رواية عم جابر الفصل الثاني 2 والاخير بقلم اندرو شريف و محمد شعبان
الأوضة الملعونة كانت قدامي وفي ايدي مفاتيحها، دماغي كانت بتودي وتجيب عشان أفتحها وأشوف السر اللي جواها، هل فعلا في حاجة جواها تستحق البروباجندا اللي معمولة عليها دي كلها؟.. بس السؤال ده اجابته في ايدي، وعشان كده قررت ماضيعش الفرصة وفتحت الباب، بعدها قفلته ورايا لا حد يشوفني، وبمجرد ما رجلي خطت عتبة الأوضة، حسيت إن قلبي مقبوض، كان في ريحة تراب غريبة خلتني مابطلش كحة، بدأت أركز في الأوضة كويس، لقيتها مليانة كراكيب، يعني جزم قديمة على خيط اتاكل من الفيران، كأني في مكان شبه مهجور، وعلى قد ما الأوضة كانت صغيرة، الا ان ده مامنعنيش إني أقلب في كراكيبها لحد ما لقيت صندوق قديم مليان تراب، نفضته من اللي عليه وفتحته، كان جواه شوية جوابات قديمة، فتحت أول جواب، الخط فيه كان مش واضح شوية، بس ركزت كويس معاه وبدأت أقرا اللي فيه... "ابتسامتكِ الهادئة تجعلني أشعر بالسلام الداخلي، على الرغم من الحرب الدائرة داخل شقوق صدري، أنتِ مَن تذكريني بمرادفات الحياة البسيطة المسئولة عن مساري، وفي ظل خفقان قلبي بالحزن، أستمع إلى همسات صوتك المليئة بالحياة، أحسد نفسي على النظر في عينيكي كل يوم، فأنتِ دواء نادر، مَن امتلكه... فاز بـ اكسير الحياة"... وفي أخر الجواب كان مكتوب توفيق، لكن مش واضح كان كاتبه لمين، فتحت جواب تاني لقيته مكتوب بالعامية... واللي كان مكتوب فيه... "بتبعدي ليه يا شكرية، أنا حبيتك ومسامحك في نفس الوقت، احنا ممكن نعيش حياة سعيدة كزوجين وننسى الماضي، نمشي ونعيش بعيد عن أهل الشارع والمنطقة، الاختيار في ايدك، ماتتعبيش قلبي معاكي"... ده اللي كان واضح من الجواب، والباقي كله كان شبه ممسوح، لكن اهو.. على الأقل عرفت الرسايل دي لمين، في اللحظة دي سمعت صوت حركة في المحل، خدت بعضي وطلعت من الأوضة، لقيت ميدو واقف قدام المحل وبينادي عليا، كان في ايده جزمة الكورة بتاعته، عملت نفسي مش واخد بالي وقعدت على المكنة وبعدها ناديت عليه:
-ايه ياض يا ميدو، بتنادي على مين.؟
لف لي وشه وهو مخضوض:
-ايه يا عم صلاح، هي العفاريت شغالة بجد ولا ايه، أنا متأكد إني دخلت ومالقتكش.
-دخلت ايه يابني، مانا قاعد من الصبح اهو وماشوفتش حد لا داخل ولا طالع.
رد عليا بوش مخطوف:
-لا داخل ولا طالع!، صباح الفل، أنا هاخد جزمتي وأمشي من هنا ياعم، اه، لا تطلع مش صلاح في الأخر.
