رواية ارناط الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم حور طه
«البارت 25 من روايه ارنــاط»
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرجل المقنع يمسك بورقة فيها الشفرة التي أعطتها ليلى. ينظر لأحد الرجال بجانبه، الذي يومئ برأسه بعد التحقق
الرجل ببرود:
ــ اتأكدنا... الشفرة صح
انتي دلوقتي حرة
روحي، الحقي صاحبتك وابنك قبل ما يمــ ــوتوا
يفك قيودها. ليلى تنهض بجنون
تركض للصندوق الزجاجي
تضــــ ــــربه بيديها، تصـ ـرخ وهي تشوف الميه وصلت لمنتصف وجه عالية. عالية بتحاول ترفع شادي فوق الميه أنفاسها متقطعة
ليلى تصـ ــرخ:
ــ مش عارفة اخرجكم!
مش عارفة!!
فجأة الباب يتفتح بقوة
وأرمان يدخل مذهول من المنظر
ليلى تصــ ـرخ:
ــ أرمان... أرمان!
أنقذهم!! عالية مش قادرة تتنفس!
أرمان يتحرك بسرعة، يلقط قضيب حديدي
يبدأ يضـ ــرب الصندوق بجنون
أرمان وهو يضـ ــرب:
ــ ابعدي يا ليلى!
ضــ ـربة... ضــ ـربة تانية...
الزجاج يتشقق، ثم ينفجـ ــر
الميه تندفع، وعالية تنهار على الأرض شايلة شادي. ليلى تجري ليهم، تاخد شادي وتهزه بخوف.
ليلى:
ــ شادي!
عالية فوقي!
أرمان يركع جنب عالية، يقلبها على بطنها
يضــ ـربها على ظهرها، وبعدين يضغط على صدرها
أرمان يلهث:
ــ فوقي... فوقي يا عالية...
لحظة صمت... ثم عالية تسعل بشدة
تتنفس، تفتح عينيها. تنهيدة ارتياح تعم المكان.
أرمان بابتسامة متعبة:
ــ هي كويسة... ما تخافيش.
ليلى تمسك إيد عالية ودموعها تنزل، بهمس مكسور:
ــ أنا آسفة... آسفة يا عالية.
عالية بصوت ضعيف:
ــ شادي... كويس؟
ليلى تبكي:
ــ آه... كويس. إنتي حميتيه...
أرمان يساعد عالية تقعد:
ــ إنتي كويسة؟
تحبي نروح مستشفى نطمن عليكي؟
عالية بصعوبة:
ــ لا... أنا بخير...
أرمان ينظر حوالينه بقلق:
ــ لازم نمشي... المكان ده مش آمن.
ليلى وعالية يبصوا لبعض بخوف واستغراب
أرمان يلاحظ:
ــ بتبصوا لي كده ليه؟ بقولكم المكان مش آمن!
ليلى وهي تحضن شادي:
ــ في هولندا... كنت بهرب منك
كنت عايز تقتـ ــلني.
ودلوقتي... ساعدتنا ليه؟
أرمان يهرب عينه منها، صوته منخفض:
ــ عارف إني أذيتك... وظلمتك.
وعارف إنك مش هتصدقيني.
ثم يمد لها مفتاح
ــ في عربية بره... خديها وامشوا
ليلى واقفة، تبصله، تاخد المفتاح...
ثم تمده له تاني:
ــ يلا نمشي...
كنت عارفة إن صديق عمري مستحيل يتحول لعدوي.
أرمان يبتسم، دمعة تنزل من عينه
يمشوا سوا يركبوا العربية
في الطريق
ليلى:
عرفت مكانا إزاي، يا أرمان؟
أرمان وعينه عالطريق:
ــ بقالي فترة براقب سحر...
ولما رجالتها خطفوكم من المول، فضلت وراهم
لحد ما جابوكم على المكان ده واستنيت لما مشيوا... ودخلت أخرجكم
عالية تنام من التعب، وتهدأ السيارة
ليلى بصوت منخفض:
ــ صدقت... إني كنت ضحية زيك
أرمان:
ـــ أنا صدقتك.
