رواية قاب قوسين من الهلاك الفصل الخامس 5 والاخير بقلم ناهد خالد
قصة قاب قوسين "من الهلاك" الجزء الخامس والأخير...
- مسحتي كله؟
سألها "شاكر" بعدما قذفت بهاتف ذلك الحقير جانبًا لتؤكد برأسها قبل أن تقول:
- بس مش عارفة معاه نسخ تانيه ولا لا؟
ضغط بقدمه على الجاثي أرضًا كالجثة الهامدة بعد كل ما تلقاه من ضرب مبرح وقدم "شاكر" تجثم الآن فوق صدره, ليقول "شاكر" بينما ينظر له بتهديد مبطن:
- لا وائل ذكي ومش هيعمل كده, هو عارف كويس لو عنده نسخ تانية هيحصل فيه ايه.
قال "وائل" بذعر:
- لا لا, مفيش نسخ تانية والله.
نظر له "شاكر" باندهاش مصطنع:
- صادق يا ولو, أنتَ بتحلف يا جدع هو أنا مخونك! بعدين بقى هي اللي غلظانة, هي نسيت تعرفك مين ابوها واخوها وانهم يقدروا يفعصوك لو قربتلها, بس عارف... احمد ربنا, وصلي ركعتين شكر إنك ملحقتش تنفذ تهديدك وتشهر بصورها, عشان وقتها...
احتدت ملامحه بشكل مخيف وهو يقول بفحيح هامس:
- وعهد الله ما كان حد هيرحمك من ايدي.
وبعدها نهض لينتفض "وائل" واقفًا بترنح رغم تعبه, رفع "شاكر" إصبعه بتهديد وهو يشير ل "يارا" لتخرج من الشقة:
- لو شوفتها في شارع تمشي من شارع تاني, بدل ما هجيبك.
اومأ برأسه بارتجاف كالفأر المبلول, وخرج "شاكر" مع شقيقته حتى وصلا للأسفل, لتقف "يارا" أمامه وفجأة احتضنته بقوة وهي تقول:
- أنا بحبك اوي اوي يا شاكر.
بادلها العناق وهو يبتسم بهدوء قائلاً:
- أنا بحبك اكتر يا قلب شاكر.
ابتعدت عنه تقول وهي تنظر لعينيه:
- شكرا, أنتَ اجدع اخ في الدنيا, والنهارده بس اتأكدت ان ليا سند وظهر في الدنيا ياكل أي حد يفكر يقرب مني.
ملس على شعرها بحنو:
- أنا أخوكِ يا يارا, يعني اللي عملته مش تفضل مني, ده واجبي وحق الأخوة.
نفت برأسها تقول:
- لا, في غيرك كتير كان ممكن يأذيني قبل ما يجيب حقي, كان ممكن تقول لابويا او تكسر عضمي حتى.
أجابها بحكمة:
- كنت هكسب ايه؟ منكرش إني غضبت واتعصبت لما حكتيلي ومش هتتخيلي اللي حسيت بيه وقتها, بس في نفس الوقت فرحت انك حكيتي ووثقتي فيا, ولو كنت عملت اللي بتقولي عليه عمرك ما كنتي هتحكيلي على حاجة تانية ومهما حصلك بعد كده هتخبي وممكن تكوني في ورطة بردو وتحاولي تتصرفي فيها لوحدك فتورطي نفسك اكتر.
نظرت له تهتف باستغراب:
- بس أنتَ حتى محذرتنيش اني اعمل كده تاني.
ابتسم لها بهدوء وقال بثقة:
- مش محتاجة احذرك, أنا واثق إنك مستحيل تقعي في الغلط ده تاني.
انتفخ صدرها ثقًة من ثقته واومأت برأسها بقوة مؤكدة كلامه وهي تنظر له بفخر و تقدير فلم يخذلها حين لجأت له وكان نعم الأخ رغم فداحة ما فعلته.
تنهدت براحة تشكر ربها فقد كانت قاب قوسين أو أدنى من الهلاك لولا حفظ الله.
------------
ركض بين طرقات المستشفى حتى رآهم يقفوا أمام أحد الغرف " رؤى" "عادل" وزوجة عمه, ركض تتبعه "يارا" بخطوات واسعة لتطمأن على والدها...
- في ايه ايه اللي حصل؟
رددها "شاكر" بذعر وهو يقف أمامهم ليخبره "عادل" بهدوء:
- اهدى يا شاكر, مفيش حاجة يا حبيبي, ده بس الحاج ضغطه وطي ووقع وجبناه هنا.
تنفس الصعداء حين اطمأن عليه, وقال متسائلاً باستغراب:
- ليه وقع؟ هو حصل حاجه؟
- شاكر تعالى يا حبيبي عوزاك.
قالتها "رؤى" وهي تأخذه بعيدًا عنهم....