من غير ولا كلمة زيادة أخد بعضه ومشي، وقتها اتطمنت إن مافيش حد تاني جاي وقفلت باب الأوضة بالقفل، وفي نص اليوم، طلعت لعم جابر عشان اتطمن عليه واشوفه، هل أخد الدوا بتاعه ولا لأ، وبعد ما طلعت واطمنت، اتغدينا مع بعض ونزلت المحل من تاني، وتحت، كملت يومي لحد ما خلصت وطلعت أقعد مع عم جابر، بس بعد طلوعي، لقيته نايم، فدخلت الأوضة ونيمت على السرير، وقتها مش عارف ليه فضلت صاحي، لكن مرة واحدة، سمعت حد بيخبط على الباب، قولت يمكن عم جابر صحي وقام يتطمن عليا، فقومت من على السرير واتمشيت للباب وأنا بتطوح يمين وشمال من صداع الشارع طول اليوم، بس اول ما فتحت الباب، مالقتش حد واقف برة، ناديت على عم جابر، ماحدش رد!، استغربت واتمشيت لأوضته، وساعتها لقيته نايم، بس.. بس في اللحظة دي لمحت حد واقف جنب باب الشقة، ولما ركزت ناحية الباب، مالقتش حد!، بلعت ريقي بصعوبة وقولت لنفسي..(وبعدين بقى في ام الليلة السودة دي، هي الأوضة عملتها معايا ولا ايه)... ثواني ونفس اللي حصل اتكرر تاني، شوفت حد واقف عند الباب، لما ركزت لقيته طيف لشخص مش قادر أحدد ملامحه، لحظات وفتح الباب، بعدها اتحرك لتحت، فضولي قالي إن لازم أشوف ايه اللي بيحصل، وقررت أنزل وراه، كان بيمشي بسرعة لحد ما لقيت نفسي قدام المحل، وهنا، الطيف اخترق الباب بكل سهولة، وقتها أنا استغليت إن المفاتيح لسه في جيبي وفتحت الباب، ومع دخولي للمحل، لقيت باب الأوضة مفتوح والنور منور جواها، مسكت اعصابي وببطء اتمشيت ناحية الأوضة، وقبل ما ادخل، سمعت صوت اتنين بيتخانقوا جوة، رميت عيني عشان أشوف في ايه، لقيت نفس الطيف واقف قدام طيف تاني وبيشدوا في الكلام، كان واحد منهم بيقول للتاني بصوت مايفرقش كتير عن صوت عم جابر:
-ماحبتكش يا توفيق... افهم بقى، أنا خايف عليك، دي لعنة وهتصيبنا كلنا ياض، دي.. دي الحكومة جت وخدتها.. اه، خدتها وخدت لعنتها معاها، شكرية دي ماجاش من وراها غير الأذى والمشاكل.
بحركة سريعة طيف توفيق اتحرك لبرة الأوضة واخترقني زي الهوا، إنما طيف عم جابر، ف شده لجوة مرة تانية، وبسبب شدته، توفيق رد عليه وقاله:
-على طول عامل فيها كبير، وأنت أكبر واحد غلطان، منك لله، لعنتنا ولعنت البيت بعمايلك، لا وايه، لما أختار اللي أنا عايزه، تبقى فضيحة، إنما لما أنت تعمل اللي في دماغك، يبقى براحتك، كفاية بقى يا جابر... كفاية عليك لحد كده، خد نصيبك وامشي زي ما كنت عايز تعمل زمان، ولا أقولك... أنا كده كده كلمت السمسار وهسيبهالك مخضرة.
الحوار اشتد بين الاتنين، توفيق كان عايز يمشي، لكن عم جابر مسك فيه، ومع الشد والجذب، الحوار اتحول لخناقة، وفي وسط ما هم ماسكين في بعض، عم جابر كان بيقوله:
-غبي... وهتفضل طول عمرك غبي.
المشادة بينهم زادت، توفيق كان بيخنق في أخوه والغضب عامي عينيه، لكن.. لكن عم جابر ماسكتش، ده خبط توفيق بحاجة على راسه وهو بيدافع عن نفسه، وبعد الخبطة، توفيق وقع على الأرض وهو سايح في دمه، بس المريب إن الدم كان حقيقي، مالي رقعة معينة في الأوضة، بعيدة عن الطيف، ماركزتش مع الدم واديت تركيزي اكتر لعم جابر، عمر جابر اللي نزل على ركبته ومسك راس توفيق والدموع في عينيه:
-توفيق... فوق يا توفيق، ماتبعدش عني ياض، أنا ماقصدتش، قوم ماتوجعش قلبي عليك، شكرية عالمة، ماتستهلش اللي حصل ده، والغلط يتصلح... بس أنت قوم وأنا هعملك اللي أنت عايزه، قوم الله يرضى عليك يابن أبويا.
لكن من الواضح قدامي إن خلاص، الأوان كان فات، توفيق مات وبقى جثة، لا بتتكلم ولا بتتحرك، اما عم جابر، ف فضل باصص للجثة وهو مصدوم، الدموع بتنزل من عينه وهو مش مصدق اللي حصل، بعدها أدرك الوضع اللي اتحط فيه، مسح دموعه وابتدى شغله في دفن الجثة جوة الأوضة، وبعدها كل حاجة اختفت والنور قطع، لحظات ورجع مرة تانية، استغليت الفرصة وفضلت أشيل البلاط مكان الجثة، أو رقعة الدم الغريبة اللي ظهرت على الأرض، والحقيقة ان ماخدتش وقت كتير لأن البلاط كان سهل في خلعه، بعدها لقيت نفسي قدام رمل اسود، شيلته بإيدي وفضلت أدور في الرملة على حاجة غريبة، لحد ما مسكت حتة عضم، بلعت ريقي من الرعب وأنا بحاول أتمالك أعصابي، في اللحظة دي في حاجة قوية خبطت راسي ووقعت على الأرض من شدة الخبطة واغم عليا، لكن انا فاكر كويس اوي ان أخر حاجة شوفتها، هو عم جابر والغضب باين على وشه.
