رواية الغرفة المغلقة الفصل التاسع 9 والاخير بقلم نور الشامي
الفصل التاسع
الغرفه المغلقه
بعد مرور اربع سنوات في شقة صغيرة تطل على البحر... حيث تداعب نسمات الهواء الستائر البيضاء برفق.. جلست أفنان على الأريكة تمسك كوبا من الشاي الساخن بين يديها بينما كانت عيناها تتابعان الصغيرة التي تلعب على الأرض بدميتها المفضلة. كانت الطفلة تضحك و تتحدث مع لعبتها كأنها تفهمها وفجأة قفزت الصغيرة وركضت نحوها وتسلقت حجرها بعفوية وهي تحتضنها بقوة ثم رفعت وجهها إليها بعينين واسعتين مليئتين بالفضول مرددا:
ماما زينة هتيجي امتى هي اتأخرت اوي ؟
ابتسمت أفنان وهي تمرر يدها في خصلات الطفلة البنية الناعمة وهتفت:
زينة جالت إنها هتتأخر شويه بس كتخافيش.. نص ساعه بالكتير وهتلاجيها اهنيه
أطلقت الصغيرة ضحكة سعيدة وبدأت تلعب بأصابع أمها. بينما تابعت ببراءة:
"ماما..هو بابا هيجي امتي..كل يوم تقوليلي بكره..هو مش بيجي ليه انا عايزه اشوفه علي الحقيقه مش في الصور هو يعني بابا مش بيحبني ؟"
نظرت أفنان اليها بحزن وربتت على رأسها بحنان:
لع يا حبيبتي..بابا بيحبك جوي .. بذمتك فيه حد ميحبكيش. انتي اي حد يعرفك بيحبك علطول يا زينه.. بس هو بابا عنده شغل مهم ومسافر بعيد
زمت الطفلة شفتيها بتفكير ثم همست:
طيب امتي يعني.. انا عايزه اشوفه.. هو في الصعيد.. هي الصعيد دي فين.. انا عايزه اروحها
تجمدت يد أفنان للحظة لكنها سرعان ما استجمعت نفسها، وأجابت بهدوء:
لع يا حبيبتي.. دي بعيده جوي اوعي تروحي لوحدك
وفي تلك اللحظة رن جرس الباب وقفزت الطفلة بحماس وهي تركض نحو المدخل بسعاده :
زينة جات.. زينه جات
نهضت أفنان بتوجس فبرغم كل هذه السنوات لم تكن قادرة على الشعور بالأمان المطلق. لكنها سرعان ما هدأت عندما فتحت الباب ورأت زينة تقف أمامها تحمل كيسا من المخبوزات في يد وحقيبتها في اليد الأخرى وابتسامتها المعتاده تزين وجهها مردده:
جيبت الوامل ومخبوزات حلوه جوي من ال كيان بتحبها
صرخت الطفلة بسعادة وألقت بنفسها في أحضان زينة التي ضحكت واحتضنتها بحب وبعد فتره كانت تقف افنان تتأمب صديقتها التي تغيرت كثيرًا منذ هروبه.. زينة لم تعد تلك الفتاة المفعمة بالحياة كما كانت من قبل حتي القت بجسدها على الأريكة بتنهيدة طويلة فـ اردفت افنان :
هما كويسين؟! عرفتي حاجه عنهم
تغيرت ملامح زينة للحظة واردفت:
من وجت ما سمعت ان وائل ورقيه اتحبسوا وانا مسمعتش عنهم حاجه تانيه بس ال اعرفه ان محاكتهم الاخيره كانت من كذه شهر واتثبت عليهم حكم الاعدام.. معرفش بجا اليلس لبسهم جضيه اي. بس تجريبا وليد هو ال اتصرف علشان الياس كان عايز يجتلهم.. ووليد مش عايز يبجي فيه دم تاني. واهم في جميع الحالات هيتعدموا.. يعني هيموتوا
نظرت أفنان إليها بحزن ثم أومأت برأسها لكنها لم تستطع التخلص من ذلك الشعور الثقيل في صدرها مردده:
ياريت يكون اكده بجا هادي.. ونسي الانتجام والجتل وكل ال هو كان فيه دا... البنت واحشتني جوي يا زينه... انا كنت زي امها وبعتبرها بنتي والله.. يارب تكون كويسه
القت افنان كلماتها بحزن وبعد فتره من الوقت في القاهره ابضا أمام بوابة قصر الفخم توقفت سيارة سوداء ونزل منها وليد الذي عدل سترته الجلدية وهو يتجه نحو الداخل بخطوات ثابتة ودخل مباشرة إلى المكتب الواسع حيث كان إلياس يجلس على الأريكة الجلدية ممسكا بكأس المشروب دون أن يشربه ينظر إلى نقطة ما في الفراغ وكأنه يطارد ذكرى بعيدة فاردف وليد:
