رواية فتاة الذئب الاسود الفصل السادس والثلاثون 36 بقلم بسمله فتحي
فتاة الذئب الاسود
الحلقه 36
في غرفة العمليات — مبنى المخابرات
القاعة كانت هادية… إضاءة خافتة… وشاشة كبيرة في المنتصف.
أدهم واقف قدّام الطاولة المستطيلة… جنبه رمزي، كريم، ورائد.
دخل يوسف أولًا — واقف مستقيم، ملامحه ثابتة، نظرته حادة.
وبعده بدقائق دخل سليم — خطوات واثقة، صوته دايمًا فيه هدوء قائد متمرّس.
سليم بابتسامة خفيفة:
"واضح إن الموضوع تقيل… أول مرة تتصلوا بيا الساعة دي."
يوسف بصوت جاد:
"مفيش اجتماع بيتعمل بالشكل ده… غير لو في خطر كبير."
أدهم حرك الملفات قدّامه:
"المهمة سرّية… ومحدش يذكرها برة الجدران دي."
يوسف:
"مفهوم… الهدف مين؟"
رمزي:
"مش هدف… شخص تحت المتابعة.
اسمه — أمجد ماهر عبد المنعم رجب البكري."
يوسف وقف فجأة… صوته اتغيّر:
"نسبة قرابة لماهر الكينج؟"
كريم:
"ابنه."
سليم عقد حواجبه:
"كنتوا بتقولوا زمان إن ابنه مات."
رائد:
"وده كان الظاهر للناس… لكن الحقيقة غير كده."
أدهم بصرامة:
"من اللحظة دي… أمجد تحت الرصد.
بلا مواجهة… بلا احتكاك… بلا أخطاء."
يوسف قعد على الكرسي، وبدأ يراجع الشاشة بسرعة:
"مفيش صور حديثة… مفيش ظهور علني…
يعني بيتحرك من الظل."
سليم:
"وشخص اتربّى على عقلية ماهر…
يبقى بيلعب طويل… مش متهور."
رمزي:
"عشان كده اخترناكم أنتم الاتنين."
أدهم أشار بيده:
"توزيع الأدوار—
يوسف: تحليل اتصالات، تعقّب إلكتروني، ومسارات تحرّك.
سليم: متابعة ميدانية صامتة… بدون كشف."
سليم:
"في حدود زمنية للمهمة؟"
أدهم:
"لحد ما نعرف أمجد راجع ليه… وعايز من مين."
يوسف رفع نظره — صوته بقى أعمق:
"أكتر حد ممكن يكون هدفه… طرف قديم في صراع أبوه."
رمزي بصوت بطيء:
"وده السبب…
إن في شخص ممنوع تمامًا حد يذكر اسمه جوه المهمة."
صمت لحظة…
العيون اتقابلت.
سليم فهم… بس ما سألش.
يوسف قال بهدوء:
"لو الهدف ليه علاقة باللي في بالي…
يبقى أي خطأ — معناها نهاية حد مهم."
أدهم ببرود مخيف:
"وعشان كده… مش هنغلط."
رمزي:
"من دلوقتي…
ملف أمجد = أعلى درجة سرية."
يوسف ضغط زر على الشاشة:
"تمام… أنا بدأت تتبع أول خيط."
سليم وقف:
"وأنا نازل الميدان."
أدهم قال بصوت حاسم:
"من اللحظة دي…
إحنا في سباق مع شخص… ما يحبش يخسر."
وانتهى الاجتماع…
لكن اللعبة بدأت فعلاً.
......................
عند ليان في الغرفه
الغرفة كانت مظلمة إلا من ضوء خافت جاي من الأباجورة.
ليان قاعده على السرير… بتحاول تهدي نفسها بعد يوم طويل.
رفعت كوب القهوة… نفس العادة اللي بتهرب بيها من التفكير.
لكن فجأة —
📱 رَنّة موبايل حادة كسرت الهدوء.
ليان بصّت في الشاشة…
رقم غير معروف
مفيش اسم… مفيش صورة… ولا أي حاجة مألوفة.
قلبها دق بسرعة.