***
لما فوقت كنت حاسس بألم شديد في راسي، جمعت طاقتي وحاولت أقوم، ماقدرتش، كنت مربوط في كرسي، بس اول ما فوقت، سمعت صوته وهو بيقولي:
-ايه؟... عايز تقوم من ع الكرسي؟
بدأت الرؤية توضح، شوفت عم جابر واقف قدامي والحزن كان باين في عينيه.
-عملت في أخوك كده ليه يا عم جابر؟ وأمي.. أمي ايه علاقتها بيكوا؟.. وقبل ما تسأل...أه.. انا ابن شكرية صاحبة بيت الدعارة اللي كان على أول الشارع.
-أمك!!!.. أمك ازاي يعني، امكازاي وأنا ماعرفش كل المدة دي، بعدين شكرية كانت مسجونة لمدة 13 سنة، ازاي يعني جابت حد في سنك؟
-امي كانت حامل فيا لما دخلت السجن، وبعد سنتين حضانة جوة، ودوني ملجأ، كبرت واتربيت هناك لمدة 11 سنة، وبعد ما مدة شكرية في السجن خلصت، طلعت وخدتني من الملجأ، ايامها كنت عيل صغير عندي 12 سنة وشوية، عيل لقى أم جاية تاخده ف راح معاها، لا كان عامل حساب لماضي، ولا فاهم اللي جرى، ولما كبرت شوية فهمت وعرفت... عرفت عن الشغل البطال اللي كانت ماشية فيه، لكن برضه ماردتش على سؤالي، انتوا ايه علاقتكوا بيها؟
رد عليا عم جابر وهو باصص للصندوق القديم اللي كنت بقلب فيه الصبح:
-أمك اتربت في الشارع يابني، كبرت لقت نفسها في بيت المعلمة سكينة.. أه، الشقة دي ماكانتش تخص شكرية في الأساس، بس بعد موت المعلمة سكينة.. شكرية ورثت الشغلانة بالشقة، انما أنا.. أنا حبيت شكرية من واحنا صغيرين، حبيت الست المدفونة جواها، مش اللي ظاهرة قدامنا، شكرية كانت بنت حرام في الحقيقة... يمكن، ماحدش عالم، لكنها كانت بنت حلال مصفي من جوة، ولولا البيئة اللي عاشت فيها، كانت هتبقى حاجة تانية، مش بعيد كانت تبقى دكتورة ولا مُدرسة، وعشان كده طلبت منها نهرب مع بعض ونعيش في حتة بعيدة، حتة ماحدش يعرفنا فيها، كده كده انا ماكنتش عايز أكمل في الشغلانة دي... وفعلا، شكرية وافقت وضربنا ورقتين عُرفي لحد ما نطلع برة ونتجوز على سُنة الله ورسوله، لكن اللي ماكناش عاملين له حساب هو أخويا، توفيق، توفيق بدأ يبعت لشكرية رسايل غرام، اكيد انت شوفتها في الصندوق اللي انت فتحته... ولما ده حصل، جت وقالتلي، فعجلنا من الأمور وشكرية كانت خلاص هتبيع الشقة عشان نهرب، وطبعًا كل ده من ورا اخويا، اخويا اللي لو كان عرف، كان هيرفض كل اللي بيحصل، وخصوصًا
بقى إنه هو كمان بيحبها من بدري، لكن مافيش حاجة بتستخبى، جت اللحظة اللي عرف فيها توفيق كل حاجة، وقتها كنت متخانق أنا وهي، ومع خناقتنا، انتهز الفرصة وقرر إنه يروح يعترفلها بحبه، قالها إنه هيحافظ عليها... لكن اللي ماكنش عامله حساب، إن الحكومة تقبض عليها في نفس الليلة، ايوه، شكرية اتقبض عليها بتهم كتير، زي تحريض فتايات للعمل في شقة مشبوهة وغيره وغيره.. لكن ليلتها، كنت مع توفيق في المحل، قالي إنه هيروح ينقذها ويطلعها من اللي هي فيه بأي تمن، حاولت أوقفه بأي طريقة عشان سُمعته اللي هتتلطخ بسببها، ومع كلامنا، شدينا مع بعض واتخانقنا بالإيد، وأخرتها، خبطته بحاجة تقيلة على راسه من غير ما أقصد، ووقع على الأرض سايح في دمه، اتوترت، خوفت... انا لو حكيت للناس اللي حصل ماحدش هيصدقني، بس في لحظة تمالكت اعصابي ودفنته مكانه، وبعدها استغليت إنه كان مكلم سمسار على بيع البيت وقولت للناس إنه مسافر، لحد ما جت الفكرة بتاعة لعنة الأوضة وإنها مسكونة من الأشباح، هي مش فكرة، هي حقيقة وانا صدقتها لأن توفيق ظهرلي أكتر من مرة، ومن ساعتها، والأوضة مقفولة.
