رواية نوح الباشا الفصل الخامس عشر 15 بقلم ندا الشرقاوي


 رواية نوح الباشا الفصل الخامس عشر 15 بقلم ندا الشرقاوي


#الفصل_الخامس_عشر 

-وامرأته سوف اتمتع بها وامتلكها قبله ،وهذا ما يزبح الرجُل الشرقي، امراته .


السواد يملئ المكان ،والقلب ملغم بالكُره والحقد ،عالم بعيد عن الحلال ،عقارب في هيئة بشر .


……….

في صباح يوم جديد في منزل "الباشا"

كانت وفاء تقف في المطبخ تحضر الكثير من الأطعمة ،الفرحة تغمرها اليوم سوف تطل الشمس على منزل"الباشا"،منذ مغادرة نوح والظَلام تَمكن من المنزل ،والأن بعد أثنا عشر عامًا عادت العائلة كما كانت ،بل زادت أفرادًا .


كان "عبدالعظيم "يستند بجِذعه على الحائط في مقدمة المطبخ ،يستنشق رائحة الطعام التي كانت يستنشقها منذُ أعوام .


هل زوجته سوف تسامحهُ على ما حدث منه !؟غياب طفلها أعوام وعوده شاب مقبل على الثلاثين من عُمره ؟لكن هو طفله معها ،كان يُريد أن يكون مهندساً مشهورًا ،لكن عاد وهو يحقق حلمه ويتفوق على الجميع ،يكفي أنه فعل شئ يُحبه .


-مالك يا عبدالعظيم هتفضل واقف تبصلي كده كتير ولا ايه ؟

كانت "وفاء"تتحدث وهى تقطع حبةً البصل،تُلاحظ نظراته دون كَلام.





عقد يداه أمام صدره وأخذ نفس عميق واردف 

-حاسس إني واقف في المطبخ من اتناشر سنة ،ريحة الفول اللي بتعمليه بمزاج علشان خاطر نوح بيحبه ،بعد ما نوح مشي كُنتِ بتعمليه مره في الشهر ممكن ،العسل والطحينة اللي صحيتي مخصوص نزلتي جبتيه من نفس الراجل اللي نوح كان بيجيب من عنده ،قد ايه أنا ظلمتك قبل ما أظلم نُوح ،كُنت سبب إني ابعد ابنك عنك سنين .


كانت "وفاء"تستمع له كان الجرح ينزف من جديد ،وليس جرح أغلق عليه مُنذ أعوام ،أغمضت عينيها بشدة،وهى تتذكر أول يوم ترك فيه نوح المنزل كيف مر عليهم .


-خلاص بقا يا عبدالعظيم ،اللي حصل حصل ،المُهم أن احنا سوا وخلاص ،يلا بقا نكمل الفطار ،لحد ما يصحوا الولاد .


اقترب منها وهو يمسك الفراش الذي يضعه على السُفرة وهم بالحديث 

-البنت اللي أبنك اتجوزها دي لو رجعت ليها الذاكرة تبقى كارثه على راس ابنك ،هو اللي هينضر 


اقتربت سريعًا وضع كفها على فاه وهتفت 

-باس أسكت لتسمعك،هو هيتصرف ،الصراحة البنت كويسه ولطيفة وشكلها يا حبة عيني عاشت أيام زفت ،معرفش ايه اللي حصل بس هو هيحصل مشكلة لما تفتكر بس خير ،يارب تكون حبته .


………….


في غرفة "نوح"

كانت "موج" استيقظت قبل عدة دقائق ،وقفت أمام مكتب نوح وجدت عليه جميع كُتب الثانويه العامة مازلت في مكانها،كأنه أمس ،جلست على المقعد وقامت بفتح أحد الأدراج ،أخرجت دفتر صغير ،يغمره الأتربه والغبار .


أخذت محرمة تُزيل الأتربة ،وقامت بفتح الصفحةُ الأولى وجدت تصميمات نوح القديمة ،وأسفل كُل تصميم يوجد بعض الجُمل تصف التصميم .


كان التصميمُ كَنزةً صغيرةً من الصوف الناعم، نُسجت بخيوطٍ متشابكةٍ كأنها تحتضن الدفء،كانت الألوان تُبرزها كأنها واقعية .


وتوالت الصفحاتُ بعد ذلك، فإذا بها تَكشفُ عن تصميمٍ لطفلة صغيرة،فستانٍ رقيقٍ يزدانُ بزهورٍ مطرَّزةٍ على أطرافه، يبعث في الناظر إحساسًا بالبراءة والبهجة.


