رواية لكنها ظلت مزهرة الفصل الثامن 8 والاخير بقلم ولاء عمر
طبطب عليا وأخدني وركبنا العربية، روحنا مكان هادي وفاضي زي الجنينة، إتكلم بهدوء:
- إتكلمي، قولي كله، وأنا هسمعك لحد ما تزهقي.
بدأت أتكلم وأنا باصة لبعيد كنت قاعدة وضامة رُكَبي وساندة رأسي عليهم:
- كنت على طول بطلع من الأوائل، مكانش بيتقالي غير الدكتورة راحت، الدكتورة جات، يشاء ربنا إن ماما تتوفى وأنا في أولى إعدادي، بابا كانت متجوز واحدة تاني، روحت وعيشت معاها، بقيت تخليني أعمل شغل البيت كله، طيب يا ستي أنا لسة عندي اربعتاشر سنة؛ طيب ما بنتك بتلعب!! ترد تقولي بنتي لسة صغيرة، بنتي هانم الهوانم، إكنسي، امسحي، نضفي، قوليلي ماما قدام الناس علشان مظهري قدام الناس، أكيد مش حباً فيكي يعني، اتحولت من طفلة مدللة، لبنت أقل ما يقال عنها متشردة، كل دا كان في البيت ومحدش موجود، آه أنت عايز الناس تقول عليها معندهاش دم؟؟ معندهاش إحساس ؟ أنت عايز بابا يعرف ويقول إنها مش واخدة بالها مني يعني.
قرب وهو بيحاوطني بدراعاته وبيطبطب عليا وبيقول:
- علشان خاطري خلاص، دا عدى.
- هكمل، خليني أطلع بما إنك عايز تعرف، وأهي فرصة أطلع من اللي جوايا، بقيت طفلة عدوانية، بكسر كله، وهي بقى عملت إيه ؟؟ خمن كدا؟
- إيه ؟
- قابلت العدوانية دي بالضر،ب، بقيت أنا اعاديها من هنا وهي تنزل بالعصاية على جسمي من هنا، وطبعاً بابا مابيشوفش غير وأنا برد عليها، يقعد يزعق لأن مكانش في عادته الضرب، كان مقضي كل وقته في الشغل، تعدي سنتين على نفس المنوال وبعدها يتوفى بابا بعد سنتين،تيجي بقى طنط أم قلب أبيض تعمل ايه ؟!
- علشان خاطري إهدي، لو مش حابة تحكي وتتكلمي خلاص.
كملت ومازالت دموعي بتنزل على خدي ومش عارفة أوقفها:
- راحت لعمامي تقولهم خدوها، كل واحد قال إنه متحمل نفسه وعياله بالعافية، قولتها هنزل أشتغل أي حاجة وهجيب مصاريفي، هصرف على نفسي وعلى تعليمي، قالت بس، إحنا هنجوزك، وبس يا سيدي، عريس لقطة من نظرها تتمنظر بيه وسط معارفها بغض النظر عن أخلاقه، دينه، تعليمه، أهله.
كنت بدأت أتماسك وأنا بقوله:
- وبس يا سيدي إتجوزت علشان أبقى خدامه لأم جوزي اللي شوفتها في القاعة دي، كام سنة بقى من البهدلة والمرمطة، كانوا أربع سنين إنما إيه، مفيش من بعد كدا، ضرب إهانة شتـ.ـيمة، تكسير مجاديف، لحد ما إيه بقى، المرحوم كان راجع من سفر وعمل حادثة، مات من هنا والست الوالدة طردتني من هنا، روحت عند مرات أبويا، أقولك إني زعلت وبكيت على الأطلال عليه؟؟ أنا مشوفتش منه حتى حاجة واحدة كويسة تشفعله في ذاكرتي.
أخدت شهق وزفير وبعدها كملت:
- رجعت لمرات أبويا واحدة تانية، أنيل من اللي كانت ماشية من عندها، بقيت بتعامل معاها النِد بالنِد، هتمدي إيدك هزعلك، هتقولي كلمة هرد عشرة، هتذليني علشان قرش هنزل واشتغل، هتزليني على القعدة في البيت، فدا بيت أبويا، ولو جينا لتقسيمة الحق، فأنا ليا فيه، وفلوس أبويا ليا فيها.
- كنتي بقيتي قوية.
- كنت بدأت أبقى مؤذية، لحد ما أتصاحبت على جارتي اللي حكيت لك عنها، ساعتها أنا إتغيرت بسبب كرم ربنا ثم هيّ وباباها، يمكن ما اتعرضتش للعلاج النفسي وكان دعم، على شوية قراءة في علم النفس على حبة تغيير.
- كويس.
