رواية بنات ورد (كاملة جميع الفصول) بقلم رشا عبدالعزيز

رواية بنات ورد (كاملة جميع الفصول) بقلم رشا عبدالعزيز

 رواية بنات ورد (كاملة جميع الفصول) بقلم رشا عبدالعزيز


❣️بنات ورد ❣️ 1


في أحدى ليالي الربيع ومع نسمات الهواء الباردة كانت ضحكات تلك الصغيرة ذات الاثنى عشر عامًا تعلو تكسر صمت الشارع الذي تمر به مع والدها تمشى معه متشابكين الأيدي تقص عليه بفخر تفوقها الدراسي وعلاماتها العالية ويثني هو عليها بكلماته الجميلة التي تنبع من قلب أب حنون


-برافو يا مشمش ، عاوزك تكوني دايمًا كده شاطرة ومتفوقة عشان لما تكبري تكوني احلى دكتورة بابا يرفع راسه بيها


لتهز له رأسها مؤكدة على كلامه


-ايوه يابابا هكون دكتورة واساعد الفقراء زي ماعلمتني


قرص وجنتها وقال يشجعها


-حبيبتي الشطورة لما نوصل السوبر ماركت اشتري أي حاجة انت عاوزها هدية الدرجات العالية


نظرت له تتسائل


-بجد يا بابا ؟


-بجد يا روح بابا


لتقفز عدة مرات فرحًا وهي تقول :


-حبيبي يا بابا


ثم توقفت تتذكر شيئًا لتضغط على يد والدها التي تحتضن يدها


-هتشتري كمان لندى وهدى؟


-أكيد


لتزم شفتيها باستياء متذمرة


-بس هما ما اخذوش درجات كبيرة زيي


توقف يستدير نحوها يجعلها تقف امامه ثم نزل لمستواها وقال بحزم :


-ندى وهدى أخواتك وانا لازم زي ما اشتريلك اشتريلهم


اخفضت عينها بحزن  ليمد يده يرفع ذقنها ويقول مبتسمًا


-بس انت يا حبيبتي هتكون هديتك أغلى شوية عشان الدرجات الحلوة دى


لترتسم ابتسامة كبيرة على وجهها وتتعلق بعنقه تحتضنه بقوة وهي تردد


-أنا بحبك اوي يا بابا


قبل وجنتيها وهو يقول:


-وانا بموت فيكِ يا دكتورة






عاد يستقيم واقفًا ويمد لها يده يفرقع أصابعه في دعوة منه لكي تمسك بيده ، مدت يدها تشابك أصابعها بأصابعه بسرعة وقالت :


-يلا نجيب طلبات ماما ونشتري الهدايا

سارا مبتهجين حتى وصلا المتجر وابتاعا مايحتاجان من احتياجات المنزل ، اتجهو إلى محل الألعاب القريب من المكان


لتختار لعبة ادوات الطبيب واختار والدها لعبتين لشقيقاتها


وخرجا يضحكان بعد أن مازحها وهو يطلب منها ان لا تخبر شقيقتيها أن سعر لعبتها أغلى 

لكن والدها فجاه توقف وهو ينظر باتجاه معين ليفلت الأكياس التي يحملها وتتناثر محتوياتها في الشارع

 

ويركض بتجاه ذلك الطفل الذي افلت يد والدته يحاول اجتياز الشارع بتجاه  بائع البالونات دون ان ينتبه للسيارة التي تتجه نحوه

لحظات فقط ولم تسمع سوى صرير إطارات السيارة بعد أن  احتكّت بأرضية الشارع بعد ان توقفت بشكل مفاجأ


والناس تتجمهر حول جسد والدها المسجى على الأرض اتسعت عينها وعقلها الصغير لايستوعب ما يحدث

تجمدت مكانها ودموعها تنهمر تنادي عليه


-بابا …بابا …تعالى يا بابا أنا خايفة


انتبه لها صاحب متجر الألعاب الذي خرج توًا بعد أن سمع صوت السيارة ، ركض نحوها يسألها