أسفله يُدون بعضُ الكلمآت "سوف يَكون هذا أول رِداء لطفلتي الأولى ،أول من يضع على جسدها الصغير ،مثل عناقي الأول لها ،سوف يكون الرِداء الأول لها "

                                "نوح والدك أيُها الصغيرة سوف أنتظرك على أحر من الجمر ،سوف أختار والدتك بعناية واضحة ،حتى أقع في حُبها مرتين ،مرة عند اللقاء بها ،وأخرى عندما تأتي أنتِ"


كانت منسجمة مع الكلمات ،لم تشعُر به عند إفاقته من النوم ،وجاء خلفها وجدها تقرأ كلماته ،تمتم بهدوء حتى لا يخيفها 

-عجبك الكلام ؟






استدارت ونظرت لوجه ،خُصلاته الغير مرتبه ،دقنه التي أصبحت أجمل عندما كبُرت قليلًا ،ابتسامته الخفيفة ،وهتفت .

-جميل أوي 


أراد مشاكستها ،رد 

-أنا ولا الكلام ؟؟ 


رد عليه بمرح 

-أكيد الكلام يعني 


أستمع حديث والدته من الخارج وهى تقول "يلا يا نوح ،يا موج الفطار يا ولاد ،يا سامح أنت وسما ،حد يشوف نوح الصغير ها يصحى ولا زي كل مره"


ابتسم نوح بسعادة وتعالت صوت ضحكته ،حتى نظرت إليه موج بغرابه وهتفت 

-غريبة بتضحك على اي ؟


ابتسم حتى ظهرت أسنانه بوضوح 

-أصل وأنا صغير كانت أمي على طول تصحينى كده ،يلا يا عبدالعظيم  يلا يا ولاد الفطار جاهز ،يا عمي حد يشوف نوح هيقوم ولا لا ،تقريبا كده نوح الصغير كبر وجه بدالي نسخه تانية نوح ابن سما ،تقريبًا كده الزمن بيعيد نفسه من تاني،يلا قومي غيري هدومك عقبال ما اصحي نوح ،وهنرجع الڤيلا بعد الفطار ،كفاية كده علشان عندي شُغل .


قال ذلك واقترب يضُم وجهها بين يده يقبل وجنتيها ،ثم اتجهه إلى نوح .


…………

بعد مرور عشرين دقيقة ،كان الجميع يجلس حول السُفرة ،عبدالعظيم على المُقدمة على يمينه نوح ،وموج ،على اليسار سامح ،وسما ،و وفاء  .


كانت وفاء كُل دقيقة تقف تضع الطعام في طبق نوح لاحظ الجميع سعادتها بعودة نوح .


هتف سامح بجدية 

-نوح أنت ناوي تفضل في مصر ولا ترجع سويسرا تاني؟


نظرت وفاء إلى نوح بصدمة ،كيف !؟يتركها مره أخرى ؟انتظرت رده .


أخذ نوح كأس الماء ارتشف منه القليل ثم هتف 

-لا ناوي أشتغل هنا أكتر ،بس سويسرا حاجة تانية عالم الموضة حاجة بعيدة عن مصر طبعًا ،بس شركة سويسرا شغاله طبيعي كأني موجود بالظبط ،وكُل شهر أو أكتر أسافر كام يوم 

ونظر إلى موج قائلًا 

-وبالمره أعمل شهر عسل كُل فترة 


اكتفت موج بابتسامه بسيطة ،وقامت سما بالتصفيق له 

-ايوه ياعم الرومنسي 


ابتسم نوح على حديثها ،وظل الحديث بينهم حتى انتهوا من الفطور .

بعد قليل استأذن نوح وموج ،لأن نوح يلتزم بمواعيد عمل .


……………

بعد مرور عدة ساعات 

كان "نوح" في مكتبة ،ينظر إلى الأوراق التي أمامه ،دق الباب ودلف مُعتصم بعد ما سمح له بالدخول 

-فينك ياعم هو الجواز بيخطف كده ؟


-لا ياعم ،أصلي بايت في البيت القديم مع أمي وأبويا وأختي جت ،وكمان موج ،المُهم سليمان جالي البيت 


صدم معتصم من حديثه وجلس على أقرب مقعد وهتف 

-يعني إي جالك البيت ،هي البجاحة وصلت لحد كده ولا اي .


-هو دا اللي حصل ،علشان كده عاوزك تزود الحراسة على موج من غير ما تحس وعلى الڤيلًا ،وعاوز كاميرات في كُل رُكن في الشركة ،حتى مكان البوفية والمطاعم اللي تحت تمام يا معتصم .