وبعد دقائق كانت تمسك ذراعه بذعر وخوف حين ترنح للخلف فجأة بعدما سمع منها ما حدث, لتقول بخوف:
- مالك يا شاكر؟ اهدى عشان خاطري.
نظر لها كأنها برأسين ولم يرد, لتكمل ببكاء:
- أنا قولتلك عشان الحاج لما يفوق لازم تتكلم معاه لاحسن حالته تسوء اكتر, وعشان لازم تتصرفوا.
- حسن؟؟!
رددها بابتسامة هازئة ونظر لها بصدمة يقول:
- حسن! ده اخر واحد كان ممكن يخطر في بالي! العيل اللي لسه في ثانوي! طب ازاي؟ وازاي قدر يخون الأمانة؟ وازاي مخافش من ربنا؟ و...و دي بنت عمه واحنا اللي مربينها واكبر منه, يعني من كل النواحي مينفعش!!
ربطت على كتفه بمواساة تقول:
- كلنا اتصدمنا, بس ده بقى أمر واقع.
- هو فين؟
سألها بعدما اشتعلت عيناه فجأة بغضب حارق, لتبتلع ريقها بخوف تقول:
- في البيت, لما عمي وقع هو اتصدم وخاف وحس انه السبب فمقدرش حتى يلحقنا.
هز رأسه عدة مرات بقوة ثم قال بتوعد:
- ماشي...ماشي.
----------------
ارتد واقعًا فوق الأرضية على لكمات شقيقه المتتالية مسح وجهه من الدماء وبكائه يتعالى بشهقات كالطفل الصغيرة, و"شاكر" يقف أمامه كالأسد الجريح, وصوت تنفسه يتعالى حتى ملأ الغرفة, وصرخ به:
- رد عليا يا **** عملت كده ليه, وازاي فكرت تعمل كده ومعاها هي بالذات؟ رد ياله...
أجابه من بين شهقاته:
- أسف...أن....
قاطعه وهو يجذبه من ثيابه هادرًا:
- مش عاوز اسف أنا عاوز اجابه, ليه عملت كده؟ وليه فكرت في رغد؟
احنى رأسه بخزي وكانت اجابته صادمة....
-----------
جلس أمام والده يقول له:
- خلاص يا حاج اللي حصل حصل, وكويس اننا عرفنا الحقيقة قبل ما حد تاني يتدبس فيها.
- اخوك يا شاكر؟ اخوك! يعني القطة كلت عيالها! تخيل لما الخيانة والغدر تيجي من بيتي انا! من ابني.
التقط كفه يقول برجاء:
- يا حاج بالله عليك كفاية, متعملش في نفسك كده, كفاية لتتعب تاني احنا ملناش غيرك.
- عرفت هو ليه عمل كده؟ وازاي يفكر في رغد!!
تنهد مهمومًا وقال وعقله ما زال عاجزًا عن الاستيعاب:
- شاب مراهق وطايش مشي ورا اللي شافه وسمع عنه.
عقد "طاهر" ما بين حاجبيهِ بعدم فهم:
- مش ورا ايه؟ وورا مين؟
هز رأسه بتعب ويأس:
- ورا اللي بقى مضيع جيل كامل يا حاج, ورا السم اللي بقوا يدسوا في عقول العيال, ورا النت وبلاويه... حسن مراهق وانجر في الطريق ده, سمع وشاف عن قصص زي دي, وعن علاقات زي دي بتحصل بين العيال وستات اكبر منهم, وشيطانه لعب بيه, ولما انفرد برغد كذا مره بدأ يشوفها بشكل تاني وبدأ عقله يوزه يعيش التجارب اللي قرأ عنها ولا شافها وهي كانت رافضه بس بعد كده هي كمان مشيت ورا شيطانها.. فهمت يا حاج ولا محتاجني افسر اكتر؟
ادمعت اعين "طاهر" بقهر وهو يقول:
- فهمت, ويا رتني ما فهمت... شيطانهم هو نفسهم يا بني مش اللي بيوسسلهم, يعني كمان مشي في طريق و** زي ده!
وأعرب "شاكر" عن ما يراوده منذ فهم حقيقة الأمر فقال:
- احمد ربنا ان الموضوع بعيد عن يارا يا حاج.
- ايه؟
صرخ بها "طاهر" وهو ينتفض واقفًا, وردد بانفاس خافته:
- هو كان ممكن يفكر فيها!؟
نهض "شاكر" هو الاخر يقول بأسف وحزن دفين:
- احنا سمعنا عن كام حادثة في مواضيع زي دي, تفتكر الناس دي جتلها الأفكار منين؟ من ناس معندهاش دين ولا عقيده ولا اخلاق بتسرب أفكار منحله عن طريق شبكة بتدخل لبيوتنا واوض نومنا, واللي يسيطر عليه الموضوع ده متستبعدش عنه أي حاجة.