-هو بابا فين ؟


احتضنت لعبتها بقوة وجسدها يرتعش تشير له بعينها الباكية نحو مكان الحادث وهي تردد


-أنا عاوزة بابا …بابا…


اشفق عليها الرجل ليربت على كتفها وهو يقول :


-ماتخافيش تعالي


امسك يدها يقودها نحو مكان والدها عله لايزال على قيد الحياة


أبعد الناس المتجمعة يشق طريق له ولها لكنه توقف فجأة يلوم نفسه فالمنظر لم يكن لتتحمله طفلة بعمرها


والدها الممدد تغطي وجهه وجسده الدماء لكن عينه لاتزال مفتوحة ، حاول إبعادها لكنها ركضت نحو والدها تحتضنه وتنادي عليه


-بابا قوم يا بابا أنا خايفة


اصطبغ فستانها بدماء والدها وأصبح الناس يحاولون سحبها عنه وابعادها ابتعدت لتجده يبتسم لها وكأنه كان ينتظرها ليودعها قبل ان تصعد روحه للسماء ابتسمت عندما رأته يبتسم لكن ابتسامتها تلاشت عندما اغلق والدها عينيه للابد لتصرخ


-بابا…بابا


احتضنتها والدة الصبي الذي أنقذه والدها  كأنها  تعتذر منها عن ما لاينفع معه الاعتذار


أغمضت عينيها تنهي تلك الذكرى التي تأبى أن تغادر تفكيرها رغم مرور سنين عديدة لكنها تشعر أنها كانت البارحة


لترتسم ابتسامة كبيرة على وجهها فما كان حُلم البارحة اصبح حقيقة اليوم التفتت نحو صورة والدها الموضوعة على السرير التقطتها تقبلها ثم أبعدتها عنها وهي تخاطبه


-حلمي وحلمك بقوا حقيقة ياحبيبي


احتضنت الصورة بقوة كأنها تحتضنه لتتذكر كيف انها جاهدت لتصل إلى ماكان يحلم به والدها وهاهي اليوم الدكتورة شمس حسين الجوهري طبيبة امتياز سوف تخطو أول خطوة في مشوارها الذي أعدت له الكثير من الطموحات والأحلام


أخرجها من ذكرياتها صوت القرآن الكريم الذي يصدح من إذاعة الراديو و رائحة القهوة والشاي الذي ملأت عبقها المكان لتنهض


 بحماس من سريرها وقفت أمام خزانة ملابسها تنظر إلى ذلك المعطف الأبيض بشغف  ثم نظرت لتلك الدمية التي لم تفارقها طيلة تلك السنوات أمسكتها تحتضنها وتقبلها لتقول لها


-اليوم دا أول يوم في المشوار يا مشمش


قبلت الدمية وأعادتها مكانها ثم فتحت باب الخزانة الثاني لتجد فستانها الذي تلطخ بدماء والدها ذلك الفستان الذي لم يغادر خزانة ملابسها فهي تعتبرها آخر شيء يحمل رائحته حملت الفستان تغمض عينها وتستنشق رائحته كأنّها تستنشق رائحة والدها تستمد قوتها منه دائما لتكمل طريقها في هذه الحياة


خرجت من غرفتها بحماس  لتجد والدتها ترص الأطباق على المائدة اتجهت نحوها لتحتضنها بقوة  وتقول:


-وردتي صباح الخير يا أحلى أم في الدنيا


-صباح النور ياحبيبتي


قالتها ورد وهي تقبل صغيرتها مبتسمة


 ليقاطعهم صوت هدى التي قالت بسخط وهي تضع طبق البيض على المائدة


-هي البرنسيسة صحيت أخيرا


لتلتفت لها شمس وتقول بفخر محاولة إغاظتها :


