رواية وود الفصل التاسع 9 والاخير بقلم اسماعيل موسي


 رواية وود الفصل التاسع 9 والاخير بقلم اسماعيل موسي


#وود


             ❤️9❤️

              الأخيره


تراجعت كريس خطوة إلى الوراء، قلبها يضرب بقوة داخل صدرها، كان وجه وود مألوفًا، لكنه في الوقت نفسه بدا وكأنه شيء آخر، شيء يستخدم ملامح ابنتها كقناع.


توقفت الابتسامة على شفتي الطفلة، لكنها لم تختفِ تمامًا، فقط تجمدت كأنها شيء غير طبيعي، شيء لا يجب أن يكون موجودًا على وجه طفلة.


ثم جاء الصوت مرة أخرى، ليس صوت وود، بل ذلك الصوت الآخر، العميق، الأجوف، وكأنه يتحدث من داخل الفراغ:

"أنتِ... رأيتِهم."


لم تدرك كريس أنها كانت تحبس أنفاسها حتى شعرت بألم في صدرها،حاولت التراجع أكثر، لكن ظهرها اصطدم بالحائط،لم يكن هناك مكان للهرب.






وود—أو الشيء الذي يشبهها—أمالت رأسها قليلًا، كما لو كانت تستمع إلى شيء لا تستطيع كريس سماعه،ثم قالت بهدوء، بصوتها هذه المرة:

"أمي، أنتِ تجذب انتباههم."


في الخارج، حيث كان الظل يقف عند حافة الغابة، بدأت الحرك أولًا، لم تكن سوى تموجات في الضباب، لكنه سرعان ما بدأ يتفرق ليكشف عن أشكال... كثيرة. أجساد نحيلة، ملامح غامضة، عيون سوداء تراقب المنزل بصمت. لم يكونوا يتحركون، فقط يقفون هناك، كما لو كانوا ينتظرون.


الغرفة ازدادت برودة، والجدران بدت وكأنها تتنفس. الصوت الخافت للأظافر على الخشب لم يتوقف، بل أصبح أقرب، أقرب مما ينبغي.


ثم، دون سابق إنذار، انطفأ كل شيء.


لم تعد كريس ترى الغرفة، لم تعد ترى وود، لم تعد ترى شيئًا على الإطلاق،لم يكن هناك سوى ظلام حالك، وصوت واحد يهمس في أذنها، قريبًا جدًا، كأن أحدهم يهمس داخل عقلها مباشرة:


"الآن... أنتِ واحدة مِنّا."

كان الظلام كثيفًا، ملموسًا تقريبًا، كأنها غرقت في الفراغ ذاته. حاولت كريس أن تتحرك، أن تصرخ، لكن جسدها لم يستجب، الهواء كان مشبعًا برائحة رطبة قديمة، أشبه برائحة شيء مات منذ زمن بعيد لكنه لم يتحلل بالكامل.


ثم، في وسط هذا الفراغ، جاء الصوت.


"افتحي عينيك."


لم تكن تعلم أنها قد أغلقت عينيها، لكنها شعرت بها تنفتح الآن—أو على الأقل، شعرت بذلك.


لم تكن في غرفتها 


كانت واقفة في الغابة، لكن الأشجار لم تكن طبيعية، لم تكن مجرد خشب وأوراق كانت ملتوية، جذوعها تنبض ببطء كأنها كائنات حية، وكانت هناك أعين كثيرة... كثيرة جدًا، تراقبها من بين الفروع.


ثم رأتهم.


الأشكال التي كانت تقف عند حافة الغابة لم تكن ظلالًا بعد الآن، كانوا واضحين، طويلين بشكل غير طبيعي، وجلودهم مشدودة على عظام نحيلة كأنها لم تُخلق لتكون تحت ضوء النهار،وجوههم كانت فارغة، بلا ملامح سوى العيون السوداء العميقة، العيون التي عكست شيئًا لا يجب أن يُرى.


في وسطهم، وقفت وود.


لكنها لم تكن وود.


جسدها كان كما هو، لكن عينيها لم تعودا بشريتين،كانتا سوداوين بالكامل، متوهجتين بخفوت من الداخل، كما لو أن نارًا خافتة تشتعل في أعماقهما،ابتسمت ببطء، ثم رفعت يدها الصغيرة نحو كريس، مشيرة إليها أن تقترب.


"أمي..." نطقت وود، لكن صوتها لم يكن لها. لم يكن صوتًا واحدًا حتى—بل عدة أصوات تتداخل، كأن شيئًا آخر يتحدث من خلالها. "لقد كنتِ دائمًا لنا."


حاولت كريس أن تتراجع، لكن قدميها غرستا في الأرض، كانت الغابة تبتلعها، تتغلغل داخلها، تسحبها ببطء نحو الظلال التي انتشرت حولها،الألم بدأ، لم يكن جسديًا فقط، بل كان أعمق—كأنها تُعاد كتابتها من الداخل.


ثم، للمرة الأخيرة، سمعت الصوت، الهمس العميق القادم من داخلها هذه المرة، ليس من الخارج.


