رواية فتيات القصر الفصل التاسع 9 بقلم اسماعيل موسي
#فتيات_القصر
٩
مع انبلاج الصباح، ارتدت راما فستان الخدم الرمادي الداكن، وشدت خصرها بحزام قماشي بسيط. شعرت بثقل جسدها، لكنه انصاع لحركة يديها. انعكاس وجهها في مرآة الغرفة الصغيرة بدا شاحبًا، وشيئًا من التعب القديم استقر خلف عينيها.
خرجت إلى الحديقة الملكية كعادتها، الهواء معبق برائحة الورد الإنجليزي وأزهار الزنابق البيضاء، والندى يلمع على الأوراق. أمسكت بمقص التشذيب وراحت تقلم الورود بدقة متناهية، تحرص أن تنزع ما ذبل من أوراقها دون أن تؤذي الساق. الحديقة كانت عالمها الخاص، مساحة تعرفها أكثر من ذاتها.
لكنها لم تعد كما كانت.
منذ تلك الليلة في جناح السيد، شعرت أن الأرض تحت قدميها تعرف ما جرى. وأن الزهور تراقب. حتى المدفأة الحجرية القديمة في زاوية الحديقة بدت وكأنها تتنفس بثقل.
في الظهيرة، وصلها أمر شفهي من لارينا —
"بعد الحديقة… إلى المكتبة الشرقية. السيد طلب ترتيب الأرفف بنفسك."
لم تجادل.
أنزلت أدوات الحديقة، غسلت يديها بماء الورد في الحوض الرخامي، ثم توجهت للمكتبة الشرقية.
الغرفة فسيحة، يغمرها ضوء غائم من نوافذ عالية مغطاة بستائر ثقيلة، ورفوف خشبية ممتدة حتى السقف.
بدأت في تنظيم الكتب. عناوين بجلد فاخر، وأغلفة من جلد الغزال. لم تكن القراءة من شؤون الخدم، لكن بعض العناوين جذبت عينيها:
"فن السيطرة الصامتة"، "مذكرات رجل نبيل"، "أسرار البيوت القديمة".
كل كتاب كانت تلمسه، وكأن بينه وبين السيد صلة.
بعد المكتبة، انتقلت إلى ترتيب الردهة الرئيسية. زهور الكاميليا البيضاء طلبها السيد بنفسه. كان يكره الزهور الحمراء في الشتاء. وضعت المزهرية البلورية فوق الطاولة المستديرة، حيث تعكسها مرآة كبيرة بإطار نحاسي.
كان عليها أن تنسق الزهور بشكل عشوائي… لكن السيد كان يميز العبث المتعمد من الفوضى الحقيقية.
مع كل عمل، كانت تنفذ بدقة زائدة.
لم تكن خائفة من العقاب بقدر ما كانت تتحدى ذلك الصوت الغامض الذى همس لها:
"لا حاجة للسوط."
في قلبها، وعدت نفسها أن تظل في القصر بلا أخطاء.
أن تُنفّذ أوامره ببرود، أن تسلبه متعة السيطرة على خوفها.
لكن حين عادت إلى غرفتها مساءً… وجدت على سريرها ورقة صغيرة، مكتوبة بخط السيد المتقن:
"رائع.
هل تحب العيون حين تنظر ولا تسأل؟
تجمدت في مكانها.
لم تفهم هل هذا رضا؟ أم تهديد مقنّع؟
وقبل ان تستغرق فى تساؤلاتها طلبتها لارينا
____-_______
عاينتها لارينا بدقه كأنها باقة ورد قبل أن تقول هناك مهمه أخرى تنتظرك، بدلى ملابسك، الليله ستقدمين القهوة فى غرفة السيد.
____وقفت راما على باب غرفة السيد تحمل بنفسها صينية القهوة المعتادة — وهو أمر نادر، إذ يُرسلها عادة خادم آخر.
طرقت مرة.
لم يرد.
طرقت ثانية.
صوت هادئ أجاب:
"ادخلي."
دفعت الباب.
كان الظلام أثقل من الليلة السابقة.
المدفأة خافتة، والموسيقى لا تزال "Adagio" لكن أبعد، كأنها تأتى من طابق آخر.
تقدمت. وضعت الصينية على الطاولة.
انتظرت.
صوته جاء بعد لحظة:
"لا حاجة لكِ بالبقاء الليلة. عملك… ممتاز."
كادت أن تتنفس براحة… لكن جزءًا منها خاب.
انحنت برشاقة.
"أوامرك سيدي."
ثم انسحبت.
حين أغلقت الباب خلفها، أدركت شيئًا:
هو لم ينته منها.
لكنه… يتركها تختنق بتوقعاته.
فى هذا القصر… العقاب لا يأتى بالسوط وحده. أحيانًا… يكفي أن يُترك الباب مواربًا.
**
فى المساء، جلست تالين بجوارها قرب نافذة الردهة الشرقية:
"يبدو أنكِ نجوتِ الليلة… لكنه لن يترككِ."
ابتسمت راما — ابتسامة واهنة:
"دعيه يحاول."
ثم أغمضت عينيها مستسلمه للنوم ، بينما جرس الساعة القديمة يعلن الحادية عشرة…
والموسيقى ترتفع من جناحه مجددًا.