رواية فتيات القصر الفصل الرابع والثلاثون 34 بقلم اسماعيل موسي


 رواية فتيات القصر الفصل الرابع والثلاثون 34 بقلم اسماعيل موسي



   #فتيات_القصر


           ٣٤


قبل الاخيره 


في مساءٍ بارد، مع هبوط الضباب الكثيف على حدائق القصر، أمر السيد كبير خدمه جيفري — وهو العجوز الذي لا ينطق إلا حين يُؤمر — أن يحضر الزجاجة ذات الختم الأسود من جناح السيد الخاص، كانت تحمل مزيجًا لم تُسجله كتب العطور قط.

عطر أثيري خاص.

تركيبة أعدها السيد بنفسه — مستخلصًا فيها من تجارب راما ما أراد، ثم أضاف نغماتٍ لم تتقنها هي يومًا ولا تعرف عنها شيئآ 

زهور سيلفا نوار — تلك التي تنمو قرب آبار الجير في الريف الإنجليزي ولا تزهر إلا ليلة خسوف القمر.

ورحيق فيلافيوم الرمادية، زهرة غير مسجلة في أي مخطوطة، ذات عبير يعلو فوق الترياقات.

ثم خلاصة طحلب الليل الأجوف — طحلب ينمو على جدران أقبية الكنائس المهجورة، رائحته تحجب العقل عن تمييز الدخان من البخار.


في سكون الليل، حين غفت راما فوق سريرها  وأخذت القطة مورين تنكمش بجانبها، أمر السيد لارينا ومرافقها جيفري أن يرشّا ذلك العطر — قطرة قطرة — على أطراف الستائر، خلف المرايا، فوق مقابض الأبواب، وفي حواف دفاترها الجلدية.

ثم نُثِر منه في مدخل معملها، وخُلط بقطرات خفية في زيت مصباحها الكحولي.


**


لم تدرك راما شيئًا.

في البداية، بدا لها أن الهواء صار أثقل، والضوء على صفحات دفاترها أقل نقاء.

ثم شعرت بيقظة مبالغ فيها… كأن حواسها تتنبّه بلا سبب.


في الليلة التالية — عجزت عن التركيز.

الأبخرة بدت كثيفة أكثر من اللازم، والعطور التي صنعتها بنفسها بدت بلا نكهة، كأنها تاهت في هواءٍ مشبع بشيء أعمق.

لم تنجح ترياقاتها المعتادة.

فقد كان العطر الأثيري الذي نشره السيد مصممًا بطريقة شيطانية…

يخترق فجوات الترياق لا بالقوة، بل بالنعومة المفرطة.

يمر خلسةً مع تنفسها، ومع البخار، مع رائحة الورق القديم، مع لهب الشمعة.

حتى إنها في لحظة ما — لم تعرف إن كانت تستنشق شيئًا أم تتذكر.


وبدأ شيء فيها يتهاوى، ثقلٌ لذيذ في الأطراف.

سكونٌ غير مفسّر في الرغبة.

دوّنت:

"الغرفة كأنها أصبحت مسطحة… كل الأصوات بعيدة… كل الروائح بلا طعم… شيء ما يسكن الهواء."


وما كان إلا السيد، من شرفته، يراقب الضوء الخافت خلف نوافذ معملها.


ابتسم.

لأن راما — العطرية العنيدة — باتت الآن تتنفس عبيره الخاص.


دون أن تدري.


وبات دفاعها الأثيري… مجرد وهم شفاف.


**


في الصباح التالي — لم تفتح راما دفترها.

ولم تحمِ معصمها بترياق.


بل ظلت طوال اليوم تنظر إلى زجاجة زرقاء على الرف…

تشعر أن بها شيئًا… لكنها عاجزة عن الإمساك به.


وكأن إرادتها، مثل بقية الخدم،عقدت ولاءها في الخفاء… لرجلٍ واحد.

"


لم تكن راما دي فلور من النساء اللواتي يَخضعن.