"الآن، نحن فيكِ، وأنتِ فينا."


وفي اللحظة التي امتصتها الظلال بالكامل، عندما لم يعد هناك شيء بشري فيها، فتحت وود ذراعيها ببطء كأنها تستقبلها في عالم جديد.


ثم... عاد الصمت.


وفي الصباح، عندما أشرقت الشمس على المنزل الصغير، كانت الغرفة فارغة تمامًا.


لا أثر لكريس. لا أثر لوود.


كل ما تبقى كان هواءً ساكنًا... وشعورًا عميقًا بأن شيئًا ما في الغابة كان يراقب، ينتظر من سيأتي بعدهم.


في الصباح، عندما وصلت الشرطة إلى المنزل بعد بلاغ من أحد الجيران، وجدوا الباب مفتوحًا، لكن المكان كان خاليًا تمامًا. لا أثر لكريس،لا أثر لوود،كل شيء كان في موضعه، لكن بدا وكأن أحدًا لم يعش هنا منذ زمن.


لم تكن هناك علامات اقتحام، لا دماء، لا صراع فقط الصمت.


التقرير الرسمي سجّل الحادثة على أنها "اختفاء غير مبرر"، وأُغلقت القضية لعدم وجود أدلة كافية،لكن الضباط الذين دخلوا المنزل شعروا بشيء غريب، شيء لم يستطيعوا تفسيره.

#اسماعيل_موسى 

أحدهم أقسم أنه عندما كان يقف في غرفة النوم، سمع صوت أظافر تنزلق ببطء على الخشب، آخر قال إنه لمح ظلًا صغيرًا عند حافة الغابة، لكنه عندما اقترب، لم يجد شيئًا سوى الضباب الكثيف.







أما الملف المتعلق بالتحقيق، فقد تم نقله لاحقًا إلى قسم القضايا الغامضة، حيث اكتشف أحد المحققين أمرًا لم يُذكر في التقرير الأصلي:


قبل يوم واحد من اختفائهما، اتصلت كريس بالشرطة وهي تهمس عبر الهاتف، بصوت مرتجف ومذعور،قالت شيئًا واحدًا فقط قبل أن ينقطع الخط:


"إنهم ليسوا بشرًا... إنهم يريدونني أنا ووود."


ومنذ ذلك الحين، لم يرَ أحد كريس أو وود مرة أخرى.


لكن بعض السكان المحليين يقولون إنه إذا اقتربت من الغابة في الليالي المظلمة، يمكنك رؤية ظلين صغيرين يقفان بين الأشجار، يراقبان بصمت، ينتظران من سيجرؤ على النظر إليهما.


بعد عام من الاختفاء، لم يكن هناك أي تقدم في القضية، لم تظهر كريس ولا وود، ولم يعثر أحد على دليل يفسر ما حدث، أصبح المنزل مهجورًا، وتحولت القضية إلى واحدة من الألغاز الغامضة التي تُروى على استحياء في البلدة.


لكن بعد ستة أشهر أخرى، تلقى مكتب الشرطة طردًا غامضًا بلا عنوان مرسل، كان مغلفًا بورق بني قديم، وعليه كتابة غير واضحة كأنها كُتبت بأصابع مرتعشة.


عندما فتحوه، وجدوا شيئًا واحدًا فقط:


شريط كاسيت قديم.


لم يكن هناك اسم، لا تاريخ، لا شيء.


تم إرسال الشريط إلى قسم الأدلة، وعندما شغّلوه، كان الصوت مشوشًا، كأن شيئًا ما كان يعبث بالموجات، كان هناك أنفاس مضطربة، ثم همسات غير مفهومة. وبعد دقيقة كاملة من الصمت...


جاء الصوت.


لم يكن صوت كريس، ولم يكن صوت وود،كان صوتًا آخر، خليطًا بين عدة أصوات متداخلة، خافتًا لكنه واضح بما يكفي لجعل المحققين يشعرون بقشعريرة باردة تتسلق ظهورهم.


"نحن هنا... نحن نراكم... نحن لسنا وحدنا..."


ثم جاء الصوت الأخير، همسة بالكاد مسموعة، لكن الجميع سمعوها بوضوح:


"أمي، أرجوكِ، لا تنظري إليهم."


وفي اللحظة التي انتهى فيها الشريط، انطفأت الأضواء في غرفة التحقيق، وانخفضت درجة الحرارة بشكل مفاجئ.


ومنذ ذلك اليوم، لم يجرؤ أحد على الاستماع إلى الشريط مرة أخرى.


أما الغابة، فقد أصبحت محظورة، لا أحد يقترب منها عند الغروب، السكان المحليون يتهامسون عن أصوات تُسمع عند منتصف الليل، عن ظلال صغيرة تظهر بين الأشجار، وعن إحساس ثقيل بالترقب كأن شيئًا ما لا يزال هناك... ينتظر.


انتهت شكرا لكم             

تمت

لمتابعة باقي الرواية زوروا قناتنا على التليجرام من هنا  

تعليقات
تطبيق روايات
حمل تطبيق روايات من هنا



×