ليان بهمس: "مين ده…؟"
الموبايل رنّ مرة تانية — أطول… أبطأ… كأنه متعمد يضغط على أعصابها.
إيدها اترددت…
لكنها في النهاية ردّت.
ليان:
"ألو… مين معايا؟"
صمت.
ولا نفس.
بس كان فيه صوت تنفّس بعيد… بارد… بطيء.
ليان شدّت نفسها… صوتها بقى أقوى: "لو مش هتتكلم… أقفل."
ثانية… اتنين…
ثم جاء صوت هادئ… غامض… أقرب لوشوشة:
"لسه فاكرة…؟"
ليان تجمّدت مكانها.
إيدها ارتعشت… ورمشها وقف للحظة.
ليان بصوت مكسور بين قوة وخوف: "إنت مين؟"
الصوت ضحك بخفوت… ضحكة فيها ذكرى قديمة وجرح ما اندملش:
"اللي… ما ماتش."
الخط اتقفل.
ليان فضلت ماسكة الموبايل…
وعيناها اتسعت — الاسم اللي كانت فاكرة إنه انتهى…
رجع من بين الرماد.
وهمست بصوت مبحوح:
"أمجد…؟"
..................
شقة قديمة على أطراف المدينة…
الجو كان هادي لدرجة إن صوت عقرب الساعة كان مسموع.
أمجد قاعد قدام المكتب، والملف الأسود مفتوح قدامه… نفس الملف اللي اسمه بقى سرّ في حياة ناس كتير.
إيده كانت بتتهز وهو بيقلب الصور وحدة وحدة…
صور قديمة لليان… صورها في التدريب… صور من الميدان…
عينه كانت مليانة غضب وكسرة في نفس الوقت.
أمجد (بصوت واطي بحقد):
"رجعتي تاني في طريقي يا ليان… كان لازم تختفي من زمان."
فجأة…
الموبايل بدأ يرن.
اسم المتصل: "جلال".
أمجد رد بعد ثواني صمت.
أمجد: اتكلم.
جلال: الأخبار وصلت… أدهم بدأ يتحرك في القضيه.
أمجد شد حواجبه وهو بيكتم غضبه: و ليان؟
جلال: لسه بعيد… بس واضح إنها هتدخل عاجلاً ولا آجلاً.
أمجد (بحزم):
"ليان ما تدخلش… مش دلوقتي. أي حد يقرب منها… يتشال من السكة."
سكت لحظة… وبص لصور أدهم.
أمجد بابتسامة باردة:
"بس أدهم؟… لا… دا لازم يفضل قريب… عشان اللعبة تكمل."
جلال: و يوسف وسليم؟
أمجد:
"لو دخلوا… يبقى الوقت قرب… وأنا مستعد."
قطع الاتصال…
وأمجد قفل الملف بهدوء، وبعدها قام وفتح درج المكتب…
طلع منه سوار فضي قديم…
مسكه بعصبية.
أمجد (بصوت مكسور للمرة الأولى):
"كان ممكن يكون كل ده مختلف… لو ما خانونيش."
عيونه اتحولت لنار…
وهمس:
"الماضي لسه ما خلصش… ولسه الحساب مفتوح."
.........................
داخل غرفة العمليات…
الجو كان مشحون بالتركيز.
نادين واقفة في مقدمة الفريق، ملامحها حازمة لكن هادية — زي ما اتعودوا عليها وقت الخطر.
المريّض كان في حالة حرجة، والنزيف زاد فجأة.
الممرضة بقلق:
"دكتورة نادين… النزيف مش بيقف!"
نادين بصوت ثابت:
"هدّوا نفسكم… ثبّتوا الشفط، وادّوا وحدة دم فورًا. أنا هتعامل."
الطبيب المساعد حاول يتكلم:
"الوضع ممكن—"
نادين قطعته بهدوء قوي:
"منضيّعش وقت… ركّز معايا."
إيديها اتحركت بدقة…
بتدور على مصدر النزيف وتضغط عليه…
ثواني صعبة عدّت، وكل العيون عليها.
وبعد مجهود طويل…
صوت جهاز النبض رجع ثابت.
الممرضة بابتسامة ارتياح:
"الحالة استقرت يا دكتورة."
