رواية شقة البخاري الفصل التاسع عشر 19 بقلم اسماعيل موسي
#شقة_البخارى
١٩
كان وجهه شاحب مثل الليمونه بقلق همس انتى كويسه؟
فتحت سماح عيونها برييه ثم رفعت جسدها
احمد ؟ انت بخير؟
اطلق احمد ابتسامه باهته المهم انتى تكونى بخير
انا شوفتك جوه الغرفه يا احمد، شفتك بتختفى
اختفى اروح بين يا سماح دى مجرد غرفه!!
وقف أحمد أمامها، يبتسم ابتسامة شاحبة.
عينيه — تلك العيون التي كانت تعرفها طوال سنوات، أصبحت أكثر اتساعًا، أعمق ظلالًا، وكأن داخله مساحة لا نهائية.
قال بنبرة هادئة:
"أنا هنا يا سماح… معاك، وعمري ما هسيبك."
سماح نظرت له مطولًا، شيء مبهم كان في نبرته، مزيج من الدفء البعيد والبرود الغريب، لكنها حاولت أن تتجاهله، لتمسك بكفه البارد، ولثانية شعرت بارتجافة ضعيفة مرت فيها.
"مفيش حاجة يا أحمد… كله كابوس وراح."
رفع أحمد يده يتحسس خدها بحركة بطيئة، أطراف أصابعه بدت كأنها تبحث عن ملمس كان يعرفه منذ زمن… أو يختبره للمرة الأولى.
قالت سماح وهي تتنفس ببطء:
"احنا لازم نمشي من هنا، نمشي الليلة."
أحمد نظر لها طويلًا. ثم انحنى ليجمع الكتب المتناثرة، أصابعه تقلب الصفحات، وكأنها تعرف ترتيبها دون وعي.
وقف، والتفت ناحية الغرفة المغلقة، التي لم تعد مغلقة تمامًا — بابها موارب، ظلامها ممتد كلسان من الضباب.
قال:
"لسه في حاجة ناقصة…"
نظرت سماح إليه، لكنها لم تجد ملامح وجهه كما كانت… نفس الملامح، لكنها مكسوة بطبقة لم تفهمها. لم يكن أحمد فقط.
كان شيء آخر يقف بثيابه.
وفي تلك اللحظة، عبر تيار هواء حاد من الغرفة، أطفأ شمعة قديمة في الزاوية، ارتجف معه الحائط الخشبي.
سماح شهقت:
"في إيه؟!"
أحمد رفع وجهه، وبهدوء مبهم همس:
"لسه فيه باب لازم يتقفل… قبل ما نخرج."
وفي صدره، كان الكيان الذي خرج من الغرفة… يسكن الآن جلده وعينيه، يختبر العالم الجديد من خلاله… دون أن يُعلن عن وجوده.
أحمد وضع الكتب فوق الطاولة بعناية شديدة، وكأن ترتيبها بهذه الطريقة تحديدًا يحمل أهمية أكبر مما يبدو. لمس غلاف الكتاب الثاني بأطراف أصابعه، ثم فتحه عند الصفحة التي توقفت عندها الحروف من قبل…
خطوط غريبة، أشكال متداخلة، ووسطها رسم لباب محفور عليه رقم (99).
جلس أحمد على طرف الأريكة، يتأمل الغرفة التي بدت هادئة على غير عادتها. الكتب مكدسة فوق الطاولة، والغرفة المفتوحة خلفه لا يصدر عنها شيء.
التفت إلى سماح، التي كانت تحتسي ماءً ببطء، ووجهها شاحب:
"أنا آسف يا سماح… يمكن كنت عنيد أكتر من اللازم."
سماح نظرت له مطولًا، ثم أطرقت برأسها:
"أنا كمان يمكن كنت خايفة بزيادة… بس لو حد غيرك كان هنا، ماكنش هيقدر يوصل للي انت عملته."
أحمد ابتسم ابتسامة دافئة، مسح على يدها، ثم قال:
"الموضوع كله في الكتاب التاني… زي ما توقعت. هو اللي كان ماسك اللغز كله."
وأشار للكتاب المغلق الآن على الطاولة، وعليه بقعة صغيرة كأنها علامة زمن قديم.
"سماح، الكتاب ده مش زي الأولاني… ده أشبه بمفتاح تصحيح. في صفحاته تفاصيل إزاي تقفل المسارات المفتوحة، وتمنع الحوادث اللي حصلت قبل كده."
سماح زفرت بصمت، وقالت:
"طيب… هتعمل إيه دلوقتي؟"
وقف أحمد، وجمع الأوراق والكتب، ثم حملهم ناحية الغرفة المغلقة. نظر بداخلها للمرة الأخيرة. المرقد الحجري ما زال مكانه، لكن الآن بدا كأن الغبار غطى معالمه من جديد، كأن الزمن أغلق عليه.
وضع أحمد الكتب فوق المرقد، وأغلق الباب بهدوء.
ثم عاد إلى سماح:
"هنمشي من هنا، سماح. خلاص… البيت ده مش لينا."
سماح عقدت حاجبيها:
"وهتسيب اللي وراك كده؟"
هز أحمد رأسه:
"المكان ده هيفضل يحمل أسراره، بس طالما احنا بعدناه عن أذانا… ده كفاية."
لم تنطق سماح بشيء، لكنها شعرت أن الحمل الذي ظل يطاردها منذ أيام قد خف.
تقدما معًا نحو الباب، وأحمد يطفئ النور وراءه، حتى لم يتبقَ سوى ضوء شاحب على باب الغرفة المغلقة.
قبل أن يخرج، نظر أحمد للمكان وهمس:
"سلام يا بخاري."
ثم أغلق الباب خلفه.
وفي الداخل… بقي كل شيء ساكنًا.