- كان جوايا واحدة مؤذية، وجارتي وباباها ساعدوني كتيـــر،طريقتي اتغيرت، بس مش مع مرات أبويا، خلقوا جوايا حد نضيف، كويس، متفاهم، عاقل، وبس كدا بعدها مرات أبويا لقيتني بدأت أهتم بنفسي وتبان ملامحي وشكلي يبقى حلو وقالت بس، هي ناقصة، أنا همرمطك تاني، وهخليكي توافقي على أول عريس، إيه عايزة تبقي أحسن من بنتي؟!!!!
- بنتها ؟!! دي ماتجيش جنبك حاجة يا حلو أنت.
- مصعب، بلاش هزار، هي فعلاً بنتها أحلى.
- علشان أنتِ مابتفهميش، جربتي تشوفي نفسك في المرايا ؟! بتدقيق بس؟؟؟؟ شوفتي غمازتك؟ شوفتي الشامة اللي عندك؟ حُمرة خدودك؟ شوفتي طريقة لبسك هادية وعسولة إزاي ؟ طريقة كلامك لبقة إزاي ؟ ضحكتك حلوة وبتنور الدنيا إزاي ؟ غمضة جفونك لما تضحكي؟ حركة إيدك اللاإرادية لما تضحكي وازاي بتحطها عند وشك؟ شوفتي نفسك بعيون حد بتحبيه قبل كدا؟
- هو أنا حد حبني قبل كدا؟ أنا ؟؟ وأنت إزاي مركز وواخد بالك من كل دا؟
وقف وهو بيمسك إيدي علشان أقوم، باس إيدي وبعدها قالي:
- يمكن علشان حبيتك؟! علشان وقعت صريع لهوى عيونك؟ يمكن علشان الواحد لما بيحب بيركز في كل تفاصيل اللي بيحبه.
رجعت لنظرات التيه من تاني وأنا بقوله:
- يعني أنت قصدك عليا؟ يعني أنا مش مجرد مربية وبس؟
إتكلم بنبرة هادية:
- مين قال إنك مربية؟؟ ما أنكرش إن دا كان فِكِر غبي في دماغي، يعني إزاي مربية ؟؟ أنتِ أم، أنتِ بقيتي حنينة عليهم حنية أنا بتعلمها منك، ساعدتيني إن جزء من حياتهم يبقى هادي، حلو، سوي، وجودك مكانش سد خانة يا رحمة، أنتِ طلعتي الأساس، طلع دا مكانك الأساسي بس محدش كان مدرك.
كلامه حلو، حلو أوي، بس هو دا ليا؟؟ سألته:
- يعني مش هييجي يوم وتندم؟
- أندم؟! تعالي بس يا رحمة يا حبيبتي تعالي.
- أجي فين؟؟
شدني لحضنه وهو بيقول:
- لهنا، دا مكانك، إن شاء الله أنا وأهلي نكون لك العوض.
قلبي دقاته زادت، بس وهو مرتاح، مبسوط، دماغي هادية من دوشة الأفكار اللي فيها، كل دا جنبه، كل دا معاه، وياه.
- تعالي نعمل حاجة حلوة.
- هنعمل إيه ؟
- تعالي بس.
مشي قدامي وركب العربية، ركبت جنبه، ساق لمدة دقايق وبعدها وقف بالعربية عند الكورنيش.
نزلت وراه بعدما نزل.
- عارفة هنعمل إيه ؟
- إيه ؟
- هنتمشى ونتكلم كتير، إن شاء الله حتى لو لحد الصبح، المهم أوفي بوعدك، مش قولتلك مش هروحك البيت غير وأنتِ الضحكة مش مفارقاكي ؟
- أيوا .
طلعت مني بنبرة هادية، رد عليا وهو بيطلع علبة قطيفة صغيرة من جيبه لونها أزرق، طلع منها خاتم فضي رقيق فيه فصوص صغيرة وبيزينه فص أكبر منهم في النص.
مسك إيدي وهو بيحط في صباعي وبيقولي:
- أول هدية.
بعدها راح ناحية العربية، وأنا باصة ومصدومة للخاتم، كان شكله حلو أوي أوي بجد، حاجة تخطف من حلاوتها، رجع بس وهو في إيده وردة لونها أحمر متغلفة في ورقة لونها زي الكرتون ومربوطة بشريط اسود ، بعدها بص ليا وهو بيمدها وبيقولي:
- الورد للورد يا حِلو.
- علشاني أنا،كل دا معمول ومتجاب علشاني؟؟
- كل الغالي ليكي يا غالي.
اداني الوردة بطريقة عسولة أوي، اتمشينا وإتكلمنا، وضحكنا وهزرنا، متوقعتش إن خاتمة اليوم تبقى حلوة كدا!