-قصدك هي الدكتورة صحيت 


ثم أكملت متهكمة


-يا بتاعة الورد


امتعض وجه هدى لتقول بغضب


-ماما شايفة ؟


حركت  ورد رأسها بقلة حيلة وقالت تلوم الاثنتين :


-هو احنا مش هنخلص من موال ناقر ونقير بتاع كل يوم ده


-يعني انت مش شايفة كلامها يا ماما


قالتها هدى مستنكرة


-ومالو كلامي مش انت بتبيعي ورد يبقى بتاعة ورد


قالتها شمس لهدى وهي تقف خلف والدتها وتخرج لها لسانها محاولة اغاضتها


-ماما


صاحت بها هدى مستنجدة


-بس انت وهي الي يشوفكم يقول عيال مش واحدة خريجة اداب عربي والتانية دكتورة اقعدوا كلوا من غير كلام


جلست الاثنتان في طاعة وإحداهما تنظر للأخرى باستفزاز


-زمن أغبر يخلي واحدة  أصغر مني تتريق عليا  عشان اتوظفت قبلي  هي دي مساوئ قلة فرص العمل


غمغمت بها هدى وهي تزفر أنفاسها بضيق :


-صباح الخير


التفت الجميع نحو ندى الفتاة الكبرى لهذه العائلة وحاملة العبء الأول فيها منذ ان تركت والدتها الخياطة بسبب اصابتها بالمرض وندى خريجه كلية التربيه تعمل في وظيفتين مدرسة في مدرسة صباحًا ومدرسة في مركز بعد الظهر


-صباح النور


رد الجميع تحية الصباح بحب لتلك الفتاة الرقيقة ذات القلب الطيب والعقل الحكيم

اقتربت هي من والدتها تقبل رأسها باحترام لتدعو ورد لها بلسان أم راضية


-ربنا يرضى عليكِ ياحبيبتي


انتقل نظرها نحو تلك المندمجة بين تقليب أوراقها والنظر لهاتفها تمضغ الطعام على استعجال


-أي يا مشمش ابتدى المشوار؟


رفعت نظرها اليها بسرعة وقالت وهي تعود إلى ما كانت تفعله


-ايو ياندوش ادعيلي


-ربنا يوفقك






عاودت النظر لوالدتها وقالت:


-عاوزة حاجة يا ماما ؟


لتجيبها بحب وامتنان متسائلة :


-أي يا حبيبتي مش هتفطري ؟


-معلش يا ماما اتأخرت على المدرسة يدوب الحق


قالتها ندى وهي تطالع ساعة يدها وترحل تغلق باب الشقة خلفها صوت الباب جعل تلك المنشغلة تنتبه لترفع رأسها عن أوراقها مندهشة


-هي ندى مشيت؟ 


-ايوه ياختي


قالتها هدى بتهكم زاد من غيظها وحيرتها


-طب أنا اعمل أي دلوقت ؟


قطبت والدتها حاجبيها تسألها


-هو انت عاوزة أي من ندى ؟


عبس وجهها بخيبة أمل وهي تخبرها :


-كنت عاوزة فلوس أخذ تاكسي يعني يرضيكي يا وردتي اروح المستشفى اول يوم مواصلات


-يابنتي وفيها أي كل واحد على قده


قالتها ورد بحدة لتحجم من تفكير ابنتها خوفًا من الكبر ونكران حالتها المعيشية لكن ابنتها أرضتها حين قالت :


-يا حبيبتي عارفة والله بس دا أول يوم بس على ما افهم الوضع واعرف  أرتب أموري على الوقت المحدد


تنهدت ورد بارتياح لتنتقل عين شمس نحو هدى تمسك يدها وترمش عينها عدة مرات تنظر لها نظرات متوسلة. تحاول استمالتها


-هدهد حبيبتي وحياتي متين جنيه لأختك حبيبتك


ضيقت هدى عينها تنظرلها نظرة جانبية لتقول باستنكار :


