رواية اشتقت لها الفصل الثاني 2 بقلم ميزو

رواية اشتقت لها الفصل الثاني 2 بقلم ميزو

 رواية اشتقت لها الفصل الثاني 2 بقلم ميزو


"انا .. أسفه... ميرال..م....ماتت "

لم تكد كلمات الممرضة تخرج حتى شعرت وكأنها أطلقت رصاصة في صدره، صوته ارتجف وهو يكرر بدهشة غير مصدّق:

"ماتت؟"


لم تمنحه فرصة لالتقاط أنفاسه، فأضافت بصوت خافت وكأنها تخشى من وقع الخبر:

"وال… والبيبي اللي في بطنها كمان… مات."


بدت ملامحه وكأنها انهارت في لحظة، عينيه اتسعتا واللون انسحب من وجهه، ثم اندفع يحاول النهوض رغم الألم المشتعل في جنبه، صوته مبحوح وهو يصرخ:

"سيبوني! عايز أروح لها… ميرال!"


الممرضان حاولا الإمساك به، لكن جسده كان يقاوم بجنون، وصرخاته تمزّق الصمت من حوله. كانت دموعه تتساقط بلا توقف، وصوته يختنق وهو يصرخ باسمها:

"ميرال! سامعاني؟ أنا هنا… ميرال!"


اندفع أكثر، فجُرحه العميق انفتح من جديد، والدماء سالت بغزارة على ثيابه البيضاء. الطبيب أسرع نحوه وهو يرفع صوته بصرامة:

"حالتك متسمحش تتحرك! لو قمت دلوقتي حياتك هتبقي في خطر!"


لكن وسيم كان غارقًا في وجعه، لا يرى ولا يسمع إلا اسمها يتردد في قلبه وعقله.


وفي تلك اللحظة، خارج الغرفة، كان يقف رجل مريب، ملامحه مخفية خلف قبعة ووشاح أسود لا يظهر منه سوى عينين يملؤهما الشرّ. كان واقفًا بلا حركة، يستمع إلى صرخات وسيم وقهره، وابتسامة باردة ترتسم خلف القماش، وكأن صوت الانكسار كان موسيقىً يستمتع بها.


الطبيب التفت إلى الممرض:

"هاتوا حقنة مخدّر فورًا… لازم نسيطر عليه."


اقترب أحد الممرضين، أمسك بذراع وسيم، وغرز الإبرة في وريده بسرعة، بينما هو ما يزال يقاوم ويكرر بصوت منهك:

"ميرال… ميرال…"


بدأ صوته يخفت تدريجيًا، وجسده يستسلم لثقل المخدّر، حتى سقط رأسه ببطء على الوسادة، ووعيه انطفأ تمامًا.


استلقي علي السرير، والدماء ما زالت تتسرب من جنبه. الطبيب بدأ على الفور بتعقيم الجرح وخياطته من جديد، والممرضة تراقب مؤشر نبضه الذي يتقلب بين الارتفاع والانخفاض.


وفي الخارج، كان الرجل المجهول يخطو مبتعدًا بهدوء، وكأن ما سمعه للتو كان كافيًا لإشباع ظمأه للشر، تاركًا خلفه ممرًا يعجّ برائحة الدم والصمت الموحش.


.............


جريت جوري على باب المستشفى وهي بتلهث، شعرها خارج من طرحتها من كتر ما كانت بتجري، ووشها متغير من الخوف. وراها أمير جوزها بيجري هو كمان، نفسه عالي، وعينيه مليانة قلق.


دخلوا الاستقبال بسرعة، جوري بصوت متوتر:

– "لو سمحت… ميرال… فين؟"


الممرضة بصتلهم بسرعة وقالت وهي بتقلب في الورق:

– "غرفة العمليات… الطابق التاني، أوضة رقم خمسة وسبعين."


ما استنوش يكملوا كلام، جوري مسكت إيد أمير وجرته معاها، خطواتهم سريعة وصوت كعبها بيرن في الممر الفاضي.


أمير وهو بيحاول يسبقها شوية علشان يهديها:

– "جوري… متخافيش، أكيد أختك ميرال كويسة… مفيهاش حاجة… هتلاقيها بخير إن شاء الله."


