجنبيها الفتره دي ، هي في الطبيعي اصلا عصبيه، وكمان مع الحمل بقى بتبقى عصبيه اكثر، وبحالات كمان ،اللي تقول لك عليه اسمعيه وخلاص ،وحاولي تقصري في الكلام معاها
اغمضت حلا عيناها تسحب نفس عميق ثم نظرت لكرم وقالت : شكرا يا كرم والله انا مش عارفه من غيرك كنت هاعمل ايه هنا
ابتسم لها كرم قائلاً : ولا تشكريني ولا حاجه انتي بس قومي شوفي يلا شغلك وتعالي علشان ناكل سوا انا ما اكلتش ومستنيكي
وقفت عن مقعدها وقالت : ماشي هخلص بسرعه واجي لك اوعى تاكل من غيري
ابتسم كرم و قال: لأ طبعا هاستناكي، هاعمل القهوه على ما تيجي
على الفور أتجهت حلا تصعد السلم حيث غرفة سلوى كما وصفها لها كرم ، لم يسبق وان صعدت لذلك الطابق فهو طابق خاص جدا حتى ان سلوى لم تطلب منها تنظيفه حتى الآن على ما يبدو أنهم هنا لا يعطون الثقة من أول يوم بل يجب أن تمر على مراحل هذا ما أخبرها به كرم ، كان البيت عتيق الى درجه كبيره يتسم بالفخامه ، تملؤه التماثيل من كل مكان .
مشت في رواق واسع حيث الابواب طويله جدا ليست گ ابواب الشقق والبيوت العاديه.
وقفت امام باب كبير هو اكبرهم تقريبا ودقت ثلاث دقات متتاليه لتفتح لها سلوى قائله: ساعه عشان تيجي الهانم
ارتبكت حلا في الرد وقالت : معلش انا اسفه بس اصل غانم بيه كان طلبني علشان...
أشتعلت أعين سلوى وسالت : و غانم بيه طالبك ليه وعشان ايه
احمر وجه حلا ولم تدرك بما تجيب فقالت مرتبكه : ايوه هو طلبني علشان... أاا.. كان عايز قهوه بس مش اكثر والله
نظرت لها سلوى نظرات حارقه ترمقها من اسفل قدميها لاعلى شعرها ثم قالت : تمام أتفضلي خدي الغسيل نزليه تحت عشان يتغسل وخلي بالك من هدوم البيه، بالذات القمصان البيضاء ،تتغسل لوحدها وتتنقع قبلها كويس فاهماني ولا لأ ؟
هزت حلا رأسها عده مرات ثم ذهبت الى سلة الملابس وحملتها كي تغادر لكنها توقفت على صوت سلوى وهي تناديها بتردد
سلوى : أاا..أحمم.. أستني عندك
التفت حلا تنتظر لها فقالت سلوى : إيه رايك في البدلة الصغيرة دي
كانت ملابس لطفل صغير بل حديث الولاده جميله جدا من اللون السماوي حتى أن أعين حلا كادت ان تقطر قلوب حين رأتها، نظرت لسلوى بفرحه وقالت :الله دي جميله قوي
ابتسمت سلوى بسعادة غامره وقالت : أيوه انا حاسه كده ولا اقول لك بصي
أسرعت في إخراج قطعة اخرى من اللون الابيض الزاهي كانت ذات تفصيله مختلفه قليله ثم سألت: ولا دي احلى انا حاساها كيوت قوي بصي كمان جبت ايه
قامت بإخراج الكثير من القطع ذات الاحجام والقصات المختلفه كلها جميله تناسب طفل عمره شهور
نظرت لها حلا بمشاعر مختلطه لا تعلم هل هذه السيده حنونه رقيقه ام هي غليظه وقاسيه
حقاً لا تعلم لكنها الان ترى في عينها فرحه أم انتظرت مولودها لسنوات عديده وتدعو الله الا يخيب امالها مجددا
فقالت حلا بصوت يملؤه الحنان والتعاطف: كلهم جمال قوي ان شاء الله هيجي لك بيبي جميل ويلبسهم ويتهنى بهم
وقفت سلوى عن الفراشه وذهبت باتجاه المرأه تضع يدها على معدتها التي لم تنتفخ بعد وقالت : يا رب انا مبسوطه قوي ونفس الحمل المره دي يكمل بقا .
التفت فجأه ونظرت الى حلا وقالت : هو انا بتكلم معاكي في ايه يعني انا مش فاهمه انت ايه اللي موقفك كده لحد دلوقتي اتفضلي انزلي شوفي شغلك .
نظرت لها حلا بصدمه .
هذه السيده بالفعل مجنونه، أنه أمر لا يحتاج لنقاش، هي فعلاً كذلك غادرت سريعاً تسمع صوت سلوى تردد: واقفه تتكلم وتاخد وتدي معايا في الكلام ، خدامين اخر زمن صحيح
في مكتب غانم ارتفعت دقات خفيفه على الباب تبعها صوت غانم يردد بلهفه وقد ظنها حلا عادت حاملة القهوه فقال : أدخل
لكن خابت كل أمانيه حين وجد أن الطارق لم يكن سوى العم جميل الذي دخل عنده وقال : رجعت يعني بدري من المصنع ،انا قولت هتقعد لحد ما اليوم يخلص
رفع غانم أنظاره له ثم قال : دي مشكله عبيطه واحد من العمال كان عايز يشتكي ريسه في الشغل مش اكثر ، فكرت في حاجه كبيره
جميل : طب ورضيته يعني
صمت غانم و قال : أيوه.. بس سيبك ، مش ده اللي شاغلني .
غانم : عارف ، صلاح عيسى ، ساكت بقاله مده مش بينكش معانا في أي عوق و ده مالوش غير تفسير واحد.
