رواية عنيده في قلبي
"الفصل الثانى والعشرون"
توجهت قاصدة غرفة مكتبه لتجدها مغلقة....انتظرت لدقائق حتى فُتح الباب وخرج منه زميلها "علاء" الذى ابتسم لها تلقائياً لتبادله ابتسامة باردة....طرقت الباب ودخلت .... لينتبه كريم للشخص القادم إليه ويجدها....يتمنى لو أن تخبره بما يريد !! ولكن ملامحها لا تخبره بهذا على ما يبدو !!...تقدمت للمكتب أكثر ....كان بيدها ورقة مطوية فتحتها ووضعتها أمامه....ليوزع كريم بصره بين الورقة وبينها....حرك رأسه بتساؤل ليقول "أيه ده؟"
ردت بعد أن رسمت قناع الهدوء والثبات على مظهرها "دى استقالتى" ....لوهلة شعر كريم بالجمود كأنه لم يستوعب ما تفوهت به ....بينما بدا لها بارداً جداً كالثلج لم تؤثر به عبارتها....ولكنها استطردت "أنا بطلب انى أستقيل لإن دراستى قربت تبدأ ومش هينفع اكمل" ....بدا غير مقتنعاً بما تقول ....نهض كريم من مقعده بعد ذلك بخفة مرجعاً كرسيه للخلف يضع كلتا يديه فى جيبيه مشتداً بجسده ليشرف عليها...."متأكده انك عايزه تسيبى الشغل عشان الدراسة قربت؟!!....يعنى مثلاً مش عشان كلامنا امبارح؟!!"....انتابها القلق لاشعورياً باستدراجه للحديث نحو هذا المعطف....ازدردت ريقها تخفى توترها "اللى حضرتك قولته امبارح أصلا انا عملت نفسى ماسمعتوش وده مالوش علاقة بإنى عايزه اسيب الشغل ....ولو سمحت وقعلى عالورقة عشان امشى"....لم يكن رد فعله سوى أن قال "كده ....بالبساطة دى!!!" ....وكأنه استفزها فلم تعد تطيق صبراً لتتجهم تعبيرات سارة وتشرع فى إظهار مخالبها مردفة "أنا مش فاهمة حضرتك عايز ايه بالظبط وليه بتتكلم بالأسلوب ده وبكل ثقة وكإن الموضوع عافيه مثلاً وانا أصلاً معرفكش غير من شهرين!!"....ولأنه يعلم أن النساء يهوين الثرثرة.... أو هكذا ظن....لم يعجبه حديثها ولا جدالها ليقول بحزمٍ "مفيش حاجة اسمها هسيب الشغل يا آنسة سارة والاستقالة مرفوضة....واتفضلى ارجعى مكانك"....ثم حرك سبابته يدفع بالورقة التى أتت بها للأمام "وخدى الورقة دى معاكى" ....وجلس ....بينما تسمرت سارة فى مكانها تطالعه بغضب لتغادر بعد ذلك .
توجهت إلى مكتبها تحدث نفسها بصوت لا يسمعه سواها وهى تلملم أغراضها وهى تتوعد ذلك الشخص الغليظ رئيس عملها ..... لتجلس لدقيقتين تفكر فيما هى مقبلة عليه ....وبالطبع سترحل ولن يمنعها وستريه أين ستذهب كلمته .... ثم نهضت تحزم حقيبتها وتغادر الشركة.
فى داخل مكتبه وبعد أن غادرت كان كريم مشحون بأفكاره وقد بدأ القلق يتسرب إليه.... اليوم جاءته متمردة تطلب الرحيل....ويالأبغض ما طلبت !!.... عليه أن يتخذ موقفاً جاداً يقربها منه وينهى هذا القلق والتوتر....وسيفعل.
....
تفاجئت هناء بما نقلته إليها ابنتها حول حديثها مع زميلها فى العمل "لؤى" وبَوحِه لها بمشاعره....