سحر حاولت تقتـ ــلني.
ولما تاخد اللي عايزاه،منك ... هتخلص عليكي.
ليلى:
ــ هي فعلا خدت اللي عايزاه... البحث بقى معاها
أرمان:
ــ أنا متأكد؟
لو خدت كل حاجة، كانت خلصت عليكي من زمان
ليلى بقلق:
ــ أرمان... أرناط عايش.
أرمان يرمقها بنظرة صادمة، لكنها ما تشوفها:
ــ عارف يا ليلى...
أرناط هو السبب اللي سحر عايزة تخلص عليكي عشانه
ليلى بهمس:
انا سألتها عليه... قالت ما تعرفوش
أرمان بصوت متهكم:
ــ وإنتي صدقتيها؟
سحر... مجنونة بحب أرناط.
ممكن تدوس على العالم كله علشانه...
السيارة تكمل طريقها وسط الظلام، صوت الموتور منخفض والقلق في عيون ليلى ما بيهدأ...بهمس:
ــ يعني... كل اللي حصل... كل اللي عملته فيا...
كان علشان أرناط؟
أرمان بمرارة:
ــ أيوه.
أرناط ما مـ ــاتش، زي ما الكل افتكر.
هو اختفى... وسحر هي الوحيدة اللي كانت تعرف إنه لسه حي.
ليلى بصوت مهزوز، وعينيها بتلمع بالدموع:
ــ بس ليه؟ ليه أنا؟!
ليه كل ده بيحصللي؟!
أرمان بنبرة حاسمة وفيها قلق:
ــ علشان سحر مقتنعة إنك المفتاح لمشروع البحث...
بس طول ما هي سايباكي عايشة، يبقى لسه في حاجة تانية هي عايزاها منك.
بس إيه هي بالظبط... أنا مش قادر أعرف دلوقتي.
ليلى بصوت متعب:
ــ رجعني البيت، لو سمحت...
أنا خلاص، دماغي مش قادرة تستوعب حاجة تاني. عايزة أنام، أرتاح..
أرمان بعناد وبصوت قاطع:
ــ لا طبعا، مش هينفع.
سحر أكيد عارفة عنوان بيتك
وده أول مكان هتبعت رجالتها عليه
انتي لازم تفضلي في مكان محدش يوصلك فيه...
إنتي في خطـ ـر حقيقي يا ليلي
ليلى بصوت متوتر:
ــ بس أنا ما ينفعش ما أرجعش!
جدي ورائد أكيد دلوقتي قلقانين علينا
أنا حتى مش عارفة هبرر غيابي إزاي
طول اليوم!
أرمان بجدية، وعينيه ما بتفارق الطريق:
ــ ليلى...
محور كلامنا دلوقتي هو حياتك، مش تبرير!
ما تستهينيش باللي بيحصل.
اختاري أي حجة...
بس ما ترجعيش البيت دلوقتي
ليلى بصوت منخفض ومرتعش:
ــ أنا تعبت...
تعبت من الهروب، ومن المطاردة
ومن كل الألغاز اللي ماليه حياتي.
حاسة إني مش بعيش...
بس بتنقل من خوف لخوف
وكأني قطعة شطرنج
حد بيحركني زي ما هو عايز
وأنا ما ليش أي إرادة...
وانت...
بتطلب مني أصدقك؟ أرجع أثق فيك؟
وأنا حتى فقدت الثقة في نفسي!
أرمان بتنهيدة، ونظرة حزينة:
ــ أنا فاهمك،يا ليلى...
عارف كل لحظة خوف ووجع حسيتي بيها.
وعارف إن ثقتك فيا اتكســ ـرت...
بس برضو مصدق إنك أقوى من كل ده.
انتي لوحدك، مش هتقدري تواجهي سحر...
بس أنا وانتي، سوا، نقدر نرجع كل اللي اتاخد مننا...
ونرد على كل اللي ظلمونا.
لحظة صمت تقيلة، بس فيها شيء بيتغير...
