رواية وود الفصل الثامن 8 بقلم اسماعيل موسي


 رواية وود الفصل الثامن 8 بقلم اسماعيل موسي


#وود


٨


مرت الليلة بطيئة، ثقيلة مثل حلم عالق بين الواقع والخيال. ظلت كريس مستيقظة، عيناها تراقبان الظلال وهي تتراقص بفعل الريح التي تسللت من الشقوق. كانت وود قد غفت أخيرًا، لكن أنفاسها لم تكن إيقاعًا هادئًا كما يجب، كانت متقطعة، كأنها تحلم بشيء لا يمكنها الهروب منه.


في الخارج، بدت الغابة أكثر ظلمة من المعتاد. الأشجار وقفت شامخة، لكنها لم تكن ساكنة تمامًا. هناك شيء ما يتحرك بينها، كأنها تتنفس، كأنها ليست مجرد أشجار.


عند الفجر، عندما بدأ الضوء الرمادي يتسلل عبر الستائر، شعرت كريس أخيرًا بشيء مختلف. الجو لم يكن بارداً فقط... بل كان فارغًا. وكأن هناك حضورًا قد غادر.


نظرت إلى وود، فوجدتها مستيقظة، تحدق بالسقف بعينين واسعتين.


"ماما..." همست بصوت خافت، كأنها تخشى أن يسمعها أحد غير كريس. "أعتقد أنهم رحلوا."


لكن كريس لم تشعر بالارتياح، لأن الغرفة كانت لا تزال تحمل صدى شيء ما... شيء لم يغادر تمامًا.







بقيت كريس تحدق في ابنتها للحظات، محاولات عقلها لفهم كلماتها تتلاشى وسط ذلك الصمت الثقيل. ثم سألتها بصوت بالكاد خرج من حلقها: "رحلوا؟ من تقصدين؟"


لم تجب وود فورًا، بل استدارت ببطء على السرير، كأنها كانت تستمع إلى شيء آخر، شيء لا تستطيع كريس سماعه. وأخيرًا، همست دون أن تنظر إلى والدتها: "ليسوا جميعًا."


انقبض قلب كريس.


حاولت أن تبقى هادئة، لكنها شعرت بشيء غريب في الهواء—كأن الغرفة نفسها كانت تراقبها. أخذت نفسًا عميقًا ونهضت عن السرير بحذر، متجهة نحو النافذة. كان الصباح قد بدأ يتشكل، لكن الضباب كان كثيفًا بشكل غير طبيعي، يزحف بين الأشجار ويبتلع الأرض تحته.


وحين حدقت أكثر، لمحت شيئًا—ظلًا صغيرًا عند حافة الغابة، بالكاد مرئيًا وسط الضباب. لم يكن يتحرك، فقط كان يقف هناك، كأنه يعلم أنها تراقبه.


جسدها تجمّد في مكانه، لكن قبل أن تتمكن من التقاط أنفاسها، همست وود خلفها:


"ماما... لا تنظري إليه."


كأن تلك الكلمات أطلقت شيئًا في الهواء. فجأة، انطفأت الأضواء الخافتة في الغرفة وحدها، والهواء أصبح أكثر برودة. شعرت كريس بشيء يزحف على بشرتها، كأن شيئًا غير مرئي يمر بجانبها ببطء.


حاولت أن تستدير نحو وود، لكن الصغيرة كانت لا تزال على سريرها، عيناها مغمضتان، تتظاهر بالنوم.


في الخارج، كان الظل لا يزال هناك، لكنه لم يكن وحيدًا بعد الآن.


دون أن تدري متى أو كيف، شعرت كريس بأن الغرفة أصبحت أضيق، كأن الجدران تزحف نحوها بصمت ثقيل. لم تكن تسمع شيئًا سوى صوت أنفاسها المتسارعة... حتى ذلك لم يكن وحده.


من الزاوية المظلمة للغرفة، صدر صوت خافت، أشبه بصوت أظافر تنزلق ببطء على الخشب.


جفلت كريس، جاحظة العينين نحو الزاوية، حيث لم يكن هناك سوى الظلام... لكنها رأت شيئًا.


عينان، صغيرتان، سوداوين، تحدقان بها من الفراغ.


لم يكن لهما انعكاس. لم يكن لهما جفن.


ثم، في اللحظة التي حاولت فيها كريس أن تصرخ، تحركت وود بجانبها ببطء شديد، والتفتت إليها بوجه هادئ تمامًا، ابتسامة صغيرة ترتسم على شفتيها.


لكن عندما فتحت فمها لتتحدث، لم يكن صوتها هو الذي خرج.


كان صوتًا آخر.


صوتًا لم يكن بشريًا.

                 

                الفصل التاسع من هنا 

لمتابعة باقي الرواية زوروا قناتنا على التليجرام من هنا 

تعليقات
تطبيق روايات
حمل تطبيق روايات من هنا



×