"طب وانتى رأيك أيه؟"
أطرقت مى برأسها فى تردد لتتنهد وتنظر لوالدتها قائلة "حاسه إنى موافقة" ....بدت لهناء إجابة محط سخرية "يعنى أيه حاسه" ....لتهتف مى بنبرة نابعة من القلب يُستشعر صدقها " يعنى اللى انا حسيته انه بيحبنى جداً ومستعد يعمل أى حاجة عشان وهو بنفسه قالى كده .... وعلى فكرة هو بيحبنى من زمان وكان ناوى يصارحنى بس اما لاقانى اتخطبت لكريم ....." أومأت هناء تسألها "متأكده انك هتكونى مبسوطة معاه ....مى أنا عايزاكى تفكرى بعقلك شوية ....لو سمحتى .... مش هقولك انه ممكن يكون بيضحك عليكى أو بياع كلام أو بيستغلك مثلاً مع إن ده وارد وبيحصل.... بس تفتكرى لو كلامه صح وشعوره ناحيتك حقيقى.... لؤى هيكون الإنسان الصح ليكى ؟؟.... هيقدر يوفرلك أساليب الرفاهية إللى انتى عايشه فيها دى؟" .... اغرورقت عينا مى بالدمع لتردف وهى تهز رأسها " أيوه .... أنا واثقة .... أنا مهما احكيلك الشعور اللى وصللى واللى حسيته من كلامه مش هتصدقى" .... وتهدج صوتها وهى تتابع " وبعدين أنا جربت مع الإنسان اللى حبيته قبل كده واديكى شوفتى النتيجة.... ماحبنيش!!" .... هنالك شعرت هناء بغصة مؤلمة فى قلبها "مى حبيبتى الموضوع مش تجارب انتى مش م..." .....لتقاطعها الفتاة قائلة " ماما انا فاهمة اللى بتقوليه بس صدقينى لؤى لازم ياخد فرصة "
"بس انتى مش بتحبيه!" ....ردت مى "يكفى انه بيحبنى.... متأكده ان حبه ليا هيخلينى أحبه".... ودار حديث الأعين!!
.....
"بتتكلم جد!!"
رفعت سمية حاجبيها فاغرة فمها بعدم تصديق أو اقتناع بكلام ابنها....ولكن كريم وضع كل تلك الاحتمالات فى رأسه مسبقاً....وعليه أن يكمل السير فى الطريق الذى اختاره وأراده...."بَتكلم جد" .....بينما نظرت سمية باتجاه زوجها بنظرات غير مقروءة!!!....هتفت ساخرة بانفعال بعض الشئ "أنا مش متخيلة ....مش مستوعبة ان أول ماتعجب بواحدة وتقرر تتجوزها تبقى واحدة بتشتغل عندك"....رد كريم مبرراً "ماما انا قولتلك دى مش أى واحدة ....دى إنسانة محترمة جداً وبجد انا حبيتها وعايزها....أنا متأكد انك هتحبيها أول ماتشوفيها"....لترتسم علامات السخرية على وجهها مرة أخرى وترمق زوجها "ما تقول حاجة يا رأفت" .....نظر لها الأخير ملياً ثم أردف وهو يتطلع بابنه " لو شايف ان دى اللى هتكون مرتاح معاها وزى ما حكيت عنها فعلاً .... أنا مقدرش أمنعك....بس عايزك تفكر كويس يا كريم مرة واتنين وتلاته ....وهسألك لآخر مرة .... إنت متأكد من اختيارك ؟!! ....أومأ كريم بثقة وهو ينظر لكليهما "أيوة .... أنا متأكد"...تسائلت سمية بعدم اقتناع " ودى بقى حالتها أيه بالظبط ....عيلتها ....عيشتها !!!" ....ليجيب كريم بعد ان انتابه شئ من الارتياح بعد موافقة والده المبدئية وبعد أن قطع شوطاً طويلاً من أجل ذلك "هى ساكنه مع مامتها واخواتها الاتنين.... هما لسه صغيرين ....والدها متوفى بقاله ٤ سنين ....والسنة دى آخر سنة ليها فى الجامعة" .... لتعقّب والدته " يا حظها لو بقت ليك !"....قال معترضاً " جماعة انا مش ببص عالشكليات والماديات والكلام ده انتوا عارفيننى....أنا أهم حاجة عندى أتجوز اللى بحبها واكون مرتاح معاها بس" ....
