اسكريبت البدروم (كامل) بقلم عبدالرحمن دياب
بقالي فترة كُل مرة بفكر فيها أقرب من البدروم ماما كانت بتزعقلي، بتقولي "العو هيطلعلك". كبرت وبقى عندي ١٣ سنة ومفيش مرة واحدة من شهور نزلت المكان المُحرم ده لانه مقفول بمفتاح مع ماما بس.
الوضع في بيتنا غريب، بابا مسافر دولة خليجية وماما طول الوقت مشغولة بتقرأ كتب غريبة عرفت انها عن السحر. بدأت تتغير كده بقالها فترة والغريب أنها بليل بسمعها بتكلم حد في أوضتها ولما بفتح الباب بالراحة الاقيها نايمة ومفيش حد معاها.
بيتنا ورثناها عن جدي الله يرحمه، دور واحد بجنينة بسيطة الزرع اللي فيها مات من الإهمال، حيطانه قديمة، رمادية، فيها شقوق كتير لدرجة اني بخاف يقع علينا واحنا نايمين!
محدش بيزورنا، زي ما سمعت ماما بتقول إنها "مقطوعة من شجرة" وبابا ليه اخ واحد مسافر برضه، ومفيش لينا جيران غير واحدة اسمها صباح شكلها مخيف شوية، الكحل في عينها اسود تقيل، بتلبس عباية سودا، صوتها ناشف زي تعبيرات وشها وعلى رقبتها وشم ازرق غريب، وبتزورنا كل كذا يوم بتقعد مع ماما في الأوضة ساعة واحدة بالظبط وبعدها بتخرج من غير كلام أو سلام.
البدروم بقاله فترة بيطلع منه صوت غريب، كأن فيه حيوان مفترس، حاجة بتخبط، صوت انين ووجع بسمعه ساعات بليل ولما اقرب من باب البدروم مش بسمع حاجة. سألت ماما عن الصوت كذا مرة بس ردها كان مستفز "متركزش، دي تهيؤات"!
بابا وحشني، بقالي سنة مش بسمع صوته بس ماما بتقول أنه بيوصل ليا سلامه وحضنه، بس انا نفسي اشوفه، ويمكن ده اللي خلاني يتهيألي اني سمعت صوته جاي من اوضة ماما!
وقتها اتسمرت، كان هو صوته، بيقول لماما "ليه"؟! وماما بترد بعياط أنه وحشها! جريت على اوضتها وحاولت افتحها بس كانت مقفولة بالمفتاح، خبطت جامد، وناديت "بابا" لقيت الصوت وقف وحد بيزعق فيا بصوت مخيف، قاسي "ابعد دلوقتي"!
وقفت مكاني، عايز اعيط، بابا جوا وماما مش عايزاني اشوفه! بعدت خطوتين عن الباب لقيته بيفتح. كانت ماما ووراها صباح اللي بصيتلي بغيظ غريب ومشيت، وماما مسكت أيدي بعصبية وزعقت "مش قولتلك بلاش تقاطعني وانا مع طنط صباح"؟! رديت وانا بعيط "سمعت صوت بابا"! لقيت عينها دمعت وحضنت راسي دقائق وبعدها دخلت الأوضة تاني.
بعدها بيومين رجعت من الشارع سمعت صوت بابا! كان هو المرة دي! واقف في الصالة قدام ماما بيتكلم واول ما شافني بصلي بصة باردة! مجريش عليا زي ما اتخيلت أنه هيعمل لما يرجع من السفر، بس انا ممسكتش نفسي وجريت عليه حضنته. "وحشتني اوي اوي يا بابا، مكنتش بتكلمني ليه وتتصل، مش عايزك تسافر تاني" الكلمات خرجت مني زي الرصاص وقابلها بتعبيرات وش غريبة، مفيش حب، مش واضح الاشتياق، بصيت لماما لقيتها محرجة، واضح ان في حاجة غلط. قالتلي وهي بتشد أيدي وتحضني "بابا راجع تعبان خليه يريح شوية"!
دخلت اوضتي وانا عمال ابص على بابا اللي واقف بشكل غريب، بيبص حواليه، بيدقق في ايده كأنه اول مرة يشوفها!