جوري بصوتها المبحوح من العياط:

– "مش قادرة… حاسة قلبي هيقف… لازم أشوفها دلوقتي."


وصلوا قدام الدور، والممر طويل، أنوار النيون البيضا بتنور وتطفي مع خطاهم السريعة. ريحة المستشفى الممزوجة بالمطهرات والخوف كانت خانقة.


جوري جريت أول ما شافت رقم الأوضة، قلبها بيدق بسرعة، دموعها نازلة، وإيديها بترتعش وهي بتقرب من الباب، وكل تفكيرها بس إنها تلحق تطمن على أختها.






..........

خرج الدكتور مسرعًا من عند وسيم، وجهه محمر من الغضب، وبصره صارم يلتقي بعيني الممرضة التي كانت واقفة مرتبكة.

– "إنتي إزاي تعرّضي حالة المريض للخطر كده؟ إزاي تقولّي له خبر وفاة مراته وهو لسه حالته في خ*طر؟"


ارتجفت الممرضة ولم تعرف ماذا ترد، كلماتها تعلق في حلقها.

– "إنتي عرفتي منين أصلا إنها ماتت؟" زاد الدكتور صوته شدة، والحدة فيه تتخلل أجواء القسم كأنها صفعة على وجوه الحاضرين.


ترد الممرضة بخوف:

– "الممرضة اللي  بتراقب حالتها قالتلي… هي اللي قالتلي إنها ماتت."


اقترب الدكتور بسرعة، قبض على يدها بحزم وقال لها:

– "تعالي معايا نشوف الكلام ده صح ولا لا ."


ذهبوا الي الغرفة ووجوههم متوترة، ليجدوا جوري وأمير واقفين عند الباب، عيونهما مليئة بالقلق والارتباك، كان جسد جوري يرتعش من العياط، وأمير يحاول يخفف عنها ما استطاع.


دخل الدكتور الغرفة ونظر حوله، ليجد ميرال على السرير، الأجهزة تعمل ونبضها مستمر. دهشة الممرضة كانت ظاهرة على وجهها، لم تصدق ما تراه:

– "إزاي كده؟ أنا كنت متأكدة إنها ماتت!"


سأل الدكتور الممرضة التي تتابع حالة ميرال، صوته لا يزال شديدًا:

– "إيه حالتها دلوقتي؟"


أجابت الممرضة مترددة:

– "لسه مش مستقره… بس بيحاولوا يسيطروا عليها… وهي حاليا في غيبوبة."


التفتت الممرضة الأخرى بعينين متسعتين:

– "فين الممرضة اللي كانت بتتابع حالتها؟"


ردت الممرضة المتابعة بصوت مرتجف:

– "أنا اللي بتابعها."


– "لا… مش انتي… في واحدة تانية… هي اللي قالتلي إنها ماتت، وكان في جنين في بطنها كمان مات." قالت الممرضة الأخرى، وكأنها توجه صاعقة للمكان.


أجابتها الممرضة المتابعة بخوف:

– "أيوه… الجنين فعلاً مات… بس هي نفسها ما ماتتش… هي في غيبوبة."


نظر الدكتور إليها بعينين حادتين وقال بصوت مخنوق بالغضب:

– "مرّة تانية… متصدقيش حد… والغلط دا ما يتكررش… المريض كان ممكن يموت فيها!"


هزّت الممرضة رأسها بخوف وطاعة، وخرج الدكتور من الغرفة.


اقتربت جوري بخوف وسألته:

– "الدكتور… ميرال… عامله ايه؟"


أجابها الدكتور بصوت هادئ نسبياً، لكنه صارم:

– "لحد دلوقتي حالتها كويسه ." ثم أعطاهم لمحة قصيرة وغادر الغرفة.


نظر أمير إلى جوري، وابتسامة بسيطة ترتسم على وجهه رغم القلق، وقال لها:

– "مش قولتلك… هتبقي كويسة."


توقفت الممرضة في مكانها، وعيناها تتسعان في ذهول، وكأن عقلها يحاول استيعاب ما قيل لها للتو. همست لنفسها:

– "أومال مين الممرضة اللي قالتلي إن ميرال ماتت؟ وليه عملت كده؟ هدفها إيه؟"


ظلت لثوانٍ غارقة في حيرتها، قبل أن تتنفس بعمق، كأنها قررت أن تتجاهل الأمر تمامًا. اعتدلت في وقفتها، وأدارت وجهها مبتعدة عن الدكتور الذي لا يزال ينظر إليها بصرامة.