"ربنا يكتبلك اللى فيه الخير يا كريم".... قالها رأفت بودٍ لابنه.
....
فى اليوم التالى ذهبت إلى عملها فى الإذاعة كالمعتاد .... وفور أن دخلت توجهت إلى غرفة لؤى ....قالت بعد استأذنت بالدخول ورحب بها "كنت عايزه من وقتك ربع ساعة بعد الشغل ....لو معندكش مانع!!! "
"أى مانع بربك!!...رهن إشارتك فى كل وقت !!" ... قال لؤى بابتسامة " أكيد طبعاً"
وبعد ساعات ....
"لؤى أنا فكرت فى الموضوع اللى اتكلمنا فيه كويس"....كانت قلبه يضخ بعنف .... يكاد يموت من القلق هذه اللحظات....لم يتحدث إلى أن قالت "أنا موافقة.....موافقة نرتبط"
لم يتمالك نفسه ....تلقائياً وضع يديه فى خصر مى يرفع قدميها عن الأرض بحركة مباغتة أجفلتها وجعلتها تشهق وتنظر حولها .... ولحسن الحظ لم يلحظهما أحد .... أنزلها يقول بتوتر ناتج عن فرحته "أنا آسف جداً يا مى بس من فرحتى صدقينى" .... أعادت خصلاتها خلف أذنيها بارتباك هى الأخرى وبعد أن طليت وجنتيها باللون الأحمر.
....
"لم تأتى إلى العمل اليوم .... نفذت ما برأسها ولم تأتى....ولكن لاتظنين نفسك قد انتصرتِ سارة .... مازال للقصة بقية ومشوارنا لم ينتهى أبداً" .... كان كريم يحدث نفسه بعد أن لاحظ تغيب مساعدته عن عملها اليوم .... لينهى تفكيره وينهض بعد أن قرر خطو خطوة أخرى فى مشواره.
ليلاً ....
توجه كريم بسيارته إلى منزل سارة .... طوال الطريق كان يبتسم "كيف ستكون ردة فعلها ما أن تراه؟!!" .... هى اليوم فاجأته بغيابها ويعلم أنها لن تعود وسيفاجأها بحضوره....
صف سيارته جانباً وصعد إلى شقتها بعد أن حصل على المعلومات اللازمه مع علاء.... طرق الباب مرتين لتفتح له صغيرة تشبه سارة إلى حد كبير ولكنها بعينان ملونتان تميلان للخضرة.... ابتسم لها ومد يده يصافحها....وفور أن فعل وجد سيدة تقف أمامه .... بالطبع هى والدة سارة ...."أهلاً بحضرتك .... أنا سينيور كريم مدير الشركة إللى سارة بتشتغل فيها .... هى مساعدتى" ....تفاجئت سامية جداً بالضيف ومع ذلك ابتسمت ورحبت به ليجلس...."طب أنا هنادى سارة" .... أومأ لها لتذهب إلى غرفة ابنتها التى كانت ترتب ملابسها .... دخلت وأغلقت الباب من خلفها "سارة .... مدير الشركة بتاعتك بره" توسعت عيناها تلقائيا وتيبست لثوان.... "مين؟!!!!!" ....
"أيوه هو بنفسه وتعالى يلا لإنى مش عارفه هو جاى ليه...أنا هضايفه لحد ماتطلعى....البسى وحصلينى على طول" .... بالخارج كان كريم يجلس الطفلة ويحادثها بلطفٍ " إسمك أيه؟"
ردت بهدوء "منة" ....