من زمان مجيناش عن القاهرة مش اكده.. في الاول كنا بنجي كل اسبوع تجريبا
رفع إلياس عينيه ببطء نحو وليد و زفر ببطء مرددا :
انا جاي علشانها.. يمكن الاجيها اهنيه مع اني معتقدش.. نفسي اعرف كل دا حوصل امتي.. انا حبيتها الحب دا كله امتي وازاي... انا جدرت ادمر اي حد وجف جصادي وهي الوحيده ال جدرت تدمرني يا وليد.. افنان انتصرت عليا
ابتسم وليد بسخرية وهو يسحب كرسيه ويجلس أمامه يتأمله مرددا:
اابعيد عن العين بعيد عن الجلب.. وعلشان هي بعدت بدون سابق انذار حوصل كل دا.. خصوصا ان ضميرك بيانبك.. انت استسلمت وضعفت جدامها ولمستها وهي مكنتش مرتك اصلا.. كل دا خلي نسيانها صعب
نظر الياس اليه بضيق ولم يرد فقط وضع الكأس على الطاولة ونهض متجها نحو النافذة يراقب أضواء المدينة التي لم تهدأ للحظة حتي ردد بهدوء:
وانت؟ زينة وحشتك صوح ؟! ليه حاسس دايما في عيونك الغضب منها اكتر من الحب مع اني عارف انك محبيتش حد غيرها
تنهد وليد بضيق مرددا:
علشان انا مكنتش استاهل منها كل دا
القي وليد وهو يخرج سيجارته وتابع :
أربع سنين وأنا بحاول أقنع نفسي إن الموضوع انتهى وانها خلاص مدام سابتني هي حره.. براحتها بس مجدرتش.. لا جدرت اهرب من حبي ليها ولا جدرت ابطل تفكير فيها.. ولا جدر اعمل اي حاجه غير اني اشتغل وبس مش عارف مين فينا دمر التاني بس زينه دمرتني اكتر
نظر إلياس إليه أخيرًا، وكأن كلماته أصابته في مقتل، لكنه لم يعلق فقط جلس على حافة المكتب مسندًا يديه إليه بصمت حتي فتح أحد الحراس الباب فجأة واردف بقلق:
يا فندم فيه مشكلة تانيه كبيرة في الأوتيل
قطب إلياس جبينه ونهض فورًا بينما سأله وليد بحدة:
مشكلة إي عاد.. اي حكايه مشاكل الاوتيل دي.. اي ال بيوحصل بالظبط
الحارس:
حريق في واحد من الأجنحة والعمال بيقولوا إنه مش مجرد حادث واضح إنه حد عمله عن قصد
نظر إلياس إلى وليد الذي نهض الأخير مستعدًا وهو يلتقط مفاتيح سيارته قائلاً:
يلا بسرعه.. خلينا نشوف اي ال بيوحصل بالظبط
القي وليد كلماته خرج الاثنان بسرعة من القصر وفي المساء في احدي الفنادق الكبيره وسط ضجيج الموظفين في الممر الطويل كانت أفنان تمسك بعربة خدمة الغرف تدفعها بصمت بينما عقلها مشغول منذ أن بدأت العمل هنا وهي تحاول إبقاء رأسها منخفضا تتجنب الأسئلة وتتأكد من أن لا أحد يلاحظها أكثر من اللازم وفي دفعت باب أحد المكاتب وهي تردد:
يا بيه.. كل حاجه جاهزه.. انا مش فاهمه ليه كل ال بيوحصل دا.. يعني مشكله حوصلت في الجناح احنا مالنا
نظر المدير اليها بضيق مرددا:
دي اجراءات لازم الكل يعملها.. اصلا اصحاب الفندق الجديد وصلوا.. صعايده زيك يمكن تكوني عارفاهم.. الياس بيه ووليد بيه و
لم ينتهي المدير من كلماته حتي وقع كل شئ بيد افنان التي تجمدت مكانها وتوقفت يدها عن الحركة وكأن الهواء من حولها أصبح أثقل مردده:
إلياس؟ إلياس اهنيه ؟
القت افنان كلماتها وفجأة دفعت العربة بعيدا عنها سحبت مريول العمل وألقته في أقرب زاوية ثم اندفعت إلى أحد المخارج الجانبية المؤدية إلى ساحة انتظار السيارات لم تلتفت خلفها حتي لم تستمع الي صراخ المدير الذي طلب من حراس الامن الامساك بها فورا لكن كاميرات المراقبة كانت تسجل كل شيء وبعد فتره في غرفة الأمن في الفندق وقف إلياس ووليد أمام شاشة المراقبة بجانب أحد موظفي الأمن يعيد تشغيل التسجيل الذي التقط لحظة هروب افنان مرددا'
بص يا بيه هي دي البنت ال كانت في الدور ده لحظة الحريق