نظرة ليلى له مختلفة. لسه موجوعة
لكن جواها في نبضة صغيرة من الأمل
ليلى تخرج هاتفها بتردد
تنظر إلى أرمان ثم تتنحى جانبا وتتصل بجدها
اكمل يرد بسرعة، وصوته مليان قلق:
ــ ليلى! كنت هتجنن عليكي! فينكم؟ ليه تليفونك مقفول؟!
ليلى تحاول تخفي ارتباكها وتتكلم بهدوء:
ــ أنا آسفة يا جدو...
حصلت حاجة صغيرة
بس دلوقتي كله تمام....
اكمل صوته يرتفع:
إيه اللي حصل؟ انتي كويسة؟ عالية كويسة،وشادي؟!
ليلى تتنفس ببطء:
ــ شادي تعب فجأة واحنا في المول،سخن، واتشنج
واخذناه المستشفى
اكمل بتوتر:
ــ إزاي؟! طب أنا جاي حالا... ابعتيلنا العنوان
ليلى تقاطعه بلطف وحزم:
ــ لأ، مفيش داعي تيجي يا جدو... الدكتور قال إنه كويس بس احتياطا حب يحجزه الليلة يطمن عليه أكتر.
أنا معاه، وعالية كمان جنبي...
اكمل ما زال قلق:
ــ بس يا بنتي إزاي مافيش داعي؟انا بعتبر شادي حفيدي ،لازم أبقى جنبه!
ليلى بصوت مطمئن:
ــ عارفة، وعارفة قد إيه بتحبه، بس وجودنا إحنا حواليه كفاية دلوقتي.
هو نايم... ولو حصل أي حاجة، أول حد هكلمه هو انت ياجدو، أوعدك
اكمل بتنهيدة:
ــ طيب... طيب، بس خلي بالك من نفسك ومنه... ولو احتجتي أي حاجة، في أي وقت، كلمني فورا.
ليلى بصوت دافي:
ــ حاضر ...هعمل كده يا جدو...
اكمل بصوت مكسور فيه حنان:
ــ خلي بالك من نفسك
ليلى تغلق الخط، تتنفس بعمق ثم تعود ناحية أرمان وعلى وجهها نظرة مترددة، ما بين الراحة والقلق مما هو قادم؟!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في صباح اليوم التالي، داخل المصحة...
يدخل راهب بخطوات هادئة وابتسامة صغيرة على وجهه، يطرق الباب ويفتحه بهدوء:
ــ حضرتك الدكتور أكمل أصلان؟...
رائف قالي إنك طلبتني؟
يرفع أكمل عينه من الورق، ينهض
يمد يده يصافحه بابتسامة خفيفة:
ــ أيوه...
اتفضل اقعد، كنت عايز أسألك شوية أسئلة
يمكن يبانوا غريبين بالنسبالك...
بس جاوبني، وأنا هفهمك كل حاجة
يجلس راهب ببطء، حاجباه مقطبان باستغراب:
ــ قلقتني... في إيه؟
أكمل بهدوء مدروس:
ــ اسم والدتك إيه؟
يتأمل راهب وجهه للحظات
يحاول يفهم المغزى من السؤال، ثم يرد بتردد:
ــ ناهد عبدالكريم...
أكمل يهز رأسه بتأكيد، نبرته تزداد ثقة:
ــ هي،مختفية... صح؟
راهب ينظر له بعيون متسعة، نبرة صوته تهتز:
ــ صح... من سبع سنين بالضبط
أكمل يفتح درج مكتبه، يسحب ملف ويحطه قدام راهب، يفتح على صورة ويقربها منه:
ــ أنا كده اتأكدت من معلوماتي... دي صورتها، صح؟
راهب ينتفض واقف، عيونه بتترج بتوتر، ياخد الملف بإيد مرتعشة، يثبت عينه على الصورة:
ــ أمي... أمي فعلا..
فينها؟ هي هنا؟!
أكمل يربت على كتفه:
ــ أيوه، ناهد... هي الست اللي اتبرعت لها بالـ ـدم من فترة، من غير ما تعرف
راهب بحماس ودموعه مش بتقف:
ــ أرجوك... خدني ليها، أنا لازم أشوفها!