"أمال أخوكى فين يا منة؟"
"على نايم"
كان يتأمل ملامح الصغيرة ويرى كم تشبه أختها الكبرى ....ليس شبه فى الملامح فقط وإنما يبدو أنها واثقة وقوية مثلها .... قطع حديثه معها دخول سامية التى تحمل صينية ترص عليها مشروباً وقطع من الحلوى...."سارة هتيجى حالاً" ....
دقائق وخرجت سارة بعد أن استغرقت وقتاً فى التفكير بالداخل .... تمنت لو لم تخرج ولكنها فعلت .... لترتفع أنظار كريم تلقائياَ نحوها ولكنها أشاحت بوجهها عنه حتى جلست ...."أهى سارة جات"... نظرة عتاب من أمها شملتها لعدم تحية الضيف ولكنها لم تلق بالً ....
"طيب بما إننا كلنا اتجمعنا ف أنا حابب أعرفكم أنا جيت ليه.... من غير مقدمات كتير بصراحه يا طنط أنا أعجبت بسارة جداً وبحبها وناوى أتقدم"
لاشعورياً ظهرت ملامح الدهشة والاستغراب الشديدين على وجه سامية التى نظرت لابنها الحانقة الآن والتى تبدو وكأنها على معرفة بالأمر ....حتى استطرد كريم بهدوء "أنا مقدر استغراب حضرتك طبعاً وانك اتفاجئتى بس على فكرة أنا فاتحت سارة فى الموضوع ده وهى اترددت" .... كان ينظر لها فى كلمته الأخيرة .... نظرة تحدٍ ومكر.... بينما لسان حال سارة "بل رفضت يا متعجرف ولم أتردد....ياللوقاحة !!"
وكأنه قرأ نظراتها لتظهر شبه ابتسامة على ملامحه .... لتقول سامية " أنا طبعاً اتفاجئت بس يعنى ...." قاطعها قائلاً " طنط انا مستوعب كل اللى بتفكرى فيه وجاهز لأى أسئلة .... بس اللى عايزك تتأكدى منه انى شارى سارة بجد وأتمنى تكون ليا"
تلك الجالسة على يمينه خفق قلبها لعبارته التى خرجت من لسانه بنبرة مميزة رقت لها .... لتصحو على سؤال أمها "إنتى أيه رأيك يا سارة ؟"
"الفصل الثالث والعشرون"
ولج إلى غرفة المكتب الخاص بها بعدما تسائل عن قدومها وعلم أنها قد وصلت منذ دقائق ....كان قد طلب منها فى لقائهما فى منزلها القدوم إلى الشركة واستئناف العمل والتخلى عن فكرة الاستقالة ....وقد كان من السار له أن امتثلت لذلك .
نهضت سارة بعد أن دخل وأغلق الباب من خلفه لتواجهه ....ويبدو لها أنه حضر لأمر هام ... ."حمدلله عالسلامة نورتى" قالها وشبه ابتسامة على ثغره وهو يقف منتصباً ويديه بجيبيه....لترد سارة بجمود وحنق "أنا ماكنتش مسافره" ....برزت ابتسامته ليقترب منها قائلاً "عارف .... لإن دى هتكون آخر مرة ان شاء الله" ....عقدت حاجبيها بحيرة "قصدك أيه؟"
"هتكونى مراتى حبيبتى فى بيتى... وساعتها القرار ليكى حبيتى تكملى هنا معنديش مانع ماحبتيش براحتك"....كعادته يستفزها بطريقة لم تعهدها من أحد قبل ....أردفت بجدية "انت ليه بتتكلم بثقة كده؟!" .... رد وهو يسلط بصره على عينيها "عشان بحبك" ....أجفلت لوهلة وسرعان ماتخضبت وجنتيها بلون الحمرة الحارة .... تشعر الآن بأنها تريد مجالاً للهواء .... نظرت أمامها ثم أطرق ت برأسها فى خجل وضاعت منها الكلمات....كان يتسلى برؤيتها هكذا ولكنه لم يتعمد إحراجها ، فما ذنبه إن كانت تلك الحقيقة !!