-من شوية كنت بتاعة ورد


شتمت شمس نفسها سرًا لحماقتها وعاودت محاولتها :


-هدهد يرضيكي أختك تتبهدل


واسترسلت مازحة


-هدهد متين جنيه بس وصدقيني مش  هعايرك بيهم زي المية جنيه إلى كنت محوشاهم وادتهملك لما احتاجتي تكملي فلوس القميص الجديد


لتصرخ هدى متأففه بنفاذ صبر


-يوووه يادي المية جنيه الي سددتهم يجي مية مرة


لتضحك ورد على مناكفة بناتها وتلوم صغيرتها قائلة


-طب والله عندها حق وانا شاهدة


نظرت شمس لوالدتها تشيرلها ان تقف بجانبها ثم تعاود النظر نحو هدى تقرص وجنتها


-هدهد حبيبتي الي مليش غيرها


زفرت هدى أنفاسها بضجر وقالت وهي تفتح حقيبتها وتخرج النقود منها تضعها أمامها على المنضدة


-أمري لله خدي ياكش يتمر.أول مرة اشوف دكتوره شحاته


لتخطف شمس النقود من على الطاولة تضعها بسرعة في حقيبتها وتلملم أوراقها وتقف مقتربة من هدى


لتنحني وتقبل وجنتها قائلة بامتنان :


-هدهد حبيبتي الي يومي ميكملش من غير ما اناغشها


ابتسمت هدى وقالت كأّنها تصحح قولها


-الي مبعرفهاش إلا وقت المصالح


-كده برضو ظلمتيني طب دا انا لسة كنت

 هقولك تعالي ناخذ التاكسي سوا عشان طريقنا واحد


-ايوه صحيح طب والله فكرة


لتحمل هدى أغراضها وتتأبط ذراع شقيقتها وهي تقول :


-يلا يا أمتياز


ضحكت شمس وهي تستدير نحو والدتها تطلب منها الدعاء


-ادعيلي يا وردتي


رفعت ورد يدها تدعو لهم


-ربنا يوفقكم يابناتي ويوقف لكم ولاد الحلال ويجعللكم في كل خطوة سلامة


-مع السلامة يا ست الكل


***********************************

وفي مكان أخر في فيلا يبدو عليها الثراء والرقي كان يجلس رجل في العقد السابع من عمره ينظرالى الصورة القابعة بين يديه ويحادث صاحبها وصوته تخنقه العبرات


-وحشتني يابني وحشتني ياحبيبي كان نفسي أقلك سامحني وأخذك فى حضني واشبع منك


ثم تساقطت دموعه على الصورة  بندم قائلًا :


-ياريتني سمعت كلام حسن وسامحتك وخدتك في حضني لما جيت تترجاني اني أسامحك


ليختنق صوته ويردد بخفوت


-حتى الأمانة ضيعتها


********************************


وفي مكان آخر من هذه الفيلا كان ينزل درجات السلالم شاب في العقد الثالث من عمره  متبخترًا يرتدي افخم الملابس التي تحمل الماركات العالمية من يراه يظنه أحد عارضي الأزياء الإيطاليين


فهذا ملعبه كما يزعم  فهو يمتلك اكبر محال لبيع الملابس الرجالية المستوردة  يقصده العديد من الشخصيات المهمة ورجال الأعمال

كان ينزل الدرج وهو يدندن  إحدى الأغاني الشعبية مما ازعج والده الذي يجلس على مائدة الطعام بجانب شقيقه


-هو الباشا صاحي بدري وكمان رايق وبتغني


توقف عن الغناء يزفر أنفاسه بضيق ليقول

 بضجر :


-صباح الخير


-صباح الخير يابرنس ايه الشياكة دي


قالها علي ابن عمه الذي كان ينظر له بانبهار يتطلع اليه من قمة رأسه إلى أخمص قدميه


-امال يابني دا أنا فارس الجوهري مش أي حد

قالها فارس وهو يسحب الكرسي ويجلس


 بجانب علي الذي كان أقرب شخص له في هذه العائلة  ليبتسم علي ويتمتم


-ايوة ياعم مين قدك


ليقول والده مستهزءًا وهو ينظر اليه

 بامتعاض :