الليلة دي كانت صعبة عليا جدا، نايم لوحدي رغم اني كنت مستنيه يرجع بفارغ الصبر، دموعي في عيني محرجة تنزل، مصدومة زي مشاعري، مسحت شعري وحطيت المخدة على راسي وحاولت انام يمكن الصبح بابا يبقى طبيعي، وقبل ما ادخل في النوم سمعت صوت حاجة بتتوجع في البدروم. صوت واضح، حد بيستغيث، قومت بسرعة وروحت لباب البدروم لقيت ماما بتفتح وخارجه منه!
"في حد تحت يا ماما"؟! سألتها لقيتها بتقولي بابتسامة متضربة "لا خالص، انت نسيت أن في عو هنا ولا ايه"؟!
حاولت اضحك بس معرفتش، حاسس ان في حاجة غلط. "بابا نايم"؟ سألتها لقيتها بتحضن راسي وبتزقني على اوضتي برفق بس شديد: "بابا سافر يومين بس يودي امانة لاصحابه وراجع تاني". اتصدمت، بصيت ليها وانا مش مستوعب. "من غير ما يقولي حتى"! ردت "مش هيتأخر، وعد".
طبعا رجعت نمت وانا بعيط ومش عارف ازاي حلمت اني في مكان مقفول وضلمة، قدامي كذا حد شبه بابا، وماما ماسكة كتاب جلدته قديمة وبتقول كلام غريب وكل نسخ بابا بتتهز كأنها بتتكهرب لحد ما دخلت صباح المكان وقالتلها "خليهم يرجعوا"!
قمت من النوم مفزوع، وصوت بابا في ودني بيصرخ كأنه بيتعذب، جريت على ماما وسمعت صوتها بتكلم صباح جوا وبتقولها "راجع متغير"، وصباح بترد عليها "يبقى انتي قولتي كلمات غلط". مفهمتش، قربت ودني اكتر علشان اسمع، ماما بتقول "انا ضحيت بخمسة لحد دلوقتي علشان ارجعه، والبوليس قالب الدنيا" وصباح بترد "كل حاجة ليها تمن يا اختي، وتمن رجوعه دم وانتي عارفة"!
جسمي منمل، عقلي اتشل، مش مستوعب حاجة من اللي بسمعها. ماما بتقول "لازم يرجع يا صباح مهما كان التمن، هنفذ تاني التجربة النهاردة على حد جديد يمكن استدعي الروح اللي صح وهو اللي يرجع مش حد تاني".
سكتت فجأة وصوت صباح بقى واطي "المهم انتي عاملة ايه"؟!
قبل ما استوعب لقيت الباب بيتفتح وماما مسكاني من كتفي وبتصرخ فيا "سمعت إيه"؟!
بدأت أصرخ واحاول ابعد عنها بس هي كتفتني جامد وجت صباح من جنبي وحطت حاجة على أنفي والدنيا ضلمت فجأة!
...............
مش فاكر أي حاجة غير أن ده اللي حصل، فوقت لقيت نفسي في البدروم، وبقالي شهر كل يوم ماما بتنزل ليا اكل وبتكون شايلة شوال في جثة حد وبعدها بتخليني اساعدها في طقوس غريبة علشان نرجع بابا ونخليه في الجسم ده بس كل مرة نلاقيه شخص مختلف ومش هو. الغريب اني حفظت الطقوس دي كلها والموضوع بالنسبة ليا مبقاش مخيف، بس لاحظت حاجة، إن الطقوس لازم تتعمل على شخص هو الاقرب للميت اللي عايزين نحضره، وكمان لازم تكون الكلمات مقلوبة لأننا عايزين نعمل انعكاس للروح داخل الجسد مش مجرد استحواذ.. كده عرفت هعمل ايه.
......
دلوقتي بابا رجع، يمكن مش مستوعب اني قدرت بسني الصغير ده ارجعه بس اكيد مع الوقت هيفهم انا ضحيت بايه علشان يرجعلي، المهم انه يبطل يسأل عن ماما لاني تعبت من كتر الحجج اللي بقولها واللي بتساعدني فيها صباح اللي خليتها تعلمني فنون كتير عن السحر مقابل اني اكشف لها سر نجاحي!
#تمت
#بتوقيت_الظلام
#عبدالرحمن_دياب
لمتابعة باقي الرواية زوروا قناتنا على التليجرام من هنا