روحنا وأنا جوايا مبسوط أوي، مرتاح وهو جنبه، دماغي هادية، كُلي مرتاحه.
بعدها عمير جه صحاني كعادته علشان أصلي الفجر، نزل راح مع جده وباباه وعمه وصلينا إحنا الستات مع بعض، طنط وروان وجودهم حلو، قعدتهم حلوة، محسيتش إني غريبة، ودي حاجة كل مرة بأكتشفها.
-- نسيت أقولك يا رحمة، أنا وماما امبارح نسينا نقولك إن شكلك كان حلو أوي.
- شكراً يا روان.
قربت طنط وقالت:
- عارفين أنا ربنا مرزقنيش ببنات، بس عوضني بيكم.
حسيت الكلمة طبطبت على قلبي، خلتني محتاجة أروح أحضنها، أقولها إني بالرغم من إني ما اتعاملتش معاها كتير إلا إنها حنينة معايا وكويسة أوي.
قضينا معاهم وقت ممتع، دافي، حنون، بيطبطب على القلب بعد كل اللي شافه.
-يعني إحنا كدا خلاص ماشيين ؟! يعني الخمستاشر يوم عدوا وخلصوا بسرعة كدا؟
- متزعليش يا ست، أنا بس اللي كان مخليني أتأخر لحد ما أخد إجازة هو إني كنت مخلص الإجازات كلهم اللي فاتوا، بس دلوقتي هتنزل كل شهرين أول أقل إن شاء الله.
عدت سنة، وقار بتكبر وتحلو، عمير بيكبر وبيعقل ويبقى لمض أكتر، بس حنين، مصعب مهقولش إن حياتنا وردي، بس هقول إنه فاهم القوامة كويس، وناضج وفاهم الدنيا وبيعديها.
لحد ما في مرة كنا متجمعين كلنا، دخلت واحدة أنيقة بالمعنى الحرفي، ولابسة فورمال، كانت واخدة وضع الخناق.
إتكلمت بصوت عالي:-
ممكن أعرف فين ولادي؟
قام مصعب ورد عليها بكل هدوء وبرود:
- ولاد مين؟؟ وحضرتك مين أصلاً؟
عَلِت صوتها أكتر :
- دا على أساس إن حضرتك مش فاكرني؟! دا أنا أم عيالك!
- عيالي مين ؟! اللي سبتي واحدة لسة بترضع ومشيتي ولا دورتي عليها؟! ولا التاني اللي خلتيه عنده حالة عقدة نفسية ؟ أنتِ ملكيش حاجة هنا، يلا إتفضلي امشي من هنا بكرامتك بدال ما تمشي من غيرها، قال ولادك قال!! دورتي أنتِ على حد منهم لما جاية دلوقتي عايزاهم.
- دول حقي!
كان خلاص اتعصب:
- حق مين يا أم حق، متفهمينيش إنك قلبك حن؟!
- لاء؛ بس عرفت إنك إتجوزت!
- وبعدين ؟!
- ولا قبلين، ما اقبلش حد غريب يربي أولادي !
نادي مصعب على عمير، شاله وهو بيسأله:
- عمير يا حبيبي هسألك سؤال.
كمل وهو بيشاور عليا وعليها:
- أنهي فيهم ماما اللي بتحبها؟
شاور عليا وبعدها مسك مصعب وهو خايف، رد عليها مصعب بنبرة أقوى:
- دلوقتي عرفتي مين الغريب؟؟ وبعدين تعالي أما أسألك يا أم قلب حنين، أنتِ تعرفي شكل وقار؟ أو ملامحها؟
ساعتها هي سكتت ومعرفتش ترد، وكإن القطة كلت لسانها، شاور ليها على ناحية الباب وهو بيزعق:
- برا، جايبة لواحد حالة نفسية والتانية متعرفيش شكلها وجاية تقولي ولادي وعيالي!!
مشيت وأنا كنت بترعش، كنت خايفه تأخدهم فعلاً، أنا روحي بقت فيهم، مكنتش هستحمل بعادهم عني.
بعدها دوخت ووقعت محسيتش غير والدكتور بتقولهم:
- ألف مبارك يا فندم، المدام حامل.
حامل؟؟ أنا! يعني أنا مش أرض بور!!!؟ يعني أنا بخلف عادي؟ يعني معنديش مشاكل؟
فوقت ومصعب بيطبطب عليا وبيقولي:
- كدا يا هانم تخوفينا عليكي؟
رديت عليه وأنا لسة تحت تأثير الصدمة:
- هو.. هو الكلام اللي الدكتورة قالته.. دا .. دا صحيح ؟
رد عليا بنبرة حنونة:
- أيوا يا حبيب عين مصعب.