........


بدأ وسيم يفتح عينيه ببطء، ملامحه مرهقة، وأنفاسه ثقيلة، حتى انكشف له وجه ياسر الجالس بجواره على الكرسي، عيناه مليئتان بالقلق والخوف. كان جسده مائلًا للأمام، وكأنه يراقب أي حركة تصدر من صديقه.


ابتسم ياسر ابتسامة باهتة فور أن رآه يستفيق، وقال بصوت منخفض:

– "حمد لله على سلامتك يا وسيم… خوفتني عليك أوي."


لكن وسيم، ما إن بدأ يستعيد وعيه، حتى قفزت إلى عقله صورة تلك الممرضة وهي تلقي عليه الخبر القاتل: "ميرال ماتت". شعر بوخز في قلبه، ودموع حارقة كادت تفرّ من عينيه، فاندفع محاولًا النهوض رغم الألم.


– "لا… لازم أروح لها دلوقتي!" قالها بانفعال، محاولًا إبعاد الغطاء والنهوض.


لكن ياسر أمسكه بقوة، ضاغطًا على كتفه ليمنعه من الحركة:

– "استنى يا وسيم… إنت لسه جرحك مفتوح، متعملش كده!"


صرخ وسيم بعينين مغرورقتين:

– "سيبني! ميرال… ميرال... أنا لازم أشوفها!"


هزّ ياسر رأسه بسرعة، ممسكًا بيد صديقه ليهدّئه:

– "اسمعني كويس… فيه غلط حصل، ميرال لسه عايشة، مماتتش!"


توقفت أنفاس وسيم لثانية، وكأنه يحاول التأكد من أنه لم يَحلم بما سمعه للتو. نظر لياسر نظرة ارتباك وأمل في آن واحد، وصوته يرتجف:

– "إنت بتقول إيه؟… ميرال… عايشة؟"


ابتسم ياسر بخفة، وربّت على يده:

– "أيوه يا صاحبي… عايشة، اطمن."


عادت الدماء لتجري في وجه وسيم، وارتسمت على ملامحه ابتسامة مرتبكة، امتزجت بين الصدمة وفرحة لم يكن يظن أنه سيشعر بها ثانية.


بعد لحظات ظل وسيم يحدّق في ياسر، وكأن عقله يرفض أن يصدّق بسهولة، ثم ضاق بعينيه قليلًا وقال بصوت متردد:

– "إنت… إنت مش بتقول كده بس عشان متخلّينيش أشوفها، صح؟"


تنفّس ياسر بعمق، محاولًا أن يحافظ على هدوء صوته:

– "يا وسيم، أنا بقولك الحقيقة، بس حالتك—"


قاطعه وسيم بعناد، مقاطعًا أنفاسه المتلاحقة:

– "مش هطمن غير لما أشوفها… دلوقتي! عايز أروح لها فورًا."


اقترب ياسر منه، ضاغطًا على كتفه برفق ولكن بحزم:

– "إنت لسه مش قادر تقوم، جرحك محتاج—"


رفع وسيم صوته بغضب مكتوم:

– "ياسر! أنا مش هرتاح ولا هنام ثانية إلا لما أشوفها بعيني… لو بتحبني وبتخاف عليّ، متمنعنيش."


ظل ياسر صامتًا لثوانٍ، عينيه تلمعان بالقلق، وكأنه يقيس مدى إصرار صديقه، لكنه رأى العناد في وجه وسيم واضحًا كالشمس.


مد ياسر يده ليسند وسيم، واضعًا ذراعه حول خصره ليعينه على النهوض. تحرّك وسيم بخطوات بطيئة وثقيلة، كل خطوة تُشعل في جسده ألمًا حارقًا، لكن عينيه لم تفارق الممر الممتد أمامه، وكأنه لا يرى شيئًا في الدنيا سوى الطريق المؤدي إلى ميرال.


– "استحمل شوية يا وسيم… قربنا"، قالها ياسر بصوت مشفق.

