رواية جبروت في قلب صعيدي الفصل السادس 6 بقلم نور الشامي
الفصل السادس
جبروت في قلب صعيدي
كان الدخان لا يزال يتصاعد من خلفه وآثار الحريق تلتهم جدران الغرفة التي كانت منذ لحظات تغزل خيوط التصالح بين قلبين متكسرين حتي خرج أسد مسرعا يحمل سحابة بين ذراعيه و ملابسه ممزقة ويده تنزف من شدة الجرح ووجهه محمر من لسعات اللهب ووضعها برفق على الأرض وسط العائلة التي تجمعت من حوله ووجوههم مذعورة وفيما جلس بجانبها يربت على وجهها بلهفة وصوته يرتجف مرددا:
سحابة... فوجي يا حبيبتي بالله عليكي... فوجي.... سحابه فتحي عيونك
كانت سحابه عيناها مغمضتين وملامحها شاحبة وكأن الحياة تسللت منها بهدوء وراح يناديها بجنون وكل ثانية تمر كانت كأنها الدهر ثم فجأة...ارتعشت أجفانها وفتحت عينيها ببطء تائهة النظرات تلتقط أنفاسها بصعوبة ورددت:
أسد... اسد انت كويس
تهللت ملامحه وانحنى فوقها يحتضنها بقوة كأنها عادت إليه من الموت ودموعه تساقطت على شعرها وهو يهمس بصوت مختنق:
الحمد لله... أنتي كويسه انا كنت هموت لو حوصلك حاجه والله
اقترب فهد منه وقد لاحظ النزيف في يده ووجهه المتوهج بحرارة الدخان فقال بقلق شديد:
اسد... إيدك مجروحة جامد... ووشك كله أحمر شكلك تعبان جوي، لازم تروح المستشفى حالا
رفعت سحابة رأسها بصعوبة ومدت يدها تمسك بيده الأخرى ونظرت إليه بقلق واضح:
اه فعلا... إنت تعبان... روح المستشفى بالله عليك أنا كويسة والله أهو مفيش حاجه والله العظيم.. انا كويسه
وقبل أن تكمل كلماتها ترنح جسد أسد فجأة وانطفأت ملامح وجهه وانهار أمامهم ليسقط على الأرض دون وعي فصرخت العائله واقترب فهد مرددا بفزع؛
أسد... أسد.. جووم.. هاتوا الحكيم بسرعه يلا
تسارعت الخطوات وتعالت الأصوات وارتبكت الوجوه فيما تجمعت حوله الأيدي المرتجفة تحاول إفاقته عبثا والخوف يضرب في الأعماق بلا رحمة...وفي صباح اليوم التالي كانت سحابة تجلس بجانب السرير تتأمل ملامح أسد المنهكة وقد غلبه النوم تحت تأثير الأدوية والمهدئات ويدها لم تفارقه وعيناها تتابعان تنفسه المنتظم كأنها تتأكد في كل لحظة من أنه ما زال حيا وما زال معها.... كان الهدوء يلف الغرفة حتى انفتح الباب فجأة ودخلت جهاد بخطى غاضبة ونظرة مشتعلة في عينيها و وقفت أمام سحابة بحده:
جومي من اهنيه وامشي... كل ال حوصل دا سببه انتي لو مكنتيش في حياته مكنش تعب ولا حوصله اكده نهائي
رفعت سحابة رأسها ببطء ونظرت إليها بثبات لا يخلو من المرارة ثم ردت بنبرة هادئة :
على فكره دا جوزي زي ما هو جوزك... ويمكن أنا أولى بيه كمان... فـ بلاش تخترعيلي حوارات بجا علشان انا مش ناجصاكي ولا فاضيه للكلام الفارغ بتاعك دا..
