رواية نوح الباشا الفصل الثاني عشر 12 بقلم ندا الشرقاوي
#الفصل_الثاني_عشر
#نوح_الباشا
-نـــزلــتــي لـــيــه ....يا مووج انطقي واي سبب خوفك من عمتك اول مره اشوفك كده
-........
-انطقي يا موج
هتفت بكل ما تحمله من برود
-مفيش يا نوح
تحركت بعيد عنه ،هو مازال يقف مكانه ،استدار لها وامسكها بإحكام من يدها و رد بعصبية
-موج أنتِ لحد دلوقتي مشوفتيش غضبي ،تلاشي غضبي يا موج ،علشان ساعتها هتزعلي ،خليكِ في الحنية وبس
كانت تُحاول فك يدها من قبضة يده القوية وهى تُتمتم
-أنت مالك يا نوح ،سبني في حالي بقا ،روح شوف شغلك وحياتك متعملش نفسك خايف عليا
ترك معصمها بدهشة من حديثها ، وهى انشغلت في تدليك معصمها من قبضتهُ هتف وهو يطالعها بصدمة
-معملش نفسي خايف عليكِ؟؟؟أنتِ بتقولي اي ،أنتِ اتجننتي ولا اي ؟
-لا متجننتش ،لكن خلاص بقا سبني في حالي ،اقولك تعال نطلق وخلاص كُل واحد يروح لحاله
ابتعد عنها وهو يستمع إلى حديثها الذي يشعلل غضبه
اغمض عينه وهو يُحاول تهدئة نفسه قبل أن يثور عليها وتحرك إلى الباب وقال
-هسيبك دلوقتي ،علشان لو جيت نحيتك صدقيني يا موج غضبي يحرقك ويحرقني
ولم تستمع إلا إلى صوت الباب وهو يغلقه بقوه ،جلست أرضًا وهى لا تعلم لماذا فعلت هكذا ؟تثير غضبه لماذا ؟ليس له دخل يريد فقط أن تكون مطمئنّه ،كُل شئ مُشوش بداخلها
في الأسفل دلف إلى غرفة مكتبة ،يحاول ضبط أنفاسه قبل أن يصعد إليها مره اخره ويُحطم رأسها على ما تفوهت به،جلس وهو يُفكر ماذا يفعل ثم بعد حين تذكر ذالك اليوم المشئوم
"عودة للماضي"
-ما تنطق يا روح أمك ،احنا هـ نتحايل عليك ولا ايه !؟
كان ذلك حديث نوح إلى يقف أمام شاب في بداية الثلاثينات ،الدماء تسيل من انفه أثر ضربة نوح له ،جرح في جبهته ،الكدمات تظهر عليه كا لوحة فنية يُرسمها صاحبها بكُل مزاج .
-والله يا باشا معرفش حاجة كُل اللي اعرفه ،أن وحده ست أدتني صورة بنت وقالتلي أخبطها بس كده،لكن هي مين ؟واشمعنا البنت ؟والله العظيم ما اعرف
اقترب نوح وهو يقبض عليه من تلابيب ثوبه الذي لم يتبقى منه إلا قليل ،كثير من القطع .
رفع يده حتى يلكمه مرةً أخرى ،لكن أمسك مُعتصم يده وهتف
-كفاية يا نوح ،الولا هيموت في ايك سيبه أو سلمه ،هو معندوش معلومات تانية خلاص خد علقة مخدهاش حمار في مطلع
تركهُ نوح وهو يزفر بتعب وعصبية ،جلس على المقعد وهو يقول
-بُص ياض أنتَ،أنا ولا بلطجي ولا قطاع طرق ،بس أعرف اجيب حقي،يعني مش خواجه،هسيبك تطلع من هنا واحمد ربك ،وبوس ايدك وش وضهر أنها عايشة ،غير كده كان زمانك ،في متر في متر و الدبان الأزرق ميعرفش لجثتك طريق ،عرفت إنك عندك عيال عاوز تربيهم ،بلاش تبقى تربيتهم بفلوس حرام ،علشان هتقعد تزرع تزرع وتسقي بحرام متفكرش إنك في الأخر هـ تحصد حلال ،لا هـ تحصد حرام ،خرجه يا معتصم ،وطبعًا هو عارف لو اتكلم هيحصل اي ،يا رقبته يا رقبته برده .
