رواية شقة البخاري الفصل الثالث عشر 13 بقلم اسماعيل موسي
#شقة_البخارى
١٣
وقف أحمد في مكانه مذهولًا، يحدّق في الفراغ الذي اختفى فيه الرجل، كأن الأرض ابتلعته. كان قلبه يدق بسرعة غريبة، والكتاب لا يزال بين يديه، ثقيلًا كأنه يحمل داخله سرًا لا يجب لمسه.
عاد إلى الشقة في صمت، لم يخبر سماح بشيء. دخل إلى غرفة المعيشة وجلس على الأرض، ووضع النسختين من الكتاب أمامه. الغلافان متطابقان، لكن عندما فتح النسخة الجديدة، لاحظ شيئًا غريبًا: الصفحات تتحرك وحدها، تقلب نفسها ببطء كأنها تستعرض نفسها أمامه.
ثم توقفت على صفحة مكتوبة بلون أحمر داكن، يكاد يشبه الدم. وفي أعلى الصفحة، كلمة واحدة:
الانعكاس
قرأ أحمد السطور تحت الكلمة، وكانت مكتوبة بلغة غريبة،
شعر أحمد بدوار، وأغلق الكتاب بسرعة.
في اليوم التالي، تغيرت الشقة. الجدران بدأت تتنفس، حرفيًا. يسمعها وهو جالس، تتقلص وتتمدد كأنها كائن حي. الغرفة المغلقة أصبح بابها يُصدر طنينًا خافتًا كأنه يهمس له.
وفي الليل، استيقظ ليجد الهرّة البيضاء جالسة أمام باب الغرفة، تحدّق فيه بعينين واسعتين، ثم تلتفت ببطء وتنظر نحو رف الكتب.
تبعه نظرها، فرآه.
الكتاب… الذي وُضعه الليلة الماضيه على الرف
منذ أن عاد أحمد إلى الشقة ومعه النسخة الثانية من الكتاب، صار الهواء داخل المكان مختلفًا. ليس أثقل، بل كأنه "مراقب". كأن الجدران تسمع. القطة البيضاء لم تعد تترك مقعدها قرب الغرفة المغلقة، وعيناها الزجاجيتان تتبعان أحمد في كل حركة، كأنها تعرف ما جلبه معه.
في البداية، لم يحدث شيء غريب. أحمد وضع الكتاب على المنضدة قرب النسخة الأولى، ونسي الأمر. لكنه استيقظ بعد منتصف الليل، بلا سبب واضح، على همسات.
لم تكن في الغرفة.
كانت بين الصفحات.
قام ببطء، مشى إلى الطاولة. كان الكتابان متجاورين، لكن الجديد انفتح وحده، على صفحة لا تحمل كلمات، بل فقط نقشاً واحدًا:
رمز يشبه عينًا نصف مغلقة، وأسفلها خط مائل كأنه جرح.
سماح استيقظت على صوت خافت يشبه "تنفس غريب" داخل الشقة. خرجت من غرفة النوم، رأت أحمد واقفًا أمام الكتاب، شاحبًا، وعيناه تحدقان في الصفحة كأنه لا يراها.
– أحمد؟
لم يرد.
– أحمد!
هزته بقوة، فارتد كأنه كان نائمًا بعينين مفتوحتين. تنفس بسرعة، وتمتم:
– هو جوه… في الصفحة دي… بين الحبر والنقش. بيحاول يخرج.
سماح أمسكت الكتاب ودفعت غلافه ليُغلق، لكنها صُدمت:
الغلاف لم يتحرك.
الكتاب كان دافئًا، كأن له حرارة. وحين حاولت رفعه، شعرت بنبض خافت ينبعث من داخله.
في الصباح، لاحظ أحمد أن النسخة الأولى بدأت تتغير. هناك سطرٌ كان يعرفه جيدًا اختفى. بدله، ظهر نقش باهت مشابه للذي في الكتاب الثاني.
كأن السحر بدأ ينتقل. كأن العدوى بدأت تنتقل من كتاب لكتاب
في الليلة التالية، أثناء نومه، حلم أحمد بأنه واقف داخل نفس الغرفة المغلقة، رغم أنه لم يدخلها في الواقع.
لكن في الحلم…
كانت الجدران سوداء بالكامل، مكتوبة بحروف تنزف، وكان هناك ظل طويل يقف في الزاوية، لا يتحرك، لكن عينيه مفتوحتين عليه تمامًا.
استيقظ فزعًا، فوجد النسخة الثانية من الكتاب مفتوحة بجواره… والرمز الموجود على الصفحة، لم يكن مرسومًا بالحبر، بل محفورًا فعليًا داخل الورق.
الساكن تحت النقش