كنت مصدوم من كل اللي سمعته، الراجل الطيب اللي كنت عايش معاه بقالي مُدة، طلع قاتل، ومش بس كده... ده كان متجوز معلمة كبيرة في السر، وأنتوا فاهمين قصدي، حتى لو كانت الست دي تبقى امي، لكن لحظة... كل ده وأنا مش فاهم، شكرية تبقى أمي، وعم جابر اتجوزها في السر، معنى كده إنه ممكن يكون.. أبويا!
بصيت له وانا بدمع وقولتله:
-أنا أبقى ابنك يا عم جابر، شكرية قبل ما تموت ماقالتليش مين أبويا، بس قالتلي إني مش ابن حرام، وأكدتلي ده كويس، قالتلي انها اتجوزت حد زمان وسابها، بس ماقالتليش مين، دي قالتلي بلاش ننبش في الماضي واعتبر اني امك وابوك، لكن انا كنت هتجنن.. كنت هتجنن لحد ما ربنا رماني في طريقك، وتوفيق.. عمي، كان له دور كبير، اصله لو ماكنش ظهرلي وعرفني الحقيقة عن طريق الأوضة، ماكنتش هعرف اي حاجة عن كل ده، بس تعرف، توفيق لو كان عايز يإذيك كان عمل كده من زمان، هو مش عايز يأذيك، هو بس بيظهر لانه مدفون هنا.. تحت الأوضة.
من غير ولا كلمة زيادة عم جابر أخدني في حضنه، بعدها سابني... وسابلي حرية الاختيار، وده اللي عرفته لما قالي:
-أنا عمري ما كنت قاتل يابني، ولا عمري فكرت في أذيتك، انا مسئلة قتلي لاخويا كانت بالغلط، واكبر دليل اني قولتلك الحقيقة، انا عيشت سنين بموت، تعبان، مقهور بالذنب اللي ارتكبته، انما دلوقتي، جه الوقت اللي اعترف فيه عشان ضميري يرتاح، ودلوقتي، وبعد ما عرفت.. ليك الحرية، شوف، لو عايز تبلغ عني وعن جريمتي، اعمل ده ومش هلومك.. انا.. انا.. ااه...
وماكملش كلامه ووقع من طوله، ساعتها حاولت افك نفسي اكتر من مرة لحد ما نجحت في ده، فكيت روحي وقومت بسرعة، خرجته بره الأوضة اللي قفلتها وروحت بيه عالمستشفى، وهناك، عرفت انها المرة دي مش غيبوبة سكر وهتعدي.. دي.. سكتة قلبية.. ايوه.. عم جابر.. او ابويا جابر بقى، مات.. اما انا، فرجعت على الحارة، وبعد الدفنة والعزا، قعدوا كبارات الحتة وقالوا ان الورشة والبيت لازم يفضلوا مفتوحين وانا اقعد فيهم، اه، ما الحُجة بتاعت المكان كله كانت معايا لاني لقيتها في دولاب جابر.. بس قبل ما ارجع افتح المحل تاني، انا نزلت في ليلة وكملت اللي كان لازم يكمل.. كملت نبش في الرمل وطلعت الهيكل العظمي بتاع توفيق وروحت دفنته هناك، جنب اخوه، جابر.. جابر اللي اول يوم ليا في المحل من بعد موته ودفنة اخوه جنبه، سمعت صوته خارج من الأوضة وهو بيهمس..
(ماتخافش مني ياابني.. انا تملي هبقى حواليك، بس عمري ما هأذيك.. وماتخافش، مش هتسمع صوتي تاني)
افتكرت وقتها ان بيتهيألي، لكن الصوت، صوت جابر مابيفارقنيش، لا في احلامي ولا في المحل ولا في البيت، على طول بسمعه وهو بيهمس.. هو اه مابيقوليش كلام يخوفني، ومعظم كلامه ليا بيكون همس ومش مفهوم.. لكن برضه.. مجرد وجوده معيشني في قلق، لكن.. لكن تفتكروا صحيح، هو ده صوته بجد ولا من اللي مريت بيه عقلي خف وبقى بيتهيألي اني بسمعه!.. ولا.. ولا انا من بعد ما عرفت انه ابويا ومات، بقيت بتمنى انه يعيش عشان افضل جنبه وهو ابويا.. مش عم جابر الجزمجي!
تمت بحمد الله.