بعد قليل دخل مُعتصم وهو ينظر إلى حال صديقه الذي تغير كثيرًا
-وبعدين يا نوح !؟طب ليه مشيته ؟وبعدين ليه مقصرتش المسافات وجبت عمتها وعرفت منها إلي أنت عاوزه
شبك أصابعه يده في بعضها ووضعها خلف رأسه وهو يأخذ نفس عميق ثم تنهد قائلًا
-معرفش ،صدقني معرفش حابب أعرف كُل حاجة منها يا مُعتصم ،أنا مش عارف أيه اللي حصلي ،حالي اتشقلب فجأه ،بدأت اندم إني نزلت مصر ،حاسس إني ببرظ حياتها في نفس الوقت حبتها والله ،وبرده حابب أعرف كُل حاجة منها وبراحه
أشفق على حاله وما وصل له ورتب على منكبيه ،ثم شعر بالخجل مما سيقول ،رد بتوتر
-نـــوح ...هو أنت.....يعني قربت منها!!!؟
نظر إليه نوح سريعًا وهو يقول
-لا واللهِ ،مقربتش منها غير حضن وبوسه على رأسها وبس ،أنا مش ندل للدرجة يا معتصم إني اقرب منها ،اه مراتي وبموافقتها بس مقدرش اخدها كده ،لما تفوق وتتأكد انها بتحبني وعاوزه تكمل معايا ،غير كده هرجع سويسرا مقدرش اقعد هنا تاني .
"عودة للحاضر "
فاق على صوت فتح الباب دون طرقه علم أنها كان يعطيها ظهره وينظر إلى الزجاج الذي يظهر منه الحديقة الواسعة ،أغمض عينه بتعب مما يحدث معه ،يعلم انها سوف تعتذر وهو سوف يقبل الأعتذار وهكذا تنتهي الأمور.
اقتربت وهى تحاول إخراج صوتها
-نــــوح
استدار لها ووجهُ خالي من اي تعبيرات ،يرسم الشدة والحزم على ملامه ،تاهت في ملامحه ،غاضب،وجهه مصبوغ باللون الأحمر لكن هيئته جبارة ،خصلات شعره الكثيفه التي تعشقها عندما يضع رأسه على فخذيها وتقوم بتدليك شعره ،شفتاه التي تهبط على وجنتها تشعُر بالحراره والمشاعر ،عينه التي لا ترى فيها غير الحنو .
