رواية شقة البخاري الفصل العشرون 20 والاخير بقلم اسماعيل موسي
#شقة_البخارى
الاخيره
٢٠
ممتاز — سأكمل لك السرد بهذا الشكل، بنفس الروح والبناء المتصاعد للغموض، دون أي إشارة صريحة للكيان، فقط حياة يومية عادية ولقاء مباغت بالبخاري يكشف الحقيقة في جملة واحدة تفتح الباب لفصل أكثر رعبًا.
هيا بنا:
مرت السنوات، ولم تعد شقة البخاري سوى ذكرى بعيدة في ذهن سماح.
انتقلت مع أحمد إلى شقة صغيرة في حي هادئ، لا شيء فيها من بقايا الماضي سوى كتاب قديم بجلد داكن يقبع في درج المكتب، لم تجرؤ يومًا على فتحه.
كان أحمد زوجًا هادئًا، يبتسم كثيرًا، يصحو مبكرًا، يقرأ الصحف، ويعد لها فطورها المفضل — توست بالعسل الأبيض، وكوب شاي بحليب.
لم يختلف شيء، أو هكذا خُيّل لها.
سماح عاشت حياة أقرب للرتابة. زيارات عائلية، عطلات سريعة، حديث عن أسماء الأطفال، عن البيت الجديد الذي يحلمان به يومًا.
وكان أحمد، زوجها، محبًا، صبورًا، يتجنب الغضب، يقرأ كثيرًا، ولا يرفع صوته أبدًا.
وفي بعض الليالي — حين تصحو مفزوعة من حلمٍ عن غرف مغلقة، وسقف مائل، ورقم ٩٩ — كان أحمد يربت على يدها ويهمس:
"ده حلم يا سماح… كله راح خلاص."
فتنام مطمئنة.
---
في أحد أيام الخريف، خرجت سماح من مكتبة قديمة في شارع جانبي وسط البلد، تحمل بين ذراعيها روايتين وأجندة صغيرة.
وحين عبرت الطريق، اصطدمت برجل قصير، بدلة قديمة واسعة، ووجه نحيل شاحب تعرفه.
كان البخاري.
وقف أمامها، وعيناه — عيناه فقط — ما زالت كما هي… بنفس الغموض، بنفس الرهبة.
تجمدت سماح، وتاه صوتها.
قال البخاري بصوت متعب: "أنقذتك يومها… كنت فاكرة مش هتشوفيني تاني."
شهقت: "إنت… لسه عايش؟"
ابتسم بخفوت: "لسه… ولسه البيت هناك… ولسه جواك."
ارتجفت يداها، وهمّت بالابتعاد، لكنه أمسك طرف معطفها.
همس: "سماح… اللي في البيت… اللي نايم جنبك… مش أحمد."
تجمدت الدنيا حولها.
حاولت النطق، لكنه أكمل: "أنا عارف، وهو عارف… وانتِ هتعرفي إمتى؟
لما تحطي المفتاح مكانه."
ثم ابتعد في الزحام، جسده يذوب بين العابرين.
سماح بقيت واقفة، قلبها يخبط في صدرها، ويدها تشد على الأجندة.
رفعت عينيها — فلم تجد أثرًا للرجل.
لم تعرف من أين جاءت ريح خفيفة في هذا اليوم الهادئ، تحرك شعرها، وتجلب معها… رائحة الغرفة القديمة.
أدركت، في لحظة واحدة، أن ما دفن هناك… لم يُدفن.
وأن الباب الذي أُغلق… كان بابًا آخر.
---
سماح لم تنم تلك الليلة.
ظلت عيناها مفتوحتين في الظلام، تحدق في ملامح أحمد الغافية بجانبها.
كان نفس الوجه… نفس النفس المنتظم… نفس حركة اليد حين يضعها أسفل الوسادة.
لكن كلمات البخاري كانت تدق رأسها كمسامير حادة: "اللي نايم جنبك… مش أحمد."
في الصباح، قررت أن تختبره.
خططت للأمر بدقة —
وضعت في درج المكتب السفلي ورقة قديمة كانت تحتفظ بها منذ زمن، مكتوبة بخط أحمد، فيها جملة لا يعرفها سواهما.
ثم أخفت في درج آخر ورقة أخرى، مشابهة في الشكل لكنها بخط آخر.
جعلت الأمر يبدو عفويًا: "أحمد، ممكن تجيبلي الورقة اللي مكتوب فيها 'صوت المطر عمره ما بيكذب' من الدرج؟
هي صفحة قديمة… تفتكرها؟ كتبتهالي من سنتين."
رفع أحمد حاجبه بابتسامة: "آه… لسه معاك دي؟"
مشى للمكتب، فتح الدرج… توقفت سماح تتنفس ببطء.
لو كان كيانًا غريبًا… لن يعرف الورقة، ولن يعرف الجملة.
سمعته يُقلب الأوراق، ثم يناديها: "هي دي؟"
رفع الورقة الصحيحة… بنفس الجملة… بنفس الخط.
جاء نحوها، ابتسم: "ما صدقتيش؟"
ضحكت سماح بخفوت، وشعرت بشيء ثقيل يُنتزع من صدرها: "معلش… كنت بدوّر عليها وافتكرتك نسيتها."
مرّت اللحظة، وبدا أحمد طبيعيًا كعادته.
غسل الأطباق بعد الإفطار، ثم جلس يقرأ كتابًا، وبين لحظة وأخرى، يرفع عينيه نحوها ويبتسم.
سماح جلست على الأريكة، تحملق في وجهه طويلاً.
تذكرت كلماته لها ليلة الكابوس:
"أنا هنا… وعمري ما هسيبك."
في المساء —
حين حلّت العتمة، وأحمد يروي لها قصة طريفة عن زميل له في العمل، أدركت أن البخاري إما كاذب، أو فقد عقله.
كيف يعقل أن يكون هذا الرجل… شيء آخر؟
حركاته… نظراته… تفاصيله الصغيرة.
كلها أحمد.
همست لنفسها قبل أن تنام:
"أنا تعبت… وخلاص. هبطل أصدق الهلاوس."
ودفنت قصة البخاري في ركن بعيد داخل عقلها
ظلت الغرفه مغلقه وبين الحين والأخر كان يخرج منها صوت روح معذبه تطلق آنين خافت
انتهت
شقه البخارى
تمت