نادين تنفست بهدوء، بس ما ورّتش تعبها.
قالت:
"تمام… نقفل الجرح. شغل نظيف يا جماعة."
خلصت العملية…
وخرج الفريق بهدوء وفخر.
نادين فضلت واقفة لحظة لوحدها داخل الغرفة الفاضية…
بصّت لإيديها — فيها تعب، بس فيها قوة.
شدّت كمامتها على جنب، وطلعت نفس طويل…
ثم همست لنفسها:
"المهم إنه يعيش… ده كفاية."
خرجت للممر، ماشية بخطوات هادية —
جاهزة تكمل دورها…
من غير ضوضاء، من غير كلام كتير…
بس بقلب كبير ومسؤولية تقيلة.
...............................
في غرفة سارة…
قعدت على طرف السرير، قدامها ورق وقلم وبتكتب قائمة الحاجات اللي لسه ناقصة للفرح.
الغرفة هادية، بس عقلها مليان تفكير.
باب الغرفة اتفتح بهدوء…
ودخلت والدتها.
الأم:
"ها يا سارة… هتنزلي إمتى تجيبي حاجات الفرح؟"
سارة رفعت راسها وقالت بهدوء:
"إن شاء الله بعد يومين كده… هنزل أنا وليان، وكمان نادين.
إحنا مجهزين على إن الفرح هيبقى يوم واحد… فعايزين نخلّص كل حاجة بدري."
الأم جلست جنبها وقالت بحنية:
"تمام يا بنتي… بس اوعي تتعبي نفسك. شايفاكي مرهقة شوية اليومين دول."
سارة ابتسمت ابتسامة خفيفة:
"عارفة… بس لما ليان ونادين يبقوا معايا، كل حاجة هتمشي تمام بإذن الله."
الأم نظرت للقائمة وقالت:
"طب كويس إنكم هتنزلوا سوا… البنات سند لبعض."
سارة سكتت لحظة…
وبصّت في الأرض، كأن في حاجة في قلبها مش قادرة تقولها.
الأم سألت بهدوء:
"مالك؟ في حاجة مضايقاكي؟"
سارة ابتسمت ابتسامة مترددة:
"لا… مافيش. بس… التفكير كتير شوية."
الأم ربّتت على إيدها:
"سيبيها على ربنا يا بنتي… وكل حاجة هتتم على خير."
سارة أومأت بهدوء…
وعنيها فيها قلق خفيف، لكنها بتقاومه.
ثم همست لنفسها:
"يوم واحد… ولازم نعدّيه على خير."
...........................
نرجع عند ليان
في غرفة ليان…
الضوء الخافت من الإباجورة كان منعكس على المراية.
ليان واقفة قدّامها، ملامحها مرهقة… وعينيها فيها تعب وكتمان.
بصّت لنفسها فترة… وبصوت واطي متكسر قالت:
ليان:
"مالكِ يا ليان… فيكِ إيه؟
من إمتى وإنتِ ضعيفة كده؟
فوقي… فوقي لنفسك."
شدّت كتفيها…
صوتها بدأ يقوى:
"إنتِ ليان الشامي…
إنتِ الذئب الأسود…
ما حدش يكسرِك… ولا خوف يهزّك."
غمضت عينيها ثانية…
ولما فتحتهم — كانوا مختلفين.
لمعة حادة… شبه عيون الذئب اللي جواها.
النَفَس اتغيّر… والوقفة بقت أقوى.
ليان — بنبرة قوية، واثقة، فيها صلابة:
"من النهاردة… مافيش تردد.
مافيش ضعف.
اللي يقرب من اللي بحبهم… يتحاسب."
رفعت راسها قدّام المراية كأنها بتاخد عهد…
وهمست بكل قوة:
"أنا… الذئب الأسود."
لحظة صمت تقيلة مرّت…
كأن روحها اتبدّلت من جوا.
...............................
في منبي المخابرات
داخل غرفة العمليات…
الشاشة منوّرة والصمت مسيطر — الكل مركز.
سِيلم كان واقف قدّام اللابتوب، وإيده بتتحرك بسرعة:
"استنّوا… طلّعت تطابق على الوجه."