قطبت جهاد جبينها واقتربت منها أكثر وارتجف صوتها وهي ترد بانفعال:
لا والله بجد.....اسد من يوم ما رجع الصعيد وهو مشافش يوم راحة بسببك... قلبتي حياته نار وهم ومشاكل... إنتي مجبتيش ليه غير التعب والهم والحزم... إمشي من اهنيه وسيبيه يرتاح
نهضت سحابة من مكانها بهدوء وعدلت من غطاء السرير حول أسد ثم التفتت إلى جهاد ورفعت رأسها بكبرياء وقالت:
انا نازله أعمله واكل... وهطلع تاني لأن محدش من حقه يبعدني عن جوزي... ولا يمنعني أكون جمبه ولو ملتزمتيش حدودك... ساعتها هتعامل معاكي بطريجه مش هتعجبك خالص.. علشان انا مش ناويه اسكت لحد بعد اكده
انهت سحابه كلماتها ومرت بجانبها بخطوات ثابتة وفتحت باب الغرفة وخرجت دون أن تلتفت فيما وقفت جهاد مكانها مشتعلة بالحقد والغيرة وأعينها تتبعها حتى غابت عن ناظريها وفجأه فتح اسد عينيه بتعب فتقدمت جهاد بخطواتها المرتجفة نحو السرير وعيناها تفيض بالقلق واللهفة وجلست بجانبه ثم مدت يديها ببطء تلمس وجهه المحترق بلسعات الدخان ورددت بارتباك:
كنت خايفه عليك جوي يا أسد... جلبي كان هيوجف وأنا شايفاك اكده جدامي... انت ماعرفش انا حوصل فيا اي والله.. بس الحمد لله انها جات علي اكده
لم يرد اسد بل نظر إليها نظرة ثابتة وسألها بنبرة مباشرة:
سحابة... هي كويسه... هي فين وعامله اي
تجمدت ابتسامتها للحظة ثم رددت بنبرة يغلبها الضيق:
هي كويسه... متخافش عليها اكده المهم إنت... إنت ال كنت بين الحياة والموت... أنا ال كنت جمبك طول الليل علي فكره محدش غيري فضل جمبك
ثم اندفعت فجأة تحيطه بذراعيها وتحتضنه بلهفة وكأنها تريد استرجاعه منها... لكن أسد ابتعد عنها بعنف ونظر إليها نظرة صارمة مردفا:
انتي ال عملتي الحريقه دي صوح ..انتي ال عملتي اكده يا جهاد
اتسعت عيناها وانسحب جسدها للوراء وهي تهز رأسها بنفي مرتبك:
لع.. لع طبعا... إنت بتجول إي.... إزاي تفكر اكده.. انا مستحيل اعمل حاجه زي دي
لكن أسد لم يقتنع ونهض من على الفراش رغم ألمه وأمسك يديها بعصبية وضغط عليها بقوة وكأنه يحاول إخراج الحقيقة من صمتها مرددا:
انا أكتر واحد عارفك... وعارف الشر ال مالي جلبك... وانتي بس ال تجدري تعملي حاجه زي دي... الحقد ال فيكي عامي عيونك
جهاد بتوتر:
مجدرتش أشوفك وانت بتلمسها... مجدرتش أستحمل... أنا مرتك يا أسد... ازاي تلمس واحده غيري؟! ازاي تنام جمبها... انا مجدرتش اشوفك معاها.. انت عارف كويس جوي انا بحبك ازاي
وفجأة... صفعها أسد بقوة على وجهها.. صفعة دوت في الغرفة وأوقفت الزمن للحظة ثم صاح بوجهها بنبرة غضب لم تعهدها منه من قبل وصرخ:
انتي كنتي هتموتيني... فاهمه.... بسبب غيرتك العميا.. بسبب الهوس ال مالي جلبك.... أنا كنت هموت... وهي كانت هتموت.. سحابه مرتي.. ولو كان حوصلها حاجه جسما بالله العظيم كنت جتلتك وما كنت رحمتك دجيجه واحده
تنفست جهاد بصعوبة ووضعت يدها على خدها المحمر وانهارت دموعها بلا توقف لكن أسد لم يرف له جفن وتابع بصرامة:
اسمعيني كويس... لو غلطتي تاني غلطة زي دي.. هطلجك من غير ما أفكر... ولازم تتقبلي إن سحابة مرتي... ومش هسيبها ومش هتخلصي منها... فاهمه علشان انا هحميها... فـ اوعي تتعدي حدودك بعد اكده يا جهاد
ثم أشار نحو الباب وأمرها بحدة:
اطلعي برا الأوضه دلوجتي... ومترجعيش غير لما تبجي عارفه حدودك.. يلا
خرجت جهاد من الغرفة منهارة تجر أقدامها وهي تمسح دموعها، بينما وقف أسد يتنفس بحدة متكئا على حافة السرير وعيناه معلقتان بباب الغرفة... منتظرا عودة من يستحق قلبه حقا وفي المساء عند ريم كانت تجلس في بيتها بضيق تنظر الي جهاز اللاب توب الخاص بها حتي اقترب منها احظي الحراي مرددا:
يا هانم.. فيه واحد بره عايز يشوف حضرتك