– "مش مهم الألم… المهم أوصل لها"، رد وسيم وهو يضغط على أسنانه ليتحمل الوجع.


تحرّك وسيم متكئًا على ياسر، كل خطوة تزيد من ألمه، لكنه تجاهل كل شيء، عينيه معلّقتان بالممر الذي يقوده إلى غرفة ميرال. كان قلبه يخفق بعنف، بين الخوف والاشتياق.






وصل الاثنان أمام باب الغرفة، حيث كانت جوري جالسة وبجانبها أمير. وما إن رفعت جوري رأسها ورأت وسيم، حتى تغيّر وجهها بالكامل، واتسعت عيناها بغضب حاد، فقامت واقفة في لحظة، وخطت نحوه بخطوات سريعة.


صرخت في وجهه بصوت مرتجف من الانفعال:

– "إنت لسه عايش؟! إنت جاي هنا ليه؟! مش كفاية اللي حصل لميرال بسببك؟!"


تجمّد وسيم مكانه، وكأن الكلمات أصابته في صدره مباشرة، عيناه تلمعان بذهول، وفمه عاجز عن النطق.


تقدمت جوري أكثر، ويدها ترتعش وهي تشير إليه:

– "إنت السبب في كل اللي حصل! لو ماكنتش في حياتها… ماكانش ده هيحصل!"


التفتت بسرعة نحو ياسر الذي وقف مذهولًا هو الآخر، وقالت بحدة:

– "إبعده من هنا… قبل ما أفقد أعصابي أكتر!"


بقي الصمت يخيّم للحظة، وسيم ما زال ينظر إليها وكأن الأرض انشقت تحته، بينما ياسر واقف لا يعرف ماذا يقول، مصدومًا من حدة هجومها علي صديقه 


تقدمت جوري نحوهما أكثر، لكن ياسر وقف أمام وسيم بخطوة سريعة، وكأنه يحاول حمايته من سيل الكلمات.

قال ياسر بجدية:

– "جوري، الحادث حصل فجأة… وسيم ملوش ذنب فيه."


لكن جوري لم تهدأ، بل ازدادت حدة في صوتها وعينيها:

– "ملوش ذنب؟! من يوم ما دخل حياتها وهي عايشة في عذاب و مشاكل، وخطر، ووجع… وكل ده بسببه."


حاول ياسر أن يرد، لكن جوري لم تترك له مجالًا، فأشارت بيدها نحو وسيم بعصبية:

– "إبعد عنها، وسيبها تعيش حياتها من غيرك… يمكن ساعتها تلاقي السلام اللي اتحرمت منه من ساعة ما دخلت حياتها."


وقف وسيم في مكانه، يحدّق في الأرض، ووجهه شاحب، وكأن كل كلمة سمعها كانت تثقل على صدره أكثر. أما ياسر، فظل ينظر لجوري بعينين ممتلئتين بالغضب المكبوت، لكنه التزم الصمت بعدما أدرك أن الحديث معها في تلك اللحظة لن يغيّر شيئًا.


وقف وسيم في صمت، وملامحه تحمل حزناً عميقاً، كأن كلمات جوري الأخيرة قد أثقلت قلبه. أسند ظهره على الحائط البارد، وأغمض عينيه للحظة يحاول استيعاب ما سمع. ثم مد يده ببطء، ودفع باب الغرفة المفتوح بحذر، ودخل.


رفع ياسر رأسه، ونظر إلى وسيم بعينين ممتلئتين بالحزن، بينما أغلق وسيم الباب خلفه بهدوء ثقيل، كأن الغرفة أصبحت فجأة عالماً مستقلاً مليئاً بالوجع.


توجه ياسر نحو جوري بنبرة مليئة بالاستنكار والغضب:

– "انت مكنش لازم تقولي الكلام دا قدامه ....ايـــه مبتحسيش ...مش ميرال بس اللي اتعرضت للخطر وسيم كمان وانت متأكد انه حاول يحميها بكل طاقته؟"


حدقت جوري فيه بعينين لامعتين بالغضب، ونبرة صوتها كانت حازمة لا تقبل الجدال:

– "قول لصاحب يبعد عن اختي..ولما ميرال تتحسن وتطلع من المستشفي يطلقها ويبعد عنها"


ارتعش ياسر قليلاً من وقع كلماتها، وصمت للحظة، محاولاً استيعاب قسوة ما تسمعه. ثم، بعد لحظة من اليأس، تنهد بعمق، وأدرك أنه لا جدوى من الجدال أو المناقشة، فتراجع عن الغرفة ببطء، وهو يسحب قدميه كمن يجر ثقل العالم كله وراءه، تاركاً الجراح والكلمات المرة خلفه.