بل كانت تشتهر بين أروقة القصر وحدائق الزهراء بأنها ذات مزاج حاد، وعناد بارد لا يذوب حتى في لهب المصابيح.


لكن لم تعلم أن الرجل الذي يقف خلف نافذته، بنظرات ثابتة وسيجارة نصف مشتعلة بين أنامله، قد أعد لها هزيمة لا تشبه ما عرفت، لقد قرر ان يخضعها بنفس طريقتها. 


في الأيام التالية — صار كل شيء من حولها يذوب.

رائحتها لم تعد رائحتها.

كتبها، دفاترها، أوراقها… حتى البخور الذي تحرقه عند المساء — لم يعد لها سلطان عليه.


كانت تتشبث بالقنينة الزرقاء على الرف، تقلبها بين يديها، كأنها تبحث عن تلك الشرارة المفقودة.

لكنها — دون أن تدري — صارت تتنفس عبير السيد، ذاك العبق الخفي الذي زرعه في هواء غرفتها وأركان معملها… واختلط بأنفاسها.


**


ثم جاء المساء الذي غيّر كل شيء.


استُدعيت راما إلى صالة القصر الكبرى — وعلى غير العادة، بلسان لارينا كبيرة الخدم لا بلسان السيد.






كان السيد يجلس هناك، في المقعد الجلدي العميق بجوار المدفأة.

سيجارته تشتعل بهدوء، وعيناه لا ترفعان عنها إلا حين دخلت.


لم يتكلم 

بل أشار بيده إيماءة واحدة.

فجاءت لارينا تحمل زجاجة ضبابية جديدة.

قطرات من عطر السيد الخاص… عبيره الخفي الذي لا يُشم بل يُدرك.


ثم قال بصوته الهادئ:

"قربي معصمك يا راما."


**


لبرهة — ترددت.

رفعت ذقنها عاليًا كعادتها.

وفي عينيها تلك النظرة الجامحة، المتمردة.


لكنها لم تعلم أن يدها قد امتدت بالفعل…

أن خطواتها اقتربت رغمًا عنها.


**


حين لامست القطرة معصمها، ارتجف جلدها كأنما أدرك الذاكرة القديمة المنسية ،لم يكن العطر رائحة.

كان نبضًا هادئًا…

يوغل في شرايينها، يهدئ مقاومتها، يربك عنادها.


أرادت أن تتكلم.

أن تقول شيئًا — أي شيء.


لكن السيد رفع يده.

"يكفي."


جلست حيث أشار لها — ليس كضيفة، ولا كند.

بل كما تجلس الخدم.

تنتظر الأمر.

وحين التقت عيناهما…

رأت فيهما لا سخرية ولا انتقام.

بل شيء أخطر:

يقين السيطرة.


مرّت تلك الليلة، ولم ترفع راما صوتها.

لم تعترض على شيء.

وحين عادت إلى غرفتها ،سقطت على مقعدها الخشبي.

وضعت رأسها بين راحتها ،تشمّ هواءها المشبع بعبيره، وتعلم أنها ،خسرت الجولة.

لم تنكسر تمامًا. ،لكنه الانكسار الأول.

الشروخ التي يعرفها السيد جيدًا


فلاش باك — 


في جامعة بلاكثورن الملكية للفنون الغامضة، حيث كان علم العطور يُدرَّس جنبًا إلى جنب مع الكيمياء القديمة وفن التسميم الإيحائي، كانت القاعات تعج بأبناء النبلاء وأرامل التجار. فتيات بأثواب من حرير الساتان وأبناء دوقات بأزرار عاجية.


وسط هذا الحشد، لم تكن راما سوى فتاة بسيطة بملابس باهتة، تخفي يديها خلف ظهرها وتنتحي الصفوف الأخيرة. لا أحد يتوقع من ابنة خياطة فقيرة شيئًا في قاعة يعبق فيها بخور العنبر وعبير الورد الطائفي.


لكنها كانت تسمع ما وراء الكلمات.