أكمل يقوم من مكانه، يلمح حزن عميق في عين راهب، لكنه بيخبي قلقه:
ــ تعال معايا...
يخرجا سويا من المكتب، يسيرا في ممر طويل الجدران صامته لكن خطوات راهب مليانة نبض ولهفة. يقف أكمل أمام باب أبيض باهت اللون، يشير إليه بهدوء:
ــ والدتك جوا الأوضة دي.
يتنحى أكمل جانبا، يترك المساحة لراهب اللي بيقترب من الباب وكأن قلبه هيوقف. يمد إيده على المقبض، أنفاسه متقطعة. يفتحه... لكن الغرفة... فـــــاضية!
راهب بصدمة وخوف:
ــ هي فين؟!!
فين أمي؟!
أكمل يدخل بخطوتين، يتلفت بسرعة
نبرة صوته مرتبكة:
ــ مستحيل... هي عمرها ما خرجت من هنا!
فجأة... صوت إشعار على موبايل راهب. يطل عليه. يفتح الرسالة. يقرأ بصوت مرتجف:
ــ لسه وقت اللقاء... ما جاش!
يسود الصمت للحظات
فقط صوت أنفاس راهب المتلاحقة
أكمل مازال واقف مذهول
ينظر للغرفة الفارغة كأنها خدعته هو كمان
أكمل بصوت خافت:
ــ في حد سبقنا... وكانه عارف اني وصلت للحقيقه
راهب يرفع عينه نحوه، بنظرة يائسة:
ــ يعني إيه؟... كانت هنا واختفت؟
ليه؟! ليه الوقت دا بالذات؟!
اول مره احس اني قربت لها
أكمل يطالع الممر، كأن حد بيراقبهم من بعيد
ثم يعود بنظره لراهب:
ــ اللي بعتلك الرسالة دي... بيلعب معانا شطرنج
وأمك... هي الورقة اللي في نص الرقعة
ينظر راهب للملف اللي في إيده
دموعه بتنزل بصمت، ثم يهمس:
ــ أنا مش هسيبها تاني...
حتى لو اضطريت أواجه الشيطان بنفسه
راهب، عيونه مليانة
إصرار ولهيب ما بين الحنين والانتقام
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في فيلا العراف - ليلا
يجلس عبدالحميد أمام بروازين
أحدهما لناهد زوجته، والآخر لشمس ابنته
عينيه مليانة ندم، دموعه تنزل في صمت ثقيل...
عبدالحميد بهمس مكســ ـور:
سامحوني...بس حتى لو انتو سامحتوني
ربنا مش هيسامحني...
اللي عملته فيكم... مايتغفرش...
ينزل صورة شمس من على الطاولة
يطالعها كأنه بيشوفها لأول مرة، صوته يرتجف:
ــ انتي اتأذيتي مني كتير...
ماكنتش ليكي أب... كنت وحش، خسيس، طمعت فيكي...
ولما معرفتش آخدك لنفسي... قتــ ـلتك... علشان
ماتفضــ ـــحينيش...
خلف الباب، تقف شهد. كانت جايه تمشي بإيديها على الحيط تدور على والدها، لكن وقفت لما سمعت كلامه. عقلها رافض يصدق، قلبها بينهار
عبدالحميد بصوت مكســ ـور:
ــ أنا حبيتك... بس مش كأب... كنت بشوفك ملكي... وده ذنب مايتغفرش...
شهد تتراجع بخطوتين، صدمة في كل حركة منها. بتخبط بإيدها في الباب، يعمل صوت
عبدالحميد يلتفت، يشوفها، يتجمد مكانه:
ــ شهد... انتي سمعتي،اي ؟!
شهد ترفع إيدها، تصـ ــرخ:
ماتلمسنيش! خليك بعيد عني!
ماتقربش مني!!
تصـــ ـرخ، تكرر الجملة وهي بترتجف
عبدالحميد يقترب منها!؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