"سارة انا عايزك بجد .. .. عايزك معايا ....أنا مش بعرف اقول كلام غزل كتير خلى بالك ودى حاجه بعترفلك بيها من دلوقتى" ....كان يشير باسماً بكفه المرفوع أمامها وهى توزع نظرها بينه وبين الأسفل "بس فعلاً انتى دخلتى قلبى خلاص وانا متمسك بيكى للنهاية" ....و استطرد عندما لاحظ صمتها وترددها المريب بنظره "سارة قوليلى سبب واحد يخليكى معترضة أو مش موافقة ياريت ....يهمنى أعرف" ....نظرت له قائلة بنبرة مختلفة منها هذه المرة " سينيور كريم أنا بحترم حضرتك جداً ومقدره كلامك على فكرة بس خلينا نتكلم بواقعية شوية ممكن" .... عقد ذراعيه أمام صدره قائلاً "اتفضلى قولى إللى عندك" ....كادت أن تتحدث ولكنها بدت مترددة إلى أن قالت "خلاص ....مفيش حاجة"
"سارة انا عارف انتى عايزة تقولى أيه ....انتى قصدك الفروق ما بيننا صح.... لو ده قصدك أحب اطمنك ان والدى ووالدتى مش بيهمهم المسائل دى أبداً ... .هما طموحهم انهم يشوفونى مع الإنسانة اللى هختارها واكون مرتاح معاها وبس الباقى كله شكليات"....لاذت بالصمت برهة ثم عقبت تنظر إليه "ادينى وقت افكر" ....لوى كريم جانب ثغره متحدثاً وهو يقترب منها يلمس بإصبعه جانب رأسها وهو يستعد للمغادرة قائلاً بنبرة جادة " مفيش قدامك وقت يا سارة ولا مهلة ولا بطيخ عايزك تعرفى انى فى خلال يومين هتلاقينى قدام بيتكوا بطلب إيدك وهتوافقى إجباراً وأكتر من كده دلع مش هسمحلك" .... واستدار يغادر حتى توقف يشير بسبابته أمام وجهها مركزاً عينه عليها "وبحذرك تتصرفى أى تصرف متهور صدقينى رد فعلى مش هيعجبك".....رمقها للمرة الأخير وغادر لتجلس سارة وتلتقط أنفاسها وهى تفكر بحيرة "هعمل ايه دلوقتى ؟!!"
.....
بحفلٍ بسيط نظمته هناء بناءً على رغبة ابنتها التى رفضت أى مظهر من مظاهر البذخ تمت مراسم الخطبة المنتظرة منذ وقت ليس بالطويل....
نظر لؤى بتأمل لحب العمر الماثل جواره بقوامها الرشيق وزينتها البسيطة يطالعها عن حب غير مصدق أنه على بعد خطوة واحدة من أن تصبح ملك له .... بينما مى وعلى الرغم من عدم معرفتها بمشاعر لؤى سوى منذ وقت قصير ولكن ثمة شئ ما ينذرها بأن اختيارها هذه المرة هو الأصح والأمثل....كان شعور لا تستطيع وصفه بالتحديد ولكنه الارتياح ....فهى تشعر بارتياح تجاه لؤى فمجرد نظراته الشغوفة لها تجعلها سعيدة مطمئنة مقدرة لهذه المشاعر التى يغدقها بها.
بعد أن انتهيا من ارتداء خواتم الخطبة وأتيحت له الفرصة أن ينفرد بخطيبته أمسك لؤى بكلتا يديها البيضاوين يقبلهما ونظرات الحب تشع من عينيه لعينيها " مش مصدق حاسس انى بحلم ....الحمدلله " لتبادله النظرات مصحوبة بابتسامتها الجميلة التى يعشقها هو .