في محاضرة الأستاذ لورانس هيوستن عن أثر الزيوت الطيّارة في تحوير الحالة النفسية، سأله أحد الطلاب عن الرائحة التي تُفرغ النفس من الرجاء.

أجاب الجميع: زهرة اللوتس الأسود، المسك المُعتّق… إلا راما.


رفعت يدها بثبات، نظرت إليه بعين ثابتة، وقالت:

"إنها ليست زهرة، بل مزيج من زهرتين لم يجتمعا قط: زهر الـ"مارثيلا" الليلي وبتلة من زهرة الـ"سيلفينس" التي لا تنمو إلا على مقابر البحارة."


ساد الصمت.

نظر الأستاذ لورانس، وابتسم.

ومنذ تلك اللحظة… بدأت القصص تُحكى.


نبوغٌ في الظلال


في ليالٍ طويلة داخل معمل الكلية العلوي، حيث لا تدخل الخادمات ولا يتجرأ الطلبة إلا برفقة أستاذ، كانت راما تعمل وحدها.

تقطر زيوت أبخرة الميرمية السوداء، وتجفف بتلات زهرة إلثين المخملية على نار الفحم الأبيض.

حتى المعيدون لاحظوا: الفتاة تعرف شيئًا لا يُدرّس.

وصل الأمر إلى السيد إدوارد دى فلور نفسه.

عبر رسالة خاصة حملها مساعد السيد الشخصي إلى مكتب عميد الكلية:

> "راقبوا هذه الفتاة… قد احتاجها ."


---






تحذير لارينا


في غرفة مكتب السيد العتيقة، بجدرانها المزخرفة بزخارف إيطالية قاتمة، تقدمت لارينا — كبيرة خدم القصر — بخطا محسوبة.


قالت:

"سيدي… هذه الفتاة ليست كما تبدو."


ثم مدت إليه سجل الخدم القديم.

ورقة باهتة… اسم ممزق بحبر سال فوق اسمه:

"نورا… أخت راما دي فلور"


خادمة سابقة أحبت السيد واخطأت معه 

ثم انتحرت شنقًا بحبل الستائر المخملية في غرفة الحديقة الغربية.

قالت لارينا:

"إنها أختها يا سيدي… جاءت تنتقم."


لكن السيد ابتسم ببرود:

"جميل. ليتني أرى من يملك الجرأة أن يقترب."

لم يكن السيد مستعد لخسارة منافس متوقع حتى لو من أجل ذريعة قتل، كان حبه للعطور يفوق كل شيء حتى نفسه 


منذ تلك الليلة… سارت التسهيلات.

تم قبول طلب راما بالتدرب مؤقتًا في الحديقة الخلفية للقصر.

ثم سمح لراما بإنشاء معمل مصغر "للأبحاث العطرية 

داخل غرفتها ،غاض الطرف عنها 

والأبواب تفتحت واحدة تلو الأخرى.


كان يراقب من بعيد.

يريد أن يرى إلى أي مدى ستصل تلك الفتاه الحالمه 


**


خاتمة الفلاش باك


لم تعلم راما يوم وطئت القصر أن كل شيء قد رُتب من قبل…

أن كل وردة دستها في قنينة…

وكل ترياق صاغتة كان بتصريح مبطن من السيد.

هو من حرّك المسارات، ومنحها الأدوات، وشق لها الطريق فقط ليرى إن كانت تملك الجرأة أن ترفَع عطرها في وجهه

فمنذ ان أصبحت شابه وتخصصت فى علم العطور وكان لديها حلم واحد الأنتقام لاختها من السيد لذلك عندما وصل إليها اعلان الوظيفه فى قصر ادوارد دى فلور  لم تتردد ولو لحظه واحده، قدمت أوراقها وتم قبولها

كان كل واحد منهم، راما والسيد يبحث عن شيء وتلاقت طرقهم معآ.

        

        الفصل الخامس والثلاثون من هنا 

لمتابعة باقي الرواية زوروا قناتنا على التليجرام من هنا     

تعليقات
تطبيق روايات
حمل تطبيق روايات من هنا



×