رائد وقف جنبه:
"كبّر الصورة."
سِيلم ضغط أمر…
وظهرت صورة رجل لأول مرة —
ملامحه حادة… عيون باردة… نظرة فيها غموض.
لحظة صمت تقيلة مرّت.
كريم بص للشاشة بدهشة:
"ده… أمجد؟"
سِيلم هزّ راسه:
"أيوه… ودي أول صورة واضحة ليه في كل الأرشيفات."
رائد قال بنبرة جدّية:
"كان طول الوقت متخفي… بس الصورة دي اتسحبت من كاميرا قديمة."
أدهم قرب من الشاشة…
وقعد يبص للصورة فترة —
عينه تشدّت، وصوته طلع هادي لكنه قوي:
"ثبّت الصورة… ده الهدف."
سِيلم فتح ملف تاني:
"وفي حاجة كمان… لقيت مراسلة حديثة باسمه."
كريم:
"مع مين؟"
سِيلم قرأ:
"مع حساب مجهول بلقب…
جوهرة الليل — روح القمر."
رائد علّق بهدوء:
"الاسم حركي… واضح إنها شخصية مش سهلة."
سِيلم:
"مفيش أي بيانات عنها… لا صورة، ولا نشاط ثابت، ولا عنوان.
كأنها مختفية بإرادتها."
كريم قال بتركيز:
"يبقى أمجد مش بيتحرك لوحده."
أدهم بص للصورة مرة تانية…
وإيده اتحطت على الطاولة بثبات:
"من اللحظة دي —
أمجد تحت رصدنا…
وجوهرة الليل لازم نكشف هويتها."
ثم قال بنبرة حاسمة:
"نشتغل بهدوء…
وبدون ما حد من برة يعرف إحنا وصلنا لده."
سِيلم أومأ بثقة:
"تمام… هاغوص أكتر في الشبكة لحد ما أطلع خيط."
أدهم ختم الكلام:
"اللعبة اتفتحت… بس المرة دي — إحنا اللي هنكتب قواعدها."
.......................................
فيلا أمجد كانت ساكنة… الليل نازل بهدوء، والهواء بيعدّي بين الشجر حوالين البيت كأنه بيهمس بحزن.
في أوضة صغيرة مليانة نور خافت من مصباح جانبي…
كانت أم أمجد واقفة على سجادة الصلاة.
خلصت الركعة الأخيرة… ورفعت إيديها للسماء،
صوتها كان مكسور لكنه مليان رجاء.
أم أمجد (بدعاء مت trembling شويه):
"يا رب… يا رب انت وحدك عارف اللي في قلبي…
يا رب ردّ ابني عليّ…
اهديه… نور بصيرته… وانزع الغِلّ من قلبه."
دمعة نزلت على خدها وهي تكمل:
"يا رب… ما تحمّلهش ذنب…
ما تخلّهوش يمشي في طريق الانتقام…
اللهم ارجع قلبه طيب زي ما كان…
واجعل الشر بعيد عنه وبعيد عن الناس."
وقعدت على السجادة وهي ماسكة مسبحتها…
إيديها بترتعش، بس الدعاء هو ملجأها الوحيد.
أم أمجد بصوت واطي:
"أنا مش عايزة غيره يرجع… حتى لو مكسور، حتى لو موجوع…
المهم يرجع بني آدم… مايبقاش ذئب يا رب…"
سكتت لحظة…
والدموع اتجمعت في عينيها أكتر.
"إن كان حد أذاه… سامحه… وإن كان هو اللي غلط… اهدهِ…
اللهم احفظه… اللهم احفظه… اللهم احفظه."
........................................
حديقة الفيلا كانت مليانة خضرة… نسمة هوا بسيطة بتعدّي بين الشجر، وصوت عصافير لسه ظاهر مع غروب الشمس.
ليان كانت قاعدة على كرسي خشب، قدّامها كوباية عصير برتقال.
قصادها رقيّة ومليكة، الاتنين قاعدين على الأرجوحة الخشبية… بيتكلموا وبيضحكوا بهدوء.
مليكة بابتسامة لطيفة:
"بصّي بقى… أنا قررت إني أرجع أرسم تاني، زهقت من الشغل طول الوقت."