......
كان كريم يتحدث إلى والده فيما ينوى أن يفعل الأيام الآتية بخصوص سارة وأمر التقدم إليه حتى جاءت عقبة اقتناع وعدم اقتناع والدته بالأمر ليردف رأفت " أمك فى أوضتها....فرصة انك تتفاهم انت وهى على انفراد روح وحاول تتكلم معاها تانى ....بس خليك حنين ها ....عشان أنا عارف دماغ سمية "
ابتسم كريم وصعد قاصداً غرفة والدته .... طرق الباب ليسمع صوتها "تعالى يا كريم" ....أنهت ما بيدها وجلست على طرف الفراش وأشارت له أن يفعل فامتثل...."كنت عايز اتكلم معاكى شوية لو عندك وقت" ....ابتسمت سمية لابنها تربت على كتفه "معقول !!!....أفضيلك نفسى واسيب كل اللى ورايا لعيونك يا كَرَملتى" .... أبعد كريم يدها عنه مُدعياً الضيق ولكنه بداخله كان سعيداً لكون هذا الجو من المزاح واللطف مع والدته قبل أن يبدأ حديثه الذى يعلم جيداً أنه سيعكر مزاجها ....أشاح بوجهه بضيق "تانى يا ماما ؟!! لسه الإسم ده برضو ؟!!" .....لتضحك والدته من ردة فعله التى طالما لازمته منذ الصغر كلما دللته بهذا المسمى حتى عندما كبر ورغم شعوره بالحرج ولكنها تحب مداعبته.
تنهد قائلاً "مش عايز اعمل حاجة تضايقك او اخد اى خطوة أو قرار فى حياتى ماتكونيش راضيه عليه....بس صدقينى يا ماما المرة دى مختلفة وسارة بجد غير أى حد انا شوفته وشدانى جدا ....أنا متأكد انى هعيش مرتاح معاها" ....مسدت مجدداً على كتفه قائلة "اعمل اللى يريحك يا كريم .... أنا صحيح مش مقتنعة أوى بالموضوع ده واختيارك ده بالذات وكنت اتمنالك واحدة تليق بيك بجد بس انت أدرى" عقب كريم "أنا متأكده انك لما تشوفيها هتغيرى رأيك"
.....
بعد يومين ...
ذهلت عندما أخبرها هاتفياً صباح اليوم بأنه قادم مع والده ووالدته الليلة من أجل التقدم لطلب يدها بشكل رسمى وحذرها من التدلى بأية حماقات أو التسبب فى حرج له أمام الحضور ....تتعجب لتصميمه بهذا الشكل !!....ولكن انزعاجها منه بدأ يهدأ تدريجيا مقارنة بالأيام الماضية ....
استعدت لليلة بفستان ذهبى كانت قد ابتاعته العام الماضى لتحضر به مناسبة زفاف ابنة عمها التى تعيش الآن فى إحدى دول الخليج برفقة زوجها .... ولم تكرر ارتدائه سوى مرة أو مرتين فقط .... انساب الفستان ع لى قوامها المنحوت لتشرع بعد ذلك فى وضع اللمسات التجميلية الخفيفة ثم ارتدت حجابا يقارب لونه لون الفستان .....
وعلى دخول والدتها الغرفة والتى ما أن رأتها حتى شع الإعجاب من عينيها ....تبدو سارة هذه المرة مختلفة !
"بشوفك جهزتى ولا لسه انا مش عارفه هما هيوصلوا أمتى ؟"
زفرت بحنق "يوصلوا زى ما يوصلوا بقى يا ماما"
رمقتها سامية باستغراب "مش فاهمه انتى عايزه احسن من كده أيه؟!! هو انتى كل عريس معترضة عليه مش عاجبك حد أبدا ؟!!"