- يعني أنا هبقى ام؟ هو دا حقيقي؟؟ هو أنا سليمة؟
- أيوا يا حبيبتي، اهدي بس وريحي.
كان رد فعل عمير هو إنه حضني وقعد يخطط لحياته هو وأخوه، معرفش معلق ليه؟ وليه مثلاً ماتطلعش بنت مثلاً.
ساعتها رد بعصبية:
- لاء هو ولد نونو.
عدا أول كام شهر وإحنا مسافرين، فاطمة الله يبارك لها هي اللي كانت بتأخد بالها من عمير ووقار، لحد ما وصلت للشهر التاسع وساعتها أصر مصعب إننا نروح وإن هناك هيكونوا كلهم معايا.
جالي الطلق، اسمحولي أوصف الشعور دا بإنه من أقوى وأصعب الآلام اللي ممكن يحس الإنسان بيها، وكإن الروح بتتسحب، بس كل دا وكإنه بيروح لما بنحضن الطفل، لما تلمسيه لأول مرة، لما تبوسيه، في دقة قلب مختلفة ليه، صوت مميز، حب يساع كل الدنيا.
دا كان شعوري لما حضنته، عمير ومصعب حتى وقار كانوا مبسوطين أوي، حتى عمير ووقار كنت متخيله هلاقي منهم غيرة بس هما متفاهمين.
مابين كل دا دخلت ست ومعاها بنتها، دققت في ملامحها لقيتها مرات أبويا، مصعب زعق فيهم وليهم.
- أنتِ جاية ليه ؟!
- جايبه أشوف ابنها.
- ليه؟
- كنت في المستشفى واكتشفنا إن بنتي ما بتخلفش وكمان إتطلقت.
ضحك ليها مصعب وهو بيقول:
- يا ربي على الدايرة لما بتلف، بتوجع أوي يا طنط صح؟؟ شوفتي عرفتي مين اللي طلعت أرض بور؟! يلا في داهية.
إتكلمت:
- مصعب!
- بس، مش عايز أشوف هم، وشايفه ربنا جابلك حقك إزاي ؟ ربنا مابيضيعش حق حد.
حضنته وأنا بعيط، هداني وهو بيقولي:
- خلينا في المهم، هنسميه نوح.
عدا ستاشر سنة، دلوقتي أنا واقفه في حفلة التخرج بتاعة بشمهندس عمير، ولا أقول شيخ، جهه دوره علشان يستلم الشهادة، بس قبل يستلمها وقف على الاستيدج وقال:
- إلى حبيبة أيامي الأولى، رفيقة ذلك الدرب الطويل، من عانت هي وأبي لأقف هكذا اليوم، أردت شكرك على كونك أم، وعلى لينك، وعلى كل شيء منذ قدومك عائلتنا وأصبحتِ أنتِ عائلتنا .
كنت بسمع كلامه وبعيط ومصعب باصص ليا وليه وبيبوس رأسي وبيشكرني.
كمل:
- زهرة المنزل، مصباحه المنير لنا، من كانت سبب لتغييرنا جميعاً من بعد الله سبحانه وتعالى، من كانت لنا أماً من قبل أن تصير كذلك، لايسعني إلا أن أقول أحبك يا حبيبة القلب.
نزل وحضني وشكرني، حضني هو ونوح ومصعب ووقار في مشهد دافئ .
إتكلم مصعب:
- شكراً على وجودك في كل حاجة وكل خطوة لينا.
ردت وقار وهي بتكمل:
- بنحبك يا رحوم، دا أنتِ أمي اللي أحن عليا من نفسي.
بقينا عيلة عسولة، حنينة دافية، ناجحة ، على قدر من التدين، عمير كان ونعم الابن ووقار كذلك، حتى مصعب، حنيته هي اللي كانت بتكسب على طول.
" قضيت عمرًا أظن فيه أنه لا أمل؛ لا حياة؛ حتى ظهرت أنت، ظهر حينها الأمل والحياة، أصبحت أنت طمأنينة العمر الضائعة."
#ولاء_عمر
#لكنها_ظلت_مزهرة
#الفصل_الثامن_والأخير
اللّهُـمَّ إِنَّـكَ خَلَـقْتَ نَفْسـي وَأَنْـتَ تَوَفّـاهـا لَكَ ممَـاتـها وَمحياها ، إِنْ أَحْيَيْـتَها فاحْفَظْـها ، وَإِنْ أَمَتَّـها فَاغْفِـرْ لَـها . اللّهُـمَّ إِنَّـي أَسْـأَلُـكَ العـافِـيَة.
تمت