لم تمضي سوى لحظات قليلة ليطل أسد وفهد وملامحهما مشدودة ونظراتهما حادة، وكأنهما جاءا يحسمان معركة معلقة منذ زمن فـ رفعت ريم نظرها بذهول وتراجعت خطوة إلى الوراء وهي تهمس بدهشة:
غريبة... أنا دايما ال باجي من غير ميعاد... إي ال غير القاعدة النهارده
اقترب منها أسد بخطوات ثابتة وردد بنبرة باردة:
حبيت أفاجئك المرادي... يمكن أسبقك بخطوة... وكمان علشان نتكلم وننهي بجا كل ال بيوحصل دا
رفعت حاجبها بتحدي وقالت وهي تعقد ذراعيها:
طيب يا ترى المفاجأة دي هدفها إي؟ عايز مني إي تاني
رمقها أسد بنظرة طويلة قبل أن يرد بحدة:
أنا ال جاي أسألك... إنتي عايزة إي بالضبط يا ريم
سادت لحظة صمت ثقيل ثم رفعت ريم عينيها إليه وقالت بصوت واضح يشوبه نغمة من الألم:
أنا عايزة بتار جوزي... ال مات يوم فرحي... ومات جدامي من غير ما أعرف ليه ل
اقترب منها أسد خطوة أخرى ونظر في عينيها مباشرة وقال بجمود:
انا جدامك أهو... خديه مني لو ده هيريحك
هزت ريم رأسها نافية وابتسامة باهتة ترتسم على شفتيها:
لع.. مش اكده... أنا عايزاه بطريقه تانيه
تدخل فهد وهو يرمقها بارتياب:
طريجه إي دي ال إنتي عايزاها
نظرت إليه ثم أعادت عينيها نحو أسد وابتسمت تلك الابتسامة التي يعرفها جيدا... الابتسامة التي تسبق العاصفة مردده:
جواز
تجمدت ملامح أسد لوهلة بينما ظل فهد يحدق فيها كأنها تفوهت بكارثة، لكنها واصلت بثبات:
أسد اتجوزني... وبعدها بفترة بسيطة طلجني وسافر... وسابني .. دلوجتي أنا عايزة الجواز ده يتم تاني... بس المرة دي بطريجه مختلفه
انعقد حاجبا أسد واقترب خطوة عينيه تضيقان ببطء وكأنهما تبحثان عن المعنى خلف كلماتها وقال بنبرة ثقيلة:
مختلفه ازاي..... انتي جصدك اي يعني
تعلقت عيناه بعينيها لكن ريم لم ترد فقط ظلت تبتسم وفي مساء يوم جديد ساد الهدوء أرجاء البيت واختلط صوت المعالق بصوت النفس المكتوم على مائدة العشاء و جلس أسد في مكانه المعتاد إلا أن ملامحه كانت تنبض بضيق مكتوم وعيناه شاردتان في صمت ثقيل فـ راقبته والدته بعين أم لا تخطئ تغير ملامح ابنها ثم اقتربت منه قليلا وقالت:
مالك يا يا أسد؟ وشك مش مريحني خالص اكده ليه عاد
رفع اسد عينيه إليها وأجاب بصوت خافت:
مفيش يا حجه .. كله تمام الحمد لله
وقبل أن يكتمل حوار الأم وابنها ارتفعت نبرة جهاد من الجهة المقابلة بابتسامة تحمل فرحا مصطنعا وقالت وهي تنهض من مكانها:
أنا عندي خبر حلو... حلو جوي كمان
التفت الجميع نحوها بدهشة وصمت ثقيل خيم على المكان حتى تقدمت بخطى واثقة نحو أسد ثم وضعت ذراعيها حول عنقه وهمست وهي تنظر للكل:
أنا حامل
اتسعت العيون وانسحبت الألوان من الوجوه وتوقفت اللحظة عن الدوران حتي سقطت الملعقة من يد سحابة وارتطم صوتها على الطبق كأنه كسر الصمت في قلب المكان وهمت سحابة بالوقوف لكن يد أسد امتدت تلقائيا تمسك يدها وكأنه يحاول منع قلبها من السقوط قبل جسدها وفي تلك اللحظة رفعت جهاد حاجبيها وقالت بنبرة استغراب:
هو مفيش حد هيباركلي ولا إي هاد.. كانكم مش مبسوطين
ثم عادت لتحضن أسد مرة أخرى محاولة تثبيت مشهدها أمام سحابة التي كانت تمسح دموعها خلسة بأنامل مرتجفة وفجأة...
دوى صوت الباب وهو يفتح بعنف والتفتت الرؤوس في آن واحد لترى ريم تدخل بخطوات قوية ونظرات تتوهج بتحدي غير مألوف فـ نهضت ملك من مكانها ورددت بحده:
إنتي اي ال جابك اهنيه
ابتسمت ريم بتعجرف ثم وجهت أنظارها نحو أسد وفهد وقالت بنبرة تحمل لغزا غامضا:
جايه بيت جوزي... ولا إي يا حبيبي..انا عارفه اني اتاخرت بس كنت بحضر حاجتي كلها
انطلقت الصدمة في عيون الجميع كشرارة وتعلقت الأنظار ما بين أسد وفهد ولم ينطق احدهم بكلمه حتي اقتربت ريم وفجأه و
توقعاتكم ورايكم وتفاعل ويا تري اي ال حصل وريم هتعمل اي وهل سحابه هترجع علاقتها كويسه باسد ولا لا وجهاد حامل بجد ولا دي خطه منها وهل اسد ممكن يتسامح علي كل ال عمله ولا لا