.........


وقف وسيم على حافة السرير، عيناه تعلقا بوجه ميرال المستلقية، محاطة بالأجهزة الطبية التي تصدر أصواتها المتقطعة، كأنها تقيس كل نفس وكل خفقة من قلبها. غصة قوية غاصت في قلبه، ووجعه ازداد حين تذكر مشهد إطلاق النار عليها، ورجفة جسدها حينها، شعور بالعجز تملكه: لم يستطع حمايتها، ولم يستطع إنقاذها، وكان مجرد شاهد على ألمها.


أغمض عينيه للحظة، يحاول استجماع شجاعته، لكن الصور تتكرر في رأسه بلا رحمة. شعر وكأن كل دمعة لم تسقط حينها كانت تجرحه الآن، وكل لحظة عجزه عن التصرف أصبحت ثقلاً على صدره، يكاد يخنقه.


اقترب منها ببطء، جلَس على طرف السرير، ومد يده المرتجفة نحو يدها الباردة، وأمسكها بين كفيه، ضامناً إياها وكأنها الجزء الوحيد من العالم الذي لا يريد أن يتركه. شعر بحرارة دموعه تتدفق، تسيل على يده، وعلى السرير، وتختلط بصوت الأجهزة المستمرة في الرنين، كأنها تقرأ حزنه بصمت.


همس بصوت مكسور، تتخلله شهيقاته المتقطعة:

– "انا السبب.... انا السبب في كل حاجه حصلت لك... سامحني"


ارتجف جسده كله، وظهر له وكأن كل العالم ينهار من حوله، كل حزن وفشل وذنب تجمعوا في لحظة واحدة. رفع عينيه نحو وجهها، يتفحص كل تفصيلة صغيرة، وكل شفة مرتجفة، وكل نفس يخرج من صدرها كان كأنه صاعقة في قلبه، تزيده شعوراً بالذنب والحب والقلق في آنٍ واحد.


ضم يده إليها أكثر، وهو يتمتم بصوت خافت، كأنه يتوسل لها أن تبقى:

– "متسبنيش...عشان خاطري...اوعي تبعدي عني...مش هقدر اعيش من غيرك....ميرال والنبي متسبنيش"






الهواء في الغرفة أصبح ثقيلاً، ووسيم يشعر بكل ثانية تمر وكأنها دقيقة من عمره، وكل جهاز ينبض ويصدر صوته كأنه يذكره بأن حياته وميرال الآن متشابكتان، وأن أي لحظة يمكن أن تغيّر كل شيء. شعوره بالمسؤولية، بالخوف، وبالحب، أصبح كله موجة واحدة تبتلعه بالكامل، تاركًا له قلبًا يئن وعينين لا تستطيع أن تفارقها


وضع يده الأخرى على بطنها، على الابن الذي لم يُولد بعد، الطفل الذي كانوا ينتظرونه بفارغ الصبر، والذي رحل قبل أن يرى نور الحياة، قبل قبل ان يراه يذوق الفرحه وهوا يحمله بين يديه....رحل واخذ جزء من قلبه معه 


ارتجف جسده كله، وارتجفت أصابعه على بطنها كما لو كان يحاول الإمساك بالحياة نفسها، لكن لا شيء يمكنه إرجاع ما فقده. شعر بأن قلبه ينفطر، وأن العالم كله ينهار حوله. سند رأسه على يدها وعلى السرير، وكان كل خفقة من قلبها كالسكاكين تغرس فيه ألمًا جديدًا.


بدأ يبكي بكاءً عميقًا، بكاءً يخرج كل شيء في داخله: حزنًا، غضبًا على نفسه، شعورًا بالذنب، خوفًا من فقدانها، وقهرًا على الطفل الذي لم يشهد العالم. كانت دموعه تتساقط على يديها، وعلى البطن الذي احتضن طفلهما المفقود، وكأنها محاولة يائسة لنقل جزء من حزنه إليها، ولمواساة قلبه المحطم.