رقيّة بحماس:
"أحسن حاجة عملتيها! الرسم راحة نفسية والله."
ليان كانت ساكتة للحظة… بتسمعهم، بس عقلها بعيد شوية.
رقيّة بصتلها بخفة:
رقيّة:
"مالك يا ليان؟ من بدري هادية… على غير عادتك."
ليان اتنفست ببطء… وبصت للحديقة:
"مفيش… يمكن بس شوية تفكير… اليومين دول حاسة إني محتاجة أراجع نفسي."
مليكة بمزاح خفيف:
"هو في حاجة محدش قالهالنا؟ ولا ده مود الذئب الاسود؟"
ضحكوا كلهم 😅
لكن ليان ابتسمت ابتسامة صغيرة… مش كاملة.
ليان:
"أنا كويسة… بس أوقات الواحد بيحس إنه لازم يقوى أكتر… ماينفعش يسيب نفسه يضعف."
رقيّة بحنان:
"القوة مش دايمًا بالقسوة يا ليان… أوقات القوة إننا نعترف إننا تعبانين."
مليكة وافقت وهي تهز راسها:
"وإحنا معاكي… مهما كان."
صمت بسيط…
نسمة هوا عدّت وخففت الجو.
ليان أخيرًا ابتسمت بجد:
"وجودكم جنبي كفاية… شكراً."
مليكة ضحكت:
"طب ما تقوموا بقى ندخل نعمل قهوة؟ الجو بقى حلو قوي."
رقيّة:
"موافقة… بس أنا اللي هعملها، عشان قهوتي أحسن واحدة هنا."
ليان:
"خايفة بس تحرقينا!"
ضحكهم ملأ المكان…
واللحظة كانت دافية… هدوء قبل العاصفة.
نسمة الهوا هديت شوية… ورقّيــة ومليكة كانوا لسه بيضحكوا، لكن صوت خطوات أدهم وهو خارج من باب الفيلا خلّى الكل يبصّ ناحيته.
أدهم بابتسامة خفيفة:
"رقيّة… مليكة… بعد إذنكم، ادخلوا جوه شوية. ليان محتاجة ترتاح."
رقيّة قامت فورًا:
"تمام يا أدهم… يلا يا مليكة."
مليكة وهي تبصّ لليان بابتسامة:
"لو احتاجتي حاجة نادينا."
دخلوا الاتنين… وبقي أدهم وليان لوحدهم في الحديقة.
ليان بصت له بدقة… ملامحها بتحلل صمته.
صوتها كان ثابت لكنه مليان قلق:
ليان:
"مالك يا أدهم؟ شكلك متوتر… في حاجة حصلت؟"
أدهم حاول يرسم ابتسامة، بس عينه فضحت التعب اللي جواه:
"لا… أبدًا، مفيش حاجة يا قلبي."
ليان اتكأت للوراء… نبرتها بقت أهدى بس حازمة:
"انت كمان مش عايز تقولي… تمام. ماشي براحتك."
سكتت لحظة… وبصت بعيد.
"بس صدقني… لو عرفت إنكم مخبّين حاجة عني… هزعل قوي. وزعلي المرة دي هيبقى وحش."
كلمة "وحش" وقفت في ودن أدهم…
ملامحه شدّت لحظة، واتسعت نظرته… كأنه اتزنق بين خوفه عليها وخوفه من كلامها.
أدهم ابتلع ريقه… صوته واطي:
"ليان… الموضوع مش كده."
ليان بصت له مباشرة:
"يبقى كده؟"
أدهم اتورّط… سحب نفس، لكنه في الآخر قال بهدوء مقصود:
"صدقيني… أي حاجة بنعملها، بنعملها عشان نحميكي."
سكت… ومارضيش يكمل.
عين ليان اتلمعت لحظة — مش دموع… لكن غضب هادي.
ليان بصوت بارد:
"أنا مش محتاجة حد يحميني… أنا جزء منكم. ولما بتخفوا عني… بتحسسوني إني برا الدائرة."
أدهم ماعرفش يرد…
هو عارف إنها صح — بس برضه مش قادر يقول الحقيقة.
