رواية شقة البخاري الفصل الثامن 8 بقلم اسماعيل موسي
#شقة_البخارى
٨
الرقم ٩٩…
كان مجرد رقم في البداية. صفحة توقفت عندها الرياح فجأة، كأنها اختارتها بالاسم
لكن لما رجع أحمد للكتاب وبدأ يقرا، لاحظ إن الصفحة ٩٩ مش زي باقي الصفحات، الخط فيها مختلف، الحبر أغمق، والسطور متباعدة بشكل مريب،وفي آخر الصفحة، تحت سطر خافت بالكاد يُرى، كان فيه نص صغير جدًا:
"إذا وصلت إلى هنا، فقد اقتربت، تسعة وتسعون، لا تكمل. الباب رقم مائة لا يفتح
أحمد ما فهمش، أو بالأحرى، رفض يفهم. لكن لما قرأ السطر ده، حس إن فيه شيء اتحرك جواه،شيء قديم، أعمق من ذاكرته، كأن الرقم نفسه بينادي عليه.
رجع للصفحات الأولى، دَوّر على أي ذكر للرقم ٩٩، ولقاه مذكور مرتين:
مرة في بداية فصل بعنوان "المدخل الآخر".
ومرة في هامش مكتوب بخط مختلف: "٩٩ هو رقم الحاجز. من بعده لا يبقى شيء كما هو."
لكن الغريب مش كده، الغريب إن الرقم ٩٩ كان محفور على إطار الباب المغلق، مش ظاهر للعين العادية، لكن بعد ما قرب أحمد منه كويس ولاحظ النقوش، شاف الرقم منحوت جوه الخشب كأنه سِرّ محفور مش مقروء إلا لمن شاف الصفحة.
وكل ما أحمد يقرا، كان الرقم يظهر له في حاجات تانية:
رقم البناية اللي ساكن فيها هو ٩٩ شارع الشيخ حسنين.
رقم الصفحة اللي سقطت من الكتاب أول يوم فتحه… كانت ٩٩.
حتى الأغنية اللي غنتها سماح، كان عدد كلمات المقطع المتكرر فيها ٩٩ كلمة.
كأن الرقم بيطارد أحمد، أو بيحضّره لشيء. شيء هيبدأ لو تجاوز الرقم ده.
هو الخط الرفيع بين الحقيقة والهوس، بين العقل والباب المفتوح على الآخر.
سماح كانت قاعدة على الأرض، بتقشر بطاطس فى طبق استانلس لما لمحت أحمد واقف ساكت عند باب الغرفة، مش بيبص له مباشرة، لكن عينه معلقة فى الفراغ حوالين الباب كأن فيه شيء مش مرئي بيحاول يتشكل.
رفعت راسها وغمغمت:
"أحمد… إنت كويس؟"
ما ردش، كأن صوتها كان بعيد، جاى من حته تانية، من عالم تاني. فمسحت إيدها فى فوطه المطبخ وقامت، وقفت قدامه، ولما شافت وشه، اتأكدت: ملامحه مش هنا. عيونه زايغة، وعضلات وشه مرتخية، كأن جزء منه تايه… أو تائه متعمد.
– "أحمد، أنا بتكلمك."
– "هاه؟ آه... آسف، سرحت شوية."
– "سرحت؟ ولا بتغرق فى دماغك؟"
قربت أكتر، وبتوتر خفيف قالت:
"بصلى كده، بصلى كويس… إنت اليومين دول مش طبيعي. كل شوية سرحان، بتكلم نفسك، وتطالع الصور كأنها بتكلمك، وفى الآخر تقولى مشغول فى الشغل؟"
سكت. معرفش يرد. فهى كملت، بصوت فيه رجاء مش تهديد:
"أحمد، الشك ساعات بيخلق واقع ملوش وجود. وإحنا هنا لوحدنا، فى شقة مش بتاعتنا، فى عالم ملوش قواعد ثابتة. لو سبنا عقلنا يمشى ورا كل تفصيلة مريبة، هنضيع…"
– "بس فى حاجات بتتغير فعلاً يا سماح… حاجات ماكنتش كده…"
– "يمكن… بس مش كل حاجه تتغير تبقى لعنة أو فخ. انت ممكن تبقى تعبان، أو بتتوتر، أو بتخلط بين اللى شوفته فعلاً واللى عقلك رسمه… افتكر بس إن إحنا اخترنا المكان ده بمزاجنا، واحنا اللى وافقنا على الشروط."
– "وسبنا الغرفة مقفولة زى الأغبيا؟"
اتنهدت، وقربت منه أكتر، بصوت واطي: "أحمد، الشك زى البحر. أول ما تغطس فيه، مش بيبقى عندك شط ترجع له. ومش كل باب لازم يتفتح، ولا كل رقم لازم نفهمه، ولا كل ظِلّ لازم نواجهه. لو بدأت تفكر إن كل تفصيلة حوالينا مقصودة… هتضيع. وهتضيعني معاك."
كان ممكن يرد. بس هو حس إن كلماتها كانت شبه طوق نجاة، مش مجرد جملة. شيء يحاول يتمسك بيه قبل ما تيجى الصفحة ١٠٠.