همس بصوت محبوس بين الشهيق والدموع:

– "حرموني منه....قتلوه....ذنبه ايه طيب...ذنبه ايه"


ارتعش جسده بالكامل، وظهر وكأن كل العالم يتهاوى من حوله، والأجهزة الطبية التي تصدر أصواتها المستمرة أصبحت كأنها تعكس كل نبضة من قلبه المحطم. ظل وسيم ممسكًا بيدها والاخري  علي بطنها، لا يفارقهما، كما لو أن كل شيء قد انتهى، وكل أمله صار متعلقًا بها، بها وبالطفل الذي رحل قبل أن يرى وجهه.


دخلت الممرضة بهدوء، كأن كل خطوة منها تخاف أن تصرخ بها الجدران، تحمل بين كفوف يديها شيء صغير ملفوف بعناية في قطعة قماش بيضاء، لم يتجاوز خمسة أشهر. كانت القماشة تغطي جسدًا هشًا لا يعرف العالم بعد، لكن نظراته الصغيرة كانت تكفي ليجعلك تدرك حجم الخسارة.


توقف وسيم عن كل شيء، نظراته تتبع كل حركة للممرضة، قلبه يرفرف بعنف، يرفض عقله أن يصدق ما تراه عيناه. اقتربت منه الممرضة بصمت، ووضعت الجسم الصغير بين يديه. صوته حُبس في حلقه، دموعه تسبقه قبل أن يلتفت إلى الغرفة، إلى كل زاوية كانت شاهدة على حلمه باللحظة التي سيحمل فيها ابنه حيًا بين ذراعيه، وليس هكذا، ملفوفًا بالقماش الأبيض… ليدفنه.


ارتعشت يداه وهو يلمس القماش الناعم، يحاول أن يشعر بحرارة جسد صغير، لكنه لم يجد شيئًا إلا البرودة القاسية التي تقطع الروح. قلبه تمزق بين صرخة صامتة ووجع لا يوصف، وكل شيء حوله أصبح باهتًا، حتى الهواء، حتى اللحظات التي كانت تتسابق لتملأ قلبه بالسعادة، تبددت في ثوانٍ.


حاول أن يبعد نفسه عن الألم، لكن كل نظرة إلى ابنه الصغير كانت كأنها تخترق روحه، تتركه عارياً أمام الحقيقة الموجعة. وبدأ يبكي بصمت، دموعه تسقط على القماشة البيضاء، كأنها تحاول أن تمنحه دفءً لم يتمكن هو من منحه.........


.........


الشارع مظلم، والرياح تعصف بطرحتها، ودموعها تتساقط بلا توقف. كانت تجري بسرعة، قلبها ينبض بعنف، ويدها ترتجف وهي تمسك الهاتف، تحاول الاتصال بصوت خافت مرتجف:


– "وسيم… والنبي… رد عليا… والنبي… رد…"


الخط مقطوع، الرقم مقفول. التفتت حولها، عينها تتفحص الظلال، وشيء ما يقترب بخطوات خافتة خلفها. اندفعت خلف سيارة متوقفة، تتشبث بالهاتف مجددًا، تحاول أن تصل لمن يستطيع مساعدتها قبل أن يلتهمها الخوف.


– "رد عليا بقاا"


نهضت وهيا تنظر خلفها وقلبه يخفق بسرعه من شدة خوفها صرخت بأعلى صوتها "حد يلحقني........ساعدوني "


لكن صمت رهيب يملأ المكان، والهواء البارد يصفع وجهها، وكل ثانية كأنها دقيقة، وكل خطوة خلفها تزيد من رهبة اللحظة…


#اشتقت_لها

#البارت2


هتسألوا نفسكم عن الشخصيات مين دي ومين دا والف سؤال داير في دماغكم دلوقتي استنوا واحده واحده وهتكتشوا كل حاجه 

عايزه تشغلوا عقلكم وتكتشوا مين اللي ورا اللي حصل تابعوا الاحداث و عايزه اشوف الذكي اللي هيكتشف مين السبب وليه 


                 الفصل الثالث من هنا 

تعليقات
تطبيق روايات
حمل تطبيق روايات من هنا



×