- خلاص يا شاكر... خلاص يا بني ابوس ايدك.
وصمت "شاكر" وهو يرى انهيار والده, صمت والخوف لم يغادره على شقيقته..
--------------
اجتمع الجميع تحت رغبة "طاهر" ...
الجميع مترقب, خائف من القادم...منتظر حديث "طاهر" الذي قال أخيرًأ:
- اللي هقوله لا عاوز فيه نقاش ولا رد من حد...
نظر لهم جميعًا ليراهم صامتون ينتظرون حديثه فقال:
- حسن هيكتب على رغد ومن غير فرح, وهنقول ان ده بناء على رغبتها وانهم هيسافروا يقضوا أسبوع بره بدل الفرح... عشان لا هي ولا هو يستحقوا فرح...
واحنى الاثنان رأسهما بانكسار غير قادرين على الرفض, واكمل وهو ينظر ل "حسن":
- أنتَ يالا...
رفع رأسه رغم نظراته المنكسرة, لينظر له "طاهر" باشمئزاز قائلاً:
- من النهاردة مش هتاخد مني جنية, أنتَ راجل اهو... ومادام راجل اصرف على نفسك وعلى مراتك وعلى تعليمك, تشتغل, تسرق أنتَ حر, ومش هتقعدوا معانا في البيت, انتوا الاتنين هتأجروا شقة بره بعيد عننا, هدفعلك ايجار اول 3 شهور بعد كده مليش دعوه, كتب كتابكوا اخر الشهر يعني معاك شهر كامل تدور فيه على شغل ولا تولع...
نظر ل "شاكر" ثم قال:
- شاكر لو عرفت انك ساعدته بقرش هتحرم عليا ليوم الدين.
تنهد "شاكر" صامتًا, لينهض "طاهر" بعدما قال:
- كلامي خلص.
انفض الجمع ليقول "شاكر" ل "حسن" قبل أن يصعد لأعلى مع زوجته:
- الحاج حرمني اساعدك بفلوس, بس لو ملقتش شغل عرفني ليا ناس كتير ممكن اشغلك عندهم.
يخبره خفية أنه لن يؤمن له عمل لديهِ فأقصى مساعدة له أن يؤمن له عمل لدى أحد آخر.
--------------------------
اقتربت تحيط رقبته بذراعيها وهي تقول بحب:
- ايه القمر ده على الصبح! اخر شياكة.
ابتسم لها يقول:
- بتعاكسيني؟
- وماله جوزي واعاكسه زي مانا عاوزه, ولا اعاكس مين انا بقى!
غمز لها "شاكر" مشاكسًا:
- عاكسيني براحتك, بس معاكستي غير بردو.
احمر وجهها خجلاً وابتعدت بتوتر تقول:
- طيب يلا عشان متتأخرش.
- بتجيبي ورا في ثانية.
ضحك بسعادة وهو يرى محاولات طفلته في الصعود على أحد الكراسي, ليركض تجاهها يهتف بمرح:
- بتعملي ايه يا قرده, بقى أنتِ يا ربع شبر هتطلعي على الكرسي.
ضحكت الصغيرة وهي تجد نفسها بين أحضان والدها ليقبلها هو بحب وتضحك "رؤى" بسعادة على ضحكاتهم.
ونجى اثنين...
نجت "يارا" في اللحظة الأخيرة حين فكرت بحكمة رغم خطأها
ونجى "شاكر" قبل أن يضيع أسرته من بين يده
نجى الاثنين وقد كانوا قاب قوسين أو أدنى من الهلاك..
و نجى "حسن"
نجى حسن!
بالفعل نجى من منظور آخر, نجى في أول حياته وهو مازال مراهق قبل أن تسرقه السنوات في الضلال فلولا المسؤولية التي تحملها بعد اعترافه بخطئه لظل في ضلاله... رغم خسارته والده الذي لم يصفو له يوما, وشقيقه الذي تأزمت العلاقة بينهما, ودراسته التي اكتفى فيها بالثانوية... وكان هذا ضريبة خطأه.
والهالكة الوحيدة هي "رغد" التي خسرت رجلاً أحب بحق وطلب زواجها "عادل" بسبب خطأها الذي لا مبرر له ابدًا, وحُكم عليها بان تكمل حياتها مع شخص قبلته او رفضته لا يشكل فارق فهي لا يوجد امامها خيار.. خسرت سمعتها وسقطت في نظر الجميع....
ربما يتحمل الجزء الأكبر من العقاب المشارك في الجريمة وليس المجرم!
ف "رغد" المشاركة في الجريمة انساقت خلف "حسن" المجرم الحقيقي والنهاية انها تحملت الجزاء الأكبر!
انتهت القصة
بدأت 19/10/2027
انتهت 27/10/2024
#قاب_قوسين
#ناهد_خالد
تمت