كان ينظر إليها وهو يعلم انها تحدق به ،هتف بكُل برود
-حضرتك هتفضلي تبصلي كده وخلاص ،خير يا مدام !؟ في كلام تاني جاية تقوليله ؟ولا حابه ارن على المأذون
وقفت امامه كالمُذنبه ،تشعر بالخجل من حديثها معه تمتم سريعًا
-نوح ممكن متزعلش مني ،أنا بجد اسفه
-اسفه دي لما تدوسي على رجلي ،لما توقعي عليا فنجان قهوه ،مش تدوسي على قلبي يا مدام
-نوح ،أنا مَكونتش أقصد ،بس أنا كُنت متلغبطه من اللي حصل هناك وكمان لما روحنا عند اهلك أنا بجد حاسه بلغبطه في كُل حاجه ،حاسه إني كُنت حاجه وبقيت حاجه
أخذ نفس عميقًا قلبه لا يُريد أن يقسى عليها ،لكن ماذا يفعل ؟
-خلاص يا موج ،حصل خير تقدري تتفضلي علشان عندي شُغل
-لا لا شُغل ايه بس أنت هتيجي تقعد تكملي الحكاية وقفنا عند بتاع الدهب
كانت تتحدث وهى يمسك كفه وتسير بإتجاه الأريكة لطيفة الملمس ،جلست ومازلت تمسك بكفه وهو واقف ينظر إليها بصمت ،نظرت إليه بمعنى "اجلس "
جلس بجانبها وهو يقول
-خير ؟
عبثت وهى تقول
-لا لا وش البرود دا مش لايق عليك لو سمحت ارجع نوح ...نوحــي أنا
عقد حاجبه وهو يستمع لهذه الكلمه للمره الاولى "نوحــي أنا"،لكن لم يُعقب حتى لا تشعر بالخجل
-طب ارجعي ورا كده حبه علشان اخد راحتي شويه
فعلت ما قاله ،وهو اقترب وضع راسه على ساقها ،وضع هي يدها على خصلاته ،لكنه هتف بتحذير
-هحكي لكن أنتِ كمان هتحكي ،اتفقنا ولا اقوم؟
-لا لا احكي وأنا هحكي
-حاضر هحكي بُصي يا ستِ لما خرجت من عند بتاع الدهب بعد ما دلني على مكان الشغل
"عودة للماضي "
ركب نوح عربة مخصَّصة لنقل المواشي متجهة إلى الفيوم، وكانت تضجّ بأصوات الناس ورائحة القشّ والغبار،جلس في زاوية قريبة من مؤخرة العربة، يضم حقيبته الصغيرة إلى صدره كأنها أثمن ما يملك.
ألقى بنظره على الوجوه من حوله،فلاح يرتدي جلبابًا باهت اللون، امرأة مسنّة تشدّ إلى صدرها قفّة مملوءة بما تيسّر،وأطفال يتشاجرون على كسرة خبز،كانت العربة تهتزّ مع كل حفرة في الطريق الترابي، والريح تدفع بالغبار إلى الداخل ،كان ينظر إليهم وإلى نفسه بدهشة كانهم في أحد الأفلام الذي يُشاهدها
وفي تلك الفوضى، كان نوح يشعر بالغربة، غير أنّ في قلبه بصيصاً من نور،يؤمن به ،كانت ثقة بانه سوف يصل هى من تقوده وليست قدميه ،قال في نفسه
{الفيوم ليست بعيدة... لعلّها تكون بداية جديدة. لعلّي أجد هناك ما ابحث عنه أو طرف خيط جديد لأبدأ منه}
بعد قليل كانت العربة تقف أمام مزوعة المواشي ،نزل نوح وأقترب من أحد الأفراد الذين يقفون على الباب الكبير ،وهتف
-السلام عليكم،أنا نوح
قاطعه الرجل وهو يقول
-اهلا نوح من طرف عم عبدالله بتاع الدهب
أجابه نوح سريعًا
-اه أنا نوح
اوما له الرجل وصار ونوح بجانبه حتى وقف في أخر المزرعة وهو يقول
-بص بقا يا عم نوح ،عاوزين همتك مع الرجاله هتشيلوا كل شكاير العلف دي تنقلوها جوه ،وهنشوفلك سكن مع الرجاله ،هم معانا بقا
ألقى نوحُ الحقيبة على كتفه إحكامًا، ثم شدّ سيرها كأنّه يثبت قلبه معها،كانت الشمس تعلو ببطء، تلمع على سنابل بعيدة وتصبغ الغبار بلونٍ ذهبيّ خفيف ،في الحظيرة، ترصت الشِّكائر كجدارٍ خشن، وارتفع من المكان مزيجُ رائحة القشّ وحبوب الذرة المجروشة.
تقدّم نوح، وضع كفّيه تحت أول شوال، جرّه باندفاعةٍ حذرة، ثم رفعه إلى كتفه،غاص القماش الخشن في رقبته، فشدّ على أسنانه واتّخذ خطوة ثابتة،كانت الأقدام تُحدث صوتًا على الأرض المبلّلة قريبًا من الساقية، والرجال يتناوبون الصعود والنزول كنبضٍ واحد.