الهوا مرّ بينهم بثقل… لحظة صمت طويلة.
ثم قالت ليان بهدوء أخطر:
"وأنا بوعدك يا أدهم… لو فيه سر… هعرفه بطريقتي."
أدهم حس إن الذئب الأسود صحى جواها…
لكنه فضل ساكت.
أدهم لاحظ النبرة القوية في كلام ليان…
قرب منها بهدوء، وقعد جنبها على الكرسي الخشب، ومسند إيده على ظهرها بلطف.
أدهم بصوت دافي:
"ليان… أنا عمري ما حسّستك إنك برا الدائرة، ولا هعمل كده.
بس في أوقات… لازم الأمور تتاخد خطوة خطوة.
مش كل حاجة ينفع تتقال في نفس اللحظة."
ليان فضلت ساكته… نظرتها قدامه، مش فيه.
هو كمل وهو بيحاول يرقّق الجو:
"عارفة ليه بحبك؟
علشانك قوية… وواقفة دايمًا.
بس حتى القوي… ليه لحظات لازم يرتاح فيها شوية."
ابتسامة خفيفة طلعت على وشه وهو يحاول يهزر:
"وبعدين… مين يقدر يزعل الذئب الأسود؟
ده أنا لو زعلّتك… البلد كلها هتبوظ."
ليان حاولت تكتم ابتسامة صغيرة… بس ماطلعتش بالكامل.
نظرت له وقالت بهدوء:
"أنا مش بزعل بسهولة… بس بخاف من الإخفاء."
أدهم حرّك راسه بهدوء:
"وأنا بوعدك… أي حاجة تخصك، هتوصلك.
مش دلوقتي… بس وقتها الصح."
قرب أكتر… صوته بقى أخف:
"إحنا فريق واحد… وقلبي وقلبك واحد، صح؟"
ليان بصت له أخيرًا… النظرة هدِت شوية.
ردت بنبرة أهدى:
"أيوه… بس يا أدهم، أوعى تكسر ثقتي."
أدهم قال بسرعة وهو يلمس إيدها:
"ولا يوم… ولا ثانية."
نسمة هوا عدّت بينهم… والتوتر بدأ يذوب تدريجيًا.
أدهم بابتسامة خفيفة:
"ما تيجي نسيب التفكير شوية… وندخل جوه؟ شكل رقية هتحرق القهوة."
ليان ضحكت ضحكة خفيفة:
"فعلاً… قهوتها خطر على الصحة."
الجو رجع أهدى… بس جوا ليان، كان لسه شيء صغير صاحي —
إحساس إن في حاجة مخفية… ومازالت هتبحث عنها.
أدهم كان لسه قاعد جنب ليان… الجو هدي شوية بعد الكلام اللي بينهم.
سكت لحظة، وبص لها بنبرة هادية كأنه بيحاول يخلي الموضوع عادي.
أدهم:
"على فكرة… بكرة هتنزلي انتي وسارة ونادين تجيبوا حاجات الفرح… مش كده؟"
ليان بصت له بثبات:
"أيوه… بكرة الساعة خمسة المغرب."
أدهم هزّ راسه:
"كويس… خلي بالك من نفسك، ما تتأخروش… ولو حصل أي حاجة كلّميني فورًا."
ليان رفعت حاجبها بخفة:
"في حاجة تانية؟ ولا ده مجرد سؤال عادي؟"
أدهم ابتسم ابتسامة هادية، لكن وراها قلق مش ظاهر:
"سؤال عادي يا ليان… بس بتطمن عليك."
ليان ردّت بنفس هدوئه:
"ما تقلقش… أنا مش لوحدي."
أدهم حاول يخفف الجو وقال بخفة:
"عارف… بس برضه، الطمأنينة واجبة على الذئب الأسود."
ليان ابتسمت ابتسامة صغيرة…
لكن جواها حسّت إن أدهم مش بيطمن وبس — كأنه مستني حاجة تحصل بكرة.
الهوا مرّ بينهم… وهدوء المشهد كان يخبي وراه توتر مش ظاهر.
#فتاة_الذئب_الاسود
#بقلم_بسمله_فتحي
#الحلقه_36