ندر الياس بضيق وهو يحاول التركيز اكثر مرددا
وجف الفيديو اكده.. حاول تزضح وش البنت شويه.. مش ظاهر ليه
اوقف الحارس المشهد وهو يحاول تزضيح الوجه ولكن بدون جدوي فانتبه اليها وهي تركض من الخلف و شعرها الطويل المتناثر فـ التفت وليد إليه بقلق:
إلياس في إي عاد
كان يحدق الياس في الشاشه مرددا بضيق:
يلغوا الشرطي.. وشوفي مين البنت دي وامسكوها.. عايزها تبات في الحبس انهارده .. لازم تتحاسب وشوفوا اي حد ساعدها او كان معاها يتمسك.. اكيد البنت دي تبع حد من المنافسين لينا عايز يبوظ سمعه الاوتيل.. اصل احنا ناجصين حوارات
القي الياس كلماته وذهب هو ووليد وفي شقة افنان دفعت التي الباب بقوة خلفها ثم أسندت ظهرها إليه وهي تلهث بشدة ووضعت يدها على صدرها تحاول تهدئة أنفاسها المتلاحقة وصرخت:
زينه.. زينه
نظرت زينه التي كانت تضع بعض الطعام على الطاولة و التفتت إليها بسرعة عندما انتبهت لـ ملامحها الشاحبة وعينيها الممتلئتين بالذعر وهتفت:
اي يا أفنان؟! مالك.. انتي اي اا حوصلك كان فيه حد كان بيجري وراكي
حاولت افنان التقاط انفاسها مردده بذعر:
ألياس… زينة إلياس ووليد موجودين اهنيه
اتسعت عينا زينة بصدمة وهتفت:
اهنيه فين ؟ إنتي شوفتيهم.. هما فين يا افنان.. شوفتيهم فين
هتفت افنان بذعر مردده:
أنا كنت في الاوتيل... كنت شغالة زي كل يوم وفجأة سمعت اسمه… المدير جال إن إلياس ووليد هما اشتروا الفندق يا زينة... هما اصاحب المكان ال شغالة فيه دلوجتي... هنعمل اي.. ازاي ظهر فجأة اكده..لو عرف ان عنده بنت هياخدها مني..ومش هيسامحني اني مخبيه عليه طول السنين دي بس أنا مش هفضل مستنيه اكده … لازم نمشي لازم نسيب المكان ده فورا
زينه بتوتر:
يمكن ميعرفوش مكانا يا افنان و
لم تنهي زينه كلماتها حتي قاطعتها افنان وهي تصرخ بانفعال وتهز رأسها بقوة مردفه:
وإي يضمنلي!؟ أنا مش هطعد مستنية أشوفه هيعرف ولا لع! إنتِي عارفة لو عرف إني اهنيه هيعمل اي.. احنا لازم نمشي بأي طريجه هنجمع هدومنا ونمشي من اهنيه حالا… هنروح أي مكان تاني أي مكان بعيد عنهم
نظرت زينه اليها بدموع واردفت:
احنا هنفضل نهرب لحد إمتى يا افنان.. هنفضل نجري من مكان لمكان اكده لامتي
نظرت أفنان إليها بعجز و عيناها تلمعان بالدموع ثم همست بصوت مختنق:
لحد ما يجي اليوم ال يمسكونا فيه.. بس اكيد اليوم دا مش انهارده.. يلا يا زينه و
وفي تلك اللحظه رن جرس الباب فـ تجمدت أفنان مكانها وعيناها اتسعتا برعب و نظرت إلى زينة بصدمة:
الياس.. اكيد الياس
القت افنان كلماتها وهي تبخث بعيونها عن ابنتها ولكن الجرس رن مرة أخرى ثم تحول إلى طرق عنيف وصوت رجالي صارم جاء من خلف الباب مردفا:
افتحوا الباب شرطة و
وفي صباح اليوم التالي في قسم الشرطة كان يجلس إلياس ووليد في مكتب الضابط الذي طرق بأصابعه على سطح مكتبه وهو يردد بنبرة رسمية:
المتهمة في التحقيقات الأولية أنكرت علاقتها بالحريق لكن تصرفها وهروبها المريب بيأكد إن عندها حاجة تخبيها... عموما زي ما طلبتوا هنجيبها تشوفوها بنفسكم
أشار الظابط بيده إلى أحد العناصر بالخارج وبعد لحظات قليلة فُتح الباب ودخلت أفنان..... كانت خطواتها مترددة ووجهها شاحبا لكن رغم ذلك رفعت رأسها ببطء وكأنها تحاول استجماع شجاعتها أما إلياس فبمجرد أن وقعت عيناه عليها تجمد في مكانه وهو يحدق بها وكأن الزمن توقف للحظات واتسعت عيناه بذهول بدا صوته يخرج ضعيفا كأنه همسة بالكاد تُسمع مرددا بصدمه :
"أفنان؟!"