بعد انتهاء اليوم ،كان نوح يشعر بالإرهاق والتعب ،وجد نفسه يجلس في غرفه بها فراش حديد مثل فراش الزنزانه ،حمام صغير للغايه ،فرش رديئ،وفوق هذا سوف يقاسمه شخص في هذه الغرفة لكنه في أجازه
وقف أمام المراه ونظر إلى ملامح وجهه الباهته فهى لم ينعم بفراش للنوم منذ ليلتين ،خلع عنه كنزته ولم ظهره بانامله شعر بالالم ،استدار قليلًا ليرى بعض الخدوش على ظهره ،جلس أرضاً وانفجر في البكاء على حاله .
"عودة للحاضر "
كان يسرد عليها ما حدث معه بالتفصيل ،كانت تنظر إليه وهى تشعُر بالالم على ما حدث معه ؟وكم عانى في حياته
من يرى هيئته ،يظن انه رجل أعمال منذ النشأ،وأنه ولد في فاه معلقة من ذهب وليس أنه بدا من تحت الصفر .
عم الصمت عليهم وهو ينظر إلى عينها ومازال يضع راسه على ساقيها ،وهى تلاعب خصلاته ،ابتسم لها ابتسامه باهته وهو يظن انه جرحه قد غلق،لكن فتح اليوم ونزف .
تنهّد بعُمق وأغلق جفونه ،ثواني وشعر بأناملها تسير على وجهه وتوقف على لحيته الخفيفه ،تمتمت بهدوء
-نــــوح.....أنت كويس؟؟
فتح عينه ببطء ورفع يده يمسك كفاها يقربه من فاه ليقبلها بحنو
-أنا كويس ،ماتقلقيش
حاول تغير الحديث حتى يُغير الجو
-يلا الدور عليكِ ،أحكيلي
-حاضر يا نوح ،هحكيلك
لكن قاطعهم طرق الباب ،اعتدل نوح في جلسته وسمح لها بالدخول،كانت كريمة مساعدة المنزل
-نوح بيه في حد بره بيسأل على حضرتك
رد عليها نوح بغرابة ،لأول مره يأتي زائر لمنزله
-مين يا كريمة
-معرفش والله ،دا باين عليه اجنبي عمال يرطم بالانجليزي ،مفهمتش منه غير مستر نوح مستر نوح
قهقت موج على حديث كريمة وحمدت ربها أن جاء هذا الشخص حتى ينقذها من الحديث ،استمعت نوح يقول لها
-هقوم أشوف مين على الباب
ثم استطرد بحذر
-ارجع تكوني مكانك سامعه
خرج نوح من المكتب وهو يهندم ملابسه وخصلاته التي افسدتها له صغيرته ،وقف أمام الباب ،وجد شخص يقف يعطيه ظهره
-اتفضل يا فندم ،نوح الباشا
التفت له الشخص وعلى وجهه ابتسامه خبيثه وهتف
-كيفك عـــزيـــزي نـــوح
-...............
.....................
في أحد المناطق الشعبية
كانت تجلس سيدة كهِلة ،لكن الخُبث والمكر يظهران عليها،مثل علامة الصلاة ،تَقول بكُل غل
-ملقتهاش بنت ال*^*
صاح بها ابنها بصوت عالٍ وقال
-يعني اي ملقتهاش،وبعد ما خبطها راحت فين ،أنا قولت هتمو*ت بعد الحادثه دي ،لا وكمان ساعة ما شوفتيها اختفت،عاملة زي عفريت العلبة في ثانية متلقهاش،بس هترجع مسيرها هترجع
-هترجع لأزم ترجع ......….
يتبع...
#نوح_الباشا
#الفصل_الثاني_عشر
#ندا_الشرقاوي