هتفت بضيق معترضة "ماما مالوش لازمه الكلام ده....بتتكلمى على أساس تعرفيه كويس"
كادت والدتها تلقنها درس اً قبيل وصول كريم وأسرته فتذمرها أصبح غير اعتيادى وغير مقبول وتخشى أن تبدى أى رد فعل سئ أو أحمق هذه الليلة .....ليقاطعها صوت رنين جرس المنزل فتتأهب للمغادرة "يلا يلا وصلوا أكيد هما.... اعمليلك همة"
لتغادر وتتركها شاردة "اليوم هو المرة الأولى التى سترى فيها والد كريم ووالدته .... لم تصدق عندما أبلغها بحضورهما معه .... هذا يعنى أنه صادق فى مشاعره حقاً وجاد فى تصرفاته كما أخبروها عنه فلم القلق إذا ؟! ... .ترى كيف سيستقبلانها وماذا عن ردة فعلهم تجاهها.... مهلاً مهلاً .... تماسكى سارة فلستِ بأقل منهم أبداً !!"
.....
رحبت سامية بضيوفها وكذلك فعل الصغيرَين .... وعندما جلسوا همست فى أذن على بأن ينادى شقيقته من غرفتها فذهب....
دقيقة وخرجت سارة .... صافحت السيد والسيدة ثم جلست إلى جوار أمها ...وبالطبع لم يرفع كريم عينيه عنها لوقت طويل ولكنها تعمدت تجاهله ولم تنظر باتجاهه أبدا....
كان حديثاً روتينيا استهله رأفت الذى وجه بعض الأسئلة الاعتيادية لسارة بخصوص دراستها وطبيعة عملها لديهم فى الشركة ....بينما اكتفت سمية بسؤالها عن طموحها فى الجامعة وما بعد تلك المرحلة .. ..ليتطرق زوجها إلى سبب قدومهم أخيراً ويوجه حديثه إلى سامية وابنتها...."انتوا أكيد عارفين سبب زيارتنا دى ....واننا طبعا جايين طالبين إيد سارة.... بس انا فعلا عايز أعرف رأيها بوضوح وانا عارف كويس ان كريم لمحلها للموضوع أكتر من مرة بس عايز اسمع منها ...!"
ابتسمت سامية بامتنان "احنا أكيد نتشرف بيكم كريم شاب مهذب ودخل قلبى اول مره شوفته فيها بس طبعا زى ما حضرتك قولت الرأى رأى سارة" .... ثم توجهت الأعين نحو الأخيرة بانتظار أن تتحدث ..... و كادت أن تفعل لولا قاطعها صوت كريم الذى فجر الصدمة فى المجلس "فى حاجة بس عايزكوا تعرفوها" ثم تطلع إلى سارة التى نظرت له هذه المرة " أنا عايز خطوبة وكتب كتاب مع بعض" ..... لتتوسع حدقتيها تلقائياً وتحدق فيه بصدمة .... ولم يكن الجميع بأقل استغراباً منها !!!
نظرت له والدته بدهشة "ايه ده !....انت ماقولتلناش على كده ماتفقناش على ده أبداً"
ليقول وهو ينتقل بعينيه بين الجميع "معلش انا عارف انى فاجأتكوا بس انا فعلا عايز كده" ....ليسأل رأفت سارة التى التزمت الصمت على أثر دهشتها مما قال "سارة أيه رأيك؟!"
ازدردت ريقها ورمقت كريم بنظرة يفهمها جيداً "عندى شرط .... مش هعمل فرح قبل ما اتخرج"
كان يتوقع رفضها ولكنها فاجئته.. ..ومع ذلك يشعر بأن وراء قبولها ذاك أمر ما ...."أنا موافق"
وهنا قال رأفت "خلاص على بركة الله" ليدور حديث بين العيون المتحدية والأخرى التى قابلت التحدى بابتسامة واثقة ....