فأكمل جميل : إنه بيدبر لك مصيبة تجيب أجلك .
هز غانم رأسه مراراً يردد : بالظبط ، الهدوء إلي بيسبق العاصفه ، مش أول مره يعملها ، بس على مين ، خليه يلعب ، مصيري أصطاده .
لكن على ما يبدو أن حديث غانم لم يروق للعم جميل الذي أقترب منه و قال: يا ولدي ، أسمع مني مره ، الحجر الداير لابد من لاطه .
بينما كابر غانم لأقصى حد و قال : و لا يقدر يعمل معايا حاجة ، يعني هي أول مرة.
جميل: لا يا ولدي ، لا بد إنك تحاذر ، ده ديب و مش سهل .
صمت قليلاً ثم رفع رأسه لغانم و كأنه قد أستدرك شئ ما لتوه فسأل : الخدامة الجديدة ، كشفت عنها ؟
أستغرب غانم ، ليس من سؤال العم جميل و لكن من نفسه ، فتلك كانت عادة لديه ، إن يقم بالكشف عن أي فتاة او سيدة تأتي للعمل في بيته ليعرف ماضيها كله و هل لها أي علاقة بذلك المدعو صلاح عيسى أو من هم على شاكلته أم لا.
لكنه لأول مرة لم يفعل ، لقد نسى ... نسى تماماً، على ما يبدو أن هناك ما شغله بها أكثر من هويتها و ماضيها .
و عاود النظر للعم جميل يسأله : أنت شاكك فيها ؟
هز جميل كتفيه و ردد : و هو أنا كنت أعرفها و لا شوفتها يا ولدي ، لكن المثل بيقولك حرس و لا تخون و دي موجوده في قلب بيتك يعني أخطر عليك من أي حد مش كده و لا ايه ، ما تنساش أن الست حامل و الحكاية مش ناقصه .
هز غانم رأسه عدت مرات و هو يفكر حتى أنه هب عن مقعده و صار متجاوزاً العم جميل و خرج من المكتب كله بينما ظل جميل يناديه و هو لا يجيب
في المطبخ
وقف كرم يضع الطعام لنفسه و لحلا التي جلست امامه وهي ترفع إحدى حاجبيها بينها تنظر له وهو يوزع الطعام مردده : والله يعني انت هتاخد كل البطاطس والكاتشب دول ليك وتديني أنا الشويه دول؟! على فكره دي مش حركات جنتل مان ابداً
فضحك كرم على مشغباتها وحركاتها الطفوليه ثم قال : للذكر مثل حظ الانثيين يا حلا
فجاوبت بضيق واضح : هو احنا بنقسم ورث عمتك اللي في كندا ...دي بطاطس مقليه
ليرفع رأسه بغرور وقال : انا اللي قليت وانا اللي عملت يبقى النصيب الاكبر ليا ، قسمة العدل تقدري تعترضي ؟
نظرت له باعين قطه ثم قالت : لأ بس ... و لو قولت لك عشان خاطري يا كرم يا حلو أنت
تعرق كرم كثيراً وقال بصوت قد صببت عزيمته :وهو كرم هيعرف يقول ايه قدام الدلع والجمال والحلاوه دي كلها ده انا هاقلع لك الهدوم اللي عليا واقول لك خديها بيعيها وهاتي بها بطاطس مقليه
فضحكت حلا عالياً وقالت : طب يلا اقلع
لينتفضا على صوت جهوري عالي جدا وغاضب هز أرجاء المطبخ عليهم وهو يردد : هو ايه اللي بيحصل هنا بالضبط؟
إلتفت حلا على الفور هي و كرم ليجدا غانم واقف خلفهما يبدوا كما لو كان بركان خامل و أصبح على شفا الإنفجار
كان وجهه احمر بحده ،عروقه بارزه وعينه متسعه ينطلق منها لهيب الغضب، غضبه منصب على كل من هما
أسرع كرم بالاقتراب منهم يحاول أن يذهب اي تهمه عن حلا وقال : ما فيش حاجه يا غانم بيه، ده احنا كنا بنهزر مش اكثر
لم يكن يهتم لا له ولا لحديث ، انما عيناه على حلا.
كل أسهم غضبه السامة كانت تنطلق صوبها هي فقط نظر بجانب عينه لكرم وقال : روح على شغلك ثم نظر الى حلا بصوت غاضب أمر : وانتي تعالي ورايا على المكتب
هم ليغادر لكنه استمع لصوت كرم وكأنه سيبدأ في مواساتها وتشجيعها ليتوقف عن السير ويقول : أنتي لسه هتتاخري يلا قدامي
لم ينتظرها لتأتي خلفه بل ذهب وهي معه للمكتب.
كان العام جميل لا يزال متواجد هناك كأنه كان ينتظره و أول ما رأى حلا نظر لها نظر عميقه ثم سألها : أنتي الخدامه الجديده
نكست حلا رأسها ثم قالت : ايوه انا .
فسأل العم د جميل : وفين بطاقتك
صمتت حلا بصدمه ، لم تتوقع ان يسألها عن بطاقة هويتها وبقى غانم ينظر لها وهو يراها مرتبكه لا تعرف ما تجيب كأنها تخشى شيء ما
فزخف الشك لقلبه و لقلب العم جميل ايضا وبقى كل منهما ينظر للآخر وكأنهما يؤكدان لبعضهما نفس الفكره
ليسأل العم جميل من جديد : ما ردتيش عليا يا بنتي فين بطاقتك؟
صمتت ولا تعرف ماذا تجيب لو رأى غانم بطاقتها لتعرف عليها على الفور هي متأكده من ذلك ....لن يرحمها .