أوما له معتصم برأسه وهو يفهم خطورة الموقف جيدًا وهتف 

-طب كويس جدًا ،المهم بقا الشركة في سويسرا لازم تسافر تقعد على الأقل كام يوم هناك متنساش إن دي الشركة الأم حاول تسافر ،علشان الناس اللي هناك متفكش من ادينا .


-فاهم يا معتصم حاضر في أقرب وقت هسافر 

غادر معتصم وقد ارتسم على وجهه مزيجٌ من العزم والاطمئنان، ظل  نوح جالسًا أمام مكتبه، يطالع الأوراق بعينٍ دقيقة، يتفحّص الأرقام والتصميمات كأنّه ينقّب عن سرٍّ خفيّ.

………….

عاد نوحُ من عمله وقد أرخى الليلُ ستاره على المدينة، كان الشارعُ يزين بأضوائه الخافتة، ودلف إلى المنزل وهو يشعر بثقل يومٍ طويل. 

ما لبث أن لاح له أثرُ ضوءٍ دافئٍ يتسلّل من تحت بابِ الغرفةِ التي اعتاد أن يجلسوا فيها ،ضوءٌ خافتٌ، ورائحةُ قهوةٍ  بلمسةِ ياسمينٍ، وأنغامٌ هادئةٌ تترنّم في الخلفية.


دلف نوح وهنا هدأت الموسيقى كأنّها تنتظر لحظته، فرأى موج قد أعدّت له مفاجأةً بسيطةً،سفرة صغيرة على الأرض، وسجادةٌ ناعمة، ووسائدٌ متناثرة، وشموعٌ تترنّم بلهيبٍ صغير. 

كانت موجٌ تقفُ قبالته بزيٍّ يرتاحُ له نور الشمع، وعيناهما تلتقيان قبل أن يعلنا أي كلمة.





وقف نوح للحظةٍ يتأمّل ثم ابتسم ابتسامةً خففها التعب، ومال إليها بخطواتٍ هادئة.


— إنتِ عاملة كده ليه؟

قالها نوحُ بلهجة، وكأن السؤال ليس عن السبب بل عن الاحداث

ردّت موج بصوتٍ منخفض ومليء بالمزاح والصدق 

— عشان اشتقتلك وأحبّك ترجع تلاقي مكان يعيّش القلب شوية.


اقترب نوحُ منها حتى وصل إليها مدّت موجُ يدها لتمسك كفَّه، فلمسَها بحب وأغلق على يدها بحب ؛ كان اللمسُ قصيرًا لكنه كان كفيلاً بأن يوقظ أشياءَ منسية.


— تعال قعد معايا هنا شوية، خلِّي الدنيا برا تمشي.

قالت وهي تشير إلى الوسائد.

جلسا متقابلين، فمدّ نوحُ ظهره على الوسائد، ومدّت هي قدمها لتستلقي متمددةً وكأنهما في سماءٍ صغيرةٍ خاصّةٍ بهما. 

التقت أنفاسُهما؛ وكان الكلام بينهما ينزلق  إلى همساتٍ تكادُ تكون مسموعة 


— أنا كنت بفكّر فيك طول النهار.. وانتِ عارفة قد ايه؟


لم تَكن هناك عجلةٌ؛ كانت اللحظات تُطوى كما تُطوى صفحات كتابٍ محبوب.

يقاصّان أحاديثٍ صغيرةً عن نهارِه وعن ما صنعَتْه، وعن أغربِ حلمٍ رآه أحدهما. 

ثم مال نوحُ في اتجاهِ موج، ولم تكن سوى قُبلةٍ هادئةٍ، طويلةٍ بما يكفي لتخبرَ أنّ الكلام قد اكتفى للحظة.


-نوووح …..نوح….


فاق نوح من غفوته ونظر أمامه وجد نفسه في السيارة لم ينزل ،وكان جميع ما يحدث هو مُجرد حُلم فقط .

وجه الحديث لنفسه 

-اخرتها بتحلم بيها وأنت صاحي ،كمان نادت علي في وقت رخم ماشي يا موج .

خرج من السيارة وهو ينظر إلى الأعلى وجدها تطل عليه من الشرفة 

-طالع يا موج ،كان معايا مُكالمة شُغل بس 


……………..


-لقتها لقيت العنوان 

هبت واقفه عن مقعدها وهى تسرع إليه وتقول 

-انطق ياض …لقتها فين المخفيه دي …هيا ولا خد شبها 

_لا هيا …لقتها قاعدة في بيت واحد اسمه نوح الباشا ….


يتبع………

 #سفر_كرياتور

#ندا_الشرقاوي


         الفصل السادس عشر من هنا

لمتابعة باقي الرواية زوروا قناتنا على التليجرام من هنا     

تعليقات
تطبيق روايات
حمل تطبيق روايات من هنا



×