-ويعني مين فارس الجوهري واحد فاشل خريج ثانوية عامة بمجموع معرفش أصلًا يدخله كلية






احتقن وجه فارس بعد كلام والده الذي دائمًا ما يردده رغم نجاحه في عمله ليرتعش جسده

 من شدة انفعاله بعد أن استرسل والده قائلًا :


معرفتش تبقى صيدلي زي ابن عمك ولا دكتور زي اخوك


قالها والده وهو يشير نحو علي ونحو شقيقه طارق الجالس بجانبه  ليكتم فارس غيظه ويقول

 بهدوء وهو يدعي عدم مبالاته وشروعه في تناول الطعام


-بس تاجر ناجح  قدرت اعمل ليا اسم في السوق


ليؤكد علي على كلام ابن عمه


-ايوه دا حتى المحلات ما بيدخلهاش إلا الناس المهمة والمعروفة


ليقول والده بتهكم


-وأي الفايدة دا حتى بنات ورد الي ماعندهمش أب قدروا ياخذوا شهادة عالية اللي معرفش هو ياخذها


لينفجر فارس بغضب ويقول بصوت مرتفع نسبيًا وهو ينظر بعين والده بتحدي ملوحًا بيده


-يووو يادي سيرة بنات ورد الي مش هنخلص منها هما معندهمش أب وانا…


كاد أن يكمل فارس كلامه لولا نظرات شقيقه طارق التي أوقفته  ليزفر أنفاسه بشدة محاولًا التحكم بانفعاله


لكنه فجأة ابتسم عندما سمع من يقول :


-أيه يا ولد يا محسن مالك بتزعق لحفيدي وتزعله ليه انت مش عارف انه الغالي


ليهب فارس واقفًا يهرول باتجاه جده  يقبل رأسه ويده  قائلًا:


-صباح الخير يا باشا يا كبير جدي حبيبي وتاج راسي


-يعني انت عاجبك حاله ياحاج


ليربت الجد على ظهر حفيده وهو يقول بإبتسامة مفتخرًا


-وماله حاله تاجر شاطر وعارف هو بيعمل أي

ابتسم فارس لمديح جده لكن ابتسامته تلاشت عندما استطرد جده قائلًا بحدة :


-بس محتاج قرصة ودن عشان يسيب صحاب السوء الي ماشي معاهم ويبطل الهباب الي بيطفحه


ليرتبك فارس ويهرب بعينه عن عين جده الذي ينظر له بغضب  جعله يتلعثم بكلامه


-جدي أنا ....


ليضيق جده عينيه يحدجه بنظرات لائمة ويقول بعتاب :


-أيه فاكرني نايم على ودانى ومش عارف انت بتعمل أيه من ورايا ، فوق أنا بدران الجوهري يعني دبة النملة في البيت دا أنا اعرفها


صرخ بكلماته الأخيرة جعلت فارس يقف أمامه كتلميذ مذنب أمام أستاذه يطلب منه السماح ليقول :


-آسف يا جدي


-مش محتاج أسفك يا ولد محتاج كلامي يتنفذ


قالها بدران وهو يتخطاه متجهًا نحو طاولة


 الطعام  يترأسها وهو يسمع جواب فارس


-حاضر يا جدي عن أذنك


قالها فارس وهو يغادر المكان ليتبعه علي وهو يقول :


-خدني معاك يا فارس عربيتي في التوكيل


وما أن  غادر فارس المكان حتى التفت بدران نحو ولده


-خف على الولد يا محسن وبلاش حكاية الشهادة كل شوية مش لازم فارس يكون زي طارق كفاية انه ناجح


-أنا باتفق مع جدي يا بابا انت بتضغط على فارس كده والضغط هيخليه ينفر مننا


قالها طارق ذلك الشاب الواعي كل من يعرفه يعلم انه يسبق سنه في عقله وحكمته ، شهادته كطبيب جعلت له مكانة خاصة لدى والده وجده الذي يعتبره طبيبه الخاص


-يعني أنا مش بقول الكلام دا عشان مصلحته ؟


-سايس الولد يا محسن وبلاش تخسره


نصيحة تمتم بها والده قبل أن يسمعوا صوت

 شقيقه حسن وزوجته صفاء


-صباح الخير يا حاج


قالها حسن وهو يدنو من والده ويقبل رأسه


-صباح الخير يا حسن


-صباح الخير يا عمي


قالتها صفاء وهي تقترب من والد زوجها

 وتجلس على مائدة الطعام


-صباح الخير يا بنتي


لتسأل على ولدها بلهفة وهي تقول:


-هوعلي فين ؟


-خرج مع فارس


أجابها طارق قبل ان ينهض يلملم أغراضه مغادرًا وهو يقول :


-عن اذنكم


ليسأل بدران ولده وهو يتناول الإفطار


-اخبار محلات القماش أيه ياحسن والسوق عامل أيه معاك؟


-الحمد الله يا حاج هو صحيح البيع مش زي زمان بس الحمد الله احنا لينا زباينَّا


ثم التفت نحو ولده الآخر وقال:


-والمصنع أخباره أي يا محسن ؟


ليهز محسن رأسه ويجيبه :


-الحمد الله الأمور تمام يا حاج

*********************************






جاوره علي في السيارة وهو ينظر إليه بين الحين والآخر يشعر باضطراب أنفاسه ولاحظ تلك الخطوط الحمراء التي برزت في بياض عينه ولوثتها من شدة الغضب تنهد بآسى ثم قطع الصمت الذي ساد بينهم قائلًا :


-متزعلش يا فارس من كلام عمي انت عارفه


ضغط على مقود السيارة حتى برزت عروق يده ثم ضغط على اسنانه لتخرج كلمته بغضب من بينها


-ابويا مش مكفيه الي عملو فيا وانا صغير جاي يكمل عليا وانا كبير


ربت علي على فخذه يواسيه


-طول بالك يافارس دا مهما كان أبوك


-وانا عمري ماحسيت انه ابويا ياعلي


كلمات صدرت منه صادقة صدمت علي الذي ألجمه جوابه رغم انه يعلم أن علاقة فارس بوالديه ليست جيدة لكنه لم يتوقع ان تصل إلى هذه المرحلة فحاول تغيير الموضوع

 مستطردًا


-كلام جدي صحيح يا فارس انت لازم تسيب الشلة الزفت الي انت ماشي معاها.  وتبطل الخمرة إلى بقيت بتتسطل بسببها الأيام دي


أمسك فارس سيجارته الإلكترونية يقرّبها من فمه وسحب نفسًا عميقًا ثم رفع رأسه وطرده بقوة ليقول متذمرًا


-يابني هو انت ليه محسسني اني مدمن انا باشرب مزاج كده ياعلي


مط علي شفتيه بغضب وقال بتهكم :


-مزاج قولتلي


لكنه استرسل بصوت امتزج بالحزم والشدة


-المزاج ممكن يتحول لإدمان يا استاذ اتقي ربنا يا فارس ومتبقاش عدو نفسك


ليقهقه فارس ضاحكًا :


-أيه ياشيخ علي انت هتتعدي من طارق بقيت بتتكلم زيه


لينظر له علي وهو يحرك رأسه بقلة حيلة


-مفيش فايدة واخذ الدنيا ضحك ومش هامك حاجة


ليتنهد بيأس ويقول :


-كلامي وكلام طارق هو الصح ياريت تفهم كده

 

ثم أشاح وجهه عنه ينظر إلى النافذة بجانبه وهو يتمتم


-ربنا يهديك يا فارس

**********************************

وقف بعيدًا يناظرها وهي تتنقل بين الأطباء تتعلم من هذا وتشاهد هذا وتسمع من هذا كأنّها نحلة تستقي الرحيق العلم

وتتعلم كم أعجبه نشاطها ليبتسم من دون إرادة فرغم معرفتها بوجوده في نفس المستشفى لم تخبر أحد أنه ابن عمها


************************************

وقفت في محل الورد تودع العم نعيم صاحب المحل وتتجه هي لتعمل بدقة على احدى باقات الورد المطلوبة


حملت الورد تمسكها تصفها واحدة بجانب الأخرى بانتظام كانت منهمكة حتى سمعت صوته وهو يقول :


-مساء الورد


خفق قلبها بشدة بعد ان سمعت صوته وداعب أنفاسها رائحته التي تحفظها عن ظهر قلب


 لترفع رأسها بسرعة لكنها تأوهت فجأة عندما غرزت أحد الأشواك في إصبعها من شدة الارتباك


ليتجه نحوها بخطوات سريعة ويسألها بقلق :


-اتعورتي ؟


لترفع يدها تمص أصبعها بتلقائية وهي تهز رأسها نافية


-لا حاجة بسيطة شوكة غرزت في صباعي


قالتها وهي تعاود النظر نحو إصبعها


ليبتسم لها أصبحت تجذبه يومًا بعد يوم بعفويتها وتصرفاتها الطفولية ، تلك العيون البريئة باتت تأسره


ارتبكت من تحديقه بها لتتحمحم مخفضة عينيها


-احم …


انتبه هو ليقول بتلعثم :


-آسف لوهعملك إزعاج بس شكلي أدمنت الوردتين اللي باخذهم منك مش عارف بيدوني طاقة ايجابية لآخر اليوم


-احمر برضو ؟


-ايوه أنا بحب الأحمر اوي


كانت تتحاشى النظر لعينيه خشيت أن يفضحها قلبها الذي اصبح يتخبط بين أضلعها لتهرب مبتعدة وهي تقول :


-حاضر






كان يراقبها بحب كأنها فراشة تتنقل من زهرة لأخرى تحضر له الأزهار وتبعد عنها الأشواك وتقص الأوراق تفاصيل بسيطة لكنها جميلة كان يتابعها بترقب حتى سمع من يقول:


-هدى …خلص…


لتبتلع باقي كلامها وتتوقف في مكانها مندهشة  عندما رأته يقف أمام شقيقتها لتقول بتعجب


-علي …!


-اهلا يا شمس ازيك ؟


-الحمد الله


قالتها شمس وهي توزع نظرها بين شقيقتها وبينه انتبهت هدى لنظرات شقيقتها لتقدم الورد لعلي بسرعة وهي تقول باضطراب


-الورد الي طلبته يادكتور


لاحظ علي النظرات المتبادلة بين الشقيقتين لياخذ الورد وينصرف وهو يتمتم :


-عن اذنكم


تحديق شمس نحوها جعلتها تتوتر وتتحرك  حركات عشوائية تلملم الورقات المبعثره بتشتت حتى سألتها شمس بحدة :


-أي الي جاب علي هنا ؟


ادعت اندماجها وعدم مبالاتها واجابت :


-اشتغل مع دكتور ماجد في الصيدلية القريبة مننا وكان جاي يشتري ورد عادي يا شمس


لكن شمس امتعضت ملامحها وهتفت مستنكرة :


-لامش عادي ياهدى انت عارفة علي يبقى ابن مين


تنهدت هدى بحزن وقالت بخفوت :


-ايوه ابن عمي حسن


لتضحك شمس مستهزئة وهي تقول :


-بلاش العشم في كلمة عمي انت بنت ورد


 عارفة يعني أي بنت ورد .....


يتبع...


               الفصل الثاني من هنا 

تعليقات
تطبيق روايات